मुसीका शर्क़िय्या
الموسيقى الشرقية والغناء العربي
शैलियों
إهداء
1 - لمحة في تاريخ الخديو إسماعيل ونصرته للفنون الجميلة
2 - أصل الموسيقى
3 - الغناء القديم والغناء الحديث
4 - عبده الحمولي
5 - عبده الحمولي مصلح اجتماعي في ثوب مغن
6 - «ساكنة» أستاذة «ألمظ»
7 - أزواج عبده الخمس
8 - القصائد التي غناها
9 - ما اخترته من ألحان المرحوم عبده الحمولي
अज्ञात पृष्ठ
10 - قصيدة المرحوم أحمد شوقي بك أمير الشعراء
11 - مرثية جريدة المقطم
12 - مرثية جريدة الأهرام
13 - رأي في الموسيقى الشرقية والغناء العربي
14 - الموسيقى العربية وعبده الحمولي
15 - عبده الحمولي وفنه
16 - كلمة الدكتور عبد الرحمن شهبندر
17 - لمحة عامة في الموسيقى
18 - فذلكة عن الغناء العربي
19 - عبده الحمولي مع سليم سركيس
अज्ञात पृष्ठ
20 - شهادة إبراهيم بك المويلحي الكاتب القدير
21 - آراء أعضاء المؤتمر الموسيقي المنعقد سنة 1932 في الموسيقى العربية
22 - شعور المغفور له سعد زغلول باشا
23 - تراجم حياة أشهر الموسيقيين والمطربين في مصر
24 - الموسيقى فن سماوي
25 - الفوارق
26 - سلامة حجازي
27 - الفرق التمثيلية في مصر
28 - أقوال وآراء للعلماء والشعراء والفلاسفة والأطباء
29 - محادثتي مع صاحب المعالي سعيد ذو الفقار باشا كبير الأمناء
अज्ञात पृष्ठ
30 - مشاهير رجال الموسيقى
31 - شكر عام
32 - مذهب: كنت فين والحب فين
33 - مصاب الأمة الفادح
إهداء
1 - لمحة في تاريخ الخديو إسماعيل ونصرته للفنون الجميلة
2 - أصل الموسيقى
3 - الغناء القديم والغناء الحديث
4 - عبده الحمولي
5 - عبده الحمولي مصلح اجتماعي في ثوب مغن
अज्ञात पृष्ठ
6 - «ساكنة» أستاذة «ألمظ»
7 - أزواج عبده الخمس
8 - القصائد التي غناها
9 - ما اخترته من ألحان المرحوم عبده الحمولي
10 - قصيدة المرحوم أحمد شوقي بك أمير الشعراء
11 - مرثية جريدة المقطم
12 - مرثية جريدة الأهرام
13 - رأي في الموسيقى الشرقية والغناء العربي
14 - الموسيقى العربية وعبده الحمولي
15 - عبده الحمولي وفنه
अज्ञात पृष्ठ
16 - كلمة الدكتور عبد الرحمن شهبندر
17 - لمحة عامة في الموسيقى
18 - فذلكة عن الغناء العربي
19 - عبده الحمولي مع سليم سركيس
20 - شهادة إبراهيم بك المويلحي الكاتب القدير
21 - آراء أعضاء المؤتمر الموسيقي المنعقد سنة 1932 في الموسيقى العربية
22 - شعور المغفور له سعد زغلول باشا
23 - تراجم حياة أشهر الموسيقيين والمطربين في مصر
24 - الموسيقى فن سماوي
25 - الفوارق
अज्ञात पृष्ठ
26 - سلامة حجازي
27 - الفرق التمثيلية في مصر
28 - أقوال وآراء للعلماء والشعراء والفلاسفة والأطباء
29 - محادثتي مع صاحب المعالي سعيد ذو الفقار باشا كبير الأمناء
30 - مشاهير رجال الموسيقى
31 - شكر عام
32 - مذهب: كنت فين والحب فين
33 - مصاب الأمة الفادح
الموسيقى الشرقية والغناء العربي
الموسيقى الشرقية والغناء العربي
अज्ञात पृष्ठ
مع السيرة الذاتية للفنان: عبده الحمولي
تأليف
قسطندي رزق
إهداء
كتابي في الموسيقى الشرقية والغناء العربي ونصرة الخديوي إسماعيل للفنون الجميلة وحياة عبده الحمولي إلى حضرة صاحب الجلالة - الملك فؤاد الأول - ملك مصر المعظم
مولاي
إن بحرص ساكن الجنان والدكم الخديوي إسماعيل على الموسيقى العربية يخلد الثناء الطيب على تراخي الأحقاب. ولنصرته للفنون الجميلة، وحفظة لمجد العرب الأثيل. سيبقى ذكره في الأعقاب بما هيأ لذلك من أسباب النجاح. وما أتاه عبده الحمولي من ضروب الابتكار والتفنن في إقامة بناء لها وطيد الدعائم، وتكوين قواعدها على أسلوب عربي رشيق، وبروح مصري أنيق؛ فازدهرت في عصره الذهبي. وأصبح الشعب المصري طروبا سعيدا، ويغني متهللا. ولا عجب وهذا الشبل من ذاك الأسد. إنكم عند إشراق شملكم على عرش المملكة المصرية. جريتم على منهاجه في تشجيع الفنون والموسيقى العربية الوليد حبها فيكم. وأضحيتم مصدر الحركة في النهضة القومية. وقوام حياة مصر الفنية والأدبية والعلمية والاقتصادية، بنشركم العلوم والمعارف، وتشجيعكم الصنائع والفنون بما أسستم من معاهد ومدارس ومستوصفات.
ولما كانت الشمس تطلع من المشرق، وكانت مصر الأم التي غذت قديما الغرب بلبنها من علوم وفنون، ولما طمى على الموسيقى العربية الساحرة فساد التجديد الذي من أغراضه الاستعانة عن الصورة الحسناء بصورة شوهاء. تصديت خدمة للفن، وإيثارا للفائدة العامة؛ لأصونها من أيدي التلاعب والضياع، وتبقى فنا عربيا لا غريبا ورمزا لتقاليد شعبها، وعنوانا لنخوة عروبتها وعزتها وآياتها. ولذا أرفع بكل خضوع إلى الأعتاب الملكية كتابي هذا الذي به تشخيص الداء، ووصف الدواء؛ لتدفعوا غارة العجمة عن ألحان موسيقانا أداة بياننا ولغة أفئدتنا. احتفاظا بروح مصر الخالدة. والله أسأل أن يشمل عطف جلالتكم السامي العبء الذي نهضت به لخير الوطن، ويمدكم بروح من عنده، ويحرس ولي عهدكم صاحب السمو الملكي أمير الصعيد فاروق المحبوب. إنه سميع مجيب.
العبد الخاضع المطيع
قسطندي رزق
अज्ञात पृष्ठ
حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول المعظم.
نكس العلم
بقلم عبد الله عفيفي
هل يعلمون على من نكس العلم
هذا بناء الحمى والملك ينهدم
فؤاد، أين؟ ومصر غير آمنة
الريح عاتية والموج ملتطم
خلفتنا لا يرد الضيم فارسنا
ولا ينافح عن أشباله الأجم
فؤاد، هل وقفة؟ فالشعب مضطرم
अज्ञात पृष्ठ
ومصر تبكي مناها والدموع دم
أحالها الحزن أشلاء ممزقة
جسم بغير فؤاد كيف ينتظم
ليس المصاب مصابا إنه ضرم
مؤجج في نواحي القلب محتدم
فؤاد لا الصبر يأسو جرح فاجعتي
ولا تنهنه من أحزاني الكلم
قد كنت وحي يراعي حين أشرعه
فالآن بعدك لا شعر ولا قلم
ساكن الجنان المغفور له جلالة الملك فؤاد الأول.
अज्ञात पृष्ठ
ساكن الجنان المغفور له الخديو إسماعيل.
الطائر الصيت والبلبل الغرد المرحوم عبده الحمولي.
عبده الحمولي ومحمد العقاد والسيدة عمر المطربة وخليل باش أغا ساكن الجنان الخديو إسماعيل.
الأستاذ قسطندي رزق مؤلف هذا الكتاب.
