الجزء الأول. كلمة الناشر: نحمدك اللهم خالق الخلق، ومالك الملك لا إله إلا أنت لا شريك لك، ونصلي ونسلم على رسولك وأمين وحيك المصطفى سيدنا ومولانا محمد بن عبد اللًّه بن عبد المطلب وعلى آله وأصحابه والتابعين وتابع التابعين الذين خدموا هذا الدين الحنيف بقلوب صادقة عامرة بالإيمان القوي فقاموا بالواجب عليهم خير قيام لا يبتغون من وراء ذلك دنيا يصيبونها بل كان رائدوهم رضوان اللًّه ورحمته وغفرانه. أما بعد: فمن المحقق الذي لا جدال فيه أن أشرف الكلام وأعظمه كلام اللًّه ﷾ وأصدق الحديث وأكمله أحاديث رسول اللًّه ﷺ. وقد عنى علماء المسلمين في العصور الغابرة بتدوين أحاديث رسول اللًّه ﷺ وضبطها، وشرحها، والبحث عن رجالها وترتيبها ومن أفاضل العلماء الذين خدموا الحديث وعنوا به أمام المحدّثين في عصره وشيخ مشايخ علماء زمانه الشيخ محمد عابد السندي المتوفي سنة ١٢٥٧ هـ فإنه عنى بترتيب مسند الامام الشافعي وتهذيبه أنفع ترتيب، وأمتع تهذيب فرتبه على أبواب الفقه ترتيبًا علميًا يسر به سبيل الاستفادة منه وحفظ وقت المراجعين والباحثين. ولما كان هذا الكتاب لا يزال مخطوطًا لم تتداوله الأيدي والناس في حاجة ماسة الى الانتفاع به أرشدنا اليه وشجعنا على القيام بنشره شيخنا العالم العلامة بقية السلف الصالح اللأستاذ الشيخ محمد زاهد بن الحسن الكوثري وكيل المشيخة الإسلامية في الخلافة العثمانية سابقًا ونزيل القاهرة الآن أمد اللُّه في عمره، فاعتمادًا على إرشاد فضيلته وتوجيهه لنا تجاسرنا بالإقدام على نشره متوخين بذلك خدمة الدين والعلم وتيسير البحث على العلماء والطلاب وغيرهم من المقلدين لمذهب الامام الشافعي ليتبينوا دليل مذهب أمامهم ولينتفع به كافة رجال العلم والبحث ثم لكي نتمكن من إبراز طبعتنا هذه في حلة قشْيبة خاليه من الأغلاط بقدر المستطاع راجعنا الأصول التي بيدنا على عدة نسخ منها نسختان خطيتان محفوظتان في دار الكتب الملكية المصرية بالقاهرة تحت رقم ١٨٣٢ و٢٣٥٢ حديث، وغيرهما من النسخ التي عثرنا عليها. ومضاعفة للفائدة، ومبالغة للنفع رأينا أن نقدمه للقراء مضبوط الكلمات مشروحها فرغبنا الى حضرة الأستاذ الكبير واللغوي الأديب صاحب الفضيلة الشيخ حامد مصطفى

1 / 3

المدرس بكلية اللغة العربية بالجامعة الأزهرية أن يساهم معنا في هذا العمل الجليل فلم يسعه حفظه الّله مع ضيق وقته وكثرة عمله إلا أن يجيب هذه الرغبة خدمة لأحاديث رسول اللًّه ﷺ وأحياء لذكرى الامام الشافعي الذي يحتل من قلبه وحبه أسمى مكان فجزاه اللًّه عن العلم وخدامه خير الجزاء. هذا واننا نتقدم للقراء الكرام بهذه الدرة اليتيمة، والتحفة الثمينة الفريدة بعد بذل جهد غير قليل في ابرازها بهذه الصورة راجين من اللًّه ﷾ أن يوفقنا في هذه الدنيا الى خير العمل وأن يجعلنا في الآخرة من المقبولين الحائزين لعفوه ورضاه انه سميع مجيب.

