فضل شرف علم الحَدِيث وَأَهله
إِن علم الحَدِيث وتفهم مَعْنَاهُ هُوَ علم عذب المشرب رفيع الْمطلب متدفق الينبوع متشعب الْفُصُول وَالْفُرُوع فَهُوَ علم رفيع الْقدر عَظِيم الْفَخر شرِيف الذّكر لَا يعتني بِهِ إِلَّا كل حبر وَلَا يحرمه الا كل غمر وَلَا تفنة محاسنه على ممر الدَّهْر إِذْ بِهِ يعرف المُرَاد من كَلَام رب الْعَالمين وَيظْهر الْمَقْصُود من حبله الْمُتَّصِل المتين وَمِنْه يدْرِي شمائل من سما ذاتا ووصفا وإسما وَحسب الرَّاوِي للْحَدِيث شرفا وفضلا وجلالة ونبلا أَن يكون أول سلسلة اخرها الرَّسُول والى مقَامه الشريف بهَا الِانْتِهَاء والوصول يَقُول الامام الْخَطِيب فِي مُقَدّمَة الْكِفَايَة أما بعد فَإِن الله ﵎ أنقذ الْخلق من نائرة الْجَهْل وخلص الورى من زخارف الضَّلَالَة بِالْكتاب النَّاطِق وَالْوَحي الصَّادِق المنزلين على سيد الورى نَبينَا مُحَمَّد الْمُصْطَفى ثمَّ أوجب النجَاة من النَّار وَأبْعد
1 / 5
عَن منزل الذل والخسار لمن أطاعه فِي امْتِثَال مَا أَمر والكف عَمَّا عَنهُ نهى وزجر فَقَالَ ﴿وَمن يطع الله وَرَسُوله ويخش الله ويتقه فَأُولَئِك هم الفائزون﴾ وَطَاعَة الله فِي طَاعَة رَسُوله وَطَاعَة رَسُوله فِي اتِّبَاع سنته اذ هِيَ النُّور الْبَهِي والامر الجلى وَالْحجّة الْوَاضِحَة والمحجة اللائحة من تمسك بهَا اهْتَدَى وَمن عدل عَنْهَا ضل وغوى اهـ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ واله وَسلم لَا تزَال طَائِفَة من امتي ظَاهِرين على الْحق حَتَّى تقوم السَّاعَة وَهُوَ حَدِيث متواتر روى من حَدِيث سِتَّة عشر صحابيا وَقد نَص على تواتره الامام ابْن تَيْمِية فِي كِتَابه اقْتِضَاء الصِّرَاط الْمُسْتَقيم مُخَالفَة أَصْحَاب الحجيم فِي أَوَائِله أثْنَاء كَلَام وَنَصه بل قد تَوَاتر عَنهُ ﷺ أَنه قَالَ وَذكر الحَدِيث وَكَذَلِكَ نَص على تواتره الكتاني فِي النّظم المتناثر والْحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَاحْمَدْ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَغَيرهم وَلَقَد ثَبت عَن أهل الْعلم أَن المُرَاد بِهَذِهِ الطَّائِفَة هم أهل الحَدِيث مِنْهُم عبد الله بن الْمُبَارك قَالَ هم عِنْدِي أَصْحَاب لحَدِيث وعَلى بن الْمَدِينِيّ قَالَ هم أَصْحَاب الحَدِيث وَأحمد بن حَنْبَل قَالَ إِن لم تكن هَذِه الطَّائِفَة المنصورة أصَاب الحَدِيث فَلَا ادري من هم وَأحمد بن سِنَان الثِّقَة الْحَافِظ روى الْخَطِيب عَن ابي حَاتِم قَالَ سَمِعت احْمَد بن سِنَان وَذكر الحَدِيث فَقَالَ هم أهل الْعلم وَأَصْحَاب الْأَثر وَالْبُخَارِيّ روى الْخَطِيب عَن اسحاق بن احْمَد قَالَ ثَنَا مُحَمَّد بن اسماعيل البُخَارِيّ وَذكر الحَدِيث فَقَالَ البُخَارِيّ يَعْنِي أَصْحَاب الحَدِيث وَقَالَ فِي
1 / 6
صَحِيحه وَقد علق الحَدِيث وَجعله بَابا وهم اهل الْعلم وَلَا مُنَافَاة بَينه وَبَين مَا قبله كَمَا هُوَ ظَاهر لِأَن أهل الْعلم هم أهل الحَدِيث وَكلما كَانَ الْمَرْء أعلم بِالْحَدِيثِ كَانَ أعلم فِي الْعلم مِمَّن هُوَ دونه فِي الحَدِيث كَمَا لَا يخفى وَقَالَ فِي كِتَابه خلق أَفعَال الْعباد وَقد ذكر بِسَنَدِهِ حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ امة وسطا لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس قَالَ البُخَارِيّ هم الطَّائِفَة الَّتِي قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ واله وَسلم فَذكر الحَدِيث قَالَ الشَّيْخ الالباني حفظه الله فِي الصَّحِيحَة وَقد يستغرب بعض النَّاس تَفْسِير هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة للطائفة الظَّاهِرَة والفرقة النَّاجِية بِأَنَّهُم أهل الحَدِيث وَلَا غرابة فِي ذَلِك إِذا تذكرنا مَا يَأْتِي أَولا إِن اهل الحَدِيث هم بِحكم اختاصهم فِي دراسة السّنة وَمَا يتَعَلَّق من معرفَة تراجم الروَاة وَعلل الحَدِيث وطرقه أعلم النَّاس قاطبة بِسنة نَبِيّهم ﷺ وهدية وأخلاقه وغزواته وَمَا يتَّصل بِهِ ثَانِيًا إِن الْأمة قد انقسمت إِلَى فرق ومذاهب لم تكن فِي الْقرن الاول وَلكُل مَذْهَب أُصُوله وفروعه وَأَحَادِيثه الَّتِي يسْتَدلّ بهَا ويعتمد عَلَيْهَا وَإِن المتمذهب بِوَاحِد مِنْهَا يتعصب لَهُ ويتمسك بِكُل مَا فِيهِ دون أَن يلْتَفت إِلَى الْمذَاهب الاخرى وَينظر لَعَلَّه يحد فِيهَا من الاحاديث مَا لَا يجده فِي مذْهبه الَّذِي قَلّدهُ فَإِن من الثَّابِت لَدَى أهل الْعلم أَن فِي كل مَذْهَب من السّنة والاحاديث مَا لَا يُوجد فِي الْمَذْهَب الاخر فالمتمسك بِالْمذهبِ الْوَاحِد يضل وَلَا بُد عَن قسم عَظِيم من السّنة المحفوظة لَدَى الْمذَاهب الاخرى وَلَيْسَ على هَذَا أهل الحَدِيث فَإِنَّهُم يَأْخُذُونَ بِكُل حَدِيث صَحَّ إِسْنَاده فِي أَي مَذْهَب كَانَ وَمن أَي طَائِفَة كَانَ رَاوِيه مَا دَامَ أَنه مُسلم ثِقَة حَتَّى لَو كَانَ سيعيا اَوْ قدريا اَوْ خارجيا فضلا
1 / 7
عَن أَن يكون حنفيا أَو مالكيا اَوْ غير ذَلِك وَقد صرح بِهَذَا الامام الشَّافِعِي ﵁ حِين خَاطب الامام احْمَد بقوله أَنْتُم أعلم بِالْحَدِيثِ مني فَإِذا جَاءَكُم الحَدِيث صَحِيحا فَأَخْبرنِي بِهِ حَتَّى اذْهَبْ اليه سَوَاء كَانَ حجازيا أم كوفيا أم مصريا فَأهل الحَدِيث حشرنا الله مَعَهم لَا يتعصبون لقَوْل شخص معِين مهما علا وسما حاشا مُحَمَّدًا ﷺ بِخِلَاف غَيرهم مِمَّن لَا ينتمي إِلَى الحَدِيث وَالْعَمَل بِهِ فَإِنَّهُم يتعصبون لاقوال ائمتهم وَقد نهوهم عَن ذَلِك كَمَا يتعصب أهل الحَدِيث لاقوال نَبِيّهم فَلَا عجب بعد هَذَا الْبَيَان أَن يكون أهل الحَدِيث هم الطَّائِفَة الظَّاهِرَة والفرقة النَّاجِية بل وَالْأمة الْوسط الشُّهَدَاء على الْخلق اهـ وَقَالَ الْخَطِيب فِي مُقَدّمَة الْكِفَايَة مُنْكرا على أهل الرَّأْي منتتصرا لأهل الحَدِيث أخبرنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عمر بن جَعْفَر الخرقى أَنا احْمَد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن سلم الختلى قَالَ حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس احْمَد بن عَليّ الْأَبَّار قَالَ رَأَيْت بالأهواز رجلا حف شَاربه وَأَظنهُ قد اشْترى كتبا وتعبأ للفتيا فَذكر أَصْحَاب الحَدِيث فَقَالَ لَيْسُوا بِشَيْء وَلَيْسَ يسوون شَيْئا فَقلت لَهُ أَنْت لَا تحسن تصلى قَالَ أَنا فَقلت نعم قلت إيش تحفظ عَن رَسُول الله ﷺ إِذا افتتحت الصَّلَاة وَرفعت يَديك فَسكت فَقلت وإيش تحفظ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
1 / 8
