بسم الله الرحمن الرحيم
وعلى نبيه محمد وآله أفضل التسليم
أما بعد حمد الله على ما ظهر من نعمه وبطن وقرب من سابغ مننه وشطن وصلاته على نبيه محمد خير من ظعن وقطن وعلى آله وصحبه أهل الذكاء والفطن.
قال الإمام أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي تولى الله مكافأته: هذا كتاب ذكرت فيه المؤتلف والمختلف والمتقارب في اللفظ والمعنى والمتشابه الحروف في الكتابة من أسماء الشعراء وأسماء آبائهم وأمهاتهم وألقابهم مما يفصل بينه الشكل والنقط واختلاف الأبنية. وإنما ذكرت من الأسماء والألقاب ما كانت له نباهة وغرابة وكان قليلًا في تسميتهم وتلقيبهم وكانوا إذا ذكروه ذكروه مفردًا عن اسم الأب والقبيلة لشهرته. ولم أتعد هذا الجنس لقلة الاشتراك فيه ولأن الغلط يقع في مثله من شاعر مشهور وممن له مثل ذلك الاسم كثيرًا ويجري اللبس فيه على من لم يتمهر في معرفة الشعر والشعراء دائمًا.
وجعلته على حروف المعجم إذا كان الحرف الأول من الاسم أصليًا كان فيه أو داخلًا للبناء ليقرب متناوله ويسهل على الملتمس طلبه ممن عرف الاشتقاق ومن لم يعرفه. وجعلت الاسمين إذا كانا على صورة واحدة وحروفهما مختلفة في باب واحد ليعرفا ويفرق بينهما بالنقط والشكل، وجعلت
1 / 7
الباب للأشهر منهما. وأدخلت الذي ليس بمشهور عليه مثل النعيت بالنون أدخلته في باب البعيث ومثل بريد بالباء مضمومة أدخلته مع يزيد في باب الياء. فإن الائتلاف والاختلاف يعرفان ويصحان إذا كانا في موضع واحد. وبالله التوفيق وهو المسدد إلى سواء الطريق.
1 / 8
باب الهمزة
المبتدأة التي يسميها الناس الألف همزة أصل كانت أو مجتلبة من يقال له امرؤ القيس منهم امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار بن عمرو بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن ثور الأكبر وهو كندة ابن عفير ابن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد الشاعر المقدم.
مطلب: مرتع بسكون الراء وكسر التاء ذكره ابن ماكولا وابن الكلبي وقال سمي بذلك لأنه كان يقال له: أرتعنا فيقول: أرتعتكم أرض كذا وكذا والتشديد ذكره أيضًا لغة.
ومنم امرؤ القيس بن عابس بن المنذر بن السمط بن امرئ القيس بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع الكندي جاهلي وأدرك الإسلام. وفد على رسول الله ﷺ ولم يرتد في أيام أبي بكر وأقام على الإسلام وكان له عناء في الردة وهو القائل:
ألا أبلغ أبا بكر رسولًا ... وخص بها جميع المسلمينا
فلست مجاورًا أبدًا قبيلا ... بما قال الرسول مكذبينا
دعوت عشيرتي للسلم حتى ... رأيتهم أغاروا مفسدينا
فلست مبدلًا بالله ربًا ... ولا متبدلًا بالسلم دينًا
1 / 9
وهو القائل:
قف بالديار وقوف حابس ... وتأيّ إنك غير يائس
ماذا عليك من الوقو ... ف بهامد الأطلال دارس
فأخذه الكميت فقال:
قف بالديار وقوف زائر ... وتأيّ إنك غير صابر
ماذا عليك من الوقو ... ف بهامد الطلين داثر
وله أخبار قد ذكرتها في شعراء كندة في كتاب الشعراء المشهورين.
