أما أنتن فقد تركتن العمل، فكنتن عالة على الرجال، يقومون بشئونكن بلا مقابل منكن على ذلكن، وبهذا وضعتن أنفسكن موضع الحيوانات التي تقتنى للزينة، وقد تغاليتن في زينة أجسامكن إلى حد صرتن معه تماثيل تضحين في سبيل ذلكن الكمال والصحة، حتى أصبح الإنسان ينظر إليكن فيعجب، ويسمع عنكن فيأسف، قدود مائسة، وأفكار يابسة، أجسام حالية، وعقول عاطلة، فأنتن أصل الفساد، تبددن الأموال، وتهلكن الرجال، قد جبلت نفوسكن على الطمع وحب الاستئثار بالمنافع دون غيركن ممن تخالطن، فلستن تبالين بما ينالهم بسبب تغاليكن في الترف، وبئست الخصال.
وإني على ما أقاسيه من هذا العمل لأسعد منك حالا، وأنعم بالا، وقد كفتني هذه الملابس البسيطة شر ما تجدينه من ملابسك المزخرفة من الضيق، فلست أجد منها ما تجدين من هذا الدرع «الكرسه» الذي ضغط على أضلاعك فآلمك وغير لون وجهك، وهذه الأحذية الضيقة التي فضلا عن ضغطها على الأقدام قد ارتفعت من الخلف فدفعتك إلى الأمام حتى تكادي تسقطين في مشيتك، وناهيك بتأثير ذلك في صحتك، وما مثلك في هذه الملابس الطويلة التي تجر وراءك فتلتقط من الأقذار ما شاءت مع فراغك من العمل إلا كمثل طاووس يربيه الإنسان ليسر بمنظره ، فإن بقي كان تسلية، وإن فقد فلا حاجة إليه.
فخجلت المدنية وانصرفت عنها، وقد خفف ذلك من كبريائها. (28) اللغة العربية
اللغة العربية أغزر اللغات مادة، وأجودها معنى، وأحسنها أسلوبا، وأرقها عبارة، وأشدها تأثيرا في النفوس، وأكثرها فائدة، وأقلها لغوا، قد اعتنى أهلها بتهذيبها وتنقيحها، فكانوا يعدون لذلك الأسواق، فيها يقول كل خطيب أو شاعر ما خطر بباله، وينتقد كلامه الحاضرون من أهل الخبرة والدراية، حتى إذا استحسنوا قوله أثنوا عليه، وحفظوا شيئا مما قال، فيسير ذكره بين قبائل العرب، ويفتخرون به وبقوله.
لذلك اجتهدوا في لغتهم، وأودعوا فيها من الحكم والتشبيهات ما شهدت لهم به كتب التاريخ، حتى قال بعض نبهاء الغربيين: إن جو بلاد العرب الرائق واتساع سهولهم ساعدهم على تصور ما لا يتصوره غيرهم من الناس.
وقد تقدمت العرب في الصدر الأول من الإسلام في كثير من العلوم ودونوها بلغتهم، وانتشروا في البلاد الأخرى حتى دخلوا أسبانيا، فأسسوا بها دور العلم، وعنهم أخذ الغربيون كثيرا من العلوم الحديثة، مثل علم الكيمياء والطبيعة والجبر والأرقام الحسابية وغيرها. (29) بعض الشاعرات
الخنساء
قد اشتهر كثير من نساء العرب بالشعر وحدة الخاطر، ومنهن الخنساء، وقد كانت من أعظم شعراء الجاهلية، وكان تحضر أسواق العرب وتنشد شعرها كغيرها من الرجال، فاشتهرت بين العرب، واستحسن الناس شعرها، وفضلوها على كثير من شعراء عصرها، ومن ذلك قولها:
كل ابن أنثى بريب الدهر مرجوم
وكل بيت طويل العمد مهدوم
अज्ञात पृष्ठ