मुरुज अल-धहब व मआदिन अल-जौहर

अल-मसऊदी d. 346 AH
102

मुरुज अल-धहब व मआदिन अल-जौहर

مروج الذهب ومعادن الجوهر

ثم ملك. بعده ولده أنوشروان بن قباذ بن فيروز ثمانيا وأربعين سنة، وقيل: سبعا وأربعين سنة وثمانية أشهر، وقد كان قياذ خلع من ملكه وأجلس بدله أخ له يقال له جاماسب نحوا من سنتين، لأمر كان من مزدك وأصحابه، فظاهر أنوشروان بزرجمهر بن سرحو حتى أعيد قباذ إلى ملكه في خبر طويل، ولما ملك أنوشروان قتل مزدك وأتبعه بثمانين ألفا من أصحابه، وذلك بين حادر والنهروان من أرض العراق، فسمي من ذلك اليوم أنوشروان، وتفسير ذلك جديد الملوك، وجمع أهل مملكته على دين المجوسية، ومنعهم النظر والخلاف والحجاج في الملل، وسار نحو الباب والأبواب وجبل القبخ لما كان من غارات من هنالك من الملوك على بلاده، فبنى السور في البحر على أزقاق البقر المنفوخة بالصخر والحديد والرصاص، فكلما ارتفع البناء نزلت تلك الأزقاق إلى أن استقرت في قرار البحر، وقد ارتفع السور على الماء، وغاصت الرجال حينئذ بالخناجر والسكاكين إلى تلك الأزقاق فشقتها، وتمكن السور على وجه الماء في قرار البحر، وهو باق إلى وقتنا هذا، وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة، ويسمى هذا الموضع من السور في البحر الصد مانعا للمراكب في البحر إن وردت من بعض الأعداء، ثم مد السور في البر ما بين جبل القبخ والبحر، وجعل فيه الأبواب مما يلي الكفار، ثم مد السورعلى جبل القبخ على ما قدمنا فيما سلف من الكتاب عند ذكرنا لأخبار جبل القبخ والباب، وكان لأنوشروان خبر مع ملوك الخزر إلى أن تأتى له هذا البناء، وقيل: إنه بنر ذلك بالرهبة وإذعان من هناك من الأمم له.وانصرف أنوشروان إلى العراق، ووفدت عليه رسل الملوك وهداياها والوفود من الممالك، وكان فيمن وفد إليه رسول لملك الروم قيصر بهدايا وألطاف، فنظر الرسول إلى إيوانه وحسن بنيانه واعوجاج في ميدانه. فقال: كان يحتاج هذا الصحن أن يكون مربعا، فقيل له: إن عجوز لها منزل من جانب الأعوجاج منه، وإن الملك أرادها على بيعه. وأرغبها، فأبت، فلم يكرها الملك، وبقي الاعوجاج من ذلك على ما ترى، فقال الرومي: هذا الاعوجاج الان أحسن من الاستواء.وسار أنوشروان في بلاده، ودار مملكته، فأحكم البنيان، وشيد القلاع والحصون، ورتب الرجال وغدر بقيصر، فسار نحو الجزيرة، فافتتح ما هنالك من المدن، وانتهى إلى الفرات فعبر إلى الشام فافتتح بها المدن، وكان مما افتتح بلاد حلب وقنسرين وحمص وفامية، وهي بين أنطاكية وحمص، وسار إلى أنطاكية وحاصرها، وفيها ابن أخت لقيصر فافتتحها، وافتتح مدينة عظيمة كثيرة العمران عجيبة البنيان كانت في ساحل أنطاكية رسومها بينة إلى هذه الغاية، وأثرها قائم، تدعى سلوقية، وأقبل يفتتح المدائن بالشام وأرض الروم، ويغنم الغنائم والجواهر والأموال وبذل السيف، وبث عساكره وسراياه، فهادنه قيصر، وحمل إليه الخراج والجزية، فقبل ذلك منه، ونقل من الشام المرمر والرخام وأنواع الفسيفساء والأحجار، والفسيفساء: هي شيء يطبخ من الزجاج والأحجار ذو بهجة وألوان يدخل فيما فرش من الأرض والبنيان كالفصوص، ومنه على هيئة الجامات شاف، وحمل ذلك إلى العراق، فبنى مدينة نحو المدائن وسماها برومية، وجعل ببيانها وما داخل سورها بما ذكرنا من أنواع الأحجار، يحكي بذلك أنطاكية وغيرها من المدن في الشام، وهذه المدينة سورها من طين قائم إلى هذا الوقت خراب، وباق يعرف بما ذكرنا، وزوجه خاقان ملك الترك بابنته وابنة أخيه، وهادنته ملوك السند والهند والشمال والجنوب وسائر الممالك، وحملت إليه الهدايا، ووفدت إليه الوفود خوفا من صولته وكثرة جنوده وعظم مملكته، ولما ظهرمن فعله بالممالك، وقتله الملوك، وانقياده إلى العدل، وكتب إليه ملك الصين: من فغفور ملك الصين صاحب قصر الدر والجوهر، الذي يجري في قصره نهران يسقيان العود والكافور الذي توجد رائحته على فرسخين، والذي تخدمه بنات ألف ملك، والذي في مربطه ألف فيل أبيض إلى أخبه كسرى أنو شروان، وأهدى إليه فرسا من در منضدا، عينا الفارس والفرس من ياقوت أحمر، وقائم سيفه من زمرد منضد بالجوهر، وثوب حرير صيني عسجدي فيه صورة الملك جالسا في أيوانه، وعليه حليته وتاجه، وعلى رأسه الخدم، وبأيديهم المذاب، والصورة منسوجة بالذهب، وأرض الثوب لازورد، في سفط من ذهب، تحمله جارية تغيب في شعرها، تتلألأ جمالا، وغير ما ذكرنا من عجائب ما يحمل من أرض الصين وتهديه الملوك إلى أكفائها، وكتب إليه ملك الهند: من ملك الهند، وعظيم أراكنه المشرق وصاحب قصر الذهب وأبواب الياقوت والدر. إلى أخيه ملك فارس وصاحب التاج والراية كسرى أنو شروان، وأهدى إليه ألف من من عود هندي يذوب في النار كالشمع، ويختم عليه كما يختم على الشمع فتبين فيه الكتابة، وجاما من الياقوت الأحمر فتحه شبر مملوءا درا ، وعشرة أمنان كافور كالفستق وأكبر من ذلك، وجارية طولها سبعة أذرع تضرب أشفار عينيها خدها، وكأن بين أجفانها لمعان الرق من بياض مقلتيها مع صفاء لونها ودقة تخطيطها وإتقان تشكيلها مقرونة الحاجبين لها ضفائر تجرها وفرشا من جلود الحيات ألين من الحرير وأحسن من الوشي، وكان كتابه في لحاء الشجر المعروف بالكاذي، مكتوب بالذهب الأحمر، وهذا الشجر يكون بأرض الهند والصين، وهو نوع من النبات عجيب ذو لون حسن وريح طيب، لحاؤه أرق من الورق الصيني، تتكاتب فيه ملوك الصين والهند.وورد عليه وهو في عسكره محاربا لبعض أعدائه كتاب ملك التبت:من خاقان ملك تبت ومشارق الأرض المتاخمة للصين والهند إلى أخيه المحمود في السيرة والقدر، ملك المملكة المتوسطة للأقاليم السبعة. وأهدى إليه أنواعا من العجائب التي تحمل من أرض تبت منها مائة جوشن تبتية، ومائة قطعة تجافيف، ومائة ترس تبتية مذهبة، وأربعة آلاف من من المسك الخزائني في نوافج غزلانه.وقد كان أنو شروان سار إلى ماوراء نهر بلخ، وانتهى إلى ختلان، وقتل أخشنواز ملك الهياطلة بجده فيروز، وملك مملكته فأضافها إلى ملكه.مذهبة، وأربعة آلاف من من المسك الخزائني في نوافج غزلانه.وقد كان أنو شروان سار إلى ماوراء نهر بلخ، وانتهى إلى ختلان، وقتل أخشنواز ملك الهياطلة بجده فيروز، وملك مملكته فأضافها إلى ملكه.

وقد كان نقل إليه من الهند كتاب كليلة وثمنة والشطرنج، والخضاب الأسود المعروف بالهندي، وهو الخضاب الذي يلمع سواده فيما يظهرمن أصول الشعر سنة كاملة بصبغة سوداء، ولا ينصل منه شيء. ويحكي أن هشام بن عبد الملك بن مروان كان يخضب بهذا الخضاب.

وكان لأنو شروان مائدة من الذهب عظيمة عليها أنواع من الجواهر مكتوب عليها من جوانبها: ليهنه طعامه من أكله من حله، وعاد على ذوي الحاجة من فضله، ما أكلته وأنت تشتهيه فقد أكلته، وما أكلته وأنت لا تشتهيه فقد أكلك، وكان له خواتم أربعة: خاتم للخراج فصه من العقيق ونقشه العدل، وخاتم للضياع فصه فيروزج نقشه العمارة، وخاتم للمعونة فصه ياقوت كحلي نقشه التأني، وخاتم للبريد فصه ياقوت أحمر يتقد كالنار نقشه الرجاء، ووضع أنو شروان على العراق وضائع الخراج فألزم كل جريب من السواد من مزارع الحنطة والشعير درهما، والأرز نصفا وثلثا، ولكل أربع نخلات فارسية ثرهما، وكل ست نخلات دقل درهما، وكل ست أصول زيتون درهما، والكرم ثمانية دراهم، والرطب سبعة دراهم، فهذه سبعة أنواع من الغلات، وترك ما عداها إذ كانت لقضم الناس والبهائم، وكان أنو شروان يدعى كسرى الخير، وقد ذكرته الشعراء في أشعارها، ففي ذلك يقول عدي بن زيد العبادي من كلمة:

أين كسرى خير الملوك أنوشرو ... ان؟ أم أين قبله سابور؟

لم يهبه ريب المنون، فولى الملك عنه، فبابه مهجور

حين ولوا كأنهم ورق جف فألوت به الصبا والدبور

पृष्ठ 117