नफहात रेहाना
نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة
وفي كتاب الإشارة لابن عبد السلام، من المجاز تنزيل المتوهم منزلة المحقق، كقوله: تغرب في عينٍ حَمِئَةٍ، أي في حسبان رائيها.
ومثله من الشعر قول أبي نواس. وأنشد البيتين.
وللمتنبي في منهزم:
ولكنَّه ولَّى وللطَّعنِ سورةً ... إذا ذكرتها نفسه لمس الجنبا
المنازي:
تروع حصاهُ حاليةَ العَذارى ... فتلمس جانبَ العِقدِ النَّظيمِ
المنجكي في وصف خط:
لو شامَ ذو الخالِ نقط أحرفهِ ... لراح باليدِ لامسَ الخدِّ
ولشهاب:
للهِ نهرٌ صفا فأبصرَ من ... يقوم في جنبِ شطِّه سمكه
يمدُّ كفًّا له ليأخذها ... يظنُّ نسجَ الصَّبا لها شبكه
وهو مأخوذ من قول عمر المحَّار:
انظر إلى النَّهرِ في تطرُّدِه ... وصفوهِ قد وشَى على السمكِ
توهَّم الرِّيح صفوهُ فغدا ... للنَّسجِ فوق الغديرِ كالشبكِ
قلت: ثم رأيت الشهاب ذكر بيت أبي نواس في آخر الريحانة، وقال: لقد تلطَّف وأغرب في قوله أمسُّ رأسي؛ لجعله ما يترقبه واقعًا به، حتى فتش عن رأسه، وجسها بيده، ليعلم هل قطعت أم لا.
وهذا كقول المنازي. وأنشد البيت. وفيه التعبير عن المقال بالفعال، كقوله:
ويشتمُ بالأفعالِ قبل التكلمِ
ومثله قول ابن رشيق:
قبَّلني محتشِمًا شادنٌ ... أحوجُ ما كنت لتقبيلِهِ
أومأَ إذ حيَّا بنا رنْجةً ... عرفتُ منها كنهَ تأويلِهِ
لما تطيَّرتُ بمعكوسها ... ضمَّت بنانًا نحو تقبيلِهِ
قال: وهذا لم أر من ذكره، وهو مما استخرجته، وسميته نطق الأفعال. انتهى.
ولابن الدَّرَّا مذيِّلًا بيتي الحتاتي، اللذين أعار بهما ساحة الشرفين صفحه، وساق بهما إلى الورد العالي نفحه.
ومما قاله:
بصبا المرجةِ المبلَّلِ ذيلُه ... علِّلِ القلبَ علَّ يبردُ ويلهْ
وادَّكرْ يومنا بيومي حبيبٍ ... سلفا والسُّلاف تركض خيلهْ
ونديمٍ رقَّت حواشيه لطفًا ... وبحكم الهوى تحجَّب نيلهْ
سمهريِّ القوامِ ما ماسَ تيهًا ... أو دلالًا إلا وأتلفَ ميلهْ
ذي محيًّا كالبدرِ في جنحِ ليلٍ ... باختلاسِ العقولِ قد جنَّ ليلهْ
جئت من تحتِ ذيلهِ مستجيرًا ... والتَّجنِّي عليَّ يسحب ذيلهْ
قلت يا من في حلبةِ الحسنِ قد حا ... زَ السَّبق حيث الجمال تركض خيلهْ
الأمان الأمان من حربِ إعرا ... ضِكَ عن مغرمٍ تراكم ويلهْ
ومن مجنونه المستغرب، قوله:
لنا صاحبٌ مغرًى بعونِ ذوي الهوى ... يشاركهم في وجدِهم والتَّولُّهِ
إذا عزَّ أن يلقى محبًّا رقى على الشَّ ... واهقِ يستقري دخان التَّأوُّهِ
وله في المنزلة المعروفة بالوجه، في طريق الحاج المصري:
شكا أهلُ وجهٍ قلَّة الماء بأرضهم ... وأنَّ الحيا شحَّت عليهم سماؤُهُ
فقلت لهم قولًا لهم فيه سلوةٌ ... إذا قلَّ ماء الوجهِ قلَّ حياؤُهُ
المصراع الأخير مضمنُ من قول القيراطي في هذا المحل:
أقول وقد جِئنا إلى الوجهِ جمعنا ... عطاشًا وكلٌّ خاب فيهِ رجاؤُهُ
إذا قلَّ ماءُ الوجهِ قلَّ حياؤهُ ... ولا خير في وجهٍ إذا قلَّ ماؤُهُ
قلت: ووجه الهجو للوجه، بسبب قلة مائه هو الوجه.
وللقطب المكي في مدحه:
أقولُ ووادي الوجهِ سال من الحيا ... وقد طابَ فيهِ للحجيجِ مقامُ
على ذلك الوجهِ المليحِ تحيَّةٌ ... مباركةٌ من ربِّنا وسلامُ
وللقيراطي فيه:
أتيتُ إلى الحجازِ فقلتُ لمَّا ... تبدَّى وجههُ لي وارتويتُ
وكم في الأرضِ من وجهٍ مليحٍ ... ولكن مثلُ وجهكَ ما رأيتُ
وهذا قد ظهرت فيه الوجهة، واندفعت عنه الشبهة. وبهذا تعلم مذهب العرب، وأهل الأدب، في مدح الشيء وذمه، كما فعل الحريري في الدِّينار.
1 / 62