قد ورد فِي ذمّ المزاح ومدحه أَخْبَار، فحملنا مَا ورد فِي ذمه على مَا إِذا وصل إِلَى حد المثابرة والاكثار. فَإِنَّهُ إزاحة عَن الْحُقُوق، ومخرج إِلَى القطيعة والعقوق. يصم المازح، ويضيم الممازح. فوصمة المازح أَن يذهب عَنهُ الهيبة والبهاء، ويجريء عَلَيْهِ الغوغاء والسفهاء، وَيُورث الغل فِي قُلُوب الأكابر والبنهاء. وَأما إضامة الممازح فَلِأَنَّهُ إِذا قوبل بِفعل ممض وَقَول مستكره وَسكت عَلَيْهِ أَحْزَن قلبه وأشغل فكره، أَو قَابل عَلَيْهِ جَانب مَعَ صَاحبه حشمة وأدبا، وَرُبمَا كَانَ للعداوة والتباغض سَببا، فَإِن الشَّرّ، إِذا فتح لَا يستد، وَسَهْم الْأَذَى إِذا أرسل لَا يرْتَد. