المقدمة
पृष्ठ 10
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الكاشف لعباده عن أسرار مراده الواصف نفسه في كتابه بإنجاز ميعاده الراقم على جباه البشر محتوم لشقائه وإسعاده الذي أشرق قلوب أوليائه بنور هدايته وفتق أذهانهم لاقتفاء معرفته فخفيت عن بصائرهم حقيقة ذاته وظهرت لأبصارهم بدائع مصنوعاته وحارت في أحكام قدرة أفكار الألباء وقصرت عن وصف مقدس ذاته ألفاظ البلغاء- وباعد أولياءه عن دار الآثام وقربهم إلى دار السلام فتنافسوا في الوصول إلى الزاد وتناضلوا بالسبق إلى سلطان المعاد بما أراهم من آياته ومعجز رسله ورسالاته فخرجوا من أصداء القلوب ووعثاء الذنوب إلى مراد علام الغيوب فكان كاشفا للأسرار رافعا للأستار مزيلا للحجاب عن المورد المستعذب المستطاب دالا على الهداية الكبرى ناشرا أعلام المسرة والبشرى فدعاهم حينئذ إلى طاعته لجهاد من صرف عن سنن سنته وتجلى لهم من مطالع بصائرهم فغسلوا بماء الصفا كدر ضمائرهم فعزفت نفوسهم عن الدخول في حزب أهل الضلال واشتاقوا إلى حرب جيش القتال باقتحام الأهوال- فيا لها نعمة أهدت إلى أنصار الله جل جلاله مسرة وألقت على أعينهم قرة فنهضوا إلى لقاء العدو بشفاه
पृष्ठ 11
ظامئة إلى ارتشاف مرن السعادة وأرواح شائقة إلى الشهادة فرحين بانعقاد بيعهم الرابح يوم تفريق الجوائز والمنائح وعلموا أنهم لن يصلوا إلى خلعه السنية إلا بخلع الحياة ولبس المنية فيذلوا النفوس في لقاء العدو ومجاهدته والمبالغة في قتاله ومجالدته وفي هذه الرتبة العالية والبيعة الغالية تنافس أهل الطفوف في احتمال الحتوف والصبر على نقط الرماح وشكل السيوف.
وكانوا كما قلت شعري هذا وصفا لحالهم في نزالهم-
لهم جسوم بحر الشمس ذائبة
وأنفس جاورت جنات باريها
كأن مفسدها بالقتل مصلحها
أو أن هادمها بالسيف بانيها
فيا ذوي البصائر والأفهام ويا أرباب العقول والأحلام أظهروا شعار الأحزان وألبسوا الجزع على سادات الإيمان واقتدوا بالرسول في محبة بني الزهراء البتول وتعظيم ذوي القربى فقد وعدهم جل جلاله لعظمهم بأحسن العقبى.
ولقد كشفت أمية سره المضروب على سبطه بهتك حرمته ورهطه ونقضوا ما برمه وحلوا من عقد الدين ما أحكمه.
وأنا مورد من نظمي هذه الأبيات في صفة هذه الحركات-
يا أمة نقضت عهود نبيها
وغدت مقهقرة على الأعقاب
كنتم صحابا للرسول وإنما
بفعالكم بنتم عن الأصحاب
ونبذتم حكم الكتاب على جهالة
ودخلتم في جملة الأحزاب
بؤتم بقتل السبط واستحللتم
دمه بكل منافق كذاب
فكما تدينوا قد تدانوا مثله
في يوم مجمع محشر وحساب
فكم يومئذ من كبد مقروحة ودموع مسفوحة ولاطمة خدها ومستندبة جدها وناشرة شعرها وهاتكة سترها وقد ذل الإيمان وقل الأعوان وعطلت
पृष्ठ 12
المراتع بفراقهم وهصرت الأغصان بانتشار أوراقهم وأظلم الإسلام بعد إشراقه وأمر الدين بعد حلو مذاقه فلو كان للنبي وابنته عين تنظر إلى الشهيد من عترته والأطايب من أسرته وجثثهم عن الثياب عارية وجوارح الطير إليها هاوية وأفواه الوحوش لوجوههم هاشمة وثغور الأعداء لما حل بهم باسمة والأجساد الطاهرة مرملة بالتراب مجردة عن الأسلاب فلأقرح ذلك قلبه وأذاب بانهمال الدموع غبرته ونح أيها المحب لآل الرسول نوح الفاقدة الثكول وابك بالدموع السجام على- أئمة الإسلام لعلك تواسيهم بالمصاب بإظهار الجزع والاكتئاب والإعلان بالحنين والانتحاب فوا خيبة من جهل فضلهم وقد ذكر جل جلاله في كتابه العزيز نبلهم لأنهم الأدلة على النجاة في المعاد الهداة إلى طرق الرشاد.
