وأيضا ؛ فإن مدة مقامه صلى الله عليه وآلهوسلم بمكة لم يكن محاربا ، فقد كان يجب أن تقع المعارضة في أحواله مدة مقامه بمكة ، ولو كان الأمر على ما ذكروه أيضا لواقف القوم عليه ، ولقالوا : طلبت منا معارضة شغلتنا عنها بالحرب ، فلا حجة لك في امتناع معارضتنا.
والجواب عن رابع ما تعلقوا به قد مضى ، لما بينا أن المعارضة ما وقعت لمنع الخوف من الأنصار والاتباع من نقلها وإظهارها ، وبينا في إفساد أن تكون وقعت ولم تظهر للخوف ما هو بعينه مبطل ، لكون الخوف مانعا من فعلها ، وكل خوف ما منع من قود الجيوش إلى حربه ، وجمع الجموع في مقام بعد آخر ، وما منع أيضا من الهجاء والافتراء أو المعارضة بأخبار رستم واسفنديار ، لا يجوز أن يكون مانعا عند عاقل من فعل المعارضة.
فصل في جهة دلالة القرآن على النبوة
اختلف الناس في ذلك ، فقال قوم : إن وجه دلالة القرآن على النبوة أن الله تعالى صرف العرب عن معارضته ، وسلبهم العلم الذي به يتمكنون من مماثلة في نظمه وفصاحته ، ولو لا هذا الصرف لعارضوا.
وإلى هذا الوجه أذهب ، وله نصرت في كتابي المعروف ب «الموضح عن جهة إعجاز القرآن». وقد حكي عن أبي إسحاق النظام القول بالصرفة من غير تحقيق لكيفيتها وكلام في نصرتها.
وقال قوم : إن القرآن اختص بمزية في الفصاحة خرقت العادات ، وتجاوزت كل غاية أجرى الله تعالى العادة أن ينتهي الفصحاء إليها. وان اختصاص الله تعالى له صلى الله عليه وآلهوسلم إظهاره على يده مع خرقه العادة بفصاحة يدل على نبوته ؛ لأن القرآن إن كان من فعله تعالى فهو دليل نبوته ومعجزها ، وان فعل النبي صلى الله عليه وآلهوسلم فلم يتمكن من فعله مع خرقه للعادة بفصاحته ، إلا لأن الله تعالى فعل فيه علوما
पृष्ठ 324