فقالت روز إن ذلك سيكون رائعا، ثم شعرت بأن عليها المضي في شرح الأمر. «لقد رتبت مع صديقتي للقائها هناك؛ لأننا لم يسعنا التفكير في مكان آخر للقاء؛ فنحن لا نعرف باول ريفر مطلقا، وفكرنا فقط أن كل بلدة لها محطة للحافلات!»
فكرت أنها ربما أخطأت بقولها «صديقتي»، ربما كان عليها أن تقول «زوجي»؛ فما قالته قد يجعلهم يتساءلون ماذا تفعل هي وصديقتها هنا إذا لم يكن أي منهما يعرف البلدة. «صديقتي تعزف في فريق الأوركسترا الذي يقيم حفلا هنا الليلة. إنها تعزف على الكمان.»
أشاح الجميع بنظرهم عنها وكأن ذلك هو ما تستحقه أية كذبة. كانت تحاول أن تتذكر إذا ما كان هناك عازفات للكمان. ماذا لو سألوها عن اسمها؟
أنزلها السائق أمام مبنى خشبي طويل من طابقين ذوي طلاء متقشر. «أعتقد أن بإمكانك دخول البناية الزجاجية هناك في النهاية؛ فالحافلة تقلهم من هنا على أية حال.»
كانت هناك طاولة بلياردو في البناية الزجاجية ولم يكن هناك أحد يلعب عليها. كان هناك بعض المسنين يلعبون الشطرنج بينما اكتفى آخرون بالمشاهدة. فكرت روز أن تشرح لهم سبب وجودها ولكنها قررت ألا تفعل؛ فقد بدوا غير عابئين بذلك، وكان في ذلك رحمة لها؛ فقد أرهقها ما قدمته من إيضاحات في الليموزين.
كانت ساعة المبنى تشير إلى الرابعة وعشر دقائق، ففكرت أن تضيع الوقت المتبقي حتى حلول الخامسة بالتجول عبر البلدة.
وما إن خرجت من المبنى حتى لاحظت رائحة كريهة، وساورها القلق ظنا منها أنها قد تكون مصدر هذه الرائحة، فأخرجت زجاجة العطر ذات الكرة الدوارة التي اشترتها في مطار فانكوفر - منفقة مالا لا تستطيع توفيره في المعتاد - وجعلت تفرك بها رسغيها وعنقها، ولكن ظلت الرائحة دون أن تزول، وفي النهاية أدركت أنها قادمة من مطاحن لب الورق. كان من الصعب التجول عبر أنحاء البلدة؛ نظرا لانحدار شوارعها الشديد، ولعدم وجود أرصفة في الكثير من الأماكن. ولم يكن هناك مكان للتسكع وإضاعة الوقت. ظنت أن الناس يحملقون فيها لإدراكهم أنها غريبة عن البلدة، وراح مجموعة من الرجال يستقلون سيارة يصيحون نحوها، بعد أن رأوا انعكاس صورتها على واجهات أحد المحال، وأدركوا أنها تبدو كما لو كانت ترغب في إثارة نظرات الناس وصيحاتهم؛ فقد كانت ترتدي بنطالا مخمليا أسود على طراز بنطال مصارع الثيران القصير، وكنزة سوداء ضيقة ذات ياقة عالية، وسترة باللون البيج تسدلها حول كتفيها على الرغم من الرياح الباردة. صارت تنجذب الآن لارتداء الملابس المثيرة وهي التي كانت يوما ما لا تختار سوى التنورات الطويلة والألوان الهادئة، والكنزات المصنوعة من الصوف الوبري ذات الطراز الطفولي، وفتحات العنق المطرزة بنتوءات مستديرة. وكانت الملابس الداخلية الجديدة التي ترتديها في تلك اللحظة من الدانتيل الأسود والنايلون الوردي. وكانت قد زينت عينيها في غرفة الانتظار بالمطار بالماسكرا الكثيفة، ومحدد العيون أسود اللون، وظل العيون الفضي، فيما كان أحمر الشفاه أقرب للأبيض. كان كل ذلك يتماشى مع الموضة السائدة في تلك السنوات؛ ولذلك بدا أقل غرابة مما بدا لاحقا، ولكنه كان مزعجا ولافتا بما يكفي. كانت الثقة التي حملت بها هذا التنكر متذبذبة إلى حد كبير؛ فهي لم تكن لتجرؤ على الظهور به أمام باتريك أو جوسلين؛ فعندما كانت تذهب لزيارة جوسلين، كانت دائما ما ترتدي أوسع ما لديها من سراويل وكنزات. ومع ذلك عندما كانت جوسلين تفتح لها الباب كانت تقول: «مرحبا بالسيدة مثيرة!» بنبرة سخرية ودودة. فجوسلين ذاتها كانت قد أصبحت شعثاء المظهر بشكل لافت، فلم تكن ترتدي سوى ملابس كليفورد القديمة؛ فكانت ترتدي سراويله القديمة التي لم تكن تغلق عليها؛ لأن بطنها لم تعد كما كانت بعد أن وضعت آدم، وكذا قمصانه القطنية البيضاء المهترئة التي كان كليفورد يرتديها يوما ما من أجل العروض. كانت جوسلين فيما يبدو ترى أن مسألة الحفاظ على الرشاقة والتزين بالمساحيق ومحاولة الظهور بمظهر مغر بأي شكل مضحكة إلى حد مقيت، ولا تستحق حتى الازدراء؛ كانت بالنسبة لها أقرب لحديث تنظيف الستائر بالمكنسة. كانت تقول إن مشاعر كليفورد لا تختلف على أي حال؛ فقد كان كليفورد، على حد تعبير جوسلين، ينجذب لغياب الحيل ومظاهر التزين الأنثوية؛ فكان يحب السيقان غير الحليقة والإبط المشعر، وروائح الجسم الطبيعية. وراحت روز تتساءل إذا كان كليفورد قد قال هذا حقا، ولماذا؟ هل من منطلق الشفقة، أم الود وحسن المعاشرة، أم على سبيل المزاح؟
وجدت روز مكتبة عامة فدخلت وجعلت تتطلع إلى عناوين الكتب، إلا أنها لم تستطع الانتباه إليها؛ فقد كان هناك صوت معوق نوعا ما - وإن لم يكن كريها - يسري عبر رأسها وجسدها. وفي الخامسة إلا الثلث عادت إلى المبنى الزجاجي وجلست تنتظر.
كانت لا تزال تنتظر بينما عقارب الساعة تشير إلى السادسة وعشر دقائق. أخذت تعد الدولارات بحقيبتها. كان معها دولار وثلاثة وستون سنتا. لم يكن بإمكانها الذهاب إلى أي فندق، ولم تكن تعتقد أنهم سيتركونها تقضي الليل في المبنى الزجاجي. لم يكن بوسعها فعل أي شيء إلا الدعاء بأن يستطيع كليفورد الوصول إليها، ولكنها لم تكن تعتقد أنه سيفعل. ربما تغير الجدول تماما، وقد يكون استدعي للمنزل لأن أحد الطفلين مريض، ربما يكون قد تعرض لكسر في رسغه ولم يستطع العزف على الكمان. كانت باول ريفر مكانا مقيتا وليست سوى سراب كريه الرائحة يستدرج إليه المسافرون من مرتكبي الجرائم لتوقيع عقوبات عليهم. لم تكن مندهشة في الواقع؛ فقد قفزت القفزة التي لم يكن يجب القيام بها، وكان هذا هو ما آلت إليه.
قبل أن يدخل المسنون لتناول العشاء سألتهم عما إذا كانوا قد علموا بأمر حفل موسيقي يقام الليلة في قاعة المدرسة الثانوية، فأجابوا بالنفي على مضض. «لم نسمع مطلقا بأنهم يقيمون حفلات هنا.»
अज्ञात पृष्ठ