ومنهم امرؤ القيس بن بكر بن امرئ القيس بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع الكندي جاهلي. وكان شاعرًا ويقال له الذائد لقوله:
أذود القوافي عني ذيادًا ... ذياد غلام غويّ جرادا
فلما كثرن وأعيينني ... تنقيت منهن عشرًا جيادا
فأعزل مرجانها جانبًا ... وآخذ من درها المستجادا
من ولده إياس بن شراحيل بن قيس بن امرئ القيس أحد من وفد على النبي ﷺ.
ومنهم امرؤ القيس بن عمرو بن الحارث بن معاوية الأكبر بن ثور ابن مرتع الكندي جاهلي. وهو القائل في حرب كانت بين بني الحارث بن معاوية وبني تميم هزمت فيها بنو تميم وقتلوا قتالًا ذريعًا في قصيدة أولها:
1 / 10
طربت وعناك الهوى والتطرب ... وغادتك أحزان تشرق وتنصب
يقول فيها:
أتتنا تميم قضها بقضيضها ... ومن سار من أطرافهم وتأشبوا
سمونا لهم بالخيل تردى كأنها ... سعال وعقبان اللوى حين تركب
فقالوا لنا إنا نريد لقاءكم ... فقلنا لهم أهل تميم ومرحب
ألم تعلموا أنا نفل عدونا ... إذا احشوشدوا في جمعهم وتألبوا
بضرب يفض البيض شدة وقعه ... ووخز ترى منه الأسنة تخضب
فهؤلاء أربعة من كندة.
ومنهم امرؤ القيس بن حمام بن مالك بن عبيدة بن هبل بن عبد الله ابن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد الله بن رفيدة بن ثور بن كلب ابن وبرة شاعر جاهلي وهو القائل:
لآل هند بجني نفنف دار ... لم يمح جدتها ريح وأمطار
أما تريني بجنب البيت مضطجعًا ... لا يطبيني لدى الحيين أبكار
فرب بيت يصم القوم رجته ... أفأته إن بعض القوم عوار
وهي أبيات في أشعار كلب، والذي أدركه الرواة من شعره قليل جدًا، وكان امرؤ القيس هذا هجينًا وهو الذي يدعى عدل الأصرة وإياه يعني مهلهل التغلبي وكان زهير بن جناب الكلبي أغار عليهم ومعه امرؤ القيس هذا فانصرف وامرؤ القيس هاربًا. فقال مهلهل:
لما توعر في الكراع هجينهم ... هلهلت أثأر جابرًا وصنبلا
1 / 11
في قصة مذكورة في أخبار زهير بن جناب. وبهذا البيت قيل لمهلهل مهلهل وبعض الرواة يروي بيت امرئ القيس بن حجر:
عوجا على الطلل العميل لعلنا ... نبكي الديار كما بكى ابن حمام
يعني امرأ القيس هذا. ويروي: خذام.
ومن كلب أيضًا امرؤ القيس بن بحر الزهيري من ولد زهير بن جناب وهو القائل:
طعنت غداة القاع شملة طعنة ... تركت أبا أوس صريعًا مجدلا
وأجررته رمحي فغودر ثاويًا ... عليه سباع القاع يردين خجلا
ومنهم امرؤ القيس بن ربيعة بن الحارث بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن غانم بن تغلب وهو مهلهل الشاعر المشهور ويقال اسمه عدي.
ومنهم امرؤ القيس بن عدي الكلبي ولا أعرف نسبه إلى كلب بن وبرة وأظنه أحد بني كعب بن عليم بن جناب وكان أسيرًا في بني شبان فذكر رجل منهم أنه قتل بذحل زيد مناة بن معقل بن كعب بن عليم فوثب امرؤ القيس بالرمج فطعنه ثم قال:
أبلغ أبا أفعى عدي بن معقل ... وقد كنت شول الرمح إذ غاب معشري
تركت يتامى لم أبال فقودهم ... كما لم يبالوا يتم سخطي وجعفر هما ابناه
1 / 12
ومنهم امرؤ القيس بن كلاب بن رام العقيلي ثم الخويلدي وهو خويلد بن عوف بن عامر بن عقيل شاعر ويقول لرجل من بني قشير:
ولقد رأيت مخيلة فتبعتها ... مطرت على بحاصب وتراب
إني لأكره أن تجيء منيتي ... حتى أغيظ سوادة بن كلاب
أني أتيح لها وكان يمعزل ... ولكل أمر واقع أسباب
ومنهم امرؤ القيس بن مالك الحميري القائل:
يا هند لا تنكحي بوهة ... عليه عقيقته أحسبا
مرسعة وسط أرباعه ... به عسم يبتغي أرنبا
ليجعل في رجله كعبها ... حذار المني أن يعطبا
وهي أبيات تروى لامرئ القيس بن حجر الكندي وذلك باطل إنما هن لامرئ القيس هذا الحميري وهي ثابتة في أشعار حمير؛ قوله مرسعة أي ترسع تميمة وترصع أيضًا وهو أن يخرق سيرًا ثم يدخله في سير آخر مثل سيور المصحف.
