पुराना स्रोत: कहानी चित्र
النبع القديم: لوحات قصصية
शैलियों
أعلم أنه هو بلد العتمة - على الرغم من شمسه الأبدية الساطعة - وأن الظلمات تزحف عليه من الخارج ومن الداخل منذ آلاف السنين، ولا تزال جحافلها ومسوخها وأشباحها تجوس فيه (جحافل ظلمات التسلط وخدمه وحشمه من مسوخ الفقر والذل والنفاق والغدر والقبح والملل ...).
لكنني أرجع وأقول: نعم يا نفسي، هذا هو بلدي. أعلم هذا منذ وعيت وفكرت وعلمت وكتبت وحاولت - وكم حاولت - أن أغير شيئا من نفسي أو مما حولي ومن حولي. كان الحظ رحيما بك عندما ولدت لأب تقي صارم جاد، وأم عطوف حنون، وعندما أحاطت بك وحنت عليك آلاف العيون والقلوب المحبة، ورعى دربك عشرات المعلمين والمربين و«الآباء» العظام. وكان طيبا ورحيما بك أيضا عندما قاسيت الفقر والوحدة، وذقت مرارة التجاهل والجحود، ووجدت نفسك وحيدا في مواقف الغدر والظلم والمهانة، وحوصرت بصغار الصغار وحقد الحاقدين وتضخم المتضخمين. وأقول لنفسي أيضا: إذا بقيت في هذا البلد فافعل - أقول افعل ولا أقول تكلم - وإذا تكلمت أو فكرت فليكن كلامك وفكرك دليل عمل وخطة فعل وتغيير وتحد لصور التخلف ومسوخ القبح. وإذا غادرته إلى بلد آخر - ربما لا تشعر فيه بالغربة التي حاصرتك في بلدك - فأنت تحمل - شئت ذلك أو لم تشأ - أثقال تاريخه وألواح قيمه - المظلومة المهدرة - في دمك، وتضع بلورته الصافية نصب عينيك دائما فتزداد حبا له وقربا من روحه وحقيقته. ومن يدري؟ ربما قدر قدرك الطيب الرحيم - مهما تصورت في كثير من الأحيان قسوته عليك! - أن تكون حلقة ضرورية في سلسلة أجيال وحضارات وصراعات ضرورية. وربما هتف صوت الزمن الآتي في لحظتك الراهنة، وقال لك على لسان أبنائه: نحن نغبطك على الأزمات التي عشتها، والمحن التي ألمت بك وعبرت عنها، ولو لم تعشها وتعبر عنها - أنت وأبناء جيلك ومن فاقكما موهبة وخيالا ونجاحا - فربما كانت خسارتنا فادحة، وربما لم يتح لنا أن نعرف شيئا عن تجربتكم التي تعكس من بعيد تجربة عصركم ومجتمعكم وحاضركم، الذي غدا اليوم ماضيا. ونحن نحسدك؛ لأن قلبك الصغير قد نبض في نفس الوقت مع قلوب عظيمة نعتز بعطائها، وعقول ملهمة نقدر اليوم روعة ما بذلت وقدمت. ومن يدري أيضا؟ ربما كنت - أنت ومن هم ألمع منك وأقدر - مرآة وضعت أمام عصرك ليتأمل فيها نفسه ويحاسبها ويحاول تغييرها، كما وضعت أمام بلدك، لعله يرى وجهه الحقيقي الذي تمنيت وتمنوا معك أن تكشفوا عنه الحجب والغيوم واللطخات التي شوهته، وأن تكونوا في النهاية ملمحا طيبا من ملامحه الأصيلة الطيبة. وأخيرا، تهتف بنفسك أو تهتف بك:
هذا البلد مكاني ... وهو مكان طيب لا أعدل به - مهما ابتعدت عنه بالروح أو بالجسد وباليأس أو التعفف - أي مكان آخر سواه.
وهذا الزمن زماني ... لا أملك إلا أن أحياه وأعانيه وأتحداه ...
ويوم يرتعش الطائر الأخضر الصغير في صدرك، حين يرى الصياد الأسود الملثم يقترب منك، ويسدد سهمه لقلبك، ويطويك في جرابه الذي لا يمتلئ أبدا ... يومها ادع الله أن يمهلك لحظة لتسأل نفسك: هل استطعت أن أغير شبرا واحدا من مكاني؟ هل تركت ورائي شعاعا واحدا يصارع ظلمات عصري وزماني؟ ادعه أن يمد في عمر وعيك لحظة واحدة تهمس فيها شفتاك:
هذا البلد مكاني.
هذا الزمن زماني.
الرجل الصغير، والبدء والمصير
كنت في أواخر الستينيات قد أهديت مجموعتي القصصية الأولى «ابن السلطان» لصديق كريم يشتغل بالنقد الأدبي والمسرحي، ومرت الأيام ولقيته صدفة، فهتف بي: منك لله! قلت ضاحكا: خير ... حصل مني شيء لا سمح الله؟ قال، وعلى وجهه أمارات الغضب أو الاستياء: بسببك مرضت أمي واختلت مواعيد نومها وصحوها فترة غير قليلة. أسرعت بإبداء الأسف والاعتذار: شفاها الله وعافاها ... ولكن كيف؟ قال كأنه يقرأ من عريضة اتهام: لما رأت مجموعتك القصصية في يدي طلبتها مني لتتسلى بها. كنا بعد العصر عندما بدأت تتصفحها في غرفتها، فلم تتركها من يدها قبل أن تنتهي من قراءتها مع أذان الفجر. قلت، وأنا أربت بفرح ومودة على ذراعه: عسى أن تكون الوالدة الكريمة قد رجعت لطبيعتها ... سلم عليها وقل لها إن سهرها مع قصصي المتواضعة هو أعظم شهادة تقدير نلتها حتى الآن. سألني وهو لا يزال متوترا: شهادة؟ ماذا تريد أن تقول؟ قلت، وأنا أمسك يده مودعا: لأنني أعتز بهذه الشهادة أكثر بكثير من عشر مقالات، تكتبها أنت أو غيرك من النقاد في مدح المجموعة أو ذمها. أرجوك أن تبلغها شكري وامتناني، وأطيب تمنياتي.
مضيت لحالي، وعلامات الدهشة والحيرة لا تزال ترتسم على وجهه. لكنني بقيت منذ ذلك الحين مشغول الفكر بقضية الإنسان العادي، الذي تمنى كل الكتاب في كل العصور والبلاد أن يصلوا إليه أو يصل إليهم. صحيح أنني لم أبتعد أبدا عن وجدان هذا الإنسان العادي، سواء في حياتي وعملي بالتدريس أو في بعض كتاباتي القصصية والمسرحية، بل وفي بعض بحوثي ودراساتي التي أعلم تمام العلم أنها ظلت بعيدة عنه كل البعد كما ظل بعيدا عنها، إلا أن القضية لم تزل تشغلني وتثير في نفسي بعض الأسئلة الخالدة والمستعصية من نوع السؤال: لماذا نكتب ولمن نكتب؟ وما قيمة ما نكتب أو جدواه إن لم يغير من الواقع ويؤثر على وعي الإنسان العادي وسلوكه؟
अज्ञात पृष्ठ