ولقد أحسن الشاعر بقوله-
أضلوا في مفارز طمسوا
الأعلام منها بفاحش التمويه
وأراقوا دم الأدلة فالقوم
إلى الحشر في ضلال وتيه
.
وقد قلت في أبياتي هذه ما ينبه الغافل على شرفهم وفي الجنة على علو غرفهم-
إن كنت في آل الرسول مشككا
فاقرأ هديت النص في القرآن
فهو الدليل على علو محلهم
وعظيم علمهم وعظم الشأن
وهم الودائع للرسول محمد
بوصية نزلت من الرحمن
.
فأسعدوني بالنياحة والعويل واندبوا لمن اهتز لفقده عرش الجليل واسكبوا العبرات على الغريب القتيل فليتني أذود عنهم خطوب الحمام وأدر مواقع تلك الآلام وأرفع بنفسي عن نفوسهم وأكون فداء شيخهم ورئيسهم حتى أقضي حق جدهم المرسل وأحول بينهم وبين القدر المنزل.
पृष्ठ 13
فقد رويت عن والدي رحمة الله عليه أن الصادق(ع)قال من ذكرنا عنده في مجلس فقد غيبا [فأعاننا بشطر كلمة أو فاضت عيناه رحمة لنا ورقة لمصابنا مثل جناح بعوضة غفرت له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر
وكان زين العابدين(ع)يقول أيما مؤمن ذرفت عيناه لقتل الحسين(ع)حتى تسيل على خده بوأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا وأيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين(ع)وحزنا على ما مسنا من الأذى من عدونا بوأه الله منزل صدق وأيما مؤمن مسه فينا أذى صرف الله عن وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخط النار
ورويت عن الأئمة الصادقين(ع)قالوا من بكى أو أبكى غيره ولو واحدا ضمنا له على الله الجنة ومن لم يتأت له البكاء فتباكى فله الجنة
.
पृष्ठ 14
لما ذا وضع هذا الكتاب
وقال جعفر بن محمد بن نما مصنف هذا الكتاب إن الذي بعثني على عمل هذا المقتل أني رأيت المقاتل قد احتوى بعضها على الإكثار والتسويل وبعضها على الاختصار والتقليل فهي بين طويل مسهب وقصير قاصر عن الفوائد غير معرب والنكت فيها قليلة ومرابعها من الطرف والغرائب محيلة.
فوضعت هذا المقتل متوسطا بين المقاتل قريبا من يد المتناول لا يفضي لملالة وهذر ولا يجفى لنزارة وقصر ترتاح القلوب إلى عذوبة ألفاظه ويوقظ الراقد من نومه وإغماضه وتسرح النواظر في رياضه وينبه الغافل عن هذا المصاب والذاهل عن الجزع والاكتئاب.
وأودعه ما أهمله كثير من المصنفين وأغفلته خواطر المؤلفين وسميته مثير الأحزان ومنير سبل الأشجان ورتبته على ثلاثة مقاصد.
فإن كنتم أيها السامعون قد فاتكم شرف تلك النصرة وحرمتم مصادمة خيول تلك الكسرة فلم تفتكم إرسال العبرة على السادة من العترة ولبس شعار الأحزان على الأسرة والرغبة إلى الله جل جلاله في المكافأة يوم الحساب وتوفير قسطنا من الثواب إنه الكريم الوهاب
पृष्ठ 15
المقصد الأول على سبيل التفصيل للأحوال السابقة لقتال آل الرسول ع
مولد الحسين
كان مولد الحسين(ع)لخمس خلون من شعبان سنة أربعة من الهجرة وقيل الثالث منه وقيل أواخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث وقيل لثلاث أو لخمس خلون من جمادى الأولى سنة أربع من الهجرة.