ومن يقال له الأعشى منهم أعشى بني قيس بن ثعلبة وهو ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن عوف بن سعد بن ضبيعة بن قيس ابن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل الشاعر المشهور المقدم، وكان أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي النحوي المعروف بنفطويه أملى علينا أسماء الأعاشي فذكر ثمانية منهم أعشى بني قيس بن ثعلبة.
ومنهم أعشى بني ربيعة بن ذهل بن شيبان واسمه عبد الله بن
1 / 13
خارجة ولم ينسبه أبو عبد الله؛ وهو عبد الله بن خارجة بن حبيب بن عمرو ابن يعسوب بن قيس بن عمر بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان، ووجدت في كتاب أنساب لبني شيبان مجرد أنه حبيب بن عمرو بن قيس بن عمرو المزدلف الشاعر. قال ابن الكلبي عمرو وهو المزدلف وابن ابنه الأعشى وحبيب المزدلف القائل:
لقد علمت أفناء شيبان أننا ... قبيلة صدق في الأمور النوائب
وأنا إذا ما الحق أعوز أهله ... أوى كل مطلوب إلينا وطالب
وله أعشار كثيرة في كتاب بني ربيعة بن ذهل؛ فأما العشى وهو ابن ابنه فله ديوان مفرد؛ ودخل على بشر بن مروان فأنشده أبياتًا فقال: ما صنعت شيئًا، فأنشده:
رأيتك أمس خير بني معدّ ... وأنت اليوم خير منك أمس
وأنت غدًا تزيد الضعف خيرًا ... كذاك تزيد سادة عبد شمس
وتاج الملك ليس يزال فيهم ... تحول فوق رأس كل رأس
وقد دخل على عبد الملك فأنشده وعلى سليمان بن عبد الملك وذلك مذكور فيما تنخلته من أشعار بني أبي ربيعة.
ومنهم أعشى بني عوف بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان واسمه عندي في القبيل ضابىء. قال أبو عبد الله إبراهيم بن محمد: اسمه يزيد ابن خليد بن مالك بن فروة بن قيس بن أبي عمرو وأنشد له:
قد سر قومي على ما كان من حدث ... بالعين آبى لأخلاق العلى سامي
إني لفي جبل أبغي العداة به ... صعب الذوائب من هندٍ وهمام
1 / 14
قال: وهند هذه امرأة من بني شيبان كان لها سبعة أولاد ينسبون إليها وهم الذين جاورهم فأحمد جوارهم وقال في ذلك:
عليك بني هند فكن في جوارهم ... فإنك إن جاورتهم لن تندما
هم يمنعون الجار من كل سوءة ... وتصبح فيهم آمن السرب محرما
فلم أر جيرانًا إذا الحرب شمرت ... كمثل بني هند أعفّ وأكرما
إذا كنت فيهم لم تنلك ظلامة ... ولا غدرة حتى تؤب مسلما
وأعشى بني عوف هذا هو الذي تمثل عبد الملك بن مروان بشعره وهو:
إن كنت تبغي العلم أو أهله ... أو شاهدًا يخبر عن غائب
فاعتبر الأرض بأسمائها ... واختبر الصاحب بالصاحب
العلم في البيت الأول معناه الخبر هذا كله عن أبي عبد الله وليس عندي في أشعار بني عوف بن همام منه شيء.
