नफ तिब
نفخ الطيب من غصن الأندلس الرطيب
संपादक
إحسان عباس
प्रकाशक
دار صادر-بيروت
प्रकाशक स्थान
لبنان ص. ب ١٠
اختاروا أرصادها، وأودعوا تلك الطّلّسمات تابوتًا من الرخام، وتركوه في بيت بطليطلة، وكّبوا على ذلك الباب قفلًا تأكيدًا لحفظ ذلك البيت، فاستمر أمرهم على ذلك " (١) .
ولمّا حان وقت انقراض دولة من كان بالأندلس ودخول العرب والبربر إليها، وذلك بعد مضي ستة وعشرين ملكًا من ملوكهم من تاريخ عمل الطلسمات بطليطلة، وكان لذريق المذكور آنفًا هو تمام السابع والعشرين من ملوكهم، فلمّا اقتعد أريكة الملك قال لوزرائه وخواص دولته وأهل الرأي منهم: قد وقع في نفسي من أمر هذا البيت الذي عليه ستة وعشرون قفلًا شيء، وأريد أن أفتحه لأنظر ما فيه، لأنه لم يعمل عبثًا، فقالوا: أيها الملك، صدقت، إنه م يصنع عبثًا، ولم يقفل سدىً، والرأي والمصلحة أن تلقي أنت أيضًا عليه قفلًا أسوة بمن تقدمك من الملوك، وكان آباؤك وأجدادك لم يهملوا هذا فلا تهمله، وسر سيرهم، فقال لهم: إن نفسي تنازعني إلى فتحه، ولا بد لي منه، فقالوا له: إن كنت تظن أن فيه مالًا فقدّره ونحن نجمع لك من أموالنا نظيره، ولا تحدث علينا بفتحه حادثًا لا تعرف عاقبته؛ فأصرّ على ذلك، وكان رجلًا مهيبًا، فلم يقدروا على مراجعته، وأمر بفتح الأقفال، وكان على كل قفل مفتاحه معلقًا، فلمّا فتح الباب لم ير في البيت شيئًا إلاّ مائدة عظيمة من ذهبٍ وفضةٍ مكلّلةٍ بالجواهر، وعليها مكتوب: هذه مائدة سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام، ورأى في البيت ذلك التابوت، وعليه قفل، ومفتاحه معلّق، ففتحه، فلم يجد فيه سوى رقّ، وفي جوانب التابوت صور فرسان مصورة بأصباغ محكمة التصوير على أشكال العرب، وعليهم الفراء، وهم معمّمون على ذوائب جعدٍ، ومن تحتهم الخيل العربية، وهم متقلدون السيوف المحلاّة، معتقلون الرماح، فأمر بنشر ذلك الرّقّ، فإذا فيه: متى فتح هذا البيت وهذا
(١) ابن خلكان: وركبوا على ذلك البيت بابًا وأقفلوه، وتقدموا إلى كل من ملك منهم بعد صاحبه أن يلقي على ذلك ذلك الباب قفلًا ... الخ.
1 / 247