229

मुसीका शर्क़ी

كتاب الموسيقى الشرقي

शैलियों

فصول مهمة ومباحث ضرورية عمومية جدية بالالتفات التام

فصل في التحذير عن الأخذ من أصحاب قهاوي الحشيس المعروفين (بالصهبجية)

كان بودي أن لا أحوم حول هذا الموضوع وأتحاشى الخوض في عبابه؛ لبعده أصالة عن خطة كتابي هذا - غير أن للضرورة أحكاما، فاعلم سيدي - حفظك الله وألهمنا جميعا لما فيه الخير - أن بعضا من المشتغلين بهذا الفن حينما لا يعرفون حقيقة وزن تلقوه على شخص غير خبير بدقائق هذه الصناعة يضعونه بأنفسهم على أي وزن كان (كالمخمس) أو (المدور) أو غيرهما - وبهذه الكيفية الملفقة فسد كثير من الموشحات البديعة - أقول ذلك عسى أن يتنبه أولئك فيتركوا التمسك بالمكابرة التي تضلهم عن طريق الصواب - ويستبدلوها بالأخذ عمن يوثق به من الأساتذة. فإن العلم الصحيح - والشهرة الحقة - لا يأتيان مطلقا بالسهل لك من أخذ عن أصحاب (تلك القهاوي) - وليست كلمة: (متفنن) أو ما يماثلها - يتصف بها كل من حفظ بعض الموشحات مشحونة بالخطأ - كما يفعل ذلك بعض المشايخ والطلاب الأغبياء الحديثي العهد بالدخول في هذا الفن الجليل - الذين يموهون على بسطاء بأنهم من فحول العلماء - حتى إذا ما امتحنتهم أمام خبير كشف لك ستار جهلهم وظهر حالا بطلان ما يدعون.

ولأجل زيادة الإيضاح ومعرفة المطلع البصير بكنه هذه المسألة الجديرة بالالتفات سأشرح لحضرته من باب الفكاهة باختصار حقيقة أصحاب تلك القهاوي البلدية المعروفين (بالصهبجية) أو العصبجية) - وكيف كانوا قديما وما توصلوا إليه الآن.

من المعلوم أن رجال هذه الطبقة زعانف جهلاء - ومن أين لهم معرفة القراءة والكتابة اللتين عليهما مدار وقوام تعليم أي علم من العلوم وفن من الفنون - وقد شبوا فوجدوا أنفسهم بين أيدي أناس كبار السن من طبقتهم يرمون بهم في مهاوي الفساد والشرور - والنابغون منهم تلقوا بعض الموشحات على رؤسائهم في القهاوي (كسعد دبل ) و(محمد الحضري) وغيرهما بدون أوزان - ولم يزل هذان الرئيسان موجودين للآن ويربو عمر كل منهما عن الثمانين - وقد اختبرتهما فوجدتهما لا يعرفان اسما لأي وزن كان.

فلما تعلم بعض الشبان الموشحات على أوزانها منا وصاروا يغنون بها في أخريات الليل في حالة أنسهم ونشوتهم في تلك القهاوي - تنبه أصحابها إلى أن هناك أوزانا منظومة عليها تلك الموشحات وهي التي تحدث الطرب المطلوب البعيد عنهم - فأخذ بعضهم بطريق السرقة أو التودد بضعا من هذه الأوزان

1

وفي مدة عشر سنوات انتشر أكثرها - هذا من جهة الأوزان - أما من جهة تنغيم تلك الموشحات فحدث عن الخطأ البين والتبديل والتغيير فيه ولا حرج، وهم معذورون في ذلك لأسباب:

أولها لعدم استعداد أصواتهم لهذا الفن - ثانيا لعدم أخذهم ممن يوثق بالأخذ عنه.

ولرب سائل يقول: وما هو السبب في اجتهاد هذه الطبقة في حفظ تلك الموشحات بعد أن علمنا من قصورهم في المعرفة ما علمنا؟ - أقول: - أن من الناس من يصنع (عرسا) ولا مال عنده يساعده على استحضار (مغن مجيد) أو (فقيه شهير) فتجبره حالة العسر إلى وجود مثل هذه الفئة بعد أن يرتب حتما ما يلزم لهم: دكتين بلديتين أمام بعضهما في وسطهما (تربيزة) ملصوق عليها كثير من الشموع - يتخللها كاسات وزجاجات الخمر البخس الثمن - أو بعد أن يجلس المغنون ويقف السامعون - يمسك رئيسهم الدف ويبتدئ بالغناء مع أصحابه - حتى إذا ما انتهى الفصل الأول يرفع عقيرته أحد الصبية (بموال) غاية في سخافة الألفاظ وقبح المعاني وبعده الشائع عما يلزم أن يقال في مثل الأعراس، وأشهر موال عندهم هو موال يقال له موال (مهران المشنوق) - وهذا الموال هو عبارة عن واقعة محزنة يسردها هذا المغني الغبي لتعيس شنق، وما حصل له من الإهانة من فظاظة أخلاق الحرس وضيق السجن ومعاناة الموت الزؤام وتسيير الجنازة إلخ - ولولا خوفي على شعور حضرة المطلع لأتحفته به أو بغيره - كذا يشترط في مغنيهم أن يكون قبيح الصورة نكر الصوت - وبعد انتهاء الفصل الثاني الذي يغني به من مقام غير المقام الذي انتهت إليه حركة المغني السابق الذي ينطبق عليه القصيدة التي أنشأتها ودرجت في يوم الأحد 5 جمادى الثانية سنة 1323 في جريدة (الخلاعة) العدد 31 وهي:

अज्ञात पृष्ठ