ومنهم أعشى باهلة ويكنى أبا قحفان جاهلي ولم ينسبه أبو عبد الله. واسمه عامر بن الحارث أحد بني عامر بن عوف بن وائل بن معن، ومعن أبو باهلة وباهلة امرأة من همدان وهو الشاعر المشهور صاحب القصيدة المرثية في أخيه لأمه المنتشر:
إني أتتني لسان لا أسرّ بها ... من علو لا عجب منها ولا سحر
ومنهم أعشى همدان ولم ينسبه أبو عبد الله واسمه عبد الرحمن
1 / 15
ابن عبد الله بن الحارث بن نظام بن جشم بن عمرو بن مالك بن عبد الجن ابن زيد بن جشم بن حاشد بن جشم بن خيران بن عوف بن همدان، وهمدان هو أوسلة بن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة بن الخيار بن مالك ابن زيد بن كهلان، وهو شاعر محسن مقدم وهو القائل:
إن الخليط أجد منتقله ... ولذاك زمت غدوة إبله
عهدي بهم في النقب قد سندوا ... يهدي صعاب مطيهم ذلله
وهي من مشهور شعره ونادره وجيده كثير وقد اخترت له جزءًا مفردًا فيما اخترته من أشعار المشهورين، وكان خرج مع ابن الأشعث فأخذ أسيرًا وأتى به الحجاج فلما مثل بين يديه قال له: أنت القائل:
إن ثقيفًا منهم الكذابان ... كذابها الماضي وكذاب ثان
إنا سمونا للكفر الفتان ... حين طغى للكفر بعد الإيمان
بالميد الغطريف عبد الرحمن ... يا رب أمكن من ثقيف همدان
قد أمكن الله ثقيفًا منك يا فاسق. وأمر به فضربت عنقه. وأخباره مشهورة مشروحة مع اختيار شعره.
ومنهم أعشى بني ضورة العنزيين كان حليفًا في بني حنيفة بن لجيم. قال أبو عبد الله: اسمه عبد الله بن سنان أحد بني ضورة بالهاء، وهو القائل:
خف القطين فراحو منك أبو بكروا ... وودعوك وداع البين وأصدروا
وهذه القصيدة عندي في أشعاره. والذي وجدت في كتاب بني حنيفة وقيل إنها تروى لأبي الحويرث ولا أعرفه ويجوز أن يكون هو أبا الحويرث:
أباح لنا ما بين بصرى ودومة ... كتائب منا يلبسون السنورا
1 / 16
إذا هو سامانا من الناس واحد ... له الملك خلى ملكه وتقطرا
نفت مضر الحمراء عنا سيوفنا ... كما طرد الليل النهار فأدبرا. في أبيات
ومنهم أعشى بني جلان واسمه سلمة بن الحارث ولم يرفع أبو عبد الله نسبه وأظنه من بني جلان بن عتيك بن أسلم بن يذكر بن عنزة، هجا قومًا من بني عمه فقال:
ذهبتم فلم يفقد مكان بيوتكم ... وجئتم فلا أهلًا نقول ولا سهلا
ومنهم أعشى بني مازن بن عمرو بن تميم ولم يذكر أبو عبد الله اسمه ولم يرفع نسبه. وذكر أنه وفد على رسول الله ﷺ فأنشده:
يا سيد الناس وديان العرب ... إليك أشكو ذربةً من الذرب
خرجت أبغيها الطعام في رجب ... فحلقتني بنزاع وهرب
أخلفت العهد ولطت بالذنب ... وهن شر غالبٍ لمن غلب
قوله ذربة يعني امرأته أي ذربة سلطة جديدة ويقال الذربة الداهية، وقوله وهرب ويروى وحرب. وهذا ما ذكره أبو عبد الله إبراهيم بن محمد. قال أبو القاسم الآمدي: وأنشد ثعلب عن ابن الأعرابي هذه الأبيات وذكر أنها للأعور بن قراد بن سفيان بن غضبان بن نكرة بن الحرملة وهو أبو شيبان الحرمازي أعشى بني حرماز وكان مخضرمًا أدرك الجاهلية والإسلام وأنشد ثعلب في الأبيات زيادة وهي:
