ومنها أنه يلزم أن لا يكون الله تعالى محسنا إلى العباد ولا منعما عليهم ولا راضيا لهم ولا كريما في حق عباده ولا جوادا. وكل هذه تنافي نصوص الكتاب العزيز والمتواتر من الأخبار النبوية وإجماع الخلق كلهم من المسلمين وغيرهم فإنهم لا خلاف بينهم في وصف الله تعالى بهذه الصفات على سبيل الحقيقة لا على سبيل المجاز. وبيان لزوم ذلك أن الإحسان إنما يصدق لو فعل المحسن نفعا لغرض الإحسان إلى المنتفع فإنه لو فعله لا كذلك لم يكن محسنا وبهذا لا يوصف مطعم الدابة لتسمن حتى يذبحها بالإحسان في حقها ولا بالإنعام عليها نهج الحق ص: 90و لا بالرحمة لأن التعطف والشفقة إنما يثبت مع قصد الإحسان إلى الغير لأجل نفعه لا لغرض آخر يرجع إليه وإنما يكون كريما وجوادا لنفع الغير للإحسان وبقصده ولو صدر منه النفع لا لغرض لم يكن كريما ولا جوادا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. فلينظر العاقل المنصف من نفسه هل يجوز أن ينسب ربه عز وجل إلى العبث في أفعاله وأنه ليس بجواد ولا محسن ولا راحم ولا كريم نعوذ بالله من مزال الأقدام والانقياد إلى مثل هذه الأوهام.
ومنها
أنه يلزم أن يكون جميع المنافع التي جعلها الله تعالى منوطة بالأشياء غير مقصودة ولا مطلوبة لله تعالى بل وضعها وخلقها عبثا فلا يكون خلق العين للإبصار ولا خلق الأذن للسماع ولا اللسان للنطق ولا اليد للبطش ولا الرجل للمشي وكذا جميع الأعضاء التي في الإنسان وغيره من الحيوانات ولا خلق الحرارة في النار للإحراق ولا الماء للتبريد ولا خلق الشمس والقمر والنجوم للإضاءة ومعرفة الليل والنهار للحساب وكل هذا مبطل للأغراض والحكم والمصالح ويبطل علم الطب بالكلية فإنه لم يخلق الأدوية للإصلاح ويطل علم الهيئة وغيرها ويلزم العبث في ذلك كله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
पृष्ठ 45