मुरुज अल-धहब व मआदिन अल-जौहर
مروج الذهب ومعادن الجوهر
قال المسعودي: وفي نيل مصر وأرضها عجائب كثيرة من أنواع الحيوان مما في البر والبحر، من ذلك السمك المعروف بالرغاد، وهو نحو الذراع، إذا وقعت في شبكة الصياد رعدت يداه وعضداه، فيعلم بوقوعها، فيبادر إلى أخذها وإخراجها عن شبكته، ولو أمسكها بخشب أو قصب فعلت ذلك، وقد ذكرها جالينوس، وأنها إن جعلت على رأس من به صداع شديد أو شقيقة وهي في الحياة هدأ من ساعته. والفرس الذي يكون في نيل مصر إذا خرج من الماء وانتهى وطؤه إلى بعض المواضع من الأرض علم أهل مصر أن النيل يزيد إلى ذلك الموضع بعينه غير زائد عليه ولا مقصر عنه، لا يختلف ذلك عندهم بطول العادات والتجارب، وفي ظهوره من الماء ضرر بأرباب الأرض والفلاحة لرعيه الزرع، وذلك أنه يظهر من الماء في الليل فينتهي إلى موضع من الزرع، ثم يولي عائدا إلى الماء، فيرعى في حال رجوعه من الموضع الذي انتهى إليه سيره، ولا يراعي من ذلك شيئا في ممره، كأنه يحدد مقدار ما يرعاه فمنها ما إذا رعت ورعت إلى النيل فشربت ثم تقفف ما في أجوافها في مواضع شتى، فينبت ذلك مرة ثانية، فإذا كثر ذلك من فعله واتصل ضرره بأرباب الضياع طرح له الترمس في الموضع الذي يعرف خروجه مكاكيك كثيرة مبددأ مبسوطأ، فيأكله، ثم يعود إلى الماء فيربو في جوفه، ويزداد في انتفاخه فيشق جوفه، فيموت ويطفو على الماء، ويقفف به إلى الساحل والموضع الذي يكون فيه لا يكاد يرى فيه تمساح، وهو على صورة الفرس إلا أن حوافره وذنبه بخلاف ذلك، والجبهة أوسع.
من نزل مصر من أبناء نوح
قال المسعودي: وقد ذكر جماعة من الشرعيين أن يبصر بن حام بن نوح لما أنفصل عن أرض بابل بولده وكثير من أهل بيته غرب نحو مصر، وكان له أولاد أربعة: مصر بن بيصر، وفارق بن بيصر، وماح وياح، فنزل بموضع يقال له منف، وبذلك يسمى إلى وقتنا هذا، وكان عدمهم ثلاثين فسميت ثلاثين بهم، كما سميت مدينة ثمانين من أرض الجزيرة وبلاد الموصل من بلاد بني حمدان، وإنما نسبت إلى عدد ساكنيها ممن كان مع نوح في السفينة، وكان بيصر بن حام قد كبر سنه، فأوصى إلى الأكبر من ولده، وهو مصر، واجتمع الناس إليه وانضافوا إلى جملتهم، وأخصبت البلاد، فتملك عليهم مصر بن بيصر، وملك من حد رفح من أرض فلسطين من بلاد الشام، وقيل: من العريش، وقيل: من الموضع المعروف بالشجرة، وهو آخر أرض مصر، والفرق بينها وبين الشام، وهو الموضع المشهور بين العريش ورفح - إلى بلاد أسوان من أرض الصعيد طولا، ومن أيلة - وهي تخوم الحجاز - إلى برقة عرضا، وكان لمصر أولاد أربعة، وهم قبط، وأشمون، وإتريب، وصا، فقسم مصر الأرض بين أولده الأربعة أرباعا، وعهد إلى الأكبر من ولده - وهو قبط - وأقباط مصر يضافون إلى النسب إلى أبيهم قبط بن مصر، وأضيفت المواضع إلى ساكنيها، وعرفت بأسمائهم، فمنها أشمون وقبط، وصا، فى تريب، وهذه أسماء هذه المواضع إلى هذه الغاية، واختلطت الأنساب، وكثر ولد قبط، وهم الأقباط، فغلبوا على سائر الأرض، ودخل غيرهم في أنسابهم؟ لما ذكرنا من الكثرة، فقيل لكل قبط مصر وكل فريق منهم يعرف نسبة واتصاله بمصر بن بيصر بن حام بن نوح إلى هذه الغاية.
جملة من ملوك مصر
पृष्ठ 158