وكانت مدة حمله ستة أشهر ولم يولد لستة سواه وعيسى وقيل يحيى بن زكريا ع.
ولما ولد هبط جبرئيل(ع)ومعه ألف ملك يهنئونه للنبي(ص)بولادته.
وجاءت به فاطمة(ع)إلى النبي فسر وسماه حسينا.
وقد روي عن زوجة العباس بن عبد المطلب وهي أم الفضل لبابة بنت الحارث قالت رأيت في النوم قبل مولده كأن قطعة من لحم رسول الله(ص)قطعت ووضعت في حجري فقصصت الرؤيا على رسول الله(ص)فقال إن صدقت رؤياك فإن فاطمة ستلد غلاما وأدفعه إليك لترضعيه-
पृष्ठ 16
فجرى الأمر على ذلك فجئت به يوما فوضعته في حجره فبال فقطرت منه قطرة على ثوبه(ص)فقرصته فبكى فقال كالمغضب مهلا يا أم الفضل فهذا ثوبي يغسل وقد أوجعت ابني- قالت فتركته ومضيت لآتيه بماء فجئت فوجدته(ص)يبكي فقلت مم بكاؤك يا رسول الله فقال إن جبرئيل أتاني فأخبرني أن أمتي تقتل ولدي هذا
وحدث ابن أبي ليلى عن أخيه عن عيسى بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده قال كنا عند رسول الله(ص)فجاء الحسين يحبو حتى صعد على صدره فبال فابتدرنا لنأخذه فقال(ص)ابني ابني ثم دعا بماء فصبه عليه
قال أصحاب الحديث فلما أتت على الحسين سنة كاملة هبط على النبي(ص)اثنا عشر ملكا على صور مختلفة أحدهم على صورة بني آدم يعزونه ويقولون إنه سينزل بولدك الحسين بن فاطمة ما نزل بهابيل من قابيل وسيعطى مثل أجر هابيل ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل ولم يبق ملك إلا نزل إلى النبي(ص)يعزونه والنبي(ص)يقول اللهم اخذل خاذليه واقتل قاتله ولا تمتعه بما طلبه
وعن أشعث بن عثمان عن أبيه عن أنس بن أبي سحيم قال سمعت رسول الله(ص)يقول إن ابني هذا يقتل بأرض العراق فمن أدركه منكم فلينصره فحضر أنس مع الحسين كربلاء وقتل معه
ورويت عن عبد الصمد بن أحمد بن أبي الجيش عن شيخه أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي عن رجاله عن عائشة قالت دخل الحسين على النبي
पृष्ठ 17
ص وهو غلام يدرج فقال أي عائشة ألا أعجبك لقد دخل علي آنفا ملك ما دخل علي قط فقال إن ابنك هذا مقتول وإن شئت أريتك من تربته التي يقتل بها فتناول ترابا أحمر فأخذته أم سلمة فخزنته في قارورة فأخرجته يوم قتل وهو دم وروي مثل هذا عن زينب بنت جحش
وعن عبد الله بن يحيى قال دخلنا مع علي(ع)إلى صفين فلما حاذى نينوى نادى صبرا أبا عبد الله فقال دخلت على رسول الله(ص)وعيناه تفيضان فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما لعينيك تفيضان أغضبك أحد قال لا بل كان عندي جبرئيل فأخبرني أن الحسين يقتل بشاطئ الفرات فقال هل لك أن أشمك من تربته قلت نعم فمد يده فأخذ قبضة من تراب وأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا واسم الأرض كربلاء- فلما أتت عليه سنتان خرج النبي(ص)[مع سفر] إلى سفر فوقف في بعض الطريق استرجع ودمعت عيناه فسئل عن ذلك فقال هذا جبرئيل يخبرني عن أرض بشط الفرات يقال لها كربلاء يقتل فيها ولدي الحسين فقيل ومن يقتله قال رجل يقال له يزيد كأني أنظر إليه وإلى مصرعه ومدفنه بها وكأني أنظر على أقتاب المطايا وقد أهدي رأس ولدي الحسين إلى يزيد لعنه الله فو الله ما ينظر أحد إلى رأس الحسين ويفرح إلا خالف الله بين قلبه ولسانه وعذبه الله عذابا أليما فرجع عن سفره مغموما مهموما كئيبا حزينا وصعد وخطب ووعظ والحسن والحسين بين يديه.
