كتاب المسترشد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا تدركه الأبصار، ولا تحيط به الأقطار، الذي لم تهجم عليه العقول بفكرها، ولا الفكر بمحالها ولا الألباب بتدبيرها، الذي لم ينفصل من المخلوقين فيكون منهم بعيدا، ولم يتصل بهم فيكون لهم مخالطا.
إن سأل سائل ذو حيرة عن قول الله عز وجل :{ إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} [فاطر: 10]. وتوهم أن الله تبارك وتعالى ارتفع في مكان دون الأماكن !! وعاب من قال: إن الله بكل مكان، وقال: أيصعد من الله إلى الله !! إذ قال إنه في السماء وفي الأرض.
فجوابنا في ذلك أن الله تبارك وتعالى في الأماكن كلها، مدبر لها حافظ قائم عليها، لم تحوه ولم تحط به، ولا نقول يصعد منه إليه، فنصفه بالغاية والتحديد، وأنه سبحانه في مكان دون مكان، ولكنا نقول: إن الله تبارك وتعالى خلق ملائكته، وتعبدهم بما شاء، فكلف بعضهم نقلة الأخبار من السماء إلى الأرض، ونقلة الأخبار من الأرض إلى السماء، وأنه خلق السماء فأسكنها ملائكته لعبادته بعضهم ينسخ أعمال الآدميين، ووكل بعضهم رقيبا وحافظا على الملائكة التي وكلت بنسخ أعمال الآدميين، وكذلك قالت الملائكة صلوات الله عليهم :{وما منا إلا له مقام معلوم} [الصافات: 164]. أي: ما وكلوا به من صنوف التعبد، وقوله :{إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}. معناه في الآية الأخرى، مثل قول إبراهيم الخليل عليه السلام :{إني ذاهب إلى ربي سيهدين} [الصفات: 99]. ولم يبرح الأرض في حال ذهابه إلى ربه، وقد كان الله معه.
وقد قال لكليمه موسى وأخيه هارون صلى الله عليهما :{إنني معكما أسمع وأرى} [طه: 46]. وذهاب إبراهيم صلى الله عليه إلى ربه، في الحالة التي ربه معه فيها، وإنما معناه في ذهابه إلى ربه، توجهه إليه بعبادته، وتشاغله عما سواه.
पृष्ठ 293
وكذلك توجيه الملائكة بصعود أعمال العباد إلى الموضع من السماء الذي تعبدت به، ولتصعد بأعمال العباد إليه، وإنما توجهت بتلك العبادة إلى الله، كما ذهب إبراهيم إلى ربه، بمعنى توجهه بعبادته إليه.
ووجه آخر في الصعود، هو القبول لذلك، لأنك تقول لا يصعد إلى الله هذا الكفر، ويقال: قد نسخت الملائكة أعمال الكافرين، وصعدت بها إلى الله، وهو لا يقبلها، ولا تصعد إليه أعمالهم، بمعنى لا يقبلها، وكذلك قال الله عز وجل :{والعمل الصالح يرفعه} بمعنى إنما يقبل الله الكلام الطيب بالعمل الصالح.
فإن لج السائل بالشغب فقال أيصعد من الله إلى الله ؟!
قيل له لا.ولكن يصعد الكلم الطيب من المكان الذي لا يخلو منه الله، إلى السماء التي فيها الله.
पृष्ठ 294
[معاني في]
والله على العرش استوى، وهو عنه غير غائب وهو في السماوات العلى، وفي الأرض ولم يغب عنه نجوى، كذلك قال في كتابه :{أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور} [الملك: 16]. فأخبر أنه في السماء، وكذلك قال :{وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} [الزمر: 84]. وكذلك قال :{وهو الله في السموات وفي الأرض} [الأنعام: 3].
و(في): لها معان تختلف في اللغة، ليس شيء في شيء إلا وهو لا يخلو من أحد هذه المعاني التي نحن ذاكروها إن شاء الله.
1- إما أن تكون فيه، بمعنى قول القائل: الناس في عامهم هذا مخصبون.
2- أو يكون الشيء في الشي محويا كاللبن في وعائه.
3- أو يكون الشيء في الشيء كالحي في حياته.
4- ويكون الشيء في الشيء كالأبيض في بياضه.
5- ويكون الشيء في الشيء كالعبد في سلطان مولاه.
6- ويكون الشيء في الشيء كالمرابط في رباطه، والغازي في غزاته، والباني في بنائه.
فاعرف هذه اللغات، كيف تتصرف في معانيها، وتتوجه في تصاريفها.
7- وقد يكون أيضا معنى (في): إنما هو مع. وفي القرآن مثل ذلك قول الله سبحانه :{ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس} [الأعراف: 38]. فمعنى قوله :{ادخلوا في أمم} أي مع أمم. وكذلك قال :{الذين حق عليهم القول في أمم}، يعني: مع أمم. {وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين} [النمل: 19]. أي: مع عبادك الصالحين. وقال سبحانه:{في تسع آيات} [النمل: 12] أي: مع تسع آيات. وقال :{وجعل القمر فيهن نورا} [نوح : 16] بمعنى: معهن.
