فوضع يديه على عينيه، وقال: رباه لماذا قضيت علي أن أراها؟
ثم وقف وقال: ألا سبيل للرجوع عن عزمك؟
قالت: وا أسفاه. - ولكن هل تمعنت مليا في الأمر؟ - كلا. - لماذا؟ - لأن تمعني يدل على أني مترددة في أمر يمكن قبوله، وأية فائدة من التمعن وقبولي بزواجك من المستحيلات؟ - ما هذه الألغاز التي أسمعها؟ ألا ترين مقدار عذابي؟ - وأنت يا موسيو فولون أتحسب أني لا أتألم؟ - ولكن قولي لي على الأقل إنك تحبينني. - إني أحبك بملء جوارحي، وكيف لا أحبك وأنت المحسن إلي ؟ - لست أطلب هذا النوع من الحب. - إني سأحبك مدى الحياة حبي لأعز إخوتي. - لا أجد في قلبك غير عاطفة الحب الأخوي؟ - إن القلب لا يتسع لغرامين. - إذن أنت تحبين؟ - نعم.
فأطرق مليا ثم قال: إنك قضيت علي بالعذاب الدائم يا مرسلين، ومع ذلك فإني أحبك وأغفر لك.
ثم تركها وانصرف وهو من القانطين، أما هي فلم تكن أقل منه عذابا، وقد أقامت يومها تفكر في أمرها، وعادت في اليوم التالي إلى المعمل، ولكن فكر الابتعاد كان قد تغلب عليها، فلما عادت إلى المنزل كتبت إلى فولون أنها لن تعود إلى المعمل.
وكانت قد اقتصدت شيئا من المال في خلال خدمتها يعينها على الانتظار إلى أن تظفر بعمل جديد، ثم إنها كانت بارعة في الموسيقى فتمكنت من تعليم العزف على البيانو في أحد البيوت، وكثر زبائنها فعاشت بفضل هذا التعليم.
مضى على هذه الحوادث عشرون عاما لم يحدث في خلالها لأبطال روايتنا أمر جدير بالذكر.
وقد بلغت مرسلين خمسة وأربعين عاما فكانت كأنها ابنة ستين؛ إذ تجعد وجهها وابيض شعرها، ولم يبق لها من دلائل الصبا غير صفاء عينيها ونظراتها الحلوة.
وبلغ ولدها جيرار الخامسة والعشرين، وهو جميل الوجه واللسان متين العضل، وقد جعلته أمه طبيبا؛ فإنها كانت تشتغل ليل نهار في سبيل تعليمه.
أما أخته مودست فهي الآن صبية شقراء يفتن جمالها القلوب.
अज्ञात पृष्ठ