مجرى نقل الكلام ؛ لأن الجني إذا نقل إلينا كلاما ما جرت عادتنا بمثل فصاحته ، فبنفس نقله قد خرق عادتنا ، وليس لله تعالى في ذلك فعل يخرق عادتنا ، وإذا نقل الجسم المشار إليه فبنفس نقله الجسم لم يخرق عادتنا ، وإنما الخارق لها من احياء الميت عند تقريب الجسم منه ، والفرق بين الأمرين غير خاف على المتأمل.
فإن قيل : سؤال الجن يطرق أن يجوز فيمن ظهر على يده احياء ميت أن لا يكون صادقا ، بل يكون الجني أحضر من بعد حيا وأبعد هذا الميت ؛ لأن خفاء رؤيته وسعة حيلته يتم نعمها (1) قبل ذلك ، وان مدعي النبوة ادعى معجزا له نقل جبل أو اقتلاع مدينة ، ووقع ذلك ، جوزنا أن يكون الجن تولوه وفعلوه ، ولو أن المدعي تولى ذلك بجوارحه جاز في الجني أن يتحمل عنه ذلك النقل ، ولا يحصل عليه شيء من تكلف ذلك النقل. وهذا قدح في جميع المعجزات أو الرجوع إلى أن الله تعالى يمنع من الاستفساد وأنتم لا ترتضون بذلك.
قلنا : معلوم أن أجسام الملائكة والجن لطيفة رقيقة متخلخلة ، ولهذا لا نراهم بعيوننا إلا بعد أن يكيفوا ، ومن كان متخلخل البنية لا يجوز أن تحله قدر كثيرة ، لحاجة القدر في كثرتها إلى الصلابة وزيادة البنية ، ولهذه العلة لا يجوز أن تحل النملة من القدر ما يحل الفيل ، فلا يجوز على هذا الأصل أن يتمكن ملك ولا جني من حمل جبل ولا قلع مدينة إلا بعد أن يكشف الله تعالى بنيته ويعظم جثته ، وإذا حصل هذه الصفة رأته كل عين سليمة وميزته.
فإذا ادعى النبوة من جعل معجزة اقلاع مدينة أو نقل جبل ، فوقع ما ادعاه من غير أن يشاهد جسما كثيفا أعان عليه أو تولاه ، يبطل التجويز لأن يكون من فعل جني أو ملك ، وخلص فعلا لله تعالى.
ولا فرق في اعتبار هذه الحال بين الجن والبشر ؛ لأن مدعي الإعجاز بحمل جبل ثقيل لا ينهض بحمله أحد منا منفردا لا بد في الاعتبار عليه من أن يمنعه
पृष्ठ 335