الرفض، فان آباءه كان شعارهم مذهب السنة السنية وكانوا مطيعين منقادين لسنة رسول الله ص ولم يظهر الرفض غير شاه إسماعيل. وتطلبه من أمراء ألوند بيك جماعة وطلبوه من سلطان لاهيجان فأبى أن يسلمه لهم فأنكر وحلف لهم أنه ما هو عندي وورى في يمينه، وكان مختفيا في بيت نجم زركر، وكان يأتيه مريدو والده خفية ويأتونه بالنذير، ويعتقدون فيه ويطوفون بالبيت الذي هو ساكن فيه إلى أن أراد الله بما أراد وكثرت داعية الفساد واختلفت أحوال البلاد باختلاف السلاطين وكثرة العناد بين العباد، ولو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا، وحينئذ كثر أتباع شاه إسماعيل فخرج هو ومن معه من لاهيجان وأظهر الخروج لأخذ ثار والده وجده في أواخر سنة 905 وعمره يومئذ ثلاث عشرة سنة، وقصد مملكة الشروان لقتال شروان شاه قاتل أبيه وجده، وكلما سار منزلا كثر عليه داعية الفساد واجتمع عليه عسكر كثير إلى أن وصل إلى بلاد شروان، فخرج لمقاتلته شروان شاه بعساكره وقاتلهم وقاتلوه فانهزم عسكر شروان وأسر شروان شاه وأتوا به إلى شاه إسماعيل أسيرا فأمر أن يضعوه في قدر كبير ويطبخوه ويألوه ففعلوا كما أمر وأكلوه (1) وكان ذلك أول فتوحه، ثم توجه إلى قتال ألوند بيك فقاتله وانهزم منه واستولى على خزائنه وقسمها في عسكره وصار يقتل من ظفر به قتلا ذريعا ولا يمسك شيئا من الخزائن بل يفرقها في الحال، ثم قاتل مراد بيك ابن السلطان يعقوب فهزمه في الحال وأخذ خزائنه وفرقها على عسكره، ثم صار لا يتوجه إلى بلاد إلا يفتحها ويقتل جميع من فيها وينهب أموالهم ويفرقها إلى أن ملك تبريز وأذربيجان وبغداد وعراق العرب وعراق العجم وخراسان. (انتهى كلام النهروالي).
وبعد هذا الكلام يسترسل في الاختلاق الباعث له عليه تعصبه المذهبي، مما لا صلة له بموضوعنا.
والمهم في هذا القول هو ما ذكره من أن آباء الشاه إسماعيل لم يكونوا شيعة، وأنه هو المتشيع الأول فيهم، وأن شيعة لاهيجان هم الذين لقنوه التشيع. على أن هذا يناقض ما ذكره من أن أباه حيدر هو الذي ألبس أتباعه التاج الأحمر فسماهم الناس (قزلباش). ومعلوم أن هذا التاج كان مقسما من قمته إلى أطرافه اثنتي عشرة شقة تشير إلى علي وأبنائه الاثني عشر ع.
وقد ظل هذا الاسم (قزلباش) وقتا طويلا يطلق في تركيا على الشيعة، ولا يزال حتى الآن يطلق في أفغانستان على الشيعة الإيراني الأصل. والنهروالي نفسه يسمي الإيرانيين بهذا الاسم حين يتحدث بعد ذلك عن غزو السلطان سليمان لإيران والعراق ثم يتحدث النهروالي عن الصدام بين الشاه إسماعيل والسلطان سليم العثماني فيقول:
فلما وصلت أخباره (أي الشاه إسماعيل) إلى السلطان سليم خان تحركت فيه قوة العصبية، وأقدم على نصر السنة الشريفة السنية، وعد هذا القتال من أعظم الجهاد، وقصد أن يمحو من العالم هذه الفتنة وهذا الفساد، وينصر مذهب أهل السنة الحنيفية على مذهب أهل البدع والإلحاد، ويأبى الله إلا ما أراده، فتهيأ السلطان سليم بخيله ورجله وعساكره المنصورة ورحله، وسار لقتاله، وأقدم على جلاده وجداله.
