وقد يحول بين الفرد وبين بلوغ الزعامة ومكانة الرياسة ومواضع التفوق والسمو والعلاء نقص في إفرازات البنكرياس - وهو غدة كبيرة في الجهاز الهضمي - وهذه الإفرازات هي الأنسولين، فإذا قل الأنسولين في الجسم عن المقدار الواجب له زادت كمية السكر التي في الدم زيادة عالية، وأحدث مرض البول السكري، وهو من الأمراض التي تعوق النشاط وتفقد المرء قوة الجلد على الدأب والإكباب على العمل ومضاعفة الجهود.
وجملة القول في أمر الغدد وأثرها في تكوين الزعامة والنبوغ أن لهذه الغدد فعلا غير مباشر، ولكنه كبير الخطر في تكوين الصفات التي ينبغي أن تتوافر في الزعماء والنوابغ أو تعطيلها، فلا يستطيع الفرد الذي يقل فيه مفعولها أو يختل نظامها أن يجد الطريق إلى البروز في الحياة والنجاح.
وينبغي أن تتوافر للشخصية القوية الفرصة إذا أرادت أن تبلغ مكان الزعامة، كما أن نوع الزعامة ودرجتها يتبعان نوع الفرصة وطبيعتها، فإن الفرص التي تسنح للزعامة في بلد من البلاد أو بيئة من البيئات، لا تتواتى ولا تصلح لمثلها في غيرها من الآفاق والأجواء، وقد كانت الفرص المواتية لخلق الزعامات في عصور الجهل الماضية تختلف عنها في عهود العلم والنور والتحرير والتهذيب.
وفي إيطاليا اليوم تنحصر الفرصة في إملاء الفاشية وتعاليمها، وفي الروسيا تقتصر على حظيرة الشيوعية، كما تنزل في ألمانيا على حكم النازية، وإذا لم يكن مال ولا صحة ولا تحرر من قيود الحياة العائلية وهموم العيش والحاجة وآلام الحرمان، فإن الفرصة لبلوغ مكان الزعامة وموضع الرياسة تروح بعيدة للغاية أو تكاد تكون مستحيلة السنوح، وفي البيئات التي تسودها العصبية الدينية، أو يغمرها الركود العقلي وتغشاها الجهالة، قلما تتواتى الفرصة لقيام الزعماء الأحرار وبروز القادة المتمردين على أجيالهم.
إن طبيعة الفرص هي التي تحدد الاتجاه الذي تسير الزعامة فيه، وهنا يقول غالتون: إن في العالم أفرادا يبلغون النجاح ويبرزون مواهب نادرة وصفات العبقرية في أي ظرف من الظروف مهما كان نوعه أو شأنه أو ما يحيط به.
ولكن الذي لا مراء فيه أنه في البيئة التي يسودها الرق والاستعباد، يندر أن يتاح لأحد الرقيق أن يظفر بمكان الزعيم، ومن قبائل أفريقيا وبين همجها يحول إيمان الزنوج والهمج بالخرافة وغرائب المعتقدات دون ظهور الزعماء؛ لأن كل من ينادي بجديد أو يدعو قومه إلى شيء مستحدث يتهم بالسحر ويحكم عليه بالإعدام.
وقد تتفاوت الأصقاع والبلاد والأقاليم في مبالغ إتاحتها الفرص لظهور النوابغ وبروز الزعماء، وقد ذهب كثير من العلماء إلى أن الحواضر والمدائن أكثر بعثا ودفعا وتنمية لمحصول النبوغ من سواد الريف وآفاق القرى، وأن المدن الصغيرة والبنادر المتوسطة الحال أكثر إخراجا للنوابغ والزعماء من كبريات المدن ومزدحم القواعد والحواضر الكثيرة السكان.
وللتربة أيضا عامل بين الأثر في تكوين الزعامة، وإيجاد الفرص لظهورها، وقد أورد العلماء في ذلك شيئا كثيرا بالنسبة لأنواع التربة ومختلف أحوالها وخواصها وأشكالها وطبائعها، فقالوا مثلا: إن الأصقاع الجبلية والتربة الكثيرة الأنجاد والهضاب أو التربة القاسية العنيفة، تختلف كثيرا عن البلاد الكثيرة السهول والتربة المنبسطة التي يندر فيها الجبال والمرتفعات، والأقاليم التي يجد الفرد فيها مطالب القوت سهلة هينة مأتية بقليل من العمل ومن غير كدح ولا إجهاد.
وليس من ريب في أن الريف يرد على الأجسام، ويملأ الأبدان قوة وبأسا، ويجعل الأعضاء مفتولة شديدة المراس، ومن يعيش في أحضان الطبيعة - كما يقولون - يعيش قويا شديد المحال ذا مرة مليئا بالحياة ...
ومما يعين على تكوين الزعامة أو بلوغ الفرد موضعها أن تتوافر له الفرصة الثقافية؛ أي أن يكون من خلفه تركة غنية من نوع اتجاهه وقبيل صناعته أو استعداده، وفي كثير من الأسرات يبدو التفوق عند عديد من أفرادها، وينبغ من أصلها أكثر من واحد، ويبرز عدة من أعضائها؛ فترى أحد الإخوة نابغة في ناحية ما، وأخا آخر بارزا في صناعة معينة، وأختا بارعة في فن من الفنون، بينما العم والخال والأقارب الآخرون قد نجحوا كذلك في مختلف الميادين.
अज्ञात पृष्ठ