يثبت القياس يجب ألا يعرف ذلك ، ولو ورد التعبد بالمنع من القياس لكان يجب ألا يكون ما ذكرناه مفهوما ، ونحن نعلم ضرورة أن قولهم : «فلان مؤتمن على القنطار» أبلغ من قولهم : «إنه مؤتمن على كل شيء» ، وقولهم : «ما يملك نقيرا ولا قطميرا» أبلغ من قولهم : «إنه لا يملك شيئا» ، وإنما اختصروا للبلاغة والفصاحة ، ولهذا يعدون مناقضا من قال : «لا تقل له أف ، واستخف به» ، أو قال : «فلان لا يملك نقيرا ، ومعه ألوف الدنانير».
وأما طريقة التعليل ؛ فأكثر ما فيها أن يعقل من قوله عليه السلام : «إنها من الطوافين عليكم والطوافات» تعليق الحكم بهذه الصفة ، فمن أين تعديه إلى كل ما كانت له هذه الصفة ، وذلك إنما يكون بالعبادة بالقياس ، وإلا لم يكن مستفادا.
فأما الزجر ؛ فالأولى أن يكون قوله تعالى : ( والسارق والسارقة ) (1) إذا ثبت أنه زجر عن السرقة أن القطع إنما كان لأجل السرقة. والأغلب في العادة والتعارف أن من أوجب شيئا ، فقد أوجب ما لا يتم إلا به.
فأما ما لا يستقل بنفسه ، ويحتاج إلى بيان ؛ فهو على ضربين :
أحدهما : يحتاج إلى بيان ما لم يرد به مما يقتضي ظاهره كونه مرادا به كقوله تعالى : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) (2) و ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) (3). وقد ذهب قوم إلى أن ذلك كالمجمل في أن ظاهره لا يدل على المراد ، وهذا الوجه له باب مفرد يذكر في موضعه والخلاف فيه ، بمشية الله ، ويدخل في هذا القسم النسخ ؛ لأن الدليل المتقدم إذا علم بلفظه أو بقرينة أن المراد به الامتثال في جميع الأوقات المستقبلة ؛ فلا بد من الحاجة إلى بيان ما لم يرد به ، مما يفيده النسخ. ويدخل في هذا القسم ضروب المجازات ؛ لأن الخطاب إذا ورد ، فلو خلينا وظاهره ؛ لاقتضى ما لم يرد منا ، فلا بد من الحاجة إلى البيان.
पृष्ठ 160