مقدمة
بقلم قسطندي رزق
لقد أشربت محبة المرحوم عبده الحمولي منذ نعومة أظفاري يوم خالط المرحوم والدي بالزقازيق وزارنا في دارنا وغنانا غناءه العربي؛ فأعجبت به أيما إعجاب وارتسمت في ذهني صورة العروبة الفخمة بما مثل أمامنا من الحركات والأقوال التي صورت لي إباء العرب وفروسيتهم وعظمتهم، وما أتاه من شجي التلحين وحسن الأداء، وتفخيم اللفظ الدال على معناه، والإبانة في مخارج الحروف، فهو حرى بأن يكنى بغريد الشرق الذي لا تفتح العين على مثله، وأخذت منذ ذلك الحين أشعر بتيار موسيقى يتمشى في عروقي إلى أن أضحيت من المولعين بالغناء العربي الذي لا أصبو إلا إليه، وحزت ملكة التمييز بين جيده ورديئه لا سيما إذا سمعت ركزا لخليط مجدد. ولما هب على الموسيقى العربية عاصف التجديد، وحاول أن يقتلع جذورها من تربتها المباركة الخصبة، شمرت لصد ذلك التيار عنها غيرة على عظمتها وسحرها، واتقاء للرمق الباقي منها، إذ هي الآن والعياذ بالله واقفة على مفترق طريقين لا محيد لها عن سلوك واحد منهما، فإما أن تحيا وتستعيد ماضي شبابها إذا تداركها أولو الأمر منا، وإما أن يسجل عليها الموت الذي لا حياة بعده إذا ألقينا حبل المجددين على غاربهم يجهزون على تلحيننا القومي ويرتضخون لكنة غربية بدلا من ترديد نبرنا العربي، ويشوهون محاسن الموسيقى العربية التي وضع قواعدها أسلافنا الموسيقيون المصريون، ويقضون على تقاليد الشعب المصري الذي يغني بالفطرة، ويحتفظ بصبغته وتقاليده.
على أنه ليس من غرضي في هذه المقدمة الوجيزة أن أعارض في التجديد الذي يقصد منه زيادة ثروة موسيقانا الشرقية والتدرج بها من حسن إلى أحسن كما هو شأن كل فن ينقصه التنقيح والتحسين - (والكمال لله وحده) - أو أن أصرف المجددين المجتهدين عن التوفر على توسيع نطاقها والنهوض بها إلى أعلى مستوى يليق بعظمتها ومجد الشرق، ويحفظ لنا ما خلفه لنا السلف من الموسيقيين العبقريين من قواعد ثابتة وقوانين مرعية، إذ أني أرحب بكل تجديد مبني على الأصول، ويرجع إلى مستقر معروف، وأسلوب مألوف، لكن المجددين - والأسف يملأ جوانحي - في واد، ونواميس الموسيقى في واد وقد هاموا في أودية الضلال وأضلوا سامعيهم، وليتهم تصرفوا في التجديد على حسب القواعد الصحيحة محترمين المقاييس وراعوا النغم والمقاطع والموازين الموسيقية والتوقيع بما يطابق معنى الأغنية المنظومة، ومثل الموازين الموسيقية كمثل الأبحر للشعر ذي الأشطر الصحيحة القياس.
أما الألحان القديمة فيتوفر فيها حسن التوقيع وضبط الإيقاع، ولو كان ملحنونها يقتصرون على نغمة أو أكثر، وهي في كل حال خير من الألحان الحديثة التي لا يتوفر فيها حسن التوقيع وضبط الإيقاع، فضلا عن عدم مراعاة ملحنيها لمعنى الأغنية أو الدور أو الموشح مهما كثرت أنغامها؛ لعدم ضبطهم القواعد الأساسية التي يجب أن تبنى عليها أغانيهم من جهة، ولعدم تمكنهم من قتل النغمات درسا من جهة أخرى ليكفلوا الحصول على جمال التلحين.
فإذا استمروا على هذا المنوال قضوا على الموسيقى العربية قضاء مبرما، وأضحت لا أثر لها في الوجود. وما حماية الألحان التي تكاد تبتلعها عجمة التجديد إلا الاحتفاظ بروح مصر الخالدة.
अज्ञात पृष्ठ
هذا هو الداء الدفين لموسيقانا الذي يستعصي شفاؤه إذا أهملناه ولم نعالجه بسرعة، وقد وصفته وصفا لا يخالج الخبير فيه أدنى ريب، أما الدواء فيلخص فيما يأتي: (1)
وجوب تأليف لجنة فنية من أعضاء المعهد الملكي للموسيقى العربية، ومن الموسيقيين والشعراء في خارجه ممن يشار إليهم بالبنان، يكون من اختصاصها الإشراف على كل لحن جديد يلحن، والقيام بفحصه بدقة من الوجهتين التلحينية والنظمية، (مع مراعاة ما إذا كان لفظه ومعناه منزهين عما يعاب) حتى إذا حاز القبول يرخص لصاحبه بنشره وإذاعته، ماذا وإلا تجرى مصادرته بمساعدة الهيئة الحاكمة ضمانا لتنفيذ شروط اللجنة المشار إليها. (2)
يعهد إلى المعهد بألا يرخص لرؤساء التخوت للآلات الوترية بأن يستبدلوا العازفين السابق تشغيلهم على تخوتهم بعازفين جدد لا يفقهون طرق إشغالهم، ولا مزاياهم الخاصة، إذ إن لكل رئيس عادة خاصة، ومزية خاصة، وروحا خاصا، بدليل أن تخت الأستاذ: محمد العقاد كان لا يشتغل إلا برئاسة عبده الحمولي، ولم يستطع أي قانونجي في عصره أن يدوزن قانونه بالسرعة التي كان يدوزنه بها محمد العقاد الكبير، ولا أن يصور نغماته على آلته، وكان لكل رئيس تخت خاص عازفون خصوصيون لما في الإبدال من ضرر، كما لا يخفى لا سيما في عدم إمكان دوزان الآلات واندماجها ببعضها بعضا؛ لأن الدوزان والميزان لازمان للموسيقى الصحيحة، وقد قال موزارت «الموسيقى ميزان». (3)
أن يعهد إلى المعهد في تكليف أشخاص للتجول في البلاد الريفية للبحث عن ذوي الأصوات الحسنة: من الصبية الريفيين بين جامعي الأقطان، والعمال بالمصانع، والمحالج وغيرها، لاستحضارهم وتعليمهم أصول الغناء على الطراز العربي، مبتدئين بترويض أصواتهم كترويض الأجسام على الرياضة البدنية وتمرينها على المقامات تدريجيا، واختبارهم أخيرا فوق المآذن على حد ما كان يروض أوتار صوته المرحوم: عبده الحمولي على مئذنة جامع الحنفي، وإتباعا لخطط الموسيقيين الغربيين في مثل ذلك. ولا غرابة في انتقاء الصبية من بلاد الريف في الوجهين القبلي والبحري؛ لأن عبده عبقري الشرق رأت عيناه النور في (حامول)، ومحمد عثمان الصعيدي أصلا (من طهطا) ولد في حي بولاق، حيث كان يتمرن على أعمال البرادة في ورشة. ويقوم المعهد بدفع نفقات هذا النشء ويحتم عليه أن يعلمه الموسيقى العربية بحذافيرها، وعلى حسب قواعدها مع إدخال النظم الحديثة المختارة فيها بشرط أن تلائم الذوق المصري، ولا تمس جوهر موسيقانا أو تشوه محاسنها. (4)
على الصحافة المصرية الحرة التي يناط بها إرشاد الأمة إلى سبيل الهدى ألا تألو جهدا في لفت نظر الأمة والمجددين على صفحات جرائدها إلى وجوب مراعاة الشروط السابق الإيماء إليها؛ احتفاظا بجمال موسيقانا وثروتها وقوتها التي هي أشهر من أن ينبه على وجوب الاحتفاظ بطابعها الشرقي وصبغتها وذوقها السليم المصري البحت؛ لأن الدين إمحاض النصيحة والصراحة حياة الحق، ومثلها كمثل عصير الشجرة فلا تحيا إلا به، وبدونه تيبس أغصانها وموتا تموت، وكل شعب يقبل الأمور على علاتها بدون تمحيص، ولا بحث ولا برهان استنادا على عوامل مؤثرة أو جاه أو ثروة أو دعاية غير صحيحة يكون هدفا للتغرير والخدعة، وقد وجدت لزاما علي في إبان النهضة القومية في جو الحرية والديمقراطية أن ألفت النظر إلى مجابهة الحقائق بلا وجل ولا محاباة ولا تقليد أعمى، بل بثقة وصدق وشجاعة وحسن نية في ظل مليك البلاد المعظم جلالة فاروق الأول الديمقراطي الذي ولا شك سيحذو حذو جلالة والده في السهر على الفنون الجميلة وغيرها، ويعمل على النهوض بمصر إلى ذروة المجد والسعادة، ولولا مجهود ساكن الجنان والده لما كان لأي هيئة فنية أو رسمية في مصر من أثر، ولا قامت للموسيقى قائمة. وعسى المحدثين بعد هذا التنبيه أن ينزعوا عن طائش رأيهم في التجديد ويثوبوا إلى الصواب، فإن الرجوع إلى الحق محمدة والمضي في الباطل منقصة. وفقنا الله إلى السبيل السوي وهو مالك الأمور.
الفصل الأول
لمحة في تاريخ الخديو إسماعيل ونصرته للفنون الجميلة
لما كان هم المغفور له الخديو إسماعيل نشر العلوم والمعارف، وإحياء الزراعة، وتوسيع نطاق الصنائع الوطنية، وترويج التجارة، وتثقيف المرأة، وتشجيع الفنون الجميلة، وفي مقدمتها الموسيقى العربية، والغناء والتمثيل، نشط للجري في سبيل الأمم المتمدنة، ولم يأل جهدا في تحسين الصلات، وتمكين الألفة بين المصريين، وبين الجاليات المتوطنة في مصر، حتى بلغت في عصره الذهبي ذروة المجد، وأوج الحضارة والمدنية، وأصبحت حرية بأن تعد قطعة من أوربا لا من أفريقيا كما صرح بذلك شخصيا.
