قال علوان: أهلا فكري باشا. - إذا قلت لي أنت يا باشا فماذا أقول لك؟ يا سمو الأمير!
ويضحك علوان ملء فمه ويقول: أنا أريدك باشا فعلا. - أنا طوع أمرك. - أنت تذهب كل ليلة إلى الكباريه. - نعم. - لا تعجبني جلستك هناك. - لماذا يا سعادة البك هل عملت شيئا؟ - الذي لا يعجبني أنك لا تعمل شيئا. - مثل ماذا؟ - عقد ورق لهذه الراقصة، هدية لهذه المغنية، تحية لهذا، كأس ويسكي لآخر. - ولكن يا سعادة ... ولكن ... - أعلم، اسمع، أنت وحمدي ستذهبان غدا في عملية من أجلي ستتم، وتعال قابلني بعدها. - أمرك. - واسمع. - نعم. - خذ هذا أبقه معك. - ما هذا يا سعادة ... - مفتاح الشقة التي تذهب إليها كل ليلة دون رحمة أو شفقة، لدرجة أن الشقة كادت تقدم لي استقالة، فهي ليست متعودة على العمل يوميا، أبق المفتاح معك، فقط اسمع. - نعم. - يكون معك دائما لأنك لا تأمن أن أطلبه منك على غير انتظار. - أمرك يا سعادة البك وألف شكر، أطال الله عمرك. - مع السلامة. •••
في السيارة قال فكري: علوان بك بحاله يحتاج إلى سيارتي المسكينة هذه. - كل الحاجة. - أنا أعتقد أن عنده بدلا من السيارة عشر سيارات. - وعشرين إذا أراد. - إذن فما حاجته إلى ... - سيارة لا يعرفها أحد. - ماذا؟ - ألم تسمع؟ - سمعت ولكن ما زلت مندهشا. - سيارتك باسم شخص ابن تاجر كبير واسمه لا يمكن أن يتطرق إليه شك. - شك فيم؟ إلى أين سنذهب؟ - ألم تفهم؟ - الآن أكاد أفهم. - إذن. - مصيبة! - وأي مصيبة في هذا؟ - جناية، أشغال شاقة مؤبدة! - كلام فارغ. - استعملتها كثيرا وعلوان بك يريدها أن تختفي بعض الوقت. - ألا تخاف يا حمدي؟ - إذا خفت أحرم من هذه الحياة التي أعيشها، والتي لم يصل إليها أبي أو أبوك إلا بعد أن شاخ كل منهما وأصبح لا يعرف كيف يعيش. - ولكن أبي وأباك يعيشان في أمان. - الدنيا مغامرة والفلوس إذا لم تأت إليك وأنت في عز الشباب فلا داعي لها.
وسكت فكري لحظات ثم قال: عندك حق. - أتدري كم آخذ في العملية الواحدة؟ - كم؟ - خمسة آلاف جنيه. - يا نهار أسود. - وأنا؟ - ستأخذ مثلي وربما تأخذ أكثر في أول عملية. - لم أمسك مثل هذا المبلغ في حياتي. - ستمسكه وترميه أيضا. - قل لي أين هشام؟ - لا أدري، له أيام لم يكلمني، وكلما سألت عنه قال أبوه إنه مسافر. - عجيبة، أنا أيضا لم أره منذ بضعة أيام.
الفصل الثالث عشر
حين عين مجدي بالسكة الحديد كان طبيعيا، وقد عرفوا أنه يسكن المعادي، أن يعمل مهندسا بخط حلوان، وكان طبيعيا أن يلتقي بالأستاذ درديري إسماعيل المسئول الإداري عن قطع الغيار التي لا يستطيع مهندس أن يعمل بدونها، وكان طبيعيا أيضا أن يتحدثا معا عن الأصدقاء المشتركين لكليهما، وعرف الأستاذ درديري أن مجدي يعرف ابنه وأنهما كانا في مدرسة واحدة، وأحس مجدي الفيجعة التي يشعر بها الأستاذ درديري أن ابنه يتعثر في المدارس، وأنه حين نال الثانوية العامة نالها بلا مجموع، وأنه إما أن يعيد السنة أو يبحث عن معهد، ويقول درديري: بعيد عنك يا باشمهندس التأم مع اثنين صائعين لا يتركهما ولا يتركانه.
ويقول مجدي: تقصد فكري فؤاد وحمدي الفنجري. - قطعا. - ولكن هذين لهما أبوان يستطيعان أن يجعلاهما يعملان بالأعمال الحرة. - ولهذا جاءني منذ كم يوم يقول لي إنه سيعمل مع الولد الفنجري، فانفجرت فيه يا باشمهندس وأقسمت بالطلاق إنني إن سمعت اسم واحد منهما في البيت، سأطرده وأجعله يضيع في الشوارع.
وقال مجدي: ألم تتعجل بعض الشيء يا عم درديري؟ - مطلقا. - ألا تخشى أن يعمل مع الفنجري ويترك البيت فعلا؟ - يا نهار أسود ... فعلا ... الولد لم يطلب حتى مصروفا منذ أكثر من شهر ... فعلا. - خففت الوطأة عليه بعض الشيء. - لا حول ولا قوة إلا بالله، إذن من أين يأتي بالفلوس؟ - ألا تعرف، أغلب الأمر أنه يعمل مع صديقه، وأي بأس في ذلك؟ المسألة لا تستاهل كل هذا الغضب. - يعمل مع صديقه؟ وهل صديقه يعمل ... إنه ضائع يأخذ مرتبا من أبيه بلا عمل، هذا لأنه أبوه ... أتراه سيعطي ابني هو أيضا بلا عمل؟ - ولماذا بلا عمل يا عم درديري ... قد يكون حمدي رجا أباه من أجل صديقه، واشترط الأب أن يعمل هشام. - على الله ... على الله ... على كل حال بلاء أخف من بلاء.
الفصل الرابع عشر
أقيم فرح رائع للمهندس مجدي أبو الروس نجل الوجيه الأمثل سويلم أبو الروس على ذات الصون والعفاف الآنسة سميحة فريد كريمة السيد الأستاذ فريد عبد القادر، وازدحم المكان بالمدعوين يستقبلهم فريد وسويلم وفؤاد وزوجاتهم، فوهيبة ما زالت تعتبر أن الفرح فرح ابنها، وتمت الزفة ودقت الطبول والمزامير وقدم الفنانون ما لديهم، ولكن في هذا الزحام رجل يجلس لا يحس من حوله شيئا، الدنيا حوله دوار والفرح ضجيج والحياة يأس والغد سواد، وهو يريد أن يقول ما جاء من أجله ويمضي، ولكن هيهات وكيف له أن يصل إلى ما يريد.
अज्ञात पृष्ठ