पृष्ठ 18
فلما فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسن ويده اليسرى على رأس الحسين ورفع رأسه إلى السماء وقال اللهم إن محمدا عبدك ورسولك ونبيك وهذان أطايب عترتي (وخيار ذريتي وأرومتي) ومن أخلفهما في أمتي وقد أخبرني جبرئيل أن ولدي هذا مقتول مخذول اللهم فبارك له في قتله واجعله من سادات الشهداء اللهم ولا تبارك في قاتله وخاذله وأصله حر نارك واحشره في أسفل درك الجحيم قال فضج الناس بالبكاء في المسجد فقال النبي(ص)أتبكون ولا تنصرونه ثم رجع وهو متغير اللون محمر الوجه فخطب خطبة ثانية موجزة وعيناه تهملان دموعا اللهم فكن أنت له وليا وناصرا ثم قال أيها الناس إني خلفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي وأرومتي ومزاج مائي وثمرة فؤادي ومهجتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض وإني أنتظرهما ولا أسألكم في ذلك إلا ما أمرني ربي أن أسألكم عنه أسألكم عن المودة في القربى فانظروا ألا تلقوني غدا على الحوض وقد أبغضتم عترتي وقتلتم أهل بيتي وظلمتموهم والله سترد علي
पृष्ठ 19
يوم القيامة ثلاث رايات من هذه الأمة راية سوداء مظلمة قد فزعت منها الملائكة فتقف علي فأقول من أنتم فينسون ذكري ويقولون نحن أهل التوحيد من العرب فأقول لهم أنا أحمد نبي العرب والعجم فيقولون نحن من أمتك يا أحمد فأقول لهم كيف خلفتموني من بعدي في أهلي وعترتي وكتاب ربي فيقولون أما الكتاب فضيعناه وأما عترتك فحرصنا أن نبيدهم عن جديد الأرض فأولي عنهم فيصدرون ظماء عطاشا مسودة وجوههم ثم ترد علي راية أخرى أشد سوادا من الأولى فأقول لهم كيف خلفتموني من بعدي في الثقلين الأكبر والأصغر كتاب ربي وعترتي فيقولون أما الأكبر فخالفناه وأما الأصغر فخذلنا ومزقناهم كل ممزق @HAD@ فأقول إليكم عني فيصدرون ظماء عطاشا مسودة وجوههم ثم ترد علي راية أخرى تلمع وجوههم نورا فأقول لهم من أنتم فيقولون نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى من أمة محمد المصطفى ونحن بقية أهل الحق حملنا كتاب الله فأحللنا حلاله وحرمنا حرامه وأحيينا ذرية محمد(ص)فنصرناهم من كل ما نصرنا منه أنفسنا وقاتلنا معهم من ناواهم فأقول لهم أبشروا أنا نبيكم محمد فلقد كنتم في دار الدنيا كما وصفتم ثم أسقيهم من حوضي فيصدرون مرويين مستبشرين ثم يدخلون الجنة خالدين فيها أبد الآبدين
पृष्ठ 20
وروي عن سفيان الثوري عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال كنت عند النبي(ص)وعلى فخذه الأيمن الحسين وعلى فخذه الأيسر ولده إبراهيم بن مارية بنت شمعون القبطية تارة يقبل هذا وتارة يقبل هذا إذ هبط إليه جبرئيل بوحي من رب العالمين فلما أسري [سري عنه روعة الوحي قال أتاني جبرئيل(ع)من ربي فقال يا محمد إن الله يقرأ عليك السلام ويقول لست أجمعهما لك قال فأفد أحدهما بصاحبه فنظر النبي إلى إبراهيم فبكى ونظر إلى الحسين فبكى ثم قال إن إبراهيم أمه أمة ومتى مات لم يحزن عليه غيري وأم الحسين فاطمة وأبوه علي ابن عمي ولحمي ودمي ومتى مات حزنت عليه ابنتي وحزن ابن عمي وحزنت أنا عليه وأنا أوثر حزني على حزنهما فقلت يا جبرئيل يقبض إبراهيم فقد فديته للحسين فقبض بعد ثلاث فكان النبي(ص)إذا رأى الحسين مقبلا قبله وضمه إلى صدره ورشف ثناياه وقال فديت من فديته بابني إبراهيم