8- ومعنى آخر من تأويل (في): يكون تفسيره على ما قال الله تبارك :{ولأصلبنكم في جذوع النخل} [طه: 71] يعني: على جذوع النخل. وقال :{فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها} [الكهف: 42]. يعني: عليها. وقال :{يمشون في مساكنهم} [طه: 28]. يعني: يمرون على قراهم.
पृष्ठ 295
9- ومعنى آخر من معاني (في): يكون تفسيره إلى. وذلك قوله عز وجل :{ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها} [النساء: 97]. يعني: إليها.
10- وقد يتجه تفسير (في): إلى معنى آخر، قال الله سبحانه في كتابه :{ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا} [الإسراء: 72]. أي: عن هذه النعمة، وعن ذكر آياتي، فهو في الآخرة أعمى.
11- وقد يتجه على معنى آخر، في قول الله فيما أخبر عن فرعون، وقوله لموسى عليه السلام :{ولبثت فينا من عمرك سنين} [الشعراء: 12] أي: عندنا، وقال :{إنا لنراك فينا ضعيفا} [هود: 91]. بمعنى: عندنا.
وقال تبارك وتعالى :{وهو معكم أينما كنتم} [الحديد: 4]. فالمعنى في ذلك كله على المشاهدة والتدبير لا على أنه في شيء يحويه، ولا على أنه مع شيء ملازق له ولا أنه على شيء، كما الانسان على السرير، وعلى السطح، وقد خلا منه ما هو أسفل من ذلك.
ومن ذلك قول الشاعر:
وصرنا خاليين وليس معنا .... سوى رب البنية والمقام
فمن أنكر ذلك وزعم أن ربه في مكان دون مكان ! سئل في أي مكان هو ؟!
فإن قال: على العرش.
قيل له: أو ليس العرش غير السماوات والأرض ؟! فقوله: نعم.
فيقال له: كيف قلت هو في السماء، وقد زعمت أنه على العرش، والعرش غير السماوات والأرض ؟! وفي هذا رد لقول الله سبحانه :{وهو الله في السموات وفي الأرض} [الأنعام: 3].
وإن قالوا: إن العرش ليس في السماوات، ولكنه فوقها، عطلوا السماوات من العرش، وفي تعطيلهم السماوات من العرش تعطيل ما قالوا هو العرش دون ما سواها.
पृष्ठ 296
(الرد على من قال إن لله نفسا كنفس الإنسان)
إن سأل سائل ذو حيرة عن قول الله عز وجل :{تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} [المائدة: 116]. وعن قوله سبحانه :{كتب على نفسه الرحمة} [الأنعام: 12]. وتوهم أن لله عز وجل نفسا كنفس الانسان، وأنها جزء الجسم، وأنها جوهر يقيم الأعراض ؟
قيل له: إن معنى قول الله سبحانه في كتابه :{تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك}، أي: تعلم ما أعلم ولا أعلم الذي تعلم، وكذلك قال عز وجل :{كتب على نفسه الرحمة}، فالكاتب هو المكتوب عليه، وهو الله عز وجل، الكاتب والمكتوب عليه.
وإن زعم أن النفس معنى غير ذاته، وزعم أنه شخص.
سئل عما في النفس، أهي النفس أم غير النفس ؟!
فإن زعم أنها غير النفس، زعم أن في ربه غير ربه، وإن زعم أن الذي في النفس هي النفس ! زعم أنه لا معنى لقوله {في نفسي} !!
ويسألون هل كانت النفس وفيها ذلك الذي هو غيرها ؟!
فإن زعموا أنه لم يزل، جحدوا قول الله :{هو الأول} [الحديد:3]. وإن زعموا أنها كانت، وليس فيها ذلك الذي في النفس، وأن ذلك محدث، جحدوا أن يكون:كان عالما لم يزل.
واعلم أن للنفس في لغة العرب معاني، فمنها ما يجوز على الله تبارك وتعالى، ومنها ما لا يجوز عليه.
فأما ما لا يجوز عليه: فمعنى النفس التي هي الروح، وما ذكر الله تعالى من قوله :{وإذا النفوس زوجت} [التكوير: 7]. فهذه النفوس هي أجزاء الإنسان التي هي أرواحهم. وقد قيل في اللغة [في] ذكر هذه النفس: فاضت نفس فلان، يعنون: خروج روحه، وهذا المعنى عن الله عز وجل منفي.
पृष्ठ 297
وقال الله عز وجل في كتابه، يذكر النفس بغير هذا المعنى :{خلقكم من نفس واحدة} [النساء: 10] يعني: من آدم عليه السلام، فسماه نفسا، ولم يرد به روحه، وقال :{يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي} [الفجر: 27]. يعني: يا أيها الإنسان، ولم يرد النفس التي هي الروح فقط، وإنما أراد الحي الذي هو الإنسان، وكذلك قوله :{كل نفس بما كسبت رهينة} [المدثر: 28]. أي: كل إنسان بما كسب رهين، وقال :{أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت} [الزمر: 56]. يعني : أن يقول الانسان وقال :{النفس بالنفس} [المائدة: 45]. يريد: الانسان . وقال :{كل نفس ذائقة الموت} [العنكبوت: 57]. يعني: أن كل إنسان ميت.