ومن مآثره الجليلة، أنه كان أبا الفلاح يدافع عن كيانه، ويحمي ذماره، وكان شغوفا بالزراعة إلى أبعد درجة، وكان يحب مصر حبا صحيحا متغلغلا في قرارة نفسه، فاحتفظ بتقاليدها القومية، وطابعها الشرقي الذي اتسمت به، وتفانى في رفع منارها في بلاد الغرب، وباهى بشعورها، ونشر لغتها، لغة الجمال والمجاز، وتعظيم الناطقين بها في أنحاء الشرق، بدليل ما عرضه سنة 1867 في معرض باريس الذي اشتركت فيه الحكومة رسميا، من تماثيل قديمة، ومن مومياء لرعمسيس الثاني، الملقب بسيزوستريس أكبر الملوك الفاتحين، التي اكتشفت سنة 1881 ولغيره من الفراعنة، ونماذج للحياة المصرية القديمة، كبيت شيخ البلد، وهياكل، ومصانع للتفريخ التي لم يعترها أدنى تغيير، منذ خمسة آلاف سنة ونيف لغاية الآن؛ بالرغم من أن في خلالها دالت دول، ودكت عروش، وأشكال «وكايل» وبيوت على أقدم طراز، فسيحة الأرجاء، تطل نوافذها من الداخل على ردهات مقامة في وسطها فسقيات مزينة بالفسيفساء، وعلى سطوحها قباب جميلة، وبخارجها ترى مشربيات بارزة بديعة الصنع. وكذلك عرض الحياة المصرية الحديثة بما امتازت به من مصنوعات فائقة الوصف، كالأقمشة المطرزة بالذهب، والأواني الخزفية، والجلود المدبوغة والمنقوشة نقشا بديعا. ومن آلات الطرب: العود، والقانون، والكمان، والناي، والربابة التي كان يفضلها على الكمان لأنها مصرية بحت، والمزمار البلدي، والصنوج، والصاجات لزوم الرقص البلدي، والدربكة، والرق، والطار، والنقرية «والسنتير» مما كان مهوى أفئدة المتفرجين والزائرين للمعرض من سائر بلاد الغرب لا سيما اسكندر الثاني، وفرنسيس يوسف إمبراطوري روسيا والنمسا، وفكتور عمانويل الثاني ملك إيطاليا، وغليوم ولي عهد بروسيا، والبرت إدوارد ولي عهد إنكلترا، والسلطان عبد العزيز الذين طأطئوا رؤوسهم المتوجة إكبارا وإجلالا لتمثال ومومياء رعمسيس، وسائر المعروضات جملة ومفترقا، وأضحوا يتأملون تأملا مليا في سر تحنيطها ودقة مصنوعات المصريين حتى انتهوا إلى استهتار ما أتاه الغربيون من ضروب الابتكار، وصنوف الاكتشاف والاختراع.
على أن مجهوده لم يقف عند هذا الحد فحسب، بل إنه لما قفل راجعا إلى مصر بعد رحلته إلى أوربا حيث شاهد المباني الناطحة للسحاب، والمنشئات البديعة ومسارح التمثيل والغناء، والمدارس، والمعاهد العلمية، والأندية الأدبية، دبت فيه الغيرة الصادقة على مصلحة مصر، فأخذ على عاتقه أن يقيم فيها اقتداء بالغرب القصور الفخمة، ويشيد دورا للعلوم، ومعامل للصنائع. فأنشأ في ربيع سنة 1873 مدرسة السيوفية للبنات المجانية، داخلية وخارجية، ومدرسة ثانية بالقربية لشدة الحاجة إليها، أمتها بنات الأمراء والعظماء، وأكابر الموظفين، وكانت برامجهما تشمل تعليم اللغتين، العربية والفرنسية، والجغرافيا، والرسم، والموسيقى العربية، وأشغال الإبرة، والتطريز، والطبخ، والتدبير المنزلي. وشجع الأهلين على وجوب تثقيف عقول البنات بنوع خاص، لتضرب المرأة بسهم وافر من العلم يرفع منزلتها، وتبلغ به المكانة اللائقة بها، بين الأمم المتمدنة، وتكون عضوا قويا في المجتمع الإنساني، وكوكبا منيرا يستضاء به، في حياتها الزوجية، ومثلا صالحا، في تربية ابنها وابنتها، فينشآن عضوين سليمين عقلا وروحا وجسما، نافعين لنفسيهما ولأمتهما معا (والعقل السليم في الجسم السليم).
अज्ञात पृष्ठ
حديقة الأزبكية
ومما لا يختلف فيه اثنان، أن الأزبكية كانت مستنقعا ينبت فيه النبات المائي الكثيف، وينقف بيض البعوض الناقل للعدوى، فأزيلت بناء على أمره السامي تلك المياه الراكدة، بمعرفة (برهان بك): مدير الإدارة بوزارة الأشغال العمومية سنة 1837، وغرست الأشجار على اختلاف أنواعها، صفوفا منظمة، واكتست أرضها بثوب سندسي قشيب، يشرح الصدر، ويقر العين. وأقيمت في وسطها الفسقيات التي تنفجر من فوهاتها المياه المتلألئة، وربي فيها أجمل أنواع السمك، وأنيرت مصابيح الغاز في أرجائها، وبنيت الجبلاية على أبدع طراز، وهي لا تزال ماثلة أمامنا للآن، وصفت الأكشاك الحديدية حولها من الداخل، حوت تخوتا للطرب، غنى فيها أشهر المغنيين والمغنيات، فصير مجهوده وابتكاره من المستنقع الآسن رياضا تجري من تحتها الأنهار، وأطيارا تغرد على أفنان خمائلها، ووجوه حسان تلوح في غدران مناهلها، وتحت ظلال نارجيلها، ويقدر مسطحها بنحو 170000 متر مربع. وكانت أرضها موقوفة لآل البكري، واستبدلت بأطيان بناحية بهتيم، تزيد على مساحتها أضعافا مضاعفة. وقد أصدر أمره الكريم بتشييد مسرح للكوميديا بناحية منها في 23 نوفمبر سنة 1867، واحتفل بافتتاحه في مساء 4 يناير سنة 1868 حيث بوشر التمثيل دون أن يمضي على إنشائه أكثر من اثنين وأربعين يوما.
الأوبرا
أما الأوبرا، فقد بنيت سنة 1869 في مدة لم تزد على خمسة شهور، وبلغت تكاليفها نحو 160 ألف جنيه، فأحضر إليها من أوربا فرقا للتمثيل من أعلى الطبقات. وكانت أول الروايات التي مثلت فيها بوجه التحقيق رواية «ريجولوتو» التي حضرها كل من الخديو إسماعيل، والدوق والدوقة داوست، وذلك في أول نوفمبر سنة 1869، كما جاء بالجريدة الرسمية بتاريخ 10 منه.
ولشدة ولعه بالمصرية كلف مارييت بك آنئذ بتأليف رواية «عائدة المصرية»، وأناط فردي الموسيقي الطلياني الشهير بتلحين أنغامها الشجية، فقام بتمثيلها أقدر الممثلين والممثلات في مساء 24 ديسمبر سنة 1872، وعزفت الأوركسترا الطليانية بنغماتها الشجية، عزفا أخذ بمجامع القلوب، وسر منه الخديو إسماعيل سرورا أدى به إلى منح فردي وجوقته 150000 فرنك ذهب. ثم أنشأ بعد ذلك المسرح الهزلي الفرنسي
La Comédie Française .
التمثيل العربي
أما ما كان من أمر التمثيل العربي، فكانت حجر زاوية بنائه، فرقتا التمثيل لسليم نقاش ويوسف خياط. ومن الروايات التي حضر الخديو إسماعيل تمثيلها، أذكر روايات «أبي الحسن المغفل»، و«هارون الرشيد»، و«أنيس الجليس» وبعض روايات أخرى لموليار الشاعر الهزلي الفرنسي مثل روايات: «البخيل»، و«الطبيب رغم أنفه»، و«الشيخ متلوف»، و«النساء العالمات» التي قام بتعريبها عثمان بك جلال، المعروفة بما يأتي: “L’Avare, le médecin malgré lui, Matluf, ef les femmes savantes”
ولما كانت الروايات التمثيلية من أنجع الوسائل، وأفعل العوامل في تهذيب الأخلاق وتنوير الأذهان، وحث النفوس على الفضائل والمحامد، بما تصوره للحاضرين من مناظر للفضيلة والرذيلة، والعدل والظلم، والوفاء والغدر، والصدق والكذب، إلى غير ذلك من الخصال، بارزة تحت ثوب من اللهو والفكاهة والجد، فضلا عما تنطوي عليه من حقائق ثابتة، ووقائع تاريخية، وحوادث وعبر لهذا الكون، تتكرر على مرور الأيام (ولا جديد تحت الشمس)، عمد المغفور له الخديو إسماعيل إلى تشجيع أبناء وادي النيل على غشيان دورا الأوبرا، ومسارح التمثيل الراقي، والملاهي البريئة، رغبة أن يريهن بعين النقد، ونور البصيرة، العبر في حياة من مضى من الأمم، إتباعا للأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، بدلا من سماعهم القصص الخرافية، وحماسة عنترة بن شداد ، وحروب الزناتي خليفة، والزير سالم، وسير أبي زيد الهلالي سلامه، وقصص ألف ليلة وليلة، وحضور الألعاب البهلوانية والأراجوز التي اتسع مجالها عند المصريين، وأصبحت مهنة لأرباب الجهالة والدهاء، يتفننون في متنوع أساليبها، جرا لمغنم من أهل السذاجة فيهم، وذلك في بدء توليه الأريكة الخديوية. وكان لشدة عطفه على تلاميذ المدارس العليا كالمهندسخانة مثلا أو غيرها، يبعث إليهم تذاكر خصوصية إسوة بأولاده الأمراء لكي يحضروا معهم التمثيل الروائي في الأوبرا.