وَسلم إِذا وضعت يَديك على ركبتيك فَسكت قلت إيش تحفظ عَن رَسُول الله ﷺ إِذا سجدت فَسكت قلت مَالك لَا تَتَكَلَّم ألم أقل لَك إِنَّك لَا تحسن تصلى انما قيل لَك تصلى الْغَدَاة رَكْعَتَيْنِ وَالظّهْر أَرْبعا فَالْزَمْ ذَا خير لَك من أَن تذكر أَصْحَاب الحَدِيث فلست بِشَيْء وَلَا تحسن شَيْئا ثمَّ قَالَ رَحمَه الله تَعَالَى فِي أهل الحَدِيث وَأما الْمُحَقِّقُونَ فِيهِ المتخصصون بِهِ فهم الْأَئِمَّة الْعلمَاء والسادة الْفُقَهَاء أهل الْفضل والفضيلة والمرتبة الرفيعة حفظوا على الْأمة احكام الرَّسُول وأخبروا عَن أنباء التَّنْزِيل وأثبتوا ناسخه ومنسوخه وميزوا محكمَة ومتشابهه ودونوا أَقْوَال النَّبِي ﷺ وأفعاله وضبطوا على اخْتِلَاف الْأُمُور أَحْوَاله فِي يقظته ومنامه وتعوده وقيامه وملبسه ومركبه ومأكله ومشربه حَتَّى القلامة من ظفرة مَا كَانَ يصنع بهَا والنخامة من فِيهِ كَيفَ كَانَ يلفظها وَقَوله عِنْد كل فعل يحدثه ولدى كل موقف يشهده تَعْظِيمًا لقدرة ﷺ وَمَعْرِفَة بشرف مَا ذكر عَنهُ وعزى اليه وحفظوا مَنَاقِب صحابته وماثر عشيرته وَجَاءُوا بسير الانبياء ومقامات الاولياء وَاخْتِلَاف الْفُقَهَاء وَلَوْلَا عناية اصحاب الحَدِيث يضْبط السّنَن وَجَمعهَا واستنباطها من معادنها وَالنَّظَر فِي طرقها لبطلت الشَّرِيعَة وتعطلت احكامها إِذْ كَانَت مستخرجة من الاثار المحفوظة ومستفادة من السّنَن المنقولة فَمن عرف لِلْإِسْلَامِ حَقه وَأوجب للدّين حرمته أكبر أَن يحتقر من عظم الله شَأْنه وَأَعْلَى مَكَانَهُ وَأظْهر حجَّته وَأَبَان فضيلته وَلم يرتق بطعنه الى حزب الرَّسُول وَاتِّبَاع الْوَحْي واوعية الدّين وخزنى الْعلم الَّذين ذكرهم الله تَعَالَى فِي كِتَابه فَقَالَ وَالَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان ﵃ رَضوا عَنهُ وَكفى الْمُحدث
1 / 9
شرفا أَن يكون اسْمه مَقْرُونا باسم رَسُول الله ﷺ وَذكره مُتَّصِلا بِذكرِهِ ذَلِك فضل الله يؤتيه من يَشَاء وَالله ذُو الْفضل الْعَظِيم اهـ وَقَالَ رَحمَه الله تَعَالَى فِي مُقَدّمَة كتاب شرف أَصْحَاب الحَدِيث لِأَن الحَدِيث يشْتَمل على معرفَة أصُول التَّوْحِيد وَبَيَان مَا جَاءَ من وُجُوه الْوَعْد والوعيد وصفات رب الْعَالمين تَعَالَى عَن مقالات الْمُلْحِدِينَ والإخبار عَن صفة الْجنَّة وَالنَّار وَمَا إعد صفة الْجنَّة وَالنَّار وَمَا أعد الله فيهمَا لِلْمُتقين والفجار وَمَا خلق الله فِي الْأَرْضين وَالسَّمَاوَات وصنوف الْعَجَائِب وعظيم الايات وَذكر الْمَلَائِكَة المقربين ونعت الصافين والمسبحين وَفِي الحَدِيث قصَص الْأَنْبِيَاء وأخبار الزهاد والاولياء ومواعظ البلغاء وَكَلَام الْفُقَهَاء وسير مُلُوك الْعَرَب والعجم واقاصيص الْمُتَقَدِّمين من الْأُمَم وَشرح مغازي الرَّسُول ﷺ وسراياه وَجعل احكامه وقضاياه وخطبه وعظاته واعلامه ومعجزاته وعدة ازواجه واولاده واصهاره واصحابه وَذكر فضائلهم وماثرهم وَشرح اخبارهم ومناقبهم ومبلغ اعمارهم وَبَيَان انسابهم وَفِيه تَفْسِير الْقرَان الْعَظِيم وَمَا فِيهِ من النبأ وَالذكر الْحَكِيم وأقاويل الصَّحَابَة فِي الاحكام المحفوظة عَنْهُم وَتَسْمِيَة من ذهب الى قَول كل وَاحِد مِنْهُم من الْأَئِمَّة الخالفين وَالْفُقَهَاء الْمُجْتَهدين وَقد جعل الله اهله اركان الشَّرِيعَة وَهدم بهم كل بِدعَة شنيعة فهم أُمَنَاء الله فِي خليقته والواسطة بَين النَّبِي ﷺ وَأمته والمجتهدون فِي حفظ مِلَّته أنوارهم زاهرة وفضائلهم سائرة واياتهم باهرة ومذاهبهم ظَاهِرَة وحججهم قاهرة وكل فِئَة تتحيز الى هوى ترجع اليه وتستحسن رَأيا تعكف عَلَيْهِ سوى أَصْحَاب الحَدِيث فَإِن الْكتاب عدتهمْ وَالسّنة حجتهم وَالرَّسُول فئتهم وَإِلَيْهِ نسبتهم لَا يعرجون على الاهواء وَلَا يلتفتون إِلَى
1 / 10
الاراء يقبل مِنْهُم مَا رووا عَن الرَّسُول وهم المأمونون عَلَيْهِ الْعُدُول حفظَة الدّين وخزنته وأوعية الْعلم وَحَمَلته إِذا اخْتلف فِي حَدِيث كَا اليهم الرُّجُوع فَمَا حكمُوا بِهِ بهو المقبول المسموع مِنْهُم كل عَالم فَقِيه وامام رفيع نبيه وزاهد فِي قَبيلَة ومخصوص بفضليه وقارىء متقن وخطيب محسن وهم الْجُمْهُور الْعَظِيم وسبيلهم السَّبِيل الْمُسْتَقيم وكل مُبْتَدع باعتقادهم يتظاهر وعللا الافصاح بِغَيْر مذاهبهم لَا يتجاسر من كادهم قصمه الله وَمن عاندهم خذله الله لَا يضرهم من خذلهم وَلَا يفلح من اعتزلهم المحتاط لدينِهِ الى ارشادهم فَقير ويصر النَّاظر بالسوء اليهم حسير وَإِن الله على نَصرهم لقدير اهـ
1 / 11
فصل طَالب الْعلم
يَقُول الشَّاعِر:
رَأَيْت الْعلم صَاحبه شرِيف ... وَإِن وَلدته اباء لئام
وَلَيْسَ يزَال يرفعهُ إِلَى أَن ... يعظم قدره الْقَوْم الْكِرَام
ويتبعونه فِي كل أَمر ... كرَاع الضَّأْن تتبعه السوام
وَيحمل قَوْله فِي كل أفق ... وَمن يَك عَالما فَهُوَ الامام
فلولا الْعلم مَا سعدت نفوس ... وَلَا عرف الْحَلَال وَلَا الْحَرَام
فبالعلم النجَاة من المخازي ... وبالجهل المذلة والرغام
هُوَ الْهَادِي الدَّلِيل إِلَى الْمَعَالِي ... ومصباح يضيء بِهِ الظلام
كَذَاك عَن الرَّسُول اتى عَلَيْهِ ... من الله التَّحِيَّة وَالسَّلَام
وَقَالَ بعض السّلف فِي قَوْله تَعَالَى يَوْم نَدْعُو كل أنَاس بإمامهم هَذَا أكبر شرف لأَصْحَاب الحَدِيث لِأَن امامهم النَّبِي ﷺ وَيَكْفِي فِي بَيَان فضل أهل الحَدِيث أَنهم اكثر النَّاس حظا من فضل الصَّلَاة على رَسُول الله ﷺ فَإِنَّهُم يخلدُونَ ذكره فِي كِتَابهمْ ويجددون الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم عَلَيْهِ فِي مُعظم الْأَوْقَات فِي مجَالِس مذكراتهم ودروسهم فهم إِن شَاءَ الله تَعَالَى الْفرْقَة النَّاجِية جعلنَا الله مِنْهُم وحشرنا فِي زمرتهم فَكفى خَادِم الحَدِيث فضلا دُخُوله فِي دَعوته ﷺ حَيْثُ قَالَ نضر الله امرا سمع مَقَالَتي فحفظها ووعاها وأدها وَهُوَ حَدِيث متواتر روى بالفاظ مُخْتَلفَة مُتَقَارِبَة وَقد نَص على تواتره غير وَاحِد من الْعلمَاء وَهُوَ مخرج عِنْدِي فِي تحقيقي لرسائل ابْن عَتيق يسر الله طبعها وانتشارها
1 / 12
قَالَ القارى خص مبلغ الحَدِيث كَمَا سَمعه بِهَذَا الدُّعَاء لِأَنَّهُ سعى فِي نضارة الْعلم وتجديد السّنة فجازاه بِالدُّعَاءِ بِمَا يُنَاسب حَاله وَهَذَا يدل على شرف الحَدِيث وفضله ودرجة طلابه حَيْثُ خصهم النَّبِي ﷺ بِدُعَاء لم يُشْرك فِيهِ أحد من الامة وَلَو لم يكن فِي طلب الحَدِيث وَحفظه وتبليغه فَائِدَة سوى أَن يَسْتَفِيد بركَة هَذِه الدعْوَة الْمُبَارَكَة لكفى ذَلِك فَائِدَة وَغنما وَجل فِي الدَّاريْنِ حظا وقسما انْتهى قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة لَيْسَ من أهل الحَدِيث أحد إِلَّا وَفِي وَجهه نَضرة لهَذَا الحَدِيث وَقَالَ القَاضِي ابو بكر بن الْعَرَبِيّ وَقَالَ عُلَمَاء الحَدِيث مَا من رجل يطْلب الحَدِيث الا كَانَ على وجهة نَضرة لقَوْل النَّبِي ﷺ نضر الله امْرَءًا سمع مَقَالَتي فرعاها فأداها كَمَا سَمعهَا الحَدِيث قَالَ وَهَذَا دُعَاء مِنْهُ ﵇ لحملة علمه وَلَا بُد بِفضل الله تَعَالَى من نيل بركته انْتهى والى هَذِه النضرة أَشَارَ أَبُو الْعَبَّاس العزفي بقوله
أهل الحَدِيث عِصَابَة الْحق ... فازوا بدعوة سيد الْخلق
فوجوههم زهر منضرة ... لألاؤها كتألق السبرق
يَا لَيْتَني مَعَهم فيدركني ... مَا ادركوه بهَا من السَّبق