والعرب قد تقول للشيء الذي لا روح له ولا شخص، هذا نفس كلامك، وهذا النور بنفسه.
وقال الشاعر:
قالت له النفس إني لا أرى طمعا .... وإن مولاك لم يسلم ولم يصد
وقال آخر:
وهل نحن إلا أنفس مستعارة .... تمر بها الروحات والغدوات
يعني هل نحن إلا أناسي مستعارون، ولو أراد بذكر النفس معنى الروح لما جاز أن يسمى كله نفسا، لأنه بدن ونفس.
وقال آخر:
وقد وفدت إليك بذات نفسي .... قصائد يعترفن بما نشاء
يعني بقوله بذات نفسي، أي: بي كما أنا. كما قيل في اللغة: جئتك بنفسي، ولم يريدوا بقولهم معنى ثانيا، هو غير جئتك، لأنه إذا قيل: جئتك دل على الجائي تاما، ولما قال بنفسي لم يرد معنى ثانيا هو غير المعنى الذي هو جئتك.
وقال آخر:
............... وما لام نفسي مثلها لي لائم
قال الله عز وجل :{قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونسآءنا ونسآءكم وأنفسنا وأنفسكم} [آل عمران: 61]. يعني: نحن وأنتم، وقال الله :{ويحذركم الله نفسه} [آل عمران: 28]. فالمحذر: هو: المحذر منه، يعني يحذركم الله أي: يعذبكم، كما قال :{كتب على نفسه الرحمة} [الأنعام: 12]. وليس الكاتب غير المكتوب عليه.
पृष्ठ 298
(الرد على من زعم أن الله نور كالأنوار المخلوقة)
إن بعض الملحدين توهم أن الله عز وجل نور كالأنوار المنبسطة، وتوهم آخرون منهم أنه نور كالأنوار الكثيفة الساترة، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وقد رأينا مثل المعنيين اللذين توهموا من النور المنبسط، والنور الكثيف الساتر، فأما النور الكثيف الساتر، فالبدر إذا هو كهر، وكثف، ستر من السماء عن أبصارنا بقدر استدارته، ورأينا قرص الشمس كثيفا ساترا يستر الأبصار من السماء بقدر استدارته، فأما النور المنبسط، الذي تنفذه الأبصار فقد رأيناه، من ذلك ضوء النهار، ونور القمر، وشعاع الشمس يدخل من الكوة، فلا يستر أبصارنا لانبساطها، ولا يكون ذلك ساترا لأبصارنا عما خلفه.
وأعلام العبودية في هذه الأنوار التي ذكرنا كلها بينة، وذلك لأن النور الكثيف الساتر ضعيف لا يقدر على الزيادة في نفسه، ولا الانتقاص لها، ولا تقدر على الامتناع من العيون أن تدركها، فالضعف لكل ما ذكرنا لازم، وكذلك الضعف بين في الأنوار المنبسطة، إذ لم يحجب الأبصار عن نفذها ومجاوزتها إلى ما خلفها، فالضعف لكل ما ذكرنا لازم، والله فيتعالى عن هذه المعاني، أن يكون بشيء منها موصوفا، لأنها مخلوقة، وكل ما أشبه المخلوق فهو مخلوق، وليس الخالق للشيء، كالمخلوق في جميع المعاني كلها.
واعلم أن النور له في الكتاب وفي اللغة معان، يجري على الله عز وجل بعضها، ولا يجري عليه بعضها، فالذي يجري عليه منها، هو ما قال الله في كتابه :{الله نور السموات والأرض} [النور: 35].
पृष्ठ 299
يعني: الله ينير لعباده دلائله التي يهتدون إليه بها، لأن يعرفوه بما أبان، ويعلمون أنه الحق بآياته المنيرة، وأن يميزوا بها بين الخالق وخلقه، والله نور الأنوار، وهو منير لما نور من دلائله، فهو نورها لأنه أضاء لنا الأشياء وأبانها، وجلا عنها ظلمة الشبهة، فأزال عنها الشكوك والريب، بتجليتها للعقول، أنه الحق المبين، وأنه نور كل شيء، وليس كمثله شيء. وكذلك أمرنا أن نصفه، وبذلك دلنا على نفسه، من غير أن نجاهر الله فتدركه الأبصار، فاستنار لنا بتدبيره، من غير مشاهدة منا له، ولا إحاطة به، ولا إدراك من حواسنا له، فهو نور السماوات والأرض، ونور من فيهما، بمعنى: الذي ذكرنا أن الحق من عنده، وأن العباد به استناروا، وبه استضاءوا، وبه أبصروا، إذ استضاء لهم سبحانه بنوره الذي عاينوا من خلق أنفسهم، وتدبيره في ملكوت السماوات والأرض.
