मुरुज अल-धहब व मआदिन अल-जौहर
مروج الذهب ومعادن الجوهر
وكان من شريف ما تركته المعرفة بعلم الموسيقى لأنه غذاء للنفس، ومطرب لها، وملهيها، تبتهج عند سماعه، وتحن إلى تأليف أوضاعه، وقد نطقت الحكماء بشرفه، ونبهت على نفاسه محله، فقال الإسكندر: من فهم الألحان استغنى عن سائر اللذات، وقد قالت الفلاسفة: أن النغم والأغاني فضيلة شريفة كانت تعذرت عن المنطق ليست في قدرته، فلم يقدر على إخراجها، فأخرجتها النفس ألحانا، فلما أظهرتها سرت بها وعشقتها وطربت إليها، ورتبت الحكماء الأوتار الأربعة بازاء الطبائع الأربع، فجعلوا الزير بازاء المرة الصفراء، والمثنى إزاء الدم، والمثلث بازاء البلغم والبم بازاء المرة السوداء، وقد أشبعنا القول في الموسيقى وأصحاب الملاهي والإيقاع وأصناف الرقص والطرب والنغم ونسب النغم وما استعملته كل أمة من الأمم، من أصناف الملاهي، من اليونانيين والروم والسريانيين والنبط والسند والهند والفرس وغيرهم من الأمم، وذكرنا مناسبة النغم للأوتار، وممازجة النفس والألحان وكيفية تولد الطرب وأنواع السرور وذهاب الغم وزوال الحزن، وعلل ذلك الطبيعية والنفسية، وما أحاط بذلك من جميع الوجوه، في كتابنا المترجم بكتاب الزلف وأتينا على ظريف أخبارهم وأنواع لهوهم وملاهيهم في كتاب أخبار الزمان وفي الكتاب الأوسط فأغنى ذلك عن إعادته ههنا؟ إذ هذا الكتاب في غاية الإيجاز، وإن سنح لنا سانح ذكرنا لمعا من هذه الجوامع فيما يرد من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى، وإن تعذر ذلك فقد قدمنا التنبيه على ما سلف من كتبنا، على الشرح والإيضاح.
قسطنطين ولليانس
ثم ملك الروم بعد قسطنطين بن هلاني الملك المنتصر قسطنطين بن قسطنطين وهو ابن الملك الماضي، وكان ملكه أربعا وعشرين سنة، وبنى كنائس كثيرة، وشيد دين النصرانية.
ثم تملك ابن أخي قسطنطن الأول لليانس فرفض دين النصرانية، ورجع إلى عبادة الأوثان، وهو لليانس المعروف بالحنيفي. وأهل دين النصرانية لبغضهم فيه لرجوعه عن النصرانية وتغييره لرسومها يسمون لليانس لبزطاط وغزا العراق في ملك سابور بن أردشير بن بابك، فأتاه سهم غرب فذبحه، وقد كان سار إلى العراق في جنود لا تحصى، ولم يكن لسابور حيلة في دفعه ولقائه لمفاجأته إلاه، فانصر فسابور عن اللقاء إلى الحيلة في دفعه وكان من أمره ما وصفنا من سهم الغرب. وكان ملكة إلى أن هلك سنة، وقيل كثر من ذلك، وهو الملك الثالث من بعد ظهور دين النصرانية.
يونياس
ولما هلك لليانس جزع من كان معه من الملوك، والبطارقة، والجيوش، ففزعوا - إلى بطريق كان معظما فيهم، يقال له يونياس، وقيل: إنه كان كاتب الماضي، فأبى عليهم أن يتملك إلا أن يرجعوا إلى دين النصرانية، فأجابوه إلى ذلك وضايق سأبور القوم، وأحاط بعسكرهم؟ فكان ليونياس مع سأبور مراسلات ومهادنة واجتماع ومحادثة ومعاشرة، ثم افترقا، وانصرف بجيوش النصرانية موادعا لسابور، وأخلف عليه ما أتلف من أرضه بأموال حملها إليه، وهدايا من لطائف الروم، وشد هياكل في دين النصرانية، وردها إلى ما كانت عليه، ومنع من الأصنام والتماثيل، وقتل على عبادتها، وكان ملكه سنة.
ثم ملك بعله أوالس وهو على دين النصرانية، ثم رجع عنها، وهلك في بعض حروبه، وكان ملكه إلى أن هلك أربع عشرة سنة.
يقظة أهل الكهف
وقيل: إن في أيامه استيقظ أصحاب الكهف من رقدتهم على حسب ما أخبر الله جل ثناؤه عنهم بعثوا أحدهم بورههم إلى المدينة، وهذا الموضع من أرض الروم في الشمال، وللناس ممن عني بعلم الفلك في ازورار الشمس عن كهفهم في حال طلوعها وغروبها لموضعهم من الشمال كلام كثير، وقد أخبر الله تعالى في كتابه عن ذلك فقال " وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم " - الآية وكانوا من أهل مدينة أفسيس من أرض الروم.
غراطاس وتدوسيس
ثم ملك بعد أوالس غراطياس خمس عشرة سنة، ولسنة من ملكه كان اجتماع النصرانية، وهو أحد الاجتماعات فأتموا القول في روح القدس عندهم وأحرقوا مقدونس بطريق القسطنطينية، وهو السنودس الثاني.
पृष्ठ 143