وَكَانَ الامام الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول لَوْلَا اهل المحابر لخطبت الزَّنَادِقَة على المنابر
وَقَالَ ايضا أهل الحَدِيث فِي كل زمَان كالصحابة فِي زمانهم
1 / 13
وَقَالَ أَيْضا إِذا رَأَيْت صَاحب حَدِيث فَكَأَنِّي رَأَيْت احدا من أَصْحَاب رَسُول الله ﷺ وَكَانَ احْمَد بن سُرَيج يَقُول أهل الحَدِيث أعظم دَرَجَة من الْفُقَهَاء لاعتنائهم بضبط الاصول وَكَانَ ابو بكر بن عَيَّاش يَقُول أهل الحَدِيث فِي كل زمَان كَأَهل الْإِسْلَام مَعَ الاهل الاديان وَكَانَ الاعمش يَقُول عَلَيْكُم بملازمة السّنة وعلموها للاطفال فَإِنَّهُم يحفظون على النَّاس دينهم إِذا جَاءَ وقتهم وَكَانَ وَكِيع يَقُول عَلَيْكُم بِاتِّبَاع الائمة الْمُجْتَهدين والمحدثين فَإِنَّهُم يَكْتُبُونَ مَا لَهُم وَمَا عَلَيْهِم بِخِلَاف أهل الْأَهْوَاء والرأى فَإِنَّهُم لَا يكتون قطّ مَا عَلَيْهِم وَكَانَ الشّعبِيّ وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي يُزْجَرَانِ كل من رأياه يتدين بِالرَّأْيِ وينشدان
دين النَّبِي مُحَمَّد أَخْبَار ... نعم المطية للفتى الاثار
لَا ترغبن عَن الحَدِيث وَأَهله ... فالرأى ليل والْحَدِيث نَهَار
وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول لاصحابه لَا تكْتبُوا عَنى كل مَا افتت بِهِ وانما يكْتب الحَدِيث وَلَعَلَّ كل شَيْء افتيتكم بِهِ الْيَوْم أرجع عَنهُ غَدا وَكَانَ ابو عَاصِم يَقُول اذا تبحر الرجل فِي الحَدِيث كَانَ النَّاس عِنْده كالبقر وَقَالَ الزُّهْرِيّ لَا يطْلب الحَدِيث من الرِّجَال الا ذكرانها وَلَا يزهد فِيهِ الا اناثها وَفِي غير هَذِه الرِّوَايَة الحَدِيث ذكر يُحِبهُ ذُكُور الرِّجَال وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ مَا شَيْء اخوف عِنْدِي من الحَدِيث وَلَا شَيْء أفضل مِنْهُ لمن اراد بِهِ مَا عِنْد الله
1 / 14
وَجَاء عَن الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَغَيرهم مثل ذَلِك فَكَانَ الامام ابو حنيفَة يَقُول اياكم وَالْقَوْل فِي دين الله تَعَالَى بِالرَّأْيِ عَلَيْكُم بِاتِّبَاع السّنة فَمن خرج عَنْهَا ضل وَدخل عَلَيْهِ مرّة رجل من أهل الْكُوفَة والْحَدِيث يقْرَأ عِنْده فَقَالَ الرجل دَعونَا من هَذِه الاحاديث فزجره أَبُو حنيفَة أَشد الزّجر وَقَالَ لَهُ لَوْلَا السّنة مَا فهم اُحْدُ منا الْقرَان وَقيل لَهُ مرّة قد ترك النَّاس الْعَمَل بِالْحَدِيثِ واقبلوا على سَمَاعه فَقَالَ نفس سماعهم للْحَدِيث عمل بِهِ وكا ن يَقُول لم تزل النَّاس فِي صَلَاح مَا دَامَ فيهم من يطْلب الحَدِيث فَإِذا طلبُوا الْعلم بِلَا حَدِيث فسدوا وَجَاء فِي حَاشِيَة ابْن عابدين فِي رِسَالَة رسم الْمُفْتِي وَفِي ايقاظ الهمم للفلاني وَنقل ابْن عابدين عَن شرح الْهِدَايَة لِابْنِ الشّحْنَة الْكَبِير شيخ ابْن الْهمام مَا نَصه إِذا صَحَّ الحَدِيث وَكَانَ على خلاف الْمَذْهَب عمل بِالْحَدِيثِ وَيكون ذَلِك مذْهبه وَلَا يخرج مقلده عَن كَونه حنفيا بِالْعَمَلِ بِهِ فقد سح عَن ابي حنيفَة انه قَالَ إِذا صَحَّ الحَدِيث فَهُوَ مذهبي وَقد حكى ذَلِك الامام ابْن عبد الْبر عَن ابي حنيفَة وَغَيره من الْأَئِمَّة وَأما الامام مَالك ﵀ فَقَالَ إِنَّمَا أَنا بشر اخطىء وَأُصِيب فانظروا فِي رأيى فَكل مَا وَافق الْكتاب وَالسّنة فَخُذُوهُ وكل مَا لم يُوَافق الْكتاب وَالسّنة فاتركوه وَقد اشْتهر عِنْد الْمُتَأَخِّرين قَول الامام مَالك لَيْسَ أحد بعد النَّبِي ﷺ إِلَّا وَيُؤْخَذ من قَوْله وَيتْرك الا النَّبِي ﷺ وَقد صحّح هَذَا