ثم يتحدث بعد ذلك عن معركة جالديران وانتصار السلطان سليم ودخوله مدينة تبريز عاصمة الشاه إسماعيل، ثم عن رحيله عنها قائلا:
وأراد أن يقيم في تبريز للاستيلاء على إقليم العجم والتمكن من تلك البلاد على الوجه الأتم، فما أمكنه ذلك لكثرة القحط واستيلاء الغلاء بحيث بيعت العليقة بمايتي درهم وبيع الرغيف الخبز بمائة درهم، وسبب ذلك أن القوافل التي كان أعدها السلطان سليم لتتبعه بالمبرة والعليق والمؤن تخلفت عنه في محل الاحتياج إليها، وما وجدوا في تبريز شيئا من المأكولات والحبوب لأن الشاه إسماعيل عند انكساره أمر باحراق أجران الحب والشعير وغير ذلك، فاضطر السلطان سليم خان إلى العود من تبريز إلى بلاد الروم وتركها خاوية على عروشها.
ثم تفحص عن سبب انقطاع القوافل عنه فأخبر أن سبب ذلك سلطان مصر قانصوه الغوري فإنه كان بينه وبين شاه إسماعيل محبة ومودة ومراسلات بحيث أن كان السلطان قانصوه الغوري يتهم بالرفض في عقيدته بسبب ذلك. فلما ظهر للسلطان سليم خان أن الغوري هو الذي أمر بقطع القوافل عنه صمم على قتل السلطان الغوري أولا وبعد الاستيلاء عليه وعلى بلاده يتوجه إلى قتال شاه إسماعيل ثانيا. (انتهى كلام النهروالي).
ومن هذا الكلام تبدو لنا حقيقتان: أولا - أن الشائع في ذلك العصر أن حرب السلطان سليم كانت حربا مذهبية، يراد بها القضاء على الدولة الشيعية الناشئة في مهدها قبل أن تتأصل جذورها ويتركز أمرها وينتشر سلطانها.
ثانيا إن السلطان قانصوه الغوري قد حرم السلطان سليم من قطف ثمرة انتصاره الحاسم في جالديران، بل أحال ذلك النصر إلى هزيمة اضطر معها السلطان سليم إلى العودة إلى بلاده خائبا من القضاء على الدولة الصفوية، مما جعل تلك الدولة تعاود نشاطها، ويعود الشاه إسماعيل ملكا مظفرا يفتح البلاد ويوسع ملكه وينشر سلطانه.
على أن اللافت للنظر هو قول هذا المؤرخ أن قانصوه الغوري كان يتهم من معاصريه بالتشيع، بسبب ما كان بينه وبين الشاه إسماعيل من قبل من محبة ومودة ومراسلات.
وبذلك نفسر حملة هذا المؤرخ على الغوري وشماتته به ، حملة وشماتة لا تصدران إلا من قلب مملوء بالحقد المذهبي الذميم. وكذلك ابتهاجه بانتصارات السلطان سليم وإشادته به، وتغاضيه عن مجازره، ثم ترحمه عليه بعد موته.
وفي موضع آخر يصف ظهور الشاه إسماعيل وتحويله إيران إلى التشيع قائلا::
وظهر في أيامه (أي السلطان بايزيد والد السلطان سليم) الشاه إسماعيل في سنة 905 وكان له ظهور عجيب واستيلاء على ملوك العجم يعد من الأعاجيب، فتك في البلاد وسفك دماء العباد وأظهر مذهب الرفض والإلحاد وغير اعتقاد العجم إلى الانحلال والفساد بعد الصلاح والسواد وأخرب ممالك العجم وأزال من أهلها حسن الاعتقاد والله يفعل في ملكه ما أراد. وتلك الفتنة باقية إلى الآن في جميع تلك البلاد.
أفضل الدين الكاشاني المعروف ببابا أفضل المرقي ورد ذكره في المجلد الثالث الصفحة 470 وقد تحدث عنه الدكتور محمود محمد الخضيري بما يلي:
إني مخصص هذا المقال لفيلسوف إسلامي إيراني فذ. جمع إلى درايته بالفلسفة وإحاطته بالكثير من فنونها، النبوغ والتفوق في الشعر. هذا الفيلسوف الشاعر هو أفضل الدين محمد الكاشي أو الكاشاني، وقد يذكر بلقبه فقط، وهو بابا أفضل الدين، وينسب إلى كاشان كما ينسب أيضا إلى مرق من.
पृष्ठ 19