ومن لطائف الآيات التي لا يكون معها ريب، ولا تدانيها الشكوك، ولا تعتريها الفترات، ولا تكون معها الغفلات، فرأوا ربهم بتدبيره ونوره وعلاماته، لا بمجاهرة منهم له، ولا بالمشاهدة والملاقاة، تقدس الله عن ذلك، وجل جلالا عظيما . وكذلك الله نور السماوات والأرض ومن فيها، لأن عباده الذين هم سكان أرضه، استناروا وعلموه بما عاينوه من نوره، إذ دبر الأرض، وخلق فيها ما به أنار لهم، إنه الله سبحانه، فاستنار نوره بغير تحديد، وعرفوه من غير تخيل، ووحدوه معروفا بغيرتشبيه، بل عرفوا الله بعجيب آياته، وبأثر دلالاته.
पृष्ठ 300
ومعنى آخر في تأويل قوله نور، قد علم العالمين، أن الأشياء تدرك بحقائقها، وتعلم بالاستيقان وإن كانت غائبة. فالله يعلم ويعرف ويميز بين ما يدرك بالمجاهرة، وبين ما لا يدرك بها، كالخشونة واللين، والحمرة والبياض، وما لا يدرك بالمجاهرة، بالسمع والبصر والعقل [ك]الري والظمأ، والشبع والسغب، وما أشبه ذلك مما غيب عن حوآسنا، وإن كنا قد أدركناه، لعلمنا بما صرفنا منه ربنا، فيما أخبرنا عما غاب عنا من ملكوته.
واعلموا أن الله سبحانه وصف الآية التي هي نور، مخبرا لعباده أن الله سبحانه لم يرد نفسه بقوله :{كمشكاة فيها مصباح} [النور: 35]. ولم يمثل بالقنديل نفسه، ولا بالمصباح تعالى عن ذلك، وأي فضل في القنديل، ليس في النجم الذي هو الزهرة، فكيف يمثل نفسه بالقنديل، ويترك ما هو أنور من القنديل وأحسن، بل أي فضل في القنديل ليس في در الجنان! كيف يمثل نفسه بالقنديل ؟! وهو يتعالى عن الزهرة ودر الجنان!
بل كيف يضرب الله لنفسه أمثالا مفضولة دون الفاضلة، تعالى عن التمثيل والأشباه، وتقدس عن ذلك. لكن الله سبحانه نور السماوات والأرض بما أبان لهم عن نفسه، بخلقه لهم، وبما له فيهم من التدبير، الدآل عليه، فاستضاء عباده به إذ أضاء لهم نفسه بخلقه لهم، فلم يضل في مضلات الشبهة، من استضاء بربه، واستنار به، فبانت الأعلام الهادية، لمن استبان بها عن ربها، فبان الله بها لمن استنار بها، وكان الله نوره إذ اهتدى به، وأحيا لنا القلوب بعد موتها بنوره، إذ أنار لها فاهتدينا بها إليه.
ومعنى آخر من معاني النور، وهو مما لا يجوز على الله، وهو ما ذكرنا من معنى الشمس الساترة، وشعاعها المنبسط الذي ليس بساتر.
ومعنى من معاني النور، وهي النيران الكثيفة، وهي في معاني قرص الشمس والقمر.
पृष्ठ 301
ومعنى من معاني النور، وهو الإيمان، لأن الإيمان نور، وكذلك القرآن نور، وقد سمى الله القمر نورا والشمس سراجا، والإيمان نورا، وقال :{يخرجكم من الظلمات إلى النور} [الأحزاب: 43].
فهذه المعاني من الأنوار التي ذكرنا مميزة للعقول، إذا ما نظروا إليها بها، فأجروا على الله منها ما يجوز عليه، وما جرى على العباد منها، فعنه عز وجل نزهوا الله ولم ينسبوه إليه.
وأما تأويل :{مثل نوره كمشكاة} [النور: 35] فقد يجوز أن يكون عنى بذلك القرآن في غياهب الوساوس نيرا مضيئا، وبه يبطل كيد إبليس اللعين، وتوهيمه وخدعه، فالقرآن في هذه الأماكن الموحشة، كالمشكاة التي هي الكوة والمصباح في القنديل ينير لما حوله، ويضيء لمن دنا منه.
وقد يجوز أن يكون الله عنى بقوله مثل نور النبي صلى الله عليه كهذا المعنى الذي وصفنا به القرآن، والمعنى: أن النبي صلى الله عليه أضاء لنفسه بنبوته ورسالة ربه، وأضاء لمن دنا منه أو سمع به في الأخبار.
وقد يتجه أن يكون الله أراد به قلب المؤمن أيضا، والإيمان الذي فيه، فمثل قلب المؤمن وكون الإيمان فيهمثل القنديل في المشكاة، فالإيمان يضيء للمؤمن عن كل ظلمة، كما أن القنديل يضيء في الكوة، وتضمحل به الغياهب المدلهمات من الريب، والإيمان يتوقد ويضيء بالحكمة توقدا يظهر شعاع الحكمة، ونورها في كلامه وفعاله، وعلى جوارحه، وهو بعلمه بربه علمه له نور على نور.
واعلم أنه قد يجوز أن يكون معنى قوله :{نور على نور}. أي: نور مع نور، لأن كلامه نور مع عمله، وعمله مع علمه، فهذا نور على نور، أي مع نور. {يهدي الله لنوره من يشاء}. لا من يشاء غيره يهدي، ولو كانت البرية كلها لمن لا يريد هدايته ظهيرا لما اهتدى المرء أدنى الهداية، إلا أن يشاء الله.
وقد يتجه أن يكون الله سبحانه شبه نبيه صلى الله عليه وسلم، كما شبه القرآن والإيمان بالمعنى الذي وصفناه.
पृष्ठ 302
ومعنى قوله :{زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء}، فهذه شجرة منبتها في مكان تطلعالشمس عليه ولا تزول عنها حتى تغيب، وهي الشمس الضاحية، وهو أنضج لثمرها، تكاد أن ترى في الزيتونة التي هي ثمرها وجهك من ودكهامن نقائه وصفائه، فإذا وقد القنديل من زيت هذه الزيتونة، كان أنور للمصباح، وهذه أمثال ضربها الله للناس لعلهم يتفكرون.
وقال بعضهم: إن معنى :{زيتونة لا شرقية ولا غربية}. أنه: محمد صلى الله عليه يصلي لا للمشرق ولا للمغرب، ولكن لكعبة الله البيت الحرام.
पृष्ठ 303
(الرد على من أنكر من الجهمية أن يكون الله سبحانه شيئا)
الحمد لله الذي علا على الخلائق، فلم يغب عنه خفيات الأمور، وكل شي عنده بمقدار، المنشئ لما أنشأه، فشيأه شيئا كما شاء، وجعله متناهيا محدودا، آثار الصنعة له لازمة، وأعلام العبودية فيه بينة، فأنشأ ما أنشأ نحوين: أحدهما مبتدأ لا من شيء.
والثاني منقول من شيء إلى شيء، ومحول من حال إلى حال، ومن طبيعة إلى طبيعة، كالمضغة تقلب من نطفة إلى علقة، والعلقة حولت مضغة، ثم جسدها لحما وأنشأها إنسانا، فصيره بشرا مخالفا للبهائم، في الشكل والهيئة، احتجاجا من الله على خلقه، بما أراهم من آياته فيهم.
وأن الله تبارك وتعالى وسم المعاني بأن قال: هي شيء، لإخراجه لها من العدم إلى الوجود لا أنه وصفها بهذه الصفة بمعنى، ولا فرق بينها وبين شيء، إذ قال لها: إنها أشياء، لأنه أخبرنا أنه خالق كل شيء، فكل شيء سواه هو خلق شيء، وكل خلق شيء، فقد خلق النار والثلج، فالثلج شيء، والنار شيء، وليس أحدهما بالآخر شبيها في لون ولا طبيعة ولا فعل، وإنما تماثلا في الشيئية، وقد اختلفا في الصفات، وإنما سميت الأشياء بأن قيل لهذا: شيء وهذا شيء، لإثبات الأشياء بأنها موجودة، وأنها ليست بعدم، وقد قال الله في كتابه: {كل شيء هالك إلى وجهه} [القصص: 88]. ذلك دليل على أن الله شيء لا كالأشياء، إذ الأشياء تهلك، وهو المهلك لما يشاء منها، وقد قال الله في كتابه :{قل أي شيء أكبر شهادة قل الله} [الأنعام: 19]. فأخبر أنه شيء أكبر الأشياء، ولو قال قائل: أي الملائكة أفضل ؟ لم يجز أن يقال: بعض المؤمنين من الآدميين هو أفضل، لأن الآدميين ليسوا ممن ذكر في المسألة.
كذلك قال :{أي شيء أكبر شهادة}. علمنا أنه أجرى على نفسه الذكر أنه شيء ليس كالأشياء.
فإن سأل من الجهمية سائل: فقال: هل الله شيء ؟
पृष्ठ 304
قيل له: نعم. الله شيء لا يشبه بالأشياء، الأشياء مشيأة، وهو سبحانه شيء لا مشيأ.
فإن قال: أنت شيء ؟
قيل له: نعم. أنا شيء مشيأ لا أني غير مشيأ، والله شيء لا مشيأ، بل الله مشيء الأشياء لا يشبهه ما شيأه. وليس في قولي: أنا شيء والله شيء تشبيه، لما فصلناه من معنى الشيء والمشيأ، وأن قولي أيضا شيء اسم لازم للجميع، وجار على كل معنى، وثابت على كل موجود مشيأ، كان أو يكون، ولا يقضي بإيقاعه على المسمين - مفردا - ائتلاف ولا اختلاف، وذلك أنك تقول: الفيل شيء، والذرة شيء، وهما غير مشتبهين في قولك: هذا شيء وهذا شيء، وكذلك تقول: الإنسان شيء، والشيطان شيء، وهما لا يتماثلان، وقد أوقعت على كل واحد منهما أنه شيء، وكذلك تقول: آدم صلى الله عليه شيء، وربنا شيء، وهما غير متماثلين.