1 / 15
القَوْل عَنهُ ابْن عبد الْهَادِي فِي ارشاد السالك وَرَوَاهُ ابْن عبد الْبر فِي الْجَامِع وَابْن حزم فِي اصول الاحكام من قَول الحكم بن عتيبة وَمُجاهد وَأوردهُ السُّبْكِيّ فِي الفتاوي من قَول ابْن عَبَّاس مُتَعَجِّبا من حسنه ثمَّ قَالَ وَأخذ هَذِه الْكَلِمَة من ابْن عَبَّاس مُجَاهِد واخذها مِنْهُمَا مَالك واشتهرت عَنهُ اهـ ثمَّ اخذها عَنْهُم الامام احْمَد بعد ذَلِك وَأما الامام الشَّافِعِي ﵀ فالنقول عَنهُ فِي ذَلِك اكثر وَأطيب وَأَتْبَاعه اكثر عملا بهَا وأسعد فَمِنْهَا مَا روى الْحَاكِم والبيعقي عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول إِذا سح الحَدِيث فَهُوَ مذهبي قَالَ ابو حزم أَي صَحَّ عِنْده اَوْ عِنْد غَيره من الْأَئِمَّة وَفِي رِوَايَة اخرى إِذا رَأَيْتُمْ كَلَامي يُخَالف كَلَام رَسُول الله ﷺ فاعملوا بِكَلَام رَسُول الله ﷺ واضربوا بكلامي الْحَائِط وروى عَنهُ أَنه قَالَ إِذا رَأَيْتُمُونِي اقول قولا وَقد صَحَّ عَن النَّبِي ﷺ خِلَافه فاعلموا أَن عَقْلِي قد ذهبوروى الْبَيْهَقِيّ عَن الامام احْمَد أَنه كَانَ إِذا سُئِلَ عَن مَسْأَلَة يَقُول أَو لأحد كَلَام مر رَسُول الله ﷺ وَكَانَ يتبرأ كثيرا من رأى الرِّجَال وَيَقُول لَا ترى احدا ينظر فِي كتب الرَّأْي غَالِبا إِلَّا وَفِي قلبه دخل وَكَانَ وَلَده عبد الله يَقُول سَأَلت الامام احْمَد عَن الرجل يكون فِي بلد لَا يجد فِيهَا الا صَاحب حَدِيث لَا يعرف صَحِيحه من سقيمه وَصَاحب رأى فَمن يسْأَل مِنْهُمَا عَن دينه فَقَالَ يسْأَل صَاحب الحَدِيث وَلَا يسْأَل صَاحب الرأى وَنقل ابْن الْقيم عَنهُ قَوْله لَا تقلدني وَلَا تقلد مَالِكًا وَلَا الشَّافِعِي وَلَا الاوزاعي وَلَا الثَّوْريّ وَخذ من حَيْثُ اخذوا اهـ
1 / 16
فطوبى لمن جد فِيهِ وَحصل مِنْهُ على تنويه يملك من الْعُلُوم النواصي وَيقرب من اطرافها الْبعيد القاصي وَمن لم يرضع من دره وَلم يخض فِي بحره وَلم يقتطف من زهره ثمَّ تعرض الْكَلَام فِي الْمسَائِل والاحكام فقد جَار فِيمَا حكم وَقَالَ على الله تَعَالَى مَا لم يعلم كَيفَ وَهُوَ كَلَام رَسُول الله صلى الله ﷺ وَالرَّسُول اشرف الْخلق كلهم اجمعين وَقد اوتى جَوَامِع الْكَلم وسواطع الحكم من عِنْد رب الْعَالمين فَكَلَامه اشرف الْكَلم وأفضلها واجمع الحكم واكملها
1 / 17
أثر لطيف رَوَاهُ القَاضِي عِيَاض (ص ٢٩) من الالماع بِسَنَد فِيهِ أَبُو عصمَة نوح ابْن نصر وَكَذَلِكَ المقرى (١٦٢٢) من نفح الطّيب والقسطلاني فِي مُقَدّمَة فِي توضيح مُقَدّمَة الْقُسْطَلَانِيّ (ص ٨٧) وَرَوَاهُ السُّيُوطِيّ فِي تدريب الرَّاوِي (٢١٥٦ و١٥٧ و١٥٨) بِسَنَد اخر ظَاهِرَة الصِّحَّة وَالله اعْلَم ثنتاهم اي الطَّرِيقَيْنِ قَالَا سمعنَا أباذر عمار بن مُحَمَّد بن مخلد التَّمِيمِي يَقُول سَمِعت أَبَا المظفر مُحَمَّد بن احْمَد بن حَامِد البُخَارِيّ يَقُول لما عزل أَبُو الْعَبَّاس الْوَلِيد بن ابراهيم بن زيد الْهَمدَانِي عَن قَضَاء الرىء ورد بخاري لتجديد مَوَدَّة كَانَت بَيِّنَة وَبَين ابي الْفضل البلعمي فَنزل فِي جوارنا فَحَمَلَنِي معلمى ابو ابراهيم اسحاق بن ابراهيم الْخُتلِي اليه وَقَالَ لَهُ اسألك أَن تحدث هَذَا الصَّبِي بِمَا سَمِعت من مشايخك فَقَالَ مَا لي سَماع قَالَ فَكيف وَأَنت فَقِيه فَمَا هَذَا
1 / 18
