يومًا قبل أن يحال بيني وبين ملكي فقلت يا أمير المؤمنين افعل ذلك فقال اغد عليّ في غد، قال فانصرف وغدا عليّ رسوله في السحر فجئت إليه وهو في صحن داره
وعليه جبة وأشياء مذهبة تتألق وعمامة مثلها ما رأيت لأحد قط مثل ذلك وتحته كرسي من ذهب مرصع بالجواهر فدعا لي بكرسي فجلست عليه عن يساره، ثم قال لخادم على رأسه ادع لي فلانة وفلانة حتى عد أربعة جوار ما منهن جارية إلا وأنا أعرف حذقها وجودة غنائها فخرجن وجلسن عن يمينه، ثم قال يا غلام عليّ برطل فأتى برطل وجام بلور مكلل بالجواهر فالتفت إلى التي عن تليه، وقال لها غني فضربت ضربًا حسنًا وغنت بشعر الوليد بن عقبة بن أبي معيط:
هم قتلوه كي يكونوا مكانه ... كما قتلت كسرى بليل مراز به
بني هاشم ردوا سلاح أخيكم ... ولا تنهبوه لا تحل مناهبه
قال فرمى بالجام في وسط الدار، ثم قال لعنك الله ما هذا؟ قالت والله يا سيدي ما جاء على لساني غير هذا، ثم التفت إلى الغلام وقال له اسقني فأتاه بجام مثل الأول فقال للثانية غني فغنت ما قيل في كليب بن وائل:
كليب لعمري كان أكثرا ناصرًا ... وأيسر ذنبًا منك ضرج بالدم
فرمى بالجام من يده في صحن الدار فكسره، ثما قال يا غلام عليّ برطل، وقال للثالثة غني فغنت:
أتقتل عمرًا لا أبا لك شاردا ... وتزعم بعد القتل أنك هارب
فلو كنت بالأقطار ما فتّ ضربتي ... وكيف تفوت الحين والدم طالب
قال فرمى بالجام وقال يا غلام عليّ برطل، وقال للرابعة غني فغنت:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا ... صروف الليالي والخطوب الزواجر
قال فالتفت إليّ وقال قد سمعت، هذا أمر يريده الله ﷿ قال فما مضت أيام حتى رأيت رأسه معلقًا على القصر.
حكاية: عن الأوزاعي، قال بعث إليّ المنصور وقال لم أبطأت عنا قلت وما تريد من قال لأستفيد منكم فقلت له مهلًا فإن عروة بن رويم أخبرني أن رسول الله ﷺ قال (من جاءته موعظة من ربه فقبلها شكر الله له ذلك ومن جاءته ولم يقبلها كانت عليه حجة يوم القيامة) مهلًا فإن
1 / 42