فإن قال: أليس آدم مخلوقا والذرة مخلوقة ؟!
قيل له: بلى.
فإن قال: هل يتماثلان في أنهما خلق لله ؟
قيل له: نعم.
فإن قال: ما فرق ما بين شيء وشيء وخلق وخلق ؟
قيل له: إن الخلق اسم له خلاف، وخلافه خالق، ولو قال القائل: الخالق مخلوق كذب، ولو قال القائل: الخالق شيء لم يكذب، والخالق هو خلاف المخلوق، ولا يوجد لشيء خلاف إلا شيء مثله موجود، ولا شيء إلا موجود، ولا موجود لا يكون لا خلاف ولا يكون خلافا.
فإن قال قائل: إن لا شيء خلاف شيء.
قيل له: قد أنبأناك أن الشيء خلاف شيء، ولا يكون شيء خلاف لا شيء، ولا يكون لا شيء له خلاف، ولا يجوز أن يقال: للا شيء اتفاق ولا اختلاف، لأن هذا عدم لا يتوهم.
فإن قالوا: لم أجزت أن تقول: شيء وشيء وهما لا يشتبهان ؟
قيل: من قبل أني ثبتهما ونفيت عنهما العدم، وأخرجتهما من التعطيل.
فإن قال: لم قلت لا شيء ؟
पृष्ठ 305
قلت: لنفي إثباته، وقلت: لا شيء لإخراجه من الوجود، وليس قولي هذا شيء ولا شيء تشبيه ولا غير تشبيه، وقول القائل: هذا شيء، وهذا شيء لا يجب به تشبيه، لأن التشبيه لا يجوز إلا على ضد أو مثل.
واعلم أن الضد هو غير الخلاف، وبيان ذلك أن كل ضد خلاف، وليس كل خلاف ضدا، والضد هو المضآد، والخلاف هو الغير الذي ليس بمضآد، وذلك لأنك تقول: هذا خلاف الله، ولا تقول: هذا ضد الله.
فإن قال قائل: ما بالك إذا قلت: لا شيء لا يقع اتفاق ولا اختلاف ؟
قيل له: من قبل أن لا شيء عدم والعدم ليس بموجود، ولا هو موهوم، ما هو فيكون له شبيه، والشيء إثبات ووجود وموهوم إذا قلت: شيء ما هو، وأي الأشياء هو ؟ إلا رب العالمين، فإنه شيء خالق الأشياء، وليس كالأشياء . وإنما قلت: إنه هو شيء لأثبته موجودا، وقولي: شيء ليس فيه تشبيه، لأني إنما أشيئه بقولي: شيء، وقد يشتبه قول شيء وشيء، ولا يشتبه المسمى، إلا أن أوقع عليه من أي الأشياء هو وما هو ؟ فحينئذ يشتبه المسميان، فأما شيء وشيء فليس فيه اشتباه المعاني، وإن استوى قول شيء وشيء.
وقد يقال: الخنزير شيء، والكلب شيء، والانسان شيء، وليس [في] هذا الاسم، الذي هو إثبات الشيء منهم مدح ولا تهجين، إذا كانت التسمية مبهمة مفردة في الذكر، ولذلك لم يقع به تشبيه إذا قلنا: إن الله شيء، والإنسان شيء.
فإن قال: فإذا سميت الله شيئا فقد سميته بما لا مدحة له فيه.
पृष्ठ 306
قلت: إني إذا سميته شيئا ذكرته سبحانه بكلام آخر أصله به، فيكون مديحا، لقولنا: الله شيء واحد كريم، والله شيء واحد عزيز، والله شيء ليس كالأشياء، فيكون ذلك مدحة، ولا يذكر العبد التقي ربه إلا وهو فيما ذكر من أسمائه مادح، فإذا سمى الله العبد بأنه شيء لم يفرده، حتى يقول: الله شيء لا كالأشياء، فيكون الكلام كله مقرونا بكلام آخر على ما ذكرنا، كان كله مديحا، وقول القائل للشيء هذا شيء، كلام مرسل غير مقرون بما يتجلى به المعنى، فليس بذم ولا مدح، لقولك عرفت شيئا، ولا يكون المعروف عندك مذموما ولا ممدوحا، حتى تقرنه بكلام آخر، فتقول: عرفت شيئا هو صالح، وعرفت شيئا هو فاسد، فيكون هنالك الذم والمدح، فلا يدرك بقولك هذا شيء وهذا شيء ائتلاف ولا اختلاف، فلا يرسل القول على الله بأنه شيء إلا مقرونا بكلام آخر، فيقول: هو شيء ليس كالأشياء، فيكون قولك: هو شيء بالصلة المقرونة مديحا، فكذلك يقول القائل: هذا الثوب شيء حسن أفضل من غيره، فيكون بما أجرى به الثوب مديحا، وإذا كان مرسلا لم يكن له مدحا ولا ذما.