وتركتني وسط عيص ذي أشب ... تكدّ رجلي مسامير الخشب
أكمه لا أبصر عقدة الحقب ... ولا أرى الصاحب إلا ما اقترب
وهنّ شر غالب لمن غلب
فهذا أعشى بني الحرماز فأما أصحاب الحديث فيقولون أعشى بني
1 / 17
مازن، والثبت أعشى بني الحرماز؛ فأما بنو مازن فليس فيهم أعشى. وقوله: أكمه لا أبصر عقدة الحقب؛ يدل على عشاه. وأنشد له ابن الأعرابي أيضًا:
يا لعنة الله على وجه الكبر ... من صاحب كان بعيب ينتظر
وخبث ريح وبياض في الشعر
يأمر نفسه أي كأنه يأتمر بشر للمرء؛ وأنشد له في ذم بنيه وعقوقهم:
إن بنيّ ليس فيهم برّ وأمهم مثلهم أو شر إذا رأوها نبحتني هروا
وأنشد له فيهم أيضًا:
قد كنت أسعى لهم رطابا ... وأعمل الرحلين والركابا
وأكثر الطعام والشرابا ... حتى إذا ما امتلأوا شبابا
اتخذوا متيعي نهابا ... وأكثروا في رأسي الجذابا
وكنت أرجو البرّ والثوابا
أي منهم. وأنشد أبو سعيد السكري هذه الأبيات لأعشى بني الحرماز هذا وزاد فيها بعد قوله:
حتى إذا ما امتلأوا شبابًا ... وكفأوا الأذرع والرقابا
فهؤلاء ثمانية أعاش ذكرهم أبو عبد الله إبراهيم بن محمد إلا أعشى بني الحرماز فإنه جعله أعشى مازن.
ومنهم أعشى بني نهشل وهو الأسود بن يعفر بن عبد الأسود بن حارثة بن جندل بن نهشل بن دارم الشاعر المشهور.
ومنهم أعشى طرود وبني طرود من فهم بن عمرو بن قيس بن
1 / 18
عيلان وهم حلفاء بني سليم. ثم في بني خفاف وهو القائل يخاطب ابنه أنشده عمرو بن بحر الجاحظ:
نفسي فداؤك من وافد ... إذا ما البيوت لبسن الجليدا
كفيت الذي كنت ترجى له ... فصرت أبًا لي وصرت الوليدا
وليس هذان البيتان في أشعار فهم ولا في أشعار بني سليم، وجدتهما في أمالي ثعلب أحمد بن يحيى لمسعر بن كدام ورأيتهما في شعر عبد القيس لشاعر مجهول ولم يذكر اسمه، بلى وجدت لأعشى طرود في أشعار بني سليم ولم أعرف اسمه ولا نسبه إلى القبيل
يا دار أسماء بين السفح فالرحب ... أقوى وعفى عليها ذاهب الحقب
فما تبين منها غير منتضد ... وراسيات ثلاث حول منتصب
وعرصة الدار تستنٌ الرياح بها ... تحن فيها حنين الوله السلب
دار لأسماء إذ قلبي بها كلف ... وإذ أقرب منها غير مقترب
إن الحبيب الذي أمسيت أهجره ... عن غير مقلية مني ولا غضب
أصد عنه ارتقابًا إن ألمّ به ... ومن يخف قالة الواشين يرتقب
إني حويت على الأقوام مكرمة ... قدمًا وحذرني ما يتقون أبي
وقال لي قول ذي علم وتجربة ... بسالفات أمور الدهر والحقب
أمرتك الرشد فافعل ما أمرت به ... فقد تركتك ذا مال وذا نشب
ومنهم أعشى بني أسد وهو الأعشى بن بجرة بن منقذ بن
1 / 19
طريف جد مطير بن الأشيم الشاعر الأسدي جاهلي وهو القائل:
أبلغ بني الطرماح إن لاقيتهم ... كلمات موعظة وهنّ قصار
لا أعرفن سيوفنا ورماحنا ... غدوًا كأنكم لهن دوار
وكأننا فيكم جمال ذبة ... أدم علاهن الكحيل وقار