قَالَ لِأَنِّي لما بلغت مبلغ الرِّجَال تاقت نَفسِي الى معرفَة الحَدِيث وَمَعْرِفَة الرِّجَال ودارية الاخبار وسماعها فقصدت مُحَمَّد بن اسماعيل البُخَارِيّ ببخارى صَاحب التَّارِيخ والمنظور اليه فِي معرفَة الحَدِيث واعلمته مرادى وَسَأَلته الاقبال على فِي ذَلِك فَقَالَ لي يَا بني لَا تدخل فِي أَمر الا بعد معرفَة حُدُوده وَالْوُقُوف على مقاديره فَقلت لَهُ عرفني رَحِمك الله حُدُود مَا قصدتك لَهُ ومقادير مَا سَأَلتك عَنهُ فَقَالَ لي اعْلَم أَن الرجل لَا يصير مُحدثا كَامِلا فِي حَدِيثه إِلَّا بعد أَن يكْتب أَرْبعا من ارْبَعْ كأربع مثل ارْبَعْ فِي ارْبَعْ عِنْد ارْبَعْ بِأَرْبَع على أَربع عَن أَربع لأَرْبَع وكل هَذِه الرباعيات مر أَربع فَإِذا تمت لَهُ كلهَا هان عَلَيْهِ ارْبَعْ وابتلى بِأَرْبَع فَإِذا صَبر على ذَلِك اكرمه الله فِي الدُّنْيَا بِأَرْبَع وأثابه فِي الاخرة بِأَرْبَع قلت لَهُ فسر لي رَحِمك الله مَا ذكرت من احوال هَذِه الرباعيات من قلب صَاف بشرح كَاف وَبَيَان شاف طلبا لِلْأجرِ الوافى فَقَالَ نعم أما الْأَرْبَعَة الَّتِي تحْتَاج الى كتبتها هِيَ
١ - أَخْبَار رَسُول الله ﷺ وشرائعه
٢ - وَالصَّحَابَة ومقاديرهم
٣ - وَالتَّابِعِينَ واحوالهم
٤ - وَسَائِر الْعلمَاء وتواريخهم
1 / 19
(مَعَ أَربع) مَعَ أَسمَاء رِجَالهمْ وَكُنَاهُمْ وأمكنتهم وأزمنتهم (كأربع) كالتحميد مَعَ الْخطب وَالدُّعَاء مَعَ الترسل والبسملة مَعَ السُّورَة وَالتَّكْبِير مَعَ الصَّلَوَات (مثل أَربع) مثل المسندات والمرسلات والموقوفات والمقطوعات (فِي ارْبَعْ) فِي صغره وَفِي إِدْرَاكه وَفِي شبابه وَفِي كهولته (عِنْد ارْبَعْ) عِنْد فَرَاغه وَعند شغله وَعند فقرة وَعند غناهُ بِأَرْبَع بالجبال والبحار والبلدان والبراري (على ارْبَعْ) على الاحجار والاصداف والجلود والاكتاف الى الْوَقْت الَّذِي يُمكنهُ نقلهَا الى الاوراق عَن ارْبَعْ عَمَّن هُوَ فَوْقه وَعَمن هُوَ مثله وَعَمن هُوَ دونه وَعَن كتاب ابيه يتَيَقَّن أَنه بِخَط أَبِيه دون غَيره (لأَرْبَع)
1 / 20
لوجه الله تَعَالَى طَالبا لمرضاته وَالْعَمَل بِمَا وَافق كتاب الله تَعَالَى مِنْهَا ونشرها بَين طالبيها ومحبيها والتأليف فِي احباء ذكره بعده ثمَّ لَا تتمّ لَهُ هَذِه الاشياء الا بِأَرْبَع من كسب العَبْد معرفَة الْكِتَابَة واللغة وَالصرْف والنحو مَعَ ارْبَعْ عَن من عَطاء الله تَعَالَى الصِّحَّة وَالْقُدْرَة والحرص وَالْحِفْظ فإاذا تمت لَهُ هَذِه الاشياء هان عَلَيْهِ ارْبَعْ الْأَهْل وَالْولد وَالْمَال والوطن وابتلى بِأَرْبَع شماتة الاعداء وملامة الاصدقاء وَطعن الجهلاء وحسد الْعلمَاء فإاذا صَبر على هَذِه المحن اكرمه الله تَعَالَى فِي الدُّنْيَا بِأَرْبَع بعز القناعة وبهيبة الْيَقِين وبلذة الْعلم وبحياة الْأَبَد وأثابه فِي الاخرة بِأَرْبَع بالشافعة لمن أَرَادَ من اخوته وبظل الْعَرْش يَوْم لَا ظلّ الا ظله وبسقى من أَرَادَ من حَوْض مُحَمَّد ﷺ وبجوار النَّبِيين فِي اعلى عليين فِي الْجنَّة فقد اعلمتك يَا بني بمجملات جَمِيع مَا اكنت سمعته من مشايخي مُتَفَرقًا فِي هَذَا الْبَاب فَأقبل الان على قصدتني لَهُ أَو دع
1 / 21
تَرْجَمَة الْحَافِظ اللوبدي كَاتب المخطوطة