وبالجملة فإن فن التمثيل كان معدوما فأوجده في مصر العزيزة، دون أن يتمتع بمزاياه سائر البلدان الشرقية لما أن العرب كانوا بوجه عام يقتصرون على عرض منتجات قرائحهم في سوق عكاظ، وكانوا يعلقون على جدار الكعبة الشريفة الشعر الأكثر طلاوة الذي صيغ من أخلص النضار. فمن أين يا ترى يمكن أن تستنير عقولهم بالحكم والمواعظ والعبر المستمدة من الوقائع التاريخية، والحوادث الواقعية، التي تمثلها تحت الحس الروايات التمثيلية إذا غابت عنهم معرفة فوائدهم ولم يستعملوها بين ظهرانيهم لأنهم يتخذونها هزؤا، ويصفونها بالمهنة السافلة، بدليل أن الأدوار التي يجب أن تقوم بتمثيلها المرأة - خاصة على المسرح في فرقة يوسف خياط - كان يعهد فيها اضطرارا إلى غلام لم يتمكن من الإجادة في تمثيلها بطبيعة الحال، حتى أن الشيخ القباني نفسه أول الممثلين وأبرعهم في زمانه، كان رغم تقدمه في السن يقوم بدور المرأة، لما كان عليه فن التمثيل من قبيح السمعة، وتكون المرأة كما قدمت معرة قومها إذا جرأت على الاشتراك فيه بعكس الغربيين، وعلى رؤوسهم ملوكهم وعظماؤهم وعلماؤهم وحكماؤهم فإنهم أحلوا هذه المهنة في أعلى منزلة وأرفع مقام من الحضارة والمدنية. وقد عني بتأليفها أكابر شعرائهم، أمثال شكسبير، وموليار، وراسين، وكورنيل، وڤولتير، وڤيكتور هوجو، وبرنارد شو، وغيرهم. فهل في هذه الحالة يتهمون بالزيغ والخبث، والتسكع في بيداء الغرور والغواية؟
अज्ञात पृष्ठ
الموسيقى
أما الموسيقى، فإن من أطلع على تاريخ مصر الحديثة، وتدبر ما للمصريين في أساليب معيشتهم من شديد الميل إلى المرح والجذل، وحب الغناء العربي بالفطرة، وتفضيله على سواه أيقن أن ديدنهم ومذهبهم توجيه عزائمهم إلى الاتساع والإبداع في أساليب الغناء بشرط ألا تشرد عن قواعدها الأساسية، وألا تصيبها عجمة تسأمها الطباع. وليس ذلك بغريب لديهم لما أن المغفور له محمد علي باشا الكبير نابليون الشرق المصلح العظيم، وبالرغم من أن أصله من قوله يعد أول المولعين بالموسيقى الشرقية؛ فأسس في مصر مدرسة للأصوات والطبول سنة 1824، ومدرسة بناحية الخانقاه في شهر أغسطس سنة 1827، ومدرسة للعزف بالنخيلة في أبريل سنة 1829، ومدرسة للمحترفين (الآلاتية) سنة 1834. وانتقل هذا الميل بالوراثة منه إلى أبنائه وأحفاده، بدليل أن الخديو إسماعيل شغف بها شغفا شديدا وأرهف غرار عزمه لتوسيع نطاقها، فأصبح للعلوم والفنون الجميلة نصيرا، وللموسيقى الشرقية والغناء العربي حاميا وظهيرا. فما كاد يظهر عبده الحمولي في عالم الغناء في القاهرة حتى قربه الخديو إسماعيل إليه، لما ألفى فيه من عبقرية ورخامة صوت، وكان له من أكبر المشجعين على التصرف في وضعه واشتقاقه، ليكسوه لباسا يستوفي به زينته وجماله، فأوفده في الحال على حسابه الخاص إلى الأستانة ليقتبس عن الموسيقى التركية الغنية ما يروق له، وليختار من نغماتها ما يلائم الذوق المصري، ويطابق الروح الشرقية. فأدمج في الموسيقى العربية من النغمات التركية، النهوند، والحجاز كار، والعجم عشيران، وسائر الآهات، مما جعل الفن مدينا لعبده، وبالتالي لساكن الجنان الخديو إسماعيل الذي هيأ له جميع أسباب النجاح، وأطلق له العنان في مجال الإصلاح حتى ألحقه بمعيته، وخصص الشيخ: عبد الهادي نجا الإبياري لتعليم أبنائه.
في تعضيده للأدب والأدباء والصحافة
وقد عين الشيخ: علي الليثي شاعرا بالمعية السنية، والدكتور: أحمد حسن الرشيدي طبيبا له، وقرب إليه الشيخ علي أبا النصر المنفلوطي الشاعر الكبير، وعبد الله باشا فكري، وألحق نقولا بك توما بإحدى وظائف الحكومة، وأجزل لإبراهيم المويلحي بك العطاء الذي به استعاض عما جرته عليه التجارة من خسارة، وله اليد الطولى في تشجيع الصحافة على الانتشار في أنحاء القطر في الزمن الذي لم يكن به في مصر إلا الجريدة الرسمية تنويرا لأذهان الأمة، وتوسيعا لنطاق النهضة الأدبية التي بها ترفع من كبوة الجهل السائد فيها، وحض رجالها على إدمان البحث والكتابة فيما ينمي ثروة البلاد، والحث على إحياء الصنائع وترغيب الأغنياء من المصريين في إنشاء المعامل طلبا للاستغناء عن المصنوعات الأجنبية، أسوة بجده المغفور له محمد علي باشا الذي شجع عائلة الزند اللبنانية على تربية دود القز؛ بأن منحها على ساحل بحر مويس بجوار الزقازيق أرضا واسعة سميت بكفر الزند، وزرعت بأشجار التوت لتغذية دود الحرير؛ حتى نمت تلك الصناعة وازدهرت في عهده.
وقد ظهرت سنة 1873 في عالم الصحافة جريدة مصرية شكلا وعثمانية النزعة فعلا باسم «كوكب الشرق» لصاحبها سليم حموي بك آنئذ، وكانت تصدر في الإسكندرية، ولما احتجبت عن قرائها لحاجة صاحبها إلى مال؛ عمد إلى طلب إعانة من الخديو إسماعيل، فلما مثل بين يديه، سأله عن المقدار اللازم من المال لاستئناف عمله فأجابه قائلا «إن خمسين جنيها تكفيني يا أفندينا» فامتعض من جوابه وأمر بصرف هذا المبلغ الضئيل له، وكان يود من صميم قلبه أن يعطيه ما يكفيه أعواما لا شهرا ولا يوما، إذ لم يخلق في العائلة العلوية المحمدية من هو أسخى منه يدا، ولا أطيب نفسا. فأخذ المبلغ حموي بك نادما ندامة الكسعي، لأنه تحقق بعد فوات الفرصة أنه لو ضاعف مبلغه أضعافا مضاعفة لما تأخر الخديو عن صرفه؛ لينهض به من كبوة العوز، ويتمكن من استئناف إصدار جريدته التي قضى عليها بعد حين.
أما جريدة «الأهرام» التي أنشأها المرحوم: بشارة باشا تقلا - شيخ الصحافة وكبيرها - بمعاونة أخيه المرحوم سليم بك الشاعر المفلق، والكاتب المتفنن سنة 1875 فإنها تعتبر أول جريدة عربية أنشئت في القطر المصري في عهد الخديو إسماعيل بعد كوكب الشرق والجريدة الرسمية. وكانت تصدر بادئ ذي بدء في الإسكندرية حتى سنة 1898، وبعد ذلك نقلها صاحبها إلى القاهرة. وكانت المورد العذب الوحيد الذي استمد منه الشعب المصري الأدب وأصدق الأخبار، وأدق المباحث المفيدة للمجتمع ماديا أو أدبيا.
قنال السويس
أما قنال السويس، فكان تمامه على عهد الخديو إسماعيل، وفتح في اليوم السابع عشر من نوفمبر 1869 باحتفال باهر دعا إليه إمبراطور النمسا والإمبراطورة أوجينيا زوجة الإمبراطور نابليون الثالث. وأقيمت في وسط ساحة الاحتفال ثلاث منصات خشبية مرتفعة مكسوة بالديباج والحرير، جلس على المتوسطة منها أصحاب التيجان، وأولياء العهد، والأمراء، والعواهل. وعلى المنصة التي على اليمين جلس من علماء الدين الإسلامي الشيخ: مصطفى العروسي، شيخ الجامع الأزهر، والشيخ: محمد المهدي العباسي، مفتي الديار المصرية. ولما توفي تعين بدله نجله الشيخ: محمد أمين المهدي، ولم يتجاوز السادسة عشرة من عمره، على ما رواه لي السيد: أمين المهدي حفيده، ولكن الخديو إسماعيل استصدر فرمانا شاهانيا بتعيين قيم عليه بصفة استثنائية إلى أن يبلغ رشده؛ لأنه يعطف على البيوت المصرية الطيبة العنصر. وقد اشتهر بغزارة العلم وطول الباع في أصول الشريعة الغراء حتى كانت تعد فتاويه المسماة بالفتاوى المهدية مرجعا من المراجع الشرعية الراجحة التي يعمل بها على المذهب الحنفي.
أما المنصة الثالثة فجلس عليها الأحبار، وفي مقدمتهم القاصد الرسولي، ونصبت «ألمظلات» لجماهير المتفرجين والزائرين على الشاطئين الأسيوي والإفريقي، وعند نهاية الاحتفال قدم العلماء الشكر لله على نعمه الجزيلة، وتلاهم الأحبار فأنشدوا ترتيلة الشكر المعروفة ب
Te Deum
अज्ञात पृष्ठ
وتعانق العلماء مع الأحبار رمزا إلى تعانق الصليب بالهلال، وتجلى روح التعاون والمحبة بأجلى معانيه أمام ملوك الغرب، مما دحض زعم رديارد كبلنج القائل بأن الشرق والغرب ضدان لا يجتمعان، وظهر للعيان أن أبناء النيل تحت حكم الخديو إسماعيل مصريون مهما اختلفت عقائدهم الدينية، وتباينت نحلهم. وأصبحت الصحراء القاحلة مزارع خصبة بفتح القنال الذي جنت منه مصر فوائد جمة مادية وأدبية وسياسية تزداد كل يوم بازدياد الصلات، وتوثيق عرى التعاون بين الشرق والغرب. هذا فضل من أفضاله ومأثرة من مآثره فإن لم يكن له سواهما لكفى.
الإمبراطورة أوجينيا على ظهر الهجين.
على أن الملوك زائريه قد استعرضوا أجناسا من الأمم ونماذج مختلفة تقع تحت حكمه السعيد ابتداء من الإسكندرية إلى خط الاستواء ممن حضروا هذا المهرجان من الوفود من الفلاحين والصعايدة، وقبائل العرب، والسودانيين لابسين على رؤوسهم العقال والطرابيش والعمائم والطواقي واللبد، وهم يلعبون على صهوات خيلهم العربية المطهمة على أصوات مزمار الفناجيني الدمياطي، ويركبون أسنمة الهجن وظهور الحمير للسباق على أصوات الرباب ودقات الطبول البلدية، وقد آثرت الإمبراطورة في الذهاب إلى القصر على ضفة الإسماعيلية، والإياب منه بركوب الجواد والهجين على العرب الأوربية.
ومن دواعي الأسف الشديد أن مصر لم تقم للخديو إسماعيل اعترافا بفضله بجانب تمثال فردينان دي لسبس تمثالا له في قنال السويس الذي حفره بأرض مصر برجال مصر. وقد أميط الستار عن وجه تمثال الثاني باحتفال فخم في اليوم السابع عشر من شهر نوفمبر سنة 1899 الذي يماثل اليوم الذي احتفل فيه بفتحه. حقا إن ذلك قد وقع ذهابا إلى الحكمة المأثورة القائلة بأن لا نبي يكرم في بلده.
تمثال فردينان دي لسبس.
والأدهى من ذلك أن الخديو إسماعيل لما عمد إلى إلغاء السخرة - التي كانت حجر عثرة في سبيل القيام بأعباء الزراعة - تصدت له الشركة، واضطرته إلى سحب أمره إنجازا للعمل وطبقا لما هو منصوص عليه في عقد الاتفاق بينها وبين سلفه المغفور له سعيد باشا سنة 1854، وليت المسألة وقفت عند هذا الحد، بل طالبه نابوليون بدفع مبلغ 1250000 جنيه ترضية له جزاء دفاعه عن الفلاح المسكين وميله إلى تخليصه من السخرة التي وجد ألا مسوغ لبقائها في عصر المدنية، وهي من بقايا الظلم في عهد الفراعنة في إبان بناء الأهرام، ورفع المسال الذي امتدت أغصانه حتى عهد المماليك، الذين كانوا يستعبدون الرعية وينهبون أموالهم. على أنه من جهة أخرى استعاض عن هذه الغرامة الفادحة بأن استرجع من شركة القنال أرضا مصرية في وسط الصحراء تمتد إلى حدود الدلتا يقدر مسطحها ب 60000 هكتار أرادت أن تغتصبها لنفسها، وانتهى بضمها إلى أملاك الوطن. وقد قدرها نابوليون آنئذ بمبلغ 30000000 فرنك أي 1200000 جنيه. ولا يعزب عن بال الباحث المنصف أن لهذا المجهود العظيم قيمته الأدبية غير الملموسة، فضلا عن قيمته المادية الواضحة بما يسجله له التاريخ بالفخر المبين بين ما قام به من عظائم الأعمال.
ومما لا ينكره عليه المغرضون أن العمارات التي شيدها، والقصور الفخمة التي بناها قد انتفعت بها الحكومة على توالي السنين بأن اتخذتها مقرا لمختلف الوزارات ومركزا للمصالح الحكومية والمعاهد العلمية والفنون الجميلة.
الإمبراطورة أوجينيا.
وقد نزع إلى تقريب المسافات وتسهيل المواصلات، فبنى 426 كوبريا منها 276 في الوجه البحري و150 في الوجه القبلي، وحفر 112 ترعة أهمها ترعة الإسماعيلية البالغ طولها 98 كيلومترا وحفرها 11 مليون متر مكعب، وترعة المحمودية، وترعة البحيرة مما أدى إلى إصلاح نحو 1373000 فدان من أراضي الصحراء أنتجت ما تقدر غلته ب 11000000 جنيه أو ريعا سنويا قدره 1400000 جنيه، ومما يؤيد ذلك ما جاء في كتاب: (بيتر كارابيتس) القاضي عن أدون دي ليون القنصل الأميركي في سنة 1875 حيث قال ما يأتي بنصه وحرفه «إن التصليحات والتحسينات والأشغال العمومية التي شرع فيها الخديو إسماعيل، وأنجزت فعلا في مدة الأثني عشرة سنة في مصر كانت مدهشة وعجيبة، ولا مثيل لها في أي قطر من الأقطار، بلغت مساحته أربعة أضعاف مساحة القطر المصري وسكانه أربعة أضعاف سكانه».
تضحية الخديو إسماعيل وتشجيعه للتجار المصريين
अज्ञात पृष्ठ
لما زاد فيضان النيل سنة 1870 وهدد ثلاث قرى في القطر بالغرق أمر الخديو إسماعيل بأن تكسر الجسور بين أطيانه الخاصة فغمرتها المياه وسببت له أضرارا قدرت بأربعة ملايين فرنك. فآثر نفع الفلاح على نفعه، وضحى بأطيانه في سبيل حماية الفلاح من الأذى الذي كان سيناله من الفيضان.
وتبيانا لتشجيعه التجار المصريين وإيثارهم على الأجانب في جني الأرباح، ولو كانت من ماله الخاص اجتزئ من تاريخ المرحوم: إلياس الأيوبي بإيراد ما يأتي بحروفه: «ومن أفضل ما يحسن ذكره بمناسبة أفراح الأنجال أن طه باشا الشمسي - ناظر الخاصة الخديوية في ذلك الحين - وهو حمو حضرة صاحب المعالي أحمد طلعت باشا - رئيس محكمة الاستئناف الأهلية الآن - كلف عدة محال تجارية بتقديم مناقصات لتوريد كل ما يلزم من فرش وبياضات ودنتلات ورياش لجهاز كل من الأميرات العرائس. فلما قدمت، وقع اختيار طه باشا على مناقصة محل باسكال الفرنسوي، ويعرفه كل من زار مصر القاهرة حتى سنة 1892، لأنها على جودة البضاعة المقدمة نماذج منها كانت على رخص في الأثمان يرغب فيه . ولكنه لما عرض ما وقع اختياره عليه للخديو إسماعيل سأله الخديو «ألم يتقدم في هذه المناقصة محل مصري وطني مطلقا؟»، فأجابه طه باشا «نعم يا مولاي» فقد تقدم ضمن آخرين محل مدكور، ولكن الأثمان التي عرضها مبالغ فيها لا توافق، لأنها تزيد خمسة وعشرين في المائة على الأثمان التي يطلبها محل «باسكال»، فقال الخديو إسماعيل «أرني مناقصته والنماذج المرفقة بها»، فقدمها طه باشا، فوجد الخديو إسماعيل أن الأثمان المكتوبة على تلك النماذج تزيد حقيقة خمسة وعشرين في المائة على ما يطلبه محل باسكال، لكنه وجد أن نوع البضاعة واحدة عند الاثنين، فضرب بمناقصة محل باسكال عرض الحائط، وقال لطه باشا «خذ كل ما نحن في حاجة إليه من محل مدكور وادفع له خمسة وعشرين في الماية فوق ما يطلب. فبدا في عيني طه باشا استغراب بالرغم من أن فمه نطق بعبارات الامتثال. فقال الخديو إسماعيل له «يا طه باشا إذا كانت المحال التجارية المصرية لا تنتفع ولا تستفيد من أفراح أولادي. فمن أفراح من تريد أن تستفيد وتنتفع؟» فاغتنمها محل مدكور وهي طائرة، وزاد على أثمان كل ما قدمه ما أمكنه زيادته. فكان ذلك من أسباب الثروة التي أحرزها ا.ه.