ومنهم أعشى آخر وهو طلحة بن معروف أخو الكميت بن معروف الأصغر بن الكميت الأكبر بن ثعلبة بن الأشتر بن جحوان بن فقعس ابن طريف وهو القائل في أخويه الكميت وصخر:
أجدك لن تلقى الكميت ولا صخرًا ... وإن أنت أعملت المطية والسفرا
هما أخواي فرق الدهر بيننا ... إلى الأمد الأقصى ومن يأمن الدهرا
هذا ما وجدته من أشعار بني أسد ووجدت في آخر ديوان الكميت بن ثعلبة الأعشى هو خيثمة بن معروف بن الكميت بن ثعلبة. فلست أدري خيثمة هذا أهو طلحة لو وقع في اسم غلط أم هما أخوان أعشيان. ووجدت له قصيدة طويلة يقول فيها:
قد يخبر الله أقوامًا ويعقبهم ... غنى ويحدث من بعد الغنى الكرب
فلا يغرنك من دهر تقلبه ... إن الليالي بالفتيان تنقلب
ومنهم أعشى عكل واسمه كهمس بن قعنب بن وعلة بن عطية. ووجدت له ديوانًا مفردًا اخترت منه:
أصبحت فارقني الشباب ورابني ... بصري وقد تتفرق الإخوان
قد كان يلبسني الشباب رداءه ... حسنًا ويسعدني على الأقران
فعلى الشباب إذا تولى مدبرًا ... مني السلام ورحمة الرحمان
1 / 20
فلقد غدوت من الصبى وكأنني ... عش أقام وحلق الفرخان
وهو القائل في قصيدة:
وإذ أنا باطلي تلهو إليه ... ذوات الريط والقصب الخدال
فأصبح كل ذلك قد تولى ... ولاح الشيب أبيض في قذالي
وودعني الشباب وقد أراني ... كنصل السيف حودث بالصقال
أقوم على يدي وأعين رجلي ... كأني شرجع بعد اعتدال
لمرّ ضحى ومرّ سواد ليل ... وكثرة ما أبشر بالهلال
فيا عجبًا لإشفاقي وحرصي ... على طول الحياة وقد أنى لي
أحاذر ما أفات أبي وجدي ... وأفنى كلّ عم لي وخال
وكان أعشى عكل يلاحي بلالًا ونوحًا ويهاجيهما وهو القائل فيهما في قصيدة
سألت الناس أي الناس شر ... وأخبث إذ تجوهرت الأمور
وألأم أولا وأدقّ فعلا ... فقالوا أسرة منهم جرير
إذا سئل الورى عن كل خزي ... أشار إلى بني الخطفى مشير
ولأعشى عكل رجز قد ذكرته في أشعاره مع شعر الرباب.
ومنهم أعشى بني عقيل وهو معاذ بن كليب بن حزن بن معاوية ابن خفاجة بن عمرو بن عقيل. وهو الذي كان يغاور بني الحارث بن كعب وكان شاعرًا فارسًا وهو القائل:
تمنيت أن تلقى معاذًا بسحبل ... ستلقى معاذًا والقضيب الميانيا
1 / 21
سنقتل منكم بالقتيل ثلاثة ... ويغلى وقد كادت دماء غواليا
فلا تحسبن الدين يا علب منظرًا ... ولا الثائر الحران ينسى التقاضيا
يريد علبة بن ماعز الحارثي. وفي هذه الأبيات جواب قول جعفر بن علبة الحارثي حين لقي بني عقيل:
كأنّ العقيليين حين رأيتهم ... فراخ القطا لاقين أجدل بازيا
ألا لا أبالي بعد يومي بسحبل ... إذا لم أعذب أن يجيء حماميا
فإنّ بأعلى سحبل ومضيقه ... مراق دم قد يبرح الدهر ثاويًا
وليس ورائي حاجة غير أنني ... رددت معاذًا كان فيمن أتانيا
فتصدقه النفس الخبيثة موطني ... ويوقن بالعشواء إن قد رآنيا
قوله يوقن بالعشواء يريد عينه، وقصة جعفر بن علبة فيما كان بينه وبين بني عقيل مذكورة عند ذكره مع شعراء بني الحارث بن كعب.