احْمَد بن خَلِيل بن احْمَد بن ابراهيم بن ابي بكر الشهَاب الدِّمَشْقِي الصَّالِحِي الشَّافِعِي سبط الْجمال يُوسُف بن مُحَمَّد بن احْمَد الحجيني اُحْدُ المسندين الاتى فِي مَحَله وَيعرف بِابْن اللبودي وَابْن عرعر وَلكنه بالاولى اشهر ولد فِي سَابِع عشر شعْبَان سنة اربر وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة قاسيون من دمشق وَنَشَأ بهَا فحفظ الْقرَان وكتبا واشتغل فِي فنون وَمن شُيُوخه فِي الْفِقْه الْبَدْر بن قَاض شُهْبَة والزين عبد الرَّحْمَن بن النشاوى وَفِي الْعَرَبيَّة الشهَاب زيد وَطلب الحَدِيث وَتخرج بالخيضري فِيمَا قيل وَسمع على الشهَاب احْمَد بن حسن بن عبد الْهَادِي خَاتِمَة أَصْحَاب الصّلاح بن ابي عمر بِالسَّمَاعِ ومجير الدّين بن الذَّهَبِيّ واخرين اولهم مؤدبه شعْبَان بن مُحَمَّد بن جميل الصَّالِحِي الْحَنْبَلِيّ سمع عَلَيْهِ بِقِرَاءَة الخيضري مُعظم السِّيرَة لِابْنِ هِشَام وتميز وتعافى نظم الشّعْر فبرع وتكسب بِالشَّهَادَةِ بِبَاب الْبَرِيد ولمنا دخلت دمشق بِقِرَاءَتِي على جمع من شيوخها وَكنت استفهمه عَمَّن بهَا من المسندين إِذْ ذَاك فَلَا يكَاد يفصح واوقفني على مُصَنف لَهُ جمع فِيهِ الاواخر ظريف فِي بَابه وعَلى تَارِيخه استفتحه من سنة مولده استمد فِيهِ من تَارِيخ التقى ابْن قَاضِي شُهْبَة وَغَيره وَأَظنهُ خرج الاربعين والمعجم وَكَذَا خرج الاربعين لشيخه الْبَدْر ابْن قَاضِي شُهْبَة بل ارسل الى يذكر أَنه جمع قُضَاة دمشق ثمَّ رَأَيْت نظمه فِي ذَلِك أرسل بِهِ للعز بن فَهد وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا رَأَيْت بِدِمَشْق طَالبا لهَذَا الشَّأْن غَيره وَقد كتبت من نظمه ونثره وَأكْثر الاستمداد منى على يَد صاحبنا الْبُرْهَان القادري وَمن ذَلِك الْخِصَال المستودبة للظلال وَبعد أَن فارقته حج ولقى صاحبنا ابْن فَهد وَسمع مِنْهُ وَمن غَيره بعض الشَّيْء ظنا بل قَرَأَ على التقى ابْن فَهد وَكتب لَهُ وَأَنا بِمَكَّة بابلاغي سَلَامه وتعريفي بِكَثْرَة اشواقه واستمراره على نشر ألوية
1 / 22
الدُّعَاء وَالثنَاء وَأَنه لَوْلَا مَا يرَاهُ من استصغار نَفسه لكتب الى فَإِنَّهُ من أكبر المحبين ثمَّ أَنه كتب الى بعد ذَلِك طَائِفَة مُشْتَمِلَة على نظم ونثر وأدب كَبِير وتكررت مكاتباته الى وَفِي بَعْضهَا السُّؤَال عَن مُؤَلَّفِي فِي الرَّحْمَة وَنعم هُوَ ذكاء وفضلا وتواضعا وتوددا ولطافة
وَمِمَّا كتب عَنهُ الْعِزّ بن فَهد قَوْله:
قلت لوجه الحبيب يَوْمًا ... وَالْقلب قد مل مِنْهُ صجه
قد كنتب تروى عَن ابْن بشر ... وَالْيَوْم تروي عَن ابْن عقده
مَاتَ فِي يَوْم الْجُمُعَة قبل الْعَصْر سادس الْمحرم سنة سِتّ وَتِسْعين وَصلى عَلَيْهِ بالجامع الاموي ثي بالجامع المظفري ثمَّ دفن بتربة الْمُوفق ابْن قدامَة عِنْد أَبِيه ﵀ وإيانا اهـ من الضَّوْء اللامع قلت ذكر صَاحب ايضاح الْمكنون (١١٠١) أَن لَهُ منظمة إِعْلَام الْأَعْلَام بِمن ولى قَضَاء الشَّام قَامَ بشرحها شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ الْمَعْرُوف بِابْن طولون الدِّمَشْقِي فِي مُجَلد
1 / 23
تَرْجَمَة الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ
اسمه ومولده ونشأته عبد الرَّحِيم بن الْحُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن بن ابي بكر بن ابراهيم الزين أَبُو الْفضل الْكرْدِي الرازناني الاصل الْمصْرِيّ الشَّافِعِي وَالِد الولى احْمَد وَجُوَيْرِية وَزَيْنَب وَيعرف بالعراقي انتاسبا لعراق الْعَرَب وَهُوَ القكر الاعم والا فَهُوَ كردِي الاصل تحول وَالِده لمصر وَهُوَ صَغِير مَعَ بعض اقربائه فاختص بالشيخ الشريف تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الشَّيْخ عبد الرَّحِيم بن احْمَد بن حجون القناوي
1 / 24