أفراح الأنجال
أقيمت ابتداء من يوم 15 يناير سنة 1873 الأفراح البهيجة احتفاء بزواج الأمراء: توفيق وحسين وحسن أبناء الخديو إسماعيل، من ربات الصون والعفاف الأميرات: أمينة هانم بنت إلهامي باشا ابن المغفور له عباس الأول، وعين الحياة هانم بنت الأمير أحمد باشا ابن المغفور له إبراهيم الأول، وخديجة هانم بنت الأمير محمد على الصغير ابن رأس الأسرة المحمدية العلوية المغفور له محمد علي باشا الكبير، وزواج أختهم الأميرة: فاطمة هانم بالأمير طوسن ابن المغفور له محمد سعيد باشا ودامت أربعين يوما كاملا، باعتبار عشرة أيام لكل عرس من الأعراس الأربعة، ولا يزال للآن ذكر محاسنها يسير في الآفاق. ولذلك قد زينت العاصمة بأبهى الزين، ورفعت أقواس النصر في أهم الميادين. وأقيمت الأكشاك والمنصات للجوقات الموسيقية ولتخوت المطربين والمطربات. وفي مقدمتها تخت المرحوم: عبده الحمولي الذي إذا أنشد نقل بنغماته الساحرة من سمعه إلى جنة الخلد. وتخت (ألمظ) التي فتنت العقول برنين صوتها الرخيم، ناهيك بأشهر الراقصات المصريات، وفي مقدمتهن صفية وعائشة الطويلة، اللتين استعبدتا القلب والنظر فيما قاما به من حركات وتموجات ورشاقة وخفة.
ميثاق الخديو إسماعيل
ومما يحسن إيراده تفكهة للقارئ وبيانا للحقيقية بمناسبة تزويج الأمير: حسن، من الأميرة: خديجة، أن الخديو إسماعيل حينما أدخلها المدرسة المعدة للأميرات، وتبين من فحوى كلامها توقد ذهنها وسرعة إدراكها وعدها بالزواج من أحد أولاده إذا اجتهدت في طلب العلم. فعن له يوما أن يزور تلك المدرسة ليتفقد حال الطالبات فيها، فلما وصل إلى الأميرة خديجة، سألها قائلا «إلى أين بلغت من تعلم القرآن يا ابنتي؟» فأجابته من فورها وقالت «واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد»، فسر الخديو وارتاح لجوابها وقال لها: «نعم. نعم» ثم بر لها بوعده. فلا غرابة في لطيف إشارتها إلى سابق وعده وما بان له فيها من فرط الذكاء وهي دون البلوغ، لأن البنت أفطن من الولد بطبيعة الحال إلى السنة الثالثة عشرة من العمر؛ حيث يقف ذكاؤها عند هذا الحد لأسباب طبيعية ولا يتعداه خلافا للولد، فإن ذكاءه يطرد نموه ويسير نحو تمام الإدراك على ما أثبته (هربرت سبنسر) في كتاب: «التربية». على أن معنى إسماعيل: مطيع الله، كما ذكره صاحب القاموس. وفي شفاء الغليل قال السبكي «ويستحب لمن رزق ولدا في الكبر أن يسميه إسماعيل اقتداء بالآية. ولأن معناه عطية الله». فإذا توارت شمسه وراء الأفق، فإن أشعتها - كما قال فكتور هوجو - لا تزال ساطعة الأنوار.
وبالجملة، فقد كان عصره عصر رخاء وجذل، وكان ديدنه ومذهبه توثيق عرى المصافاة بين قومه، وبذل النفس والنفيس في سبيل ترفيه نفوسهم وترقية عقولهم لما أنه كان من أحب الناس إلى المسالمة التي بها كان يحقق رغائبه. وكان جديرا بأن ينطبق عليه المثل القائل
Son métier était Roi .
الفصل الثاني
أصل الموسيقى
अज्ञात पृष्ठ
الموسيقى من أقدم الفنون عهدا في تاريخ الإنسان ، ولا يعلم أصلها بوجه التحقيق على حد سائر الأمور النفسية الأخرى، وقد أدجنت سماؤها وتنكرت معالمها أحقابا متطاولة، لعجز الأقدمين عن استقراء حقائقها، وغفلتهم عن إدراك دقائقها، أو معرفة أسماء الذين اكتشفوا بادئ ذي بدء الأصوات الجميلة ممن احتبلتهم حبول الردى، ولذلك فقد عزي إلى آلهتهم - رجما بالظن - الفضل في إيصال هذا الفن إلى النوع الإنساني.
على أنه ينبغي لنا في هذه الحالة أن نخلد بثقتنا إلى التوراة؛ التي هي المرجع الوحيد الواضح الإعلام المعتبر كمعين نستقي منه الأخبار عن الموسيقى درءا للشبهات، وقد جاء فيها ذكر يوبال من السلالة السادسة لقايين الذي كان أول من عزف على القيثارة والمزمار بحذق أخذ بمجامع قلوب سامعيه، وكانت في زمنه القيثارة مركبة من عشرة أوتار يشبه شكلها مثلثا متساوي الأضلاع. أما المزمار فإنه يختلف عن مزمارنا الحاضر في الطول والحجم، ولا يعلم غيرهما البتة من سائر آلات الطرب قبل الطوفان، وقد نقش أبناء نوح عليهم السلام شكلهما على العامودين الذين شيدوهما تخليدا لذكر اختراعهما بين الأمم الذين ظهروا بعد الطوفان وخدمة للعلوم والفنون الجميلة.
ومما لا تخالطه شبهة أن الموسيقى كانت في أول عهده مقصورة على الصوت الطبيعي إلى أن تنبه الإنسان بذكائه - على سبيل الاتفاق - إلى اختراع الآلات عند سماعه صفير الهواء المتولج في الخصاص والثقوب؛ فاستعمل للنفخ أنابيب القصب، وللعزف أوتار القسي.
ولا ريب أن أقدم الآلات الموسيقية للنفخ، كان - بناء على ما أيده قدماء المؤرخين - المزمار والبوق والناي، وربما كان الأخير أقدمها وهو أول آلة أخذها اليونان عن المصريين القدماء. وليس بخاف أن ما من أمة من الأمم أغفلت هذا الفن الجميل، ولو كانت متوغلة في التوحش والهمجية لما يحيط بها من العوامل الطبيعية، ويكتنفها من الظواهر المؤثرة التي تكسبها جذلا ومرحا، وتثير في نفوسها الميل إلى محاكاتها وتقليدها، وحسبك الهواء فإنه يموج بالموسيقى، ولولا تموجاته وروحاته وغدواته لأضحى غير صالح للتنفس، وما الأرض إلا صدى الكون، وبناء عليه فما على الإنسان الذي حباه الخلاق العظيم بجميل الصوت ولطيف الحس وحب الجمال إلا أن يرفع عينيه نحو السماء ويسبح باسمه الأعلى هاتفا وممجدا وحامدا إياه على عطاياه التي يتنعم بها في كل حين.
