मानविकी विज्ञान की समस्या: इसका प्रमाणीकरण और समाधान की संभावना
مشكلة العلوم الإنسانية: تقنينها وإمكانية حلها
शैलियों
15
وإذا كان عالم نيوتن تلك الآلة الميكانيكية التي تسير وفقا لقوانينها الذاتية، وبفعل عللها الداخلية في زمان ومكان مطلقين بإزاء أي مراقب في أي وضع كان، وبأي سرعة كانت، وكل ما عليه فقط أن يراقبه من وراء ستار إذا كان هذا هو عالم نيوتن، فإن عالم النسبية ليس هكذا البتة، ولا بد لنا من خلق أو على الأقل تحديد منظور وسرعة المراقبة. ولا تتأتى الملاحظة أصلا في العالم الكمومي - عالم الكوانتم - بغير فرض يفترضه العقل، ويستنبط منه وقائع الملاحظة.
16
وهكذا أصبحت فصول المسرحية العلمية تنبثق من قلب الواقع الإنساني بحدوده المعرفية، وأصبح العلماء - كما أشار بور - ليسوا فقط مراقبين، أو مشاهدين، بل هم أيضا الممثلون والمخرجون والمؤلفون؛ لذلك حق قول مارجوليس بأن العلوم الفيزيائية مغامرة. وطبعا العلوم الإنسانية هي الأخرى مغامرات أو مشاريع بهذا المعنى الذي ينطلق من قلب الحدود المعرفية للعصر المعين. فمن الواضح أن العالم التاريخي الاجتماعي للإنسان لا يمكن تأويله، أو مجرد فهمه فهما معقولا بوصفه منفصلا - ولو من حيث المبدأ - عن الأهليات والإمكانات الاستقصائية المتاحة في عصر معين،
17
أو ما أسميناه: مستوى الوعي المعرفي للعصر. إذن فهذا نوع من المؤثرات، ومن أي وجهة للنظر، مشترك بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية على السواء، والأهم أنه نوع لا خطورة منه، بل إنه يحمل البعد المقابل في جدلية التقدم العلمي المستمر.
ولكن الخطورة في النوع الثاني من المؤثرات المتمثل في ضغوط عناصر أخرى للبناء الحضاري تسفر عن تحيزات للمصالح ليس من بينها مصلحة البحث العلمي النازع للوصف والتفسير، أو الفهم والسيطرة. وهذا النوع هو فقط المقصود حين القول باطراد تقدم العلوم الطبيعية لتحررها منه. والآن في عصرنا هذا أصبح هذا النوع من المؤثرات الخارجية - التحيزات لمصالح - مختصا فقط بالعلوم الإنسانية مسببا مشكلتها وافتقادها لتقنين منطقي. ولسوف يعترض جوزيف مارجوليس على أن العلوم الإنسانية فقط تختص بهذه المؤثرات، فهو يتفانى ويتعمق في عرض طويل مسهب، وبلغة شديدة الحرص على الإغراب والتعقيد، ليثبت قضية محورية، مؤداها أن العلم نشاط إنساني. ومن ثم فكل العلوم - ومهما كان موضوعها فيزيقيا أو حيويا - إنما هي علوم إنسانية من حيث هي إنجاز فعلي للإنسان. وهي جميعا لا يمكن تعيين خصائصها تعيينا دقيقا بمعزل عن ملامح الثقافة الإنسانية، والخبرة، والاهتمامات الإنسانية.
18
وكل العلوم - أو بتعبير مارجوليس كل شعاب العلم - في هذا سواء، فلا تغدو الاهتمامات والاحتياجات وسائر العوامل الخارجية في البناء الثقافي والحضاري - مختصة بالعلوم الإنسانية دون الطبيعية، وأبسط ما يقال في الرد على مارجوليس هو أننا الآن معنيون بمنطق العلم لا سوسيولوجيته؛ لذلك لا نبحث في العلوم من حيث هي «إنجاز»، بل من حيث هي بناء منطقي ذو محتوى معرفي، ومضمون إخباري نرومه أكثر كفاءة. وهذه المؤثرات والتحيزات تنطوي على عناصر تصلب تشل أطراف المحتوى المعرفي للعلوم الإنسانية دونا عن الطبيعية.
إن المحتوى المعرفي للعلوم الطبيعية ينصب على ظواهر محايدة لخلوها من الوعي والإرادة، فيمكن للإطار الثقافي والسياق الحضاري - المؤثرات الخارجية أو الأوضاع الخارجية للعلم - أن ترفع يدها عنه تماما. وحين رفض الإطار الثقافي هذا - كما حدث حين فرضية مركزية الشمس لكوبرنيقوس أو فرضية التطور لدارون - انهزم السياق الثقافي تحت وطأة القوة المنطقية للنظرية العلمية. ودرجة التقدم التي تحرزها العلوم الطبيعية الآن، جعلتها تبلغ من العمر رشدا وتنال الاستقلالية الكاملة، وأجبرت كل حيثيات السياق الثقافي أن ترفع اليد تماما عن صميم محتواها المعرفي، وأصبح الآن لا يجرؤ على التدخل في صوغ فروضها أو عناصر نظرياتها، ويقتصر على التفاعل معها مع حصائلها التطبيقية أو تقانتها من الخارج، لتغدو الأوضاع «الخارجية» للعلم تتفاعل معه فقط من «الخارج» فلا يحدث أي اضطراب أو خلط منطقي.
अज्ञात पृष्ठ