मुरुज अल-धहब व मआदिन अल-जौहर
مروج الذهب ومعادن الجوهر
قال المسعودي: ثم سار - بعد طسم بن لاوذ - وبار بن أميم بن لاوذ ابن أرم بن سام بن نوح بولده ومن تبعه من قومه، فنزل بأرض وبار بالأرض المعروفة برمل عالج، فأصابهم نقمة من الله فهلكوا لما كان من بغيهم في الأرض، وقد قدمنا فصلا من ذلك فيما سلف من هذا الكتاب على ما زعم الأخباريون من العرب، وخروجهم بذلك عن حد المعقول والمعتاد من الأمر المفهوم، بذعمهم أن الله عز وجل حين أهلك هذه الامة العظيمة، المعروفة بوبار، كما أهلك طسما وجديسا وداسما، وكانت ديار داسم بأرض السماوة فأهلكوا بالريح السوداء الحارة، وداسم كانت ديارهم بالجولان وجازر من أرض نوى من بلاد حوران والبثنية، وذلك بين دمشق وطبرية من أرض الشام، وعملاق وعاد وثمود، وأن الجن كانت تسكن في ديار وبار، وحمتها من كل من أرادها وقصد إليها من الإنس، وأنها كانت أخصب بلاد الله عز وجل وأكثرها شجرا وأطيبها ثمرا وعنبا ونخلا وموزا، وإن دنا أحد من الناس إلى تلك البلاد غالطا أو متعمدا حثت الجن في وجهه التراب، وسفت عليه سوافي الرمل، وأثارت عليه الزوابع، فإن أراد الرجوع عنها خبلوه - وتيهوه، وربما قتلوه، وهذا الموضع عند كثير من ذوي الحجا باطل، فإذا قيل لهم: دلونا على جهته، وقفونا على حده، زعموا أنها من أرادها ألقى على قلبه الصرفة، حتى كأنهم بنو إسرائيل الذين كانوا مع موسى في التيه فصدهم الله تعالى عن الخروج، ولم يجعل لهم سبيلا إلى أن تم فيهم مراده، وانتهى فيهم حكمه، وقد قال في ذلك شاعرهم يخبر بمثل ما وصفنا من قولهم في هذه الأرض المجهولة.
دعا جحفلا لا يهتدي لمقيله ... من اللؤم حتى يهتدي لوبار
وداع دعا والليل مرخ سدوله ... رجاء القرى يامسلم بن جبار
وأقوالهم في مثل هذا كثيرة.
والعرب ممن سلف وخلف في الجاهلية والإسلام يخبرون عن هذه الأرض كإخبارهم عن وداي القرى والصمان والدهناء والرمل الذي بيبرين وغيرها من الأرضين التي نزلوا فيها، ويخيمون عليها طلبا للماء والكلأ، وزعموا أنه ليس بهذه الأرض اليوم أحد إلا الجن والإبل الوحشية، وهي عندهم من الإبل التي قد ضربت فيها فحول الجن، فالوحشية من نسل إبل الجن، والعبدية والعسجدية والعمانية قد ضربت فيها الوحشية، وفي ذلك يقول أبو هريم:
كأني على وحشية أونعامة ... لها نسب في الطير وهو ظليم
والأشعار في ذلك كثيرة.
وفي بسطنا لجوامع أخبار العرب فيما نقلته عن أسلافها - مما أمكن كونه وخرج عن حد الوجوب والجواز - خروج عن حد الإيجاز والاختصار، وقد أتينا على ذلك فيما سلف من كتبنا.
مسير عبد ضخم للطائف
وسار بعد وبار بن أميم عبد ضجم بن أرم بن نوح بولده ومن تبعه فنزلوا الطائف، فهلك هؤلاء ببعض غوائل الدهر، فدثروا وذكرتهم الشعراء، وفيهم يقول الأزدي:
وعبد ضخم إذا نسبتهم ... ابيض أهل الحي بالنسب
ابتدعوا منطقا يجمعهم ... فبين الخط قحة العرب
بدء الكتابة بالعربية
وذكروا أن هؤلاء أول من كتب بالعربية، ووضع حروف المعجم وهي حروف أب ت ث، وهي التسعة والعشرون حرفا، وقد قيل غير ذلك، على حسب تنازع الناس في بدء الكتابة.
مسير جرهم إلى مكة
وسار بعد عبد ضجم بن أرم ض هم بن قحطان بولده ومن تبعه، وطافوا البلاد، حتى أتوا مكة فنزلوها وفي ذلك يقول مضاض بن عمرو الجرهمي:
هذا سبيل كسبيل يعرب ... البادى القول المبين المعرب
يا قوم سيروا عن فعال الأجنب ... جرهم جدي وقحطان أبي
مسير أميم إلى فارس
وسار أميم بن لاوذ بن أرم بعد جرهم بن قحطان فحل بأرض فارس؛ فالفرس - على حسب ما قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب، في باب تنازع الناس في أنساب فارس - من ولد كيومرث بن أميم بن لاوذ بن أرم بن سام بن نوح، - وفي ذلك يقول بعض من تقدم من أهل الحكمة من شعراء فارس في الإسلام:
أبونا أميم الخير من قبل فارس ... وفارس أرباب الملوك؛ بهم فخري
وما عد قوم من حديث وحادث ... من المجد إلا ذكرنا أفضل الذكر
أول امرىء بنى البيوت أميم بن لاوذ
पृष्ठ 226