المطلب الثالث في حدوثه العقل والسمع متطابقان على أن كلامه تعالى محدث ليس بأزلي لأنه مركب من الحروف والأصوات ويمتنع اجتماع حرفين في السماع دفعة واحدة فلا بد أن يكون أحدهما سابقا على الآخر والمسبوق حادث بالضرورة والسابق على الحادث بزمان متناه حادث بالضرورة وقد قال الله تعالى ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث. وخالفت الأشاعرة جميع العقلاء في ذلك فجعلوا كلامه تعالى قديما لم يزل معه وأنه تعالى في الأزل يخاطب العقلاء المعدومين. وإثبات ذلك في غاية السفه والنقص في حقه تعالى فإن الواحد منا لو جلس في بيت وحده منفردا وقال يا سالم قم ويا غانم اضرب ويا سعيد كل ولا أحد عنده من هؤلاء عده كل عاقل سفيها جاهلا عادما للتحصيل فكيف يجوز منهم نسبة هذا الفعل الدال على السفه والجهل والحماقة إليه تعالى. نهج الحق ص : 62و كيف يصح منه تعالى أن يقول في الأزل يا أيها النس اعبدوا ربكم ولا مخاطب هناك ولا ناس عنده ويقول يا أيها الذين آمنوا وأقيموا الصلاة ولا تأكلوا أموالكم ولا تقتلوا أولادكم وأوفوا بالعقود. وأيضا لو كان كلامه قديما لزم صدور القبيح منه تعالى لأنه إن لم يفد بكلامه في الأزل شيئا كان سفيها وهو قبيح عليه تعالى وإن أفاد فإما لنفسه أو لغيره والأول باطل لأن المخاطب إنما يفيد نفسه لو كان يطرب في كلامه أو يكرره ليحفظه أو يتعبد به كما يعبد الله بقراءة القرآن وهذه في حقه تعالى محال لتنزهه عنها والثاني باطل لأن إفادة الغير إنما تصح لو خاطب غيره ليفهمه مراده أو يأمره بفعل أو ينهاه عن فعل ولما لم يكن في الأزل من يفيده بكلامه شيئا من هذه كان كلامه سفها وعبثا وأيضا يلزمه الكذب في إخباره تعالى لأنه لو قال في الأزل إنا أرسلنا نوحا أوحينا إلى إبراهيم وولقد أهلكنا القرون وضربنا لكم الأمثال مع أن هذه إخبارات عن الماضي والإخبار عن وقوع ما لم يقع في الماضي كذب تعالى الله عنه وأيضا قال الله تعالى إنما قولنا لشي ء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون فه إخبار عن المستقبل فيكون حادثا
المطلب الرابع في استلزام الأمر والنهي الإرادة والكراهة
كل عاقل يريد من غيره شيئا على سبيل الجزم فإنه يأمر به فإذا كره الفعل فإنه ينهى عنه وإن الأمر والنهي دليلان على الإرادة والكراهة. وخالفت الأشاعرة جميع العقلاء في ذلك وقالوا إن الله تعالى يأمر دائما بما لا يريده بل بما يكرهه وإنما ينهى عن ما لا يكرهه بل عما يريده. وكل عاقل ينسب من يفعل هذا إلى السفه والجهل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا
المطلب الخامس في أن كلامه تعالى صدق
اعلم أن الحكم يكون كلام الله تعالى صادقا لا يجوز عليه الكذب إنما يتم على قواعد العدلية الذين أحالوا صدور القبيح عنه تعالى من حيث الحكمة ولا يتمشى على مذهب الأشعرية لوجهين الأول أنهم أسندوا جميع القبائح إليه تعالى وقالوا لا مؤثر في الوجود من القبائح بأسرها وغيرها إلا الله تعالى ومن يفعل أنواع الشرك والظلم والجور والعدوان وأنواع المعاصي والقبائح المنسوبة إلى البشر كيف يمتنع أن يكذب في كلامه وكيف يقدر الباحث على إثبات كونه صادقا الثاني أن الكلام النفساني عندهم مغاير للحروف والأصوات ولا نهج الحق ص 64طريق لهم إلى إثبات كونه تعالى صادقا في الحروف والأصوات
पृष्ठ 24