1 / 4

بسمِ اللًّه الرحمن الرحّيم (مقدمة الشيخ زاهد الكوثري) مسند الامام أبي عبد اللًّه الشافعي ﵁ وكلمة عن جمعه وترتيبه. الحمد للًّه رب العالمين، وصلى اللًّه على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. أما بعد: فإن مسند الامام المعظم، والمجتهد المقدم، أبي عبد اللًّه محمد بن ادريس الشافعي ﵁، من أرفع المسانيد شأنًا، وأعظمها نفعًا، لمن يريد أن يطلع على وجوه التدليل، على مذهب هذا الامام الجليل؛ لأنه حوى معظم ما أستند إليه هذا الامام، من أحاديث الأحكام، في الحلال والحرام. وقد قال الحافظ أبو المحاسن محمد بن علي الحسيني الدمشقي الشافعي ﵀ في (التذكرة في رجال المسانيد العشرة) وهي في مكتبة الكبريلي بالآستانة: (ذكرت فيها رجال الأئمة الأربعة المقتدى بهم؛ لأن عمدتهم في الاستدلال لهم لمذاهبهم في الغالب على ما رووه في مسانيدهم بأسانيدهم) ثم ذكر الموطأ لمالك ثم قال: (وكذلك مسند الشافعي؛ فأنه موضوع لأدلته على ما صح عنده من مروياته) ثم ذكر مسند أبي حنيفة، ومسند أحمد ﵃. وكلام الحسيني هذا يدل على أنه كان يعرف أن لهم أدلة أخرى سوى ما في تلك المسانيد على ما يظهر من قوله (في الغالب) وان تجاهل ابن حجر هذا القيد فأخذ يرد في (تعجيل المنفعة) على الحافظ الحسيني بما لا يرد عليه، مع ظهور أن الحسيني ليس ممن يجهل جامع مسند الشافعي، ولا مدون مسند أبي حنيفة، ولا أن للأئمة أحاديث سوى ما في تلك الكتب، وتلك أمور قل بين طلبة العلم من يجهلها فضلا عن مثل الحسيني حفظا واطلاعًا لكن ابن حجر يلذه تعقب من قبله على أي وجه كان! ! .

1 / 5

ومسند الشافعي هذا يحتوي على أحاديث سمعها أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم المتوفي سنة ٣٤٦ هـ من الربيع بن سليمان المرادي المؤذن المتوفي سنة ٢٧٠ هـ في ضمن كتب الأم وغيرها التي سمعها مباشرة من الامام الشافعي ﵁ غير أحاديث معروفة سمعها بواسطة البويطي، ومدون تلك الأحاديث بأسانيدها في ذلك السفر المعروف بمسند الامام الشافعي هو: أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر النيسابوري المتوفي سنة ٣٦٠ هـ صاحب الأصم، وكان جمعه لتلك الأحاديث في ذلك السفر لشيخه بطلبه، وقيل إن جمعه كان لنفسه لا لشيخه، ويقال إن الجامع هم الأصم نفسه والله أعلم. وعلى كل تقدير أحاديث ذلك المسند من مسموعات ابن مطر من الأصم ضمن سماعه لكتب الأم منه كما سمعها هو من الربيع، وهو سمعها من الشافعي رضي اللَّه عن الجميع ويكني بعض أهل العلم ابن مطر أبا جعفر واللَّه أعلم. فمسند الشافعي سواء كان جمعه تحت اشراف الأصم أومن غير اشرافه عليه، غير مرتب على الشيوخ ولا على الأبواب، ولذا قال ابن حجر في تعجيل المنفعة: (ولم يرتب الذي جمع حديث الشافعي أحاديثه لا على المسانيد ولا على الأبواب، وهو قصور شديد؛ فانه اكتفى بالتقاطها من كتب الأم وغيرها كيف ما أتفق، ولذلك وقع فيها تكرار في كثير من المواضع اهـ) . ولذا ترى في المسند سرد أحاديثه تحت عناوين إما غير دالة على أبواب الفقه اكتفاء بمجرد ذكر مصادرها من الكتب نحو (من كتاب اختلاف مالك والشافعي و(من كتاب الرسالة) و(من كتاب ابطال الاستحسان)، و(من كتاب اختلاف أحكام القرآن) و(من كتاب سير الواقدي)، و(من كتاب جماع العلم)، و(من كتاب اختلاف علي وعبد اللَّه) وتلك عناوين لا تدل على نوع معاني الأحاديث المدونة تحتها، واما دالة على أبواب من الفقه لكن لا دقة في توزيع الأحاديث عليها ولا في جمعها في أبوابها. وكان هذا المسند الجليل ينقصه هكذا حسن التبويب فيحول ذلك دون استثمار فوائده بأيسر نظرة، وقد شرحه ابن الأثير في عدة مجلدات، وكذا الرافعي ثم قام الأمير المحدث؟ نجر الجاولي المتوفي سنة ٧٤٥ هـ يجمع ما في الشرحين في صعيد واحد، ومضوا جميعا على اهمال ترتيب أحاديث الكتاب بحيث يعم النفع به.