ونقلت من أخبار تاريخ البلاذري حدث محمد بن يزيد المبرد النحوي في إسناد ذكره قال انصرف النبي(ص)إلى منزل فاطمة فرآها قائمة خلف بابها فقال ما بال حبيبتي هاهنا فقالت ابناك خرجا غدوة وقد غبي علي خبرهما فمضى رسول الله(ص)يقفو آثارهما حتى صار إلى كهف جبل فوجدهما نائمين وحية مطوقة عند رأسهما فأخذ حجرا وأهوى إليها فقالت السلام عليك يا رسول الله والله ما نمت عند رأسهما إلا حراسة لهما فدعا لهما بخير ثم حمل الحسن على كتفه اليمنى والحسين على كتفه اليسرى فنزل جبرئيل فأخذ الحسين وحمله فكانا بعد ذلك يفتخران فيقول الحسن حملني خير أهل الأرض ويقول الحسين حملني خير أهل السماء.
पृष्ठ 21
وفي ذلك قال حسان بن ثابت
فجاء وقد ركبا عاتقيه
فنعم المطية والراكبان
وروي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أنه قال لما اشتد برسول الله(ص)مرضه الذي مات فيه وقد ضم الحسين(ع)إلى صدره يسيل من عرقه عليه وهو يجود بنفسه ويقول ما لي وليزيد لا بارك الله فيه اللهم العن يزيد ثم غشي عليه طويلا وأفاق وجعل يقبل الحسين وعيناه تذرفان ويقول أما إن لي ولقاتلك مقاما بين يدي الله عز وجل
ورويت إلى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كنت عند رسول الله(ص)جالسا إذ أقبل الحسن فلما رآه بكى وقال إلي إلي فأجلسه على فخذه اليمنى ثم أقبل الحسين فلما رآه بكى وقال مثل ذلك فأجلسه على فخذه اليسرى ثم أقبل فاطمة فرآها فبكى وقال مثل ذلك فأجلسها بين يديه ثم أقبل علي فرآه فبكى وقال مثل ذلك وأجلسه إلى جانبه الأيمن فقال له أصحابه يا رسول الله ما ترى واحدا من هؤلاء إلا بكيت أوما فيهم من تسر برؤيته فقال والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية ما على وجه الأرض نسمة أحب إلي منهم وإنما بكيت لما يحل بهم من بعدي وذكرت ما يصنع بهذا ولدي الحسين كأني به وقد استجار بحرمي وقبري فلا يجار ويرتحل إلى أرض مقتله ومصرعه أرض كرب وبلاء تنصره عصابة من المسلمين أولئك سادة شهداء أمتي يوم القيامة فكأني أنظر إليه وقد رمي بسهم فخر عن فرسه صريعا ثم يذبح كما يذبح الكبش مظلوما ثم انتحب وبكى وأبكى من حوله وارتفعت أصواتهم بالضجيج ثم قام وهو يقول اللهم إني أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي
पृष्ठ 22
ورويت أن الحسين دخل على أخيه الحسن س فلما نظر إليه بكى فقال ما يبكيك يا أبا عبد الله فقال أبكي لما يصنع بك فقال له الحسن إن الذي يؤتى إلي سم فأقتل به ولكن لا يوم كيومك يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدعون أنهم من أمة جدنا فيجتمعون على قتلك وسفك دمك وانتهاك حرمك وسبي ذراريك ونسائك وانتهاك ثقلك فعندها تحل ببني أمية اللعنة وتمطر السماء دما ويبكي عليك كل شيء حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار وكان الناس يتذاكرون مقتل الحسين(ع)ويعظمونه ويرتقبونه
موت معاوية والبيعة ليزيد
فلما مات معاوية بن أبي سفيان (لعنه الله-) في النصف من رجب سنة ستين من الهجرة واستخلف ولده يزيد لعنه الله فبايع الناس على بيعة عامله بالمدينة وهو الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وأتاه بموته مولى معاوية يقال له ابن أبي زريق.