ومنهم أعشى بني مالك بن سعد رهط العجاج وهو راجز مشهور.
ومنهم الأعشى التغلبي واسمه نعمان بن نجوان ويقال ربيعة ابن نجوان بن أسود أحد بني معاوية بن جشم بن بكر وهو القائل:
أصبحت أعشى كبيرًا قد تخونني ... ريب الزمان وقدمًا كان ريابا
وراجع الحلم قلبي بعد صبوته ... وقد يكون خديني الجهل أحقابا
ولا حب مثل فرق الرأس مطرد ... قد ألبسته ستور الليل جلبابا
جاوزته بكناز اللحم دوسرة ... ترى لها في حصى المعزاء أندابا
وله ديوان مفرد وقصائد في حرب قيس وتغلب وقتل ابن الحباب وشأن
1 / 22
زفر بن الحارث. وهو القائل:
وفي الأمر تشبيه إذا كان مقبلًا ... ولكنما تبيانه في التدبر
ح التدبر ها هنا بمعنى الإدبار. ومن نادر الشعر قوله:
حنت سلامة للفراق جمالها ... كيما تبين وما تحب زيالها
الحسن آلفها يبيت ضجيعها ... وتظل قاصرةً عليه ظلالها
ظلت تسائل بالمتيم ماله ... وهي التي فعلت به أفعالها
وهي قصيدة مدح بها مسلمة بن عبد الملك فقال:
حبر لمسلمة البتاء فإنه ... فضلت أنامله الاكف فطالها
فلتبلغنك مدحة قد حبرت ... أعشى بني غنم بن تغلب قالها
ومنهم أعشى بن النباش بن زرارة التميمي حليف بني نوفل قال يرثي ابني الحجاج وقتلى بدر:
قذى بعينك أم بالعين عوار ... بل حزنها إن خلت من أهلها الدار
وقد أراها حديثًا وهي آنسة ... لا يشتكي أهلها ضيف ولا جار
إن يكسبوا يطعموا من فضل كسبهم ... وأوفياء لمن آووه أبرار
ويل أم بني الحجاج إن ندبوا ... لا بخل فيه ولا في الخصم إيثار
وعندهم يبتغي المعروف قد علمت ... عليا معد وهم سر وأخيار
نجوم مكة يستسقى الغمام بهم ... وهم لمن يجتدي المعروف أنهار
لو كان مجد على الجوزاء أنزلهم ... مجد تليد وأحلام وأخطار
أي لو كان مجد على الجوزاء مجد تليد ح وقوله في أول البيت الرابع من الأولى: ويل أم بني. زحاف وتقويمه ويل لأم بني.
1 / 23
من يقال له الأخطل منهم الأخطل التغلبي واسمه غياث بن غوث بن الصلت بن طارقة بن عمرو بن التيحان بن فدوكس بن عمرو بن مالك بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب الشاعر المشهور من الأراقم.