1 / 6

والواقع أن أهل العلم قصروا في خدمة هذا المسند الجليل المحتوى لجل أحاديث الامام الشافعي الى أن قيض اللَّه لخدمته المحدث المسندى القائم بخدمة السنة واقراء الكتب الستة في المدينة المنورة في القرن السابق الشيخ محمد عابد السندي المتوفي سنة ١٢٥٧ هـ، فانه عنى بترتيب مسند الامام الشافعي وتهذيبه أنفع ترتيب، وأمتع تهذيب كما فعل مثل ذلك في مسند الامام أبي حنيفة فكان أجر ملء هذا الفراغ مذخورا له، ليضاعف اللَّه سبحانه حسناته، ويرفع درجاته. وللسندي هذا: (طوالع الأنوار في شرح الدر المختار) في ستة عشر مجلدًا ضخما بين كتب الرافعي في مكتبة الأزهروله تبويب مسند أبي حنيفة على أبواب الفقه وشرحه في أربع مجلدات باسم (المواهب اللطيفة في شرح مسند أبي حنيفة) بمحمودية المدينة المنورة وبالهند والمتن المبوب طبع مرات وله (حصر الشارد من أسانيد محمد عابد) من أنفع وأوسع الأثبات المؤلفة في القرن الهجري السابق نسخته سقيمة منه محفوظة بدار الكتب المصرية وكم ختم الكتب الستة سردا، ورواية، وشرحا، ودراية في المدينة المنورة، وبسط القول في ترجمته في (ثبت الاثبات) لمولانا المحدث البارع السيد محمد عبد الحي الكتاني حفظه اللَّه. ولمحمد عابد السندي أيضا (ترتيب مسند الامام الشافعي) ﵁ على أبواب الفقه مع شرحه الى نصفه، وله غير ذلك، ويقول في (حصر الشارد) عند ذكر مسند الشافعي: (التقطه بعض النيسابوريين - وهو أبو جعفر محمد بن جعفر بن مطر من الأبواب، ويقال بل جرد أحاديث كتب الأم أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر لأبي العباس الأصم، وقيل بل جردها الأصم لنفسه، ولم يرتب الذي جمع أحاديثه على المسانيد ولا على الأبواب، بل اكتفى كيف ما أتفق، فلذلك وقع فيها تكرار في كثير من المواضع، وقد وفقني اللَّه فرتبته على الأبواب الفقهية، وحذفت منه ما كان مكرارا لفظا ومعنى، ووقع إتمامه سنة ١٢٣٠ اهـ ثم شرحت نصفا منه وأسأل اللَّه الاتمام اه) . والشارح عاش بعد ذلك سبعا وعشرين سنة، ولا أدري ماذا حال دون اتمامه للشرح؟ أم تم ولم يبلغنا خبره؟ وقد قال السندي في مقدمة ترتيب مسند الشافعي بعد ذكره ترتيبه لمسند أبي حنيفة، وكون مسند الشافعي غير مرتب على الأبواب الفقهية: (ولذلك كان يشكل البحث فيه على الطالب خصوصا عند ايراده الحديث في غير مظانه أو تكراره

1 / 7