كان الشرق على ما جاء في الكتب المنزلة والتاريخ أقدم من الغرب الذي اقتبس عنه المدنية والحضارة والعلوم والفنون، فضلا عن أنه مهبط الوحي ومركز جنات تجري من تحتها الأنهار، وكان بالتالي قدماء المصريين أول وخير أمة بلغت من الثقافة والحضارة والرقي مبلغا جعلها مضرب الأمثال في العالم الذي كان يضرب في ظلمات الجهل، وتبعهم البابليون واليونان والرومان. وإذا سرحنا الطرف في طرائق تفننهم في التحنيط - الذي لا يزال لغزا لم يحله للآن علماء الغرب في عصر الاكتشاف والاختراع للجيل العشرين - وصهر المعادن، وتبسطهم في علم الكيمياء، وضروب الصنائع والفنون الجميلة والبناء والهندسة. وتأملنا ما بلغوه من المراتب العليا في مذاهب الحضارة والبذخ، وما كان لهم من استفحال الملك، أيقنا أنهم أيضا أول من استعملوا الموسيقى في سائر احتفالاتهم الدينية داخل الهياكل، حيث كانت تقدم القرابين لآلهتهم وخارجها، وفي أفراحهم ومآتمهم وساحات القتال تحميسا للجنود، بدليل ما يرى لآلاتها الصوتية والوترية من صور على جدران هياكلهم، وعلى تماثيلهم الضخمة، فضلا عن أن كهنتهم كانوا يتخذون فن الغناء علاجا للأمراض العقلية، فإليهم وحدهم يرجع الفضل في انتشار الفنون والعلوم والصنائع على ما شهد بصحته بييتشر المؤرخ والبحاثة فقال ما ترجمته ملخصا: «إذا أمكنك أن تقصد إلى سراديب الأموات من قدماء المصريين ونفضت ما علق بجثثهم المحنطة من الغبار وعجنته عجنا، واتخذت منه أشكالا وخبزته في فرن، وأسميت تلك الأشكال رجالا قدمتهم نصب عيوننا بصفة وطنيين أو معلمين كان مثلك كمثل من قدم التعاليم القديمة التي أبلاها تناسخ الملوين لجيلنا الحاضر طلبا لفائدته، وخدمة للرقي والحضارة، وقياما باحتياجاته الضرورية».
وقد ذكر ابن خلدون ما يأتي فيما يختص بالغناء لاعتباره عاملا كماليا للعمران، ولازما لحياة الإنسان، لا سيما في مصر، بلد الحضارة والفنون حيث يتعين الاستشهاد به فقال: «وإذ قد ذكرنا معنى الغناء فاعلم أنه يحدث في العمران إذا توفر وتجاوز حد الضروري إلى الحاجي، ثم إلى الكمالي، وتفننوا فتحدث هذه الصناعة؛ لأنه لا يستدعيها إلا من فرغ من جميع حاجاته الضرورية والمهمة من المعاش والمنزل وغيره، فلا يطلبها إلا الفارغون عن سائر أحوالهم تفننا في مذاهب الملذوذات».
ثم أخذه الإسرائيليون عن المصريين مدة إقامتهم في مصر وجعلوه شعيرة من شعائرهم الدينية، كما كان يفعل المصريون، ولذلك كانوا يؤلفون في معابدهم جوقة للترنيم والعزف، حتى اشتهر بين ظهرانيهم داود النبي - عليه السلام - بتنظيم الأناشيد وترتيل المزامير. وكان معروفا بحسن الصوت، وقد اتفق أن ضاقت عليه الأرض برحبها في أثناء مرض ابنه العزيز، وزاد به الجزع إلى حد أن أهمل نفسه، وامتنع عن الطعام، واتسخت ملابسه، ولكنه لما مات ولده وواراه في التراب اغتسل وبدل ثيابه وحلق رأسه وتعطر وأمسك بقيثارته وعزف عليها ألحانا شجية، ولما سئل عن سبب عزفه أجاب قائلا: «لكي ألطف ما بنفسي من ماضي الجزع الذي لم يغن عني فتيلا إذ أنه قد حل القضاء وولدي لا يرجع إلي بالعويل والبكاء خلافا لي فإني حتما ذاهب إليه ولا حق به».
وقد أخذ اليونانيون الفن أيضا عن المصريين حينما اتصلوا بهم وتعاملوا معهم في أنواع التجارة وغيرها في عهد أمسيس - أحد الفراعنة للدولة السادسة والعشرين - ومهروا فيه وأحكموا أصوله وبلغ منهم مبلغا ساميا حتى أن فلاسفتهم وقفوا عليه جهودهم وحذقوا علمه كسقراط الذي كان يشنف آذان أصدقائه ومعاشريه بغنائه الشجي، وأفلاطون الذي استرسل إليه وأطنب في فضائل الموسيقى قائلا ما معناه: «إنها غذاء النفس ومبعث الاتزان والفطن، وهي عطية آلهة الفنون الحرة، التي تحول ما فينا من شاذ متنقل إلى محكم ثابت، وترد كل تنافر إلى جناس متناسب، وتبصرنا طريق الهدى. وقد أردف أيضا في كتابه: «الجمهورية» ما مؤداه «أن الموسيقى علم يجب تعلمه كالرياضة البدنية. فالأولى تهذب النفس وتصلح ما فسد منها، والثانية تقوي الجسد» وأزيد عليه رمزا إلى مزايا الموسيقى الفريدة في بابها، والجزيلة الفائدة فأقول: إن الزيادة في استعمالها تؤدي إلى زيادة الجذل والسعادة ونعمة البال، خلافا للرياضة البدنية فإن في الإفراط فيها ما يؤدي إلى الإضرار بالجسم لما يكلفه من عناء فوق الطاقة.
ومما يروى في خرافات اليونان أن أرفيوس كان يتسلط بأغانيه على الوحوش الضارية فيجعلها أطوع من بنانه، وكان يستوقف البحار الهائجة، ويرقص الصخور، ويحرك الأشجار فتسجد عند سماعها. وقد ذكر عن قدماء المصريين أن أنفيون بن جوبيتر بنى أسوار طيبة بصوت العود الذي كان يجيد العزف عليه، حتى كانت الحجارة تتجمع وتتلاصق وتتراص بعضها فوق بعض، وذلك في أثناء عزفه، وقال الدكتور: كلارك، البحاثة «إن الغناء على نغمات الموسيقى كان عادة مألوفة عند قدماء المصريين في أثناء قيامهم بالعمل».
أما لفظة موسيقى باللاتينية
अज्ञात पृष्ठ
musica
فهي مشتقة من لفظة
musa
أي بالفرنسية
muse
ومعناها إلاهة من آلهات الفنون، وهن التسع بنات لجوبيتر ومنمنوزين وجميعهن أخوات شقيقات، رمزا إلى اتحاد الفنون وارتباطها ببعضها بعضا، يترأسن أنواع الفنون الحرة. فالأولى اختصت بالتاريخ، والثانية بالشعر الحماسي (الفروسية)، والثالثة بالخطابة، والرابعة بالغناء، والخامسة بالرثاء، والسادسة بالروايات المحزنة «تراجيديا»، والسابعة بالروايات الهزلية «كوميديا»، والثامنة بعلم الفلك، والتاسعة بالرقص، وكن علاوة على ما ذكر يقمن بتطريب جوبيتر كبير الآلهة بأصواتهن الجميلة، وأناشيدهن الشجية على قمة جبل الأولمب برئاسة أبولون الذي كان يعزف أمامهن على نايه المشهور.
ومما يلاحظ أنه لم يعرف شيء عما إذا كان الأقدمون قد استعملوا للآلات الوترية القوس المسمى بالفرنسية
archet
وبالإنكليزية
bow
अज्ञात पृष्ठ
لأنهم لم يسبق لهم معرفته بدليل أنهم كانوا يستعيضون عنه بريش الطير، أو بعفق الأوتار بالأصابع، ولا يخفى أنها كانت في بدء ظهورها غير مستوفاة التركيب، وغير جيدة الصنع إلى أن تدرج تحسينها بواسطة صانعيها شيئا فشيئا إلى حد الكمال والإتقان كما سترى فيما يلي، فإن الڤيولونسيل والڤيولا والڤيولينا (أي الكمنجة) التي ظهرت في أواخر الجيل السادس عشر كان أول صانع لنوع الكمنجة من الأنواع الثلاثة المذكورة جاسبار داصالو الطلياني الذي ولد حوالي سنة 1542، إلا أن بعضهم يزعمون ظهورها قبل ميلاد جاسبار، وفي كل حال فإنها لم تبلغ الغاية المرادة من الدقة في عصره، وكانت مهملة وعديمة النفع، وقفا إثره مارجيني تلميذه وأدخل عليها التحسينات اللازمة كما فعل بعده أندريا آماتي (1530-1580) الذي حذق عملها، وقرع صيته الأسماع حتى كلفه شارل التاسع عشر - ملك فرنسا الذي كان معدودا من أعظم هواة الفن - بصنع 24 كمنجة متنوعة الحجم لزوم كنيسته الملكية، فقام بصنعها جميعا وامتدت إليها يد الضياع في إبان الثورة الفرنسية.
أما ما كان من أمر العرب فإنهم نقلوا الموسيقى عن اليونان والفرس، وأشهر الكتب التي ترجموها عن فلاسفة اليونان بمعرفة مهرة التراجمة، ومؤلفات فيثاغورس في الموسيقى والحساب وغيرهما من العلوم الرياضية، وشغفوا بها شغفا أدى إلى أن وسمت قواعدهم الموسيقية وأغانيهم بالطابع اليوناني.