وكتب يزيد في أول شعبان إلى الوليد يأمره بأخذ البيعة على أهلها وخاصة على الحسين ويقول إن امتنع عليك فاضرب عنقه وابعث برأسه إلي فأحضره [فأحضر لمروان [المروان بن الحكم وأخذ رأيه فأشار بإحضار الحسين وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن مطيع وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر وأخذ بيعتهم فإن أجابوا وإلا فاضرب أعناقهم فقال الوليد ليتني لم أك شيئا مذكورا لقد أمرتني بأمر عظيم وما كنت لأفعل.
إخبار الحسين(ع)بموت معاوية ومنامه
ثم بعث الوليد إليهم فلما حضر رسوله قال الحسين للجماعة أظن أن طاغيتهم
पृष्ठ 23
هلك رأيت البارحة أن منبر معاوية منكوس وداره تشتعل بالنيران فدعاهم إلى الوليد فحضروا فنعى إليهم معاوية وأمرهم بالبيعة فبدرهم بالكلام عبد الله بن الزبير فخافه أن يجيبوا بما لا يريد فقال إنك وليتنا فوصلت أرحامنا وأحسنت السيرة فينا وقد علمت أن معاوية أراد منا البيعة ليزيد فأبينا ولسنا أن يكون في قلبه علينا ومتى بلغه أنا لم نبايع إلا في ظلمة ليل وتغلق علينا بابا لم ينتفع هو بذلك ولكن تصبح وتدعو الناس وتأمرهم ببيعة يزيد ونكون أول من يبايع قال وأنا أنظر إلى مروان وقد أسر إلى الوليد أن اضرب رقابهم ثم قال جهرا لا تقبل عذرهم واضرب رقابهم.
فغضب الحسين وقال ويلي عليك يا ابن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي كذبت ولؤمت نحن أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ويزيد فاسق شارب الخمر وقاتل النفس ومثلي لا يبايع لمثله ولكن نصبح وتصبحون أينا أحق بالخلافة والبيعة فقال الوليد انصرف يا أبا عبد الله مصاحبا على اسم الله وعونه حتى تغدو علي فلما ولوا قال مروان بن الحكم والله لئن فارقك القوم لا قدرت عليهم حتى تكثروا القتلى فخرجوا من عنده وركبوا ولحقوا بمكة وتخلف الحسين.
فلما أصبح الوليد استدعى مروان وأخبره فقال أمرتك فعصيتني وسترى ما يصير أمرهم إليه فقال ويحك إنك أشرت إلي بذهاب ديني ودنياي والله ما أحب أن ملك الدنيا لي وأني قتلت حسينا والله ما أظن أن أحدا يلقى الله بدمه إلا وهو خفيف الميزان.
فلما أصبح الحسين لقيه مروان فقال أطعني ترشد قال قل قال بايع أمير المؤمنين يزيد فهو خير لك في الدارين.
पृष्ठ 24
إعلان خطر محو الإسلام بخلافه يزيد
فقال الحسين وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد ولقد سمعت جدي يقول الخلافة محرمة على آل سفيان.
وكان توجه الحسين إلى مكة لثلاث مضين من شعبان سنة ستين من الهجرة
دعوة سليمان إلى بيعة الحسين(ع)ونصرته
ورويت أنه لما بلغ أهل الكوفة موت معاوية وأن الحسين(ع)بمكة اجتمعت الشيعة في دار سليمان بن صرد الخزاعي فقال لهم إن معاوية هلك وإن الحسين قد نقض على القوم ببيعته وخرج إلى مكة هاربا من طواغيت آل أبي سفيان وأنتم شيعته وشيعة أبيه فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدو عدوه فاكتبوا إليه وإن خفتم الوهن والفشل فلا تغروا الرجل بنفسه قالوا بل نقاتل عدوه ونقتل أنفسنا دونه.