पृष्ठ 307
(الرد على من أنكر أن يكون الله واحدا ليس بذي أبعاض)
الحمد لله الذي عن شبه كل شيء تعالى، وشاهد كل ملاء وهو في السموات العلى، على العرش استوى، ولا يخفى عليه النجوى، وهو يرى ولا يرى، سبحانه، فليس عليه شيء يخفى، وليس كمثله شيء، وهو الواحد الصمد الباري المصور، وليس بصورة بل هو مصور الصورة، وهو السميع العليم، قال الله عز وجل :{إنما هو إله واحد} [الأنعام: 19]. يخبر بوحدانيته في آي كثير.
والواحد في اللغة له معان:
أحدها: البائن بالفضل والسؤدد.
ومعنى آخر يقول الناس: هذا شيء واحد ليس له نظير في الشبه.
ويقال: هذا وهذا واحد يراد أنهما متماثلان، وقد يقول المرء: قولي وقولك واحد، أي مثله، ويقال: لأقل قليل القلة هذا شيء واحد، يراد ثباته وتعطيل الثاني، بمعنى ليس له نظير ولا شبيه، بمعنى أنه ليس فيه اختلاف، وهذا معنى قولنا الله واحد ليس من عدد، ولا هو عدد، كما الانسان واحد عدد، كما أن الانسان أعضاء وكل عضو يقال إنه واحد، فإذا اجتمعت الأعضاء قيل واحد، فهو واحد عدد آحاد، وهو من عدد آحاد مثله، لأنك تقول: هذا إنسان واحد، وتقول الآخر واحد فصاعدا، فكل واحد منهما واحد من عدد، وليس الله سبحانه واحدا من عدد، على معنى ما ذكرنا من معاني الواحد من غيره.
وقد قالت العرب: إن فلانا واحد قومه أي: سيدهم، وهو واحد القوم، وإن كان له الاتباع والعبيد والأموال.
ويقال: إن فلانا واحد الناس. أي: ليس له نظير، يعنون في السؤدد والكرم.
पृष्ठ 308
واعلم أن الله واحد في الربوبية والعز والكبرياء، واحد بنفسه لا بغيره، وهو واحد لا ثاني معه، ولا مثل له في صفة ولا ذات، ولا في قول ولا في فعل، ولا في معنى من المعاني كلها، ولا له مثل في صفة ولا في معنى شرف وفضل، ولا يزول عنه هذا المعنى الذي هو شرف في كل معنى، إذ لا شيء يشبهه، ولا هو شيء يشبه شيئا، ولو جاز أن يكون له مثل في معنى، وكان ذلك يكون شرفا لجاز أن يكون مثل غيره بكل معنى، ويكون ذلك له شرفا، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
ومعنى من معاني الواحد هو الأول الفرد، ذلك في الحساب والعدد بين، إذ لا يكون العدد إلا به، لأنك تقول: واحد واثنان، فالثاني بالواحد كان، ولولا الواحد الذي هو أول الثاني، ما كان الثاني قبل الأول، كان واحدا، أكثر العدد الذي لا يحصى، وهو المكثر لكل معدود، العدد الواحد يستزيد وبه يزاد، ولولا هو ما كانت الزيادة، وكل ما زاد الحساب فبالواحد زاد، والواحد هو المفرد لما سواه، وهو أقدم من كل ما به ازداد، وكثرة العدد تزداد به، وتنقص به، فالواحد الذي به يزداد العدد وهو مقيم لكثرته، وبه يكون النقصان، وبه استوى الحساب، وبه يقل الكثير، ويكثر القليل، ويفرق بين الكثير والقليل.
فكذلك يقال الله واحد: بمعنى أول الأشياء، وبه كان كل شيء، وهو مشيئها، ومدبرها، بنفسه لا بغيره، ولا يتغير لتكثيرها ولا لتقليلها، ولا عند بطلانها، ولا يختلف سبحانه عند شيء من اختلافها، وهو سبحانه القائم بإنشائها، لا يتغير ولا يدخل في التغيير، بل التغيير داخل على ما أنشأ، ولم يزل الله قبل أن يكون الشيء شيئا، ثم إنه أراد إنشاء ما أنشأ، فأنشأ ما أراد إنشاءه على ما شاء، واضطر المنشأ إلى التغيير والزوال، والحطوط والنقص والنماء.
पृष्ठ 309
والله سبحانه واحد في معناه، لا في معاني ما أنشأه وهو الواحد لا من عدد، ولا فيه عدد به تجزأ، وليس شيء يقال: إنه واحد في الحقيقة غير الله، وكل واحد سوى الله فهو ذو عدد مجزأ ومن عدد، وذلك أنك تقول للواحد من الخلق: إنه له فوق وتحت وأمام وخلف وشمال ويمين، وكل واحد كما ذكرنا غير الآخر، فهذا غير واحد مما يضمه اسم الواحد، وهذا الواحد هو العدد، ومن عدد كثير من اللون وغير ذلك، هو من عدد له أشباه، والله واحد ليس بشيء من هذه المعاني المنقوصة شبيها، لأنه ليس له نظير.
فإن قال قائل: لم لا يكون قولك واحد تشبيها، وقد قلت لغير الله واحد ؟!