ومنهم الأخطل الضبعي كان شاعرًا وادعى النبوة وكان يقول: لمضر صدر النبوة ولنا عجزها فأخذه عمر بن هبيرة فقال: ألست القائل:
لنا شطر هذا الأمر قسمة عادل ... متى جعل الله الرسالة ترتبا
أي راتبة في واحد. قال وأنا القائل:
ومن عجب الأيام أنك حاكم ... علي وأني في الوثاق أسير
ح ويروى في يديك أسير قال أنشدني شعرك في الدجال قال أغرب ويلك فأمر به فضربت عنقه وهو القائل في مسيلمة الكذاب:
لهفًا عليك أبا ثمامة ... لهفًا على ركني شمامه
كم آيةٍ لك فيهم ... كالبرق يلمع في غمامه
ومنهم الأخطل المجاشعي وهو الأخطل بن غالب أخو الفرزدق وكان شاعرًا وإنما كسفه الفرزدق فذهب شعره ووجدت له بيتًا واحدًا أنشده الطائي في اختيار المقطعات:
إلى نار ضراب العراقيب لم يزل ... له من ذنابي سيفه خير حالب
ويروى هذا البيت للفرزدق في أبياته المشهورة التي أولها:
وركب كأن الريح تطلب عندهم ... لهاترة من جذبها بالعصائب
ومنهم الأخطل بن حماد بن الأخطل بن ربيعة بن النمر بن تولب شاعر لم يقع إلي شعره وأنشد له أبو حاتم في كتاب ما تلحن فيه العامة:
1 / 24
يهينون من حفروا شيبه ... وإن كان فيهم يفي أو يبر
ووجدت في ديوانه هذا البيت للنمر بن تولب في جملة أبيات يقول فيها:
فيوم علينا ويوم لنا ... ويوم نساء ويوم نسر
ووجدت في أشعار الرباب عن المفضل وحماد للأخطل بن ربيعة:
وليلة ذي نصب بتها ... على ظهر توأمة راجله
وبيني إلى أن رأيت الصباح ... ومن بينها الرحل والراحله
من يقال له الأغلب منهم الأغلب الراجز العجلي وهو الأغلب ابن عمرو بن عبيدة بن حارثة بن دلف بن جشم بن قيس بن سعد بن عجل بن لجيم بن الصعب بن علي بن بكر بن وائل وهو أرجز الرجاز وأرصنهم كلامًا وأصحهم معاني وهو القائل
الحلم بعد الجهل قد ينوب ... وفي الزمان عجب عجيب
وعبرة لو ينفع التجريب ... واللبّ لا يشقى به اللبيب
والمرء محصى سعيه مرقوب ... يهرم أو تعتاقه شعوب
وكل أقصى ربضه قريب
وله في المفاحشات ما ليس لشاعر؛ واخترت شعره في ما اخترت من الرجز.
1 / 25
ومنهم الأغلب الكلبي واسمه بشر بن حزرم بن خثيم بن جعول ابن ربيعة بن حصن بن ضمضم بن عدي بن جناب وكان يهاجي عبد الله بن دارم بن جبلة بن إساف بن هذيم بن عدي بن جناب وفيهما يقول مكيث الكلبي في قصيدة:
فمن مبلغًا بشرًا معًا وابن دارم ... قصائد مني قد أمنّ بريمها
تماديتما في نوكة فكلاكما ... يسبّ عديًا جاهدًا ويديمها
وما في عدي من معاب لعائب ... ولا حلم يطوى عليه أديمها
وعبد الله بن دارم بن جبلة القائل في بني ربيعة بن حصن بن ضمضم رهط الأغلب
كأن بني ربيعة رهط سلمى ... حجارة خارئ يرمي كلابا
ويعرف من ربيعة كلّ كهل ... إذا يزداد نوكا حين شابا
كذاك عرفت أولهم قديمًا ... وآخرهم إذا بلغ الشبابا
فأما الأغلب فلم أجد له في أشعار كلب شعرًا وأظن شعره درس فلم يدرك.
ومنهم الأغلب بن نباتة الأزدي ثم الدوسي أنشد له أبو عمر وبندار بن لزة الكرخي في كتابه الذي ألفه في معاني الشعر
ولست بذي قلبين قلبٍ مشيع ... وقلب إذا ما أرعد القوم أرعدا
ولكن قلبي قلب أغلب باسل ... إذا انصلتت عنه الليالي تمردا
كمثل المداك أو كشجرة عاقل ... وآة أبت في القرب إلا توقدا
1 / 26