بدهي أن العرب كانوا أهل نجعة وخيام، وألاف بادية وأنعام، لا يجنحون إلى إقليم معين، وليس لهم مقر يرتافون منه - حالة منافية لطبيعة العلم وما يقتضيه من القرار والتوفر على البحث والاستدلال، ومناقضة لقواعد الحضارة والعمران لتصديهم إلى شن الغارات ومواصلة المغازي والمشاحات - فلما ظهر الإسلام، ولأم صديع شملهم، اشتغلوا بالفتوح وانصرفت عزائمهم إلى توسيع نطاق ملكهم، لا سيما بعدما أوتوا النصر المبين، كانوا من أبعد الناس عن الأشغال بأسباب العلم، وأشدهم أنفة عن انتحال الصنائع لانهماكهم في تدبير شئون دولتهم وسياستهم وحمايتها؛ خشية أن يكونوا مغلبين لغالب، أو طعمة لآكل، ولم تحفزهم وقتئذ الحاجة إلى ضبط قواعد لغتهم، فكان سيبويه صاحب صناعة النحو، والفارسي والزجاج والزمخشري وأمثالهم من فرسان الكلام، وكلهم عجم بالنسب قد اكتسبوا اللسان العربي بالمربى ومخالطة العربا، وكذا حملة الحديث الشريف الذين حفظوه عن أهل الإسلام أكثرهم عجم أو مستعجمون لغة ومربى، وكان علماء أصول الفقه كلهم عجما، وكذا أكثر المفسرين، ولم يقم بحفظ العلم وتدوينه إلا الأعاجم كما ذكره ابن خلدون وظهر مصداق قوله
صلى الله عليه وسلم «لو تعلق العلم بأكناف السماء لناله قوم من أهل فارس».
ولما رسخت قواعد دولتهم ورأوا في أكثر الممالك التي وطئوها من أسباب الحضارة والرقي والتضلع من أنواع الفنون ما حبب إليهم درس العلوم والصنائع انصرفوا إلى طلبها بصريمة محكمة، وذلك في أثناء المائة الثانية للهجرة، بعدما دوخوا الممالك، واستولوا على أعنة أمورها، وزال ما كان بينهم من المنازعات على الخلافة وغيرها.
وأول من اشتهر من العرب يعقوب الكندي - الملقب بفيلسوف العرب من القرن الثالث - وله عدة تآليف في المنطق والفلسفة الناطقة وشروح على كتب أرسطو، وكانت له عدة مصنفات في الموسيقى والهندسة والحساب والهيئة، وجاء الفارابي الذي له عدة تآليف في الفلسفة والموسيقى والسياسة المدنية وغيرها، وله تعريب كثير من كتب أرسطو، ولابن سينا كتاب: المدخل إلى صناعة الموسيقى، ومنهم ابن باجة أبو بكر محمد بن يحيى التجيبي السرقسطي - المعروف بابن الصائغ من رجال القرن السادس - كان من أكابر فلاسفة العرب بالأندلس، وكان له باع طويل في الموسيقى والطب وعلم الهيئات والرياضيات. وكان الرازي من المتقدمين في الطب والموسيقى والمنطق والهندسة، وصفوة القول إن المؤرخين من العرب هم أكثر من أن يأخذهم الإحصاء، ومن العلوم التي بحثوا فيها وتكلموا عليها العلم الطبيعي الذي أخذوه عن مصنفات أرسطو وغيره من متقدمي اليونان، فبحثوا ضمنا في الأصوات والنغمات في الكلام على المسموعات، وكانوا والحق يقال أهل صنائع بديعة وفنون غريبة وتجارة رائجة وزراعة نامية، وكان العلم مصباحا يضيء جنودهم أينما حلوا في كل بلاد وطئتها حوافر خيلهم وافتتحوها حتى امتدت حضارتهم من أطراف آسيا إلى أقاصي أفريقيا ووسط أوروبا. ولو لبث الدهر باسما لهم ومسالما إلى يومنا هذا لم يبعد أن كانوا بلغوا ما بلغ غيرهم ممن اقتبسوا عنهم علومهم وفنونهم وصنائعهم وضربوا فيها بسهم وافر مثلهم. ومما لا يختلف فيه اثنان أن الإفرنج الذين خلفوا العرب قد أخذوا عنهم كثيرا من المصنوعات كالبارود، والورق، والخزف، والسكر، والزجاج، وتركيب الأدوية، وتصفية المعادن، وفنون النساجة والدباغة، وذلك دليل قاطع على تمام تمدنهم وشغفهم بالفنون الجميلة وعلى رأسها الموسيقى التي كانت في أبان بداوتهم وجاهليتهم مقصورة على الترنم بالشعر وتغني الحداة منهم في حداء إبلهم، والفتيان في فضاء خلواتهم، وكانوا يرقصون على الدف والمزمار، فلما جاء الإسلام وتغلبوا على الفرس واختلطوا بهم سمعوا تلحينهم للأصوات فلحنوا عليها أشعارهم، وكلما ازدادوا غرقا في النعيم والترف ازداد تولعهم بالغناء بمقدار ما نقص من خشونتهم، وألفوا عوائد من اتصلوا به من الروم والعجم الذين اشتهروا بالتبحر في علم الموسيقى. وكفى بتسمية الأنغام الموسيقية بألفاظ فارسية دليلا على ما لهم فيها من المزايا الظاهرة على حد الشعر حتى سميت بلادهم ببلاد الجمال الشذية.
على أن الغناء كان في زمن الجاهلية من خصائص الإماء، وتسمى عندهم الأمة المغنية بالقينة والكونية. وقد زعموا أن أول من غنى من الإماء جاريتان كانتا لمعاوية بن بكر من قبيلة عاد الهالكة، وهما المدعوتان في الأخبار بالجرادتين، وقد قيل إنهما وضعتا ألحانا اعتبرت من الطبقة الأولى.
وقد ذكر ابن خلدون ما يأتي: «وقد ظهر بالمدينة نشيط الفارسي وطويس وسائر ابن جابر مولى عبيد الله بن جعفر فسمعوا شعر العرب ولحنوه وأجادوا فيه، وطار لهم ذكر، ثم أخذ عنهم معبد وطبقته، وابن شريح وأنظاره، وما زالت تتدرج إلى أن تمكنت أيام بني العباس عند إبراهيم بن المهدي، وإبراهيم الموصلي وابنه إسحاق وابنه حماد». ا.ه.
وكان أحسن الناس غناء في الثقيل على ما قيل هو ابن محرز، وفي الرمل ابن شريح، وفي الهرج طويس، وكان الناس يضربون به المثل فيقولون أهزج من طويس، وكان ينقر بالدف دون أن يعزف على العود، وقد أخذ عنه أسرى الفرس في أثناء اشتغالهم بأعمال البناء وغيرها كثيرا من النغمات والألحان والموازين، وكان يلقب (طويس) بالذائب لأنه غنى البيت الآتي:
قد براني الحب حتى
अज्ञात पृष्ठ
كدت من وجدي أذوب
وقال صاحب الأغاني عن ابن شريح ما يأتي «إن ابن شريح عندما شعر بدنو أجله أحزنه أن يموت بدون أن يترك لابنته شيئا من الثروة»، فأجابته هذه قائلة «لا تحزن يا أبي فقد وعت الذاكرة جميع ألحانك، وستكون هذه الألحان موردا كبيرا لي بعدك». وهذا ما حدث فقد تزوجت ابنته بسعيد بن مسعود الهزلي فأخذ عنها غناء أبيها فصادف به نجاحا كبيرا، وجنى منه فوائد جمة. وقد مات شريح حوالي سنة 726 مسيحية بالغا من العمر خمس وثمانين سنة.
وقد سئل شريح مرة عن قول الناس، فلان يصيب وفلان يخطئ وفلان يحسن وفلان يسيء فقال: المصيب المحسن من المغنين هو الذي: يشبع الألحان، ويملأ الأنفاس، ويعدل الأوزان، ويفخم الألفاظ، ويعرف الصواب، ويقيم الإعراب، ويستوفي النغم الطوال، ويحسن مقاطيع النغم الصغار، ويصيب أجناس الإيقاع، ويختلس مواقع النبرات، ويستوفي ما يشا كلها في الضرب من النقرات. فعرض ما قال على معبد بن وهب فقال: «لو جاء في الغناء قرآن لما جاء إلا هكذا».
جميلة
نبغت جميلة في فن الغناء وقالت إن الفضل في نبوغها يرجع إلى سائب خائر الذي كانت تسمعه يغني ويعزف على عوده، وقد جاء ابن شريح ومعبد ومالك وجميع الموسيقيين المشهورين المدينة ليتلقوا فن الغناء عن جميلة في مدرستها، ففي ذات يوم غنت جميلة لحنا من تلاحينها في شعر لحاتم الطائي فصاح جميع من حضر وقالوا: إن هذا الغناء لجدير بداود.
عزة الميلاء
عزة الميلاء تلميذة رائقة، وسميت الميلاء لإعجابها بنفسها وميلها في مشيتها، وكانت تغني أغاني القيان من القد.
سائب خائر
تعلم سائب خائر الغناء عن إماء كانت مهنتهن ترديد المراثي في حفلات الموتى، وكان يغني بدون أن يصحب صوته بآلة لاكتفائه بعصا كان يضرب بها الأرض ليزن الغناء، ولكنه تعلم العزف على العود أخيرا، وهو أول من غنى بالعربية الغناء الثقيل، وأول تلحين له البيت الآتي:
لمن الديار رسومها قفر
अज्ञात पृष्ठ