ورويت إلى يونس بن أبي إسحاق قال خرج وفد إليه من الكوفة وعليهم أبو عبد الله الجدلي ومعهم كتب من شبث بن ربعي وسليمان بن صرد والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد وحبيب بن مظاهر وعبد الله بن وأل وقيس بن مسهر الأسدي أحد بني الصيداء وعمارة بن عتبة السلولي وهانئ بن هانئ السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي ووجوه الكوفة يدعونه إلى بيعته وخلع يزيد وقالوا إنا تركنا الناس قبلنا وأنفسهم منطلقة إليك وقد رجونا أن يجمعنا الله بك على الهدى فأنتم أولى بالأمر من يزيد الذي غصب الأمة فيئها وقتل خيارها واتخذ مال الله دولا في شرارها وهذه كتب أماثلهم وأشرافهم والنعمان بن بشير في قصر الإمارة ولسنا نجتمع معه في
पृष्ठ 25
جمعة ولا جماعة ولا عيد ولو بلغنا إقبالك أخرجناه حتى يلحق بالشام.
وتواترت الكتب حتى تكملت عنده اثنا عشر ألف كتاب وهو مع كل ذلك لا يجيبهم.
ثم قدم إليه بعد ذلك هانئ بن هانئ السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي بكتاب هو آخر الكتب- بسم الله الرحمن الرحيم @HAD@ للحسين بن أمير المؤمنين من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين أما بعد فإن الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك فالعجل العجل فقد اخضرت الجنات وأينعت الثمار وأعشبت الأرض وأورقت الأشجار فاقدم إذا شئت فإنما تقدم على جند مجند لك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
فقال لهما من اتفق على هذا الكتاب فقالا أعيان أهل الكوفة منهم شبث بن ربعي ويزيد بن الحارث وحجار بن أبجر وعروة بن قيس ويزيد بن رويم ومحمد بن عمير بن عطارد وعمرو بن عطارد وعمرو بن الحجاج فقام(ع)وصلى ودعا مسلم بن عقيل وعرفه ما في نفسه وأطلعه على أمره
أهل الكوفة كتبوا إليه إعلانهم البيعة
ورويت إلى حصين بن عبد الرحمن أن أهل الكوفة كتبوا إليه إنا معك مائة ألف وعن داود بن أبي هند عن الشعبي قال بايع الحسين(ع)أربعون ألفا من أهل الكوفة على أن يحاربوا من حارب ويسالموا من سالم.
فعند ذلك رد جواب كتبهم يمنيهم بالقبول ويعدهم بسرعة الوصول وأنه قد جاء ابن عمي مسلم بن عقيل ليعرفني ما أنتم عليه من رأي جميل.
وصف الإمام
ولعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب القائم بالقسط الدائن بدين الحق-
पृष्ठ 26
الحابس نفسه في ذات الله
إرسال مسلم إلى أهل الكوفة والكتاب إلى أهل البصرة
وأمر مسلم بالتوجه بالكتاب إلى الكوفة وكتب(ع)كتابا إلى وجوه أهل البصرة منهم الأحنف بن قيس وقيس بن الهيثم والمنذر بن الجارود ويزيد بن مسعود النهشلي وبعث الكتاب مع زراع السدوسي وقيل مع سليمان المكنى بأبي رزين فيه إني أدعوكم إلى الله وإلى نبيه فإن السنة قد أميتت فإن تجيبوا دعوتي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد @HAD@ .
فلما وصل الكتاب كتموا على الرسول إلا المنذر بن الجارود فإنه أتى عبيد الله بالكتاب ورسول الحسين لأنه خاف أن يكون الكتاب قد دسه عبيد الله إليهم ليختبر حالهم مع الحسين لأن بحرية بنت المنذر زوجة عبيد الله فلما قرأ الكتاب ضرب عنق الرسول.
كتاب الأحنف إلى الحسين(ع)وآراء القوم
وأما الأحنف فإنه كتب إلى الحسين(ع)أما بعد فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون @HAD@ .
وأما يزيد بن مسعود النهشلي فإنه أحضر بني تميم وبني حنظلة وبني سعد وقال يا بني تميم كيف ترون موضعي منكم وحسبي فيكم فقالوا أنت فقرة الظهر ورأس الفخر حللت في الشرف وسطا وتقدمت فرطا قال قد جمعتكم لأمر أشاوركم فيه وأستعين بكم عليه قالوا نمنحك النصيحة ونجهد لك الرأي.
पृष्ठ 27
قال إن معاوية هلك فأهون به هالكا ومفقودا فقد انكسر باب الجور وكان قد عقد لابنه بيعة ظن أنه أحكمها وقد قام يزيد شارب الخمور ورأس الفجور وأنا أقسم بالله قسما مبرورا لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين وهذا الحسين بن علي ابن رسول الله(ص)ذو الشرف الأصيل والعلم والسابقة والسن والقرابة يعطف على الصغير ويحنو على الكبير فأكرم به راعي رعيته وإمام قوم وجبت لله به المحجة وبلغت به الموعظة فلا تعشوا عن نور الحق ولا تسكعوا في وهدة الباطل فقد كان صخر بن قيس انخذل بكم يوم الجمل فاغسلوها مع ابن رسول الله ونصرته والله لا يقصر أحد عنها إلا ورثه الله الذل في ولده والقلة في عشيرته وها أنا ذا قد لبست للحرب لأمتها وأدرعت لها بدرعها من لم يقتل يمت ومن يهرب لم يفت فأحسنوا رحمكم الله رد الجواب.
كلمات القوم
فتكلم بنو حنظلة فقالوا يا أبا خالد نحن نبل كنانتك وفرسان عشيرتك إن رميت بنا أصبت وإن غزوت بنا فتحت لا تخوض والله غمرة إلا خضناها ولا تلقى والله شدة إلا لقيناها ننصرك بأسيافنا ونقيك بأبداننا إذا شئت فقم.
وتكلمت بنو سعد بن يزيد فقالوا يا أبا خالد إن أبغض الأشياء إلينا خلافك والخروج من رأيك وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال فحمدنا رأيه وبقي عزنا فينا فأمهلنا نراجع الرأي ونحسن المشورة ويأتيك خبرنا واجتماع رأينا.
وتكلمت بنو عامر بن تميم فقالوا يا أبا خالد نحن بنو أبيك وحلفاؤك لا نرضى إن غضبت ولا نغضب إن رضيت ولا نقطن إن ظعنت ولا نظعن إن قطنت والأمر إليك والمعول عليك فادعنا نجبك وأمرنا نطعك والأمر لك إذا شئت.
पृष्ठ 28
فقال والله يا بني سعد لئن فعلتموها لا رفع الله عنكم السيف أبدا ولا زال سيفكم فيكم.
جواب بني تميم ودعاء الحسين ع
ثم كتب إلى الحسين ع بسم الله الرحمن الرحيم @HAD@ أما بعد فقد وصل إلينا كتابك وفهمت ما ندبتني إليه ودعوتني له من الأخذ بحظي من طاعتك وبنصيبي من نصرتك وإن الله لم يخل الأرض قط من عامل عليها بخير أو دليل على سبيل نجاة وأنتم حجة الله على خلقه ووديعته في أرضه تفرعتم من زيتونة أحمدية هو أصلها وأنتم فرعها فأقدم سعدت بأسعد طائر فقد ذللت لك أعناق بني تميم وتركتهم أشد تهافتا في طاعتك من الإبل الظماء لورود الماء يوم خامسها وقد ذللت لك بني سعد وغسلت درن صدورها بماء سحابة مزن حتى استهلت برقها فلمع.
فلما قرأ الحسين(ع)الكتاب قال ما لك آمنك الله يوم الخوف وأعزك وأرواك يوم العطش الأكبر.
فلما تجهز المشار إليه للخروج إلى الحسين صلوات الله وسلامه عليه بلغه قتله قبل أن يسير فجزع لذلك جزعا عظيما لما فاته من نصرته.
خوف المنذر وإفشاء سر الكتاب
وأما المنذر بن الجارود فإنه لما جاءه كتاب الحسين(ع)حمله إلى عبيد الله بن زياد لأن المنذر خاف أن يكون الكتاب دسيسا من عبيد الله بن زياد وكانت بحرية بنت المنذر بن الجارود زوجة عبيد الله بن زياد.
فأخذ عبيد الله بن زياد الرسول فصلبه ثم صعد المنبر فخطب وتوعد الناس
पृष्ठ 29