قيل له: إنا لم نقل لغير الله واحد، بمعنى ما قلت إن الله واحد، وليس واحد كالله في ربوبيته ووحدانيته، وليس من هو واحد في الحقيقة ليس بجزء ولا باثنين سوى الله، وكل ما سوى الله فقد يقال واحد وهو أكثر من اثنين إذا حدد على وجه ما فسرنا من الحدود التي تلزم الخلائق، وذلك لأن كل واحد مما سوى الله فمسدس، وهو أكثر من اثنين. وإن قيل : إنه واحد على ذكرنا، فليس الله بواحد كمعنى الآحاد المعدودة، وإنما هو إله واحد، ليس له ند ولا له شبيه، تعالى عما يقول المشبهون علوا كبيرا.
ومعنى من معاني الواحد إذا أرادوا به دفع الاختلاف وحذف الجميع، كما قال الكميت بن زيد الأسدي:
فضم قواصي الأحياء منهم فقد رجعوا كحي واحدينا
فإن قال قائل: فإذا قلت: إن الواحد من الحساب في جميع العدد، فكذلك يقول الله في كل شيء.
पृष्ठ 310
قيل له: إن الله تبارك وتعالى في كل شيء مدبره، لا محوي ومع كل شيء رقيب لا يحاط به، وليس هو في شيء من الأشياء، بمعنى كون الشيء في الشيء ولا شيء مع الشيء، كما الله في الأشياء، ومع الأشياء على غير الإحاطة، ولا يعزب الله فيها ولا هي تعزب عن الله، وذلك لأن كل ما كان في فعله لم يقطعه، فالعرب تقول: إنه في فعله، كذلك الأشياء فعل الله ولم يقطع تدبيره منها، فلذلك قلنا: إن الله بكل مكان، فهو في كل شيء ليس بغائب عن شيء، وقد حقق الله مقالتنا في كتابه بقوله :{وما كنا غائبين} [الأعراف: 7]. وقوله :{إنني معكما أسمع وأرى} [طه: 46]. وكذلك :{ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ...الآية} [المجادلة:7].
ألم تر إلى المرء يصبح صائما ثم يقوم مصليا وهو في ثغر، فيقال: إن فلانا في صلاته وصيامه ورباطه، ويقال له ذلك في حال أقل قليل كونه في أفعاله، وأفعاله أفعال مختلفات بعضها غير بعض، ليس فعل يشغله عن الآخر، وهو في الوقت الذي هو في هذا الفعل فاعل للفعل الآخر، وليس فعله له بحاو، ولا فعله أيضا فيه محوي، فالله أقرب من الأشياء من الشيء إلى نفسه، وهو بكل شيء أنظر وألطف.
فإن مجن السائل من أهل التشبيه، وذكر الأكبال والقيود، وقال: هل الله فيها.
पृष्ठ 311
قيل له تقدس الله وجل أن نذكره بكلام فيه تهجين، ولا يجوز أن نذكر أن الله في شيء ذكره تصغير بالمذكور، من أجل أن الله أخذ علينا في ميثاق الكتاب أن لا نذكره إلا بالأسماء الحسنى، ومن الأسماء الحسنى كل اسم لا يكون معناه عند السامع محتمل التهجين، وقول القائل: ربه في السلاسل والكبول تصغير بذكر الله وتهجين، تعالى الله عز وجل، وارتفع عن ذلك وعن أن نذكره به، لأن المذكور بهذا مذكور بالإحاطة والقلة، والله عن ذلك يتعالى، وإذا ذكر الرب بالاسم العام كان له تعظيما، وإذا ذكر بالاسم الخاص كان له تهجينا، ولا يعرف الرب من ذكره بهجنة، وقد دللنا على معنى صحيح، إذ قلنا إن الله في الأشياء مبثوثة، وإن خص السائل ذكر شيء هو بالمذكور تصغير وتهجين، ويذكر ما يكون حواء وإحاطة لم يجز الجواب فيه بنعم!
فإن سأل السائل ما الله تبارك وتعالى إذا قلتم: هو الواحد ؟!
قلنا: معنانا أن الله واحد أي: لا واحد سواه، إلا وله شبيه، والله واحد ليس له شبيه، وهو يقيم الأشياء، وهو القائم بها لا بغيره قامت الأشياء، وليس الله بذي أعضاء، بعضها لبعض مؤيد ولا ممسك، بل الله واحد ليس سواه واحد في معناه، وليس واحد سوى الله إلا وقيامه بغيره، وذلك أن الحركة لا تقوم في وقتها إلا بمحترك، كذلك اللون لا يقوم إلا بملون، والطول لا يقوم إلا بمطول، لأن ما ذكرنا كلها أجزاء، وإنما يقوم بعضها بعضا، ولا يكون الجميع إلا باتصال الأبعاض، ولما كان على الجميع الأجزاء، جاز أن يكون مع الجميع ثان، وجاز أن يقال: هذا كان غير هذا . كذلك لا يقوم شيء مما ذكرنا من الخلق إلا في زمان ومكان، والله القائم بنفسه لا تجري عليه الأزمنة، ولا تحويه الأمكنة.
पृष्ठ 312