. . . . . بَحْرُ النَّدَى (١) بَلَلُ الصَّدَى (٢) ... مُسْقِي الْعِدَى (٣) كَاسَ الرَّدَى (٤) الصِّرْفِ (٥) بِالْمَجْرِ (٦)
_________
(١) «أي شديد السخاء، والكرم، فكان ﷺ يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، قال ابن منظور في اللسان مادة (ندى): [النَّدَى: السَّخاء والكرم، وتندَّى عليهم ونَدِيَ تَسَخَّى، وأَنْدى نَدًى كثيرًا كذلك. وأَنْدَى عليه: أَفضل. وأَنْدَى الرَّجلُ: كثر نداه، أَي عَطاؤه، وأَنْدَى إذا تَسَخَّى وأَنْدَى الرجلُ إذا كثر نَداه على إخوانه، وكذلك انْتَدى وتَنَدَّى وفلان يَتَنَدَّى على أَصحابه، كما تقول: هو يَتَسخَّى على أَصحابه، ولا تقل يُنَدِّي على أَصحابِه. وفلان نَدِي الكَفَّ إذا كان سَخِيًّا، ونَدَوتُ من الجُود. ويقال: سَنَّ للناس النَّدَى فنَدَوْا، والنَّدَى: الجُود، ورجل نَدٍ أَي جَوادٌ، وفلانٌ أَنْدَى من فلان إذا كان أَكثر خيرًا منه، ورجلٌ نَدِي الكفِّ إذا كان سخيًّا، وقال:
يابِسُ الجنْبَيْنِ مِنْ غَيْرِ بُوسٍ ... ونَدِي الكَفَّيْنِ شَهْمٌ مُدِلُّ
وحكى كراع: نَدِيُّ اليد وأَباه غيره. وفي الحديث: بَكْرُ بن وائلٍ نَدٍ أَي سَخِي.].
(٢) «أي العطش، وانظر اللسان مادة (صدى).
(٣) «أي الأعداء، قال ابن الأثير في النهاية باب العين مع الدال: [العِدى بالكسر: الغُرَباء والأجَانِبُ والأعْدَاء. فأما بالضم فهم الأعْدَاء خاصَّة.].
(٤) «أي الهلاك، قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة في (باب: الراء والدال، وما يثلثهما): [الردى وهو الهلاك يقال ردي يردى إذا هلك وأرداه الله أهلكه].
(٥) الصِّرْف: الخالص من كل شيء. وانظر اللسان مادة (صرف)، وهو هنا صفة للردى، والمعنى: الهلاك الخالص.
قال فتيان الشاغوري:
هُوَ المَلِكُ الخاضِبُ البيض بِالـ ... نَجيعِ وَسُمرَ القَنا وَالمَذاكي
يَخوضُ بِهِ الطِّرفُ نَحوَ الوَغى ... فَيُسعِرُ بِالسَيفِ نارَ الهَلاكِ
يُذيقُ العِدا كَأسَ صِرفِ الرَّدى ... بِضَربٍ تُؤامٍ وَطَعنٍ دَراكِ
(٦) أي الجيش الضخم، قال الخليل بن أحمد في العين مادة (مجر): [المَجْرُ: الدُّهْمُ وهم قَومٌ في حَرْبٍ عليهم السِّلاحُ قال:
(جئنا بدَهْمٍ يَدْحَرُ الدُّهُوما ... مَحْرٍ كأنَّ فَوْقَه النُّجُوما)
وقيلَ للجَيْش الضَّخْم: مَجْر.].
ومعنى هذا الشطر كما يظهر لي، والله أعلم، أن الناظم يمتدح النبي ﷺ أنه يذيق - بمشيئة، ومعونة الله - الأعداء كأس الهلاك الخالص، بالجيوش الضخمة، وقد يكون الناظم يقصد ظاهر البيت، فيكون إشارة إلى كثرة أتباع النبي ﷺ، وقد يكون مراده أن النبي ﷺ قد خصه الله ﷿ بأنواع أخرى من الجنود، كأن يقذف الرعب في قلوب أعدائه مسيرة شهر، فينهزموا من جراء ذلك، أو أن ذلك إشارة إلى تأييد الله ﷿ له بالملائكة، وبما أيده به من المعجزات في الحرب كما ورد في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه (٣/ ١٤٠٢) (١٧٧٧) من حديث سلمة بن الأكوع ﵁ قال: [غزونا مع رسول الله ﷺ حنينا فلما واجهنا العدو تقدمت فأعلو ثنية، فاستقبلني رجل من العدو، فأرميه بسهم، فتوارى عني، فلما دريت ما صنع، ونظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى، فالتقوا هم، وصحابة النبي ﷺ فولى صحابة النبي ﷺ وأرجع منهزما، وعلى بردتان متزرا بإحداهما مرتديا بالأخرى، فاستطلق إزاري، فجمعتهما جميعا، ومررت على رسول الله ﷺ منهزما، وهو على بغلته الشهباء، فقال رسول الله ﷺ: (لقد رأى ابن الأكوع فزعا) فلما غشوا رسول الله ﷺ نزل عن البغلة، ثم قبض قبضة من تراب من الأرض، ثم استقبل به وجوههم فقال: (شاهت الوجوه) فما خلف الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة، فولوا مدبرين، فهزمهم الله ﷿ وقسم رسول الله ﷺ غنائمهم بين المسلمين].
وأما قول بن الأكوع ﵁ في هذا الحديث: (ومررت على رسول الله ﷺ منهزما) فعلق عليه النووي في الشرح فقال: [ولم يرد أن النبي ﷺ انهزم، وقد قالت الصحابة كلهم ﵃ أنه ﷺ: ما انهزم. ولم ينقل أحد قط أنه انهزم ﷺ في موطن من المواطن، وقد نقلوا إجماع المسلمين على أنه لا يجوز أن يعتقد انهزامه ﷺ ولا يجوز ذلك عليه، بل كان العبا، س وأبو سفيان بن الحارث آخذين بلجام بغلته يكفانها عن إسراع التقدم إلى العدو، وقد صرح بذلك البراء في حديثه السابق والله أعلم.].
1 / 68