203

الأعراض عنها فسادا أو اغترارا من جمع عظيم ، وقد كان يجب لما رأوا عاقبة اطراحهم المعارضة وما صاروا إليه من التعب أن يستأنفوها ويعلموا خطأهم من الكف عنها.

ومن لا يعارض احتقارا لشأنه وتعويلا على ظهور القدرة على المعارضة ، لا تنصب له الحروب وتجهز إليه الجيوش ، ولا يعارض بما لا شبهة في مثله ، ولا تبذل البذول لمن يهجوه ويقذفه ؛ لأن ذلك كله يدل على قوة الاهتمام والاطراح ، والتهاون ضد ذلك.

والجواب عن سابعها : أنا لو قدرنا وقوع ما فرضوه على بعده لوجب على من لم يواطئه من الفصحاء أن يعارضوا بما يقدرون عليه ، فإنا وان فرضنا أنهم أدون فصاحة ممن واطأه ، فليس يجوز بمجرى العادة أن يكون التفاضل بينهم وبين من هو أفصح منهم ينتهي إلى ارتفاع المقارنة والمداناة بين كلام الجماعة ، والإتيان بما يقارب في هذا الوجه كاف في الحجة.

على أن التأمل يبطل هذه الشبهة ؛ لأن الفصحاء والبلغاء ووجوه الشعراء كانوا منحرفين عنه صلى الله عليه وآلهوسلم ، ومن طبقة أعدائه كان الأعشى ، وهو في الطبقة الاولى ، ومن أشبهه ممن مات على كفره وخروجه عن الإسلام ، وكعب بن زهير أسلم في آخر الأمر ، وهو معدود في الطبقة الثانية ، وكان من أشد الناس عداوة الإسلام ، ولبيد بن ربيعة والنابغة الجعدي وهما في الطبعة الثالثة أسلما بعد زمان طويل ، وما رأيناهما خطيبا في الإسلام برتبة ولا منزلة توهم مواطاة وقعت معهما.

ومن قوي ما يقال في حل هذه الشبهة : أن حال المتقدمين في كل صناعة لا يجوز أن يخفى على أهل تلك الصناعة ، ولا بد من أن يعرفوهم بأعيانهم ، فكان يجب لما طولبوا بإيراد الكلام الفصيح أن يفزعوا إلى من يعلمون تقدمه فيهم ، فإذا رأوا منهم امتناعا علموا بالمواطأة ، فوافقوا عليها وبكتوا بها وأسقطوا الحجة عن نفوسهم بذكرها ، وما رأيناهم تعرضوا لذلك.

وبعد ؛ فإن تطرق هذه الشبهة يقتضي أن لا يقطع على تقدم أحد في صناعة ولا

पृष्ठ 321