يظهر يابني - أدامك الله راتعا في بحبوحة الهناء - أنك قضيت عمرك سعيدا رغيد العيش فلم تذق أنانيتك ذل الحاجة والجهاد، كما أنك لم تبتهج بلذة الإحسان ومسح دموع الحزين.
عارف (تتجمع أفكاره على فكر واحد فيشتعل وجهه وتتألق عيناه) :
وكيف عرفت ذلك يا سيدي؟ من يدريك أني لم يكن لي يوما مثل سذاجتكم هذه - عفوا عن هذه الكلمة الجريئة! - من يدريكم أني ما تحجرت إلا لأن الناس استغلوا ليني حتى أمحق، وعالجوا عطفي حتى الاستنزاف؟ إنكم باسم الإحسان تبتزون المال من الأقوياء النشيطين كما تبتزونه من الكسالى المترفهين لتعطوا الذين لا حق لهم به، فتنسون أن في ذلك تملقا للخمول وتحبيذا للمذلة، وتنسون أن المرء إذا كان له من يعوله مجانا قل اتكاله على نفسه وفرغ عقله إلا من الانحطاط والدعوى.
سعيد بك (مشفقا على الذين لا يفهمون) :
لو كنت أبا وكان ابنك عريانا، لو كنت زوجا وكانت امرأتك جائعة، لو كنت ابنا وكانت أمك مريضة وفقرك يحول دون الطبيب والدواء، ولو كنت فتاة وحيدة دون أهل والدراهم حاجتها لتبتاع ضروريات العرس؛ إذن لفهمت معنى إغاثة الملهوفين.
عارف (يصغي إلى هذا الكلام بانتباه وكأنه يولد فيه صورا يتناقض أثرها في نفسه، ثم يرفع رأسه ببطء) :
إني أنحني أمام الحاجة الصميمة ويأخذني الخشوع أمام الألم الصادق. ومن هذه الوجهة أقدر أعمال الجمعيات الخيرية وأرى فيها تمهيدا لجمعية مقبلة كبرى تحتضن الذين يلزم المجتمع بإعالتهم، ولكن (يهب فجأة كأن سوطا ألهبه)
ولكن ما لا أحتمله هو أن الذين لا يخجلون دنسوا بحقارتهم حتى معنى الألم العظيم، واتخذوا كلمات الاستعطاء وأسماء اليتامى والأطفال والجائعين إعلانا فعالا لتموين الكسل والمعايب؛ صارت دعوى الجوع والعري مرسحا من مراسح التمثيل وأسلوبا من أساليب النصب والمضاربة. لقد رأيت دموعا كاذبة في العيون المتوسلة، وسمعت المحسن إليه يلعن الكريم الذي أعطاه بلا حساب، وشهدت حوادث الاحتيال تتتابع للضحك من البلهاء والتطاول عليهم. رأيت ذلك ففهمت أن للمساعدة المجانية أغلاطا فادحة، وأن أعمال البر كثيرا ما تنتج شرا.
السيدة جليلة (مصادقة على ما في كلام عارف من الإصابة) :
صدقت يا عارف أفندي؛ فإن دعوى الحاجة كثيرا ما جففت قلب الكريم فسدته حتى أمام العوز الأكيد، ونكران الجميل من أفظع ما يحتمل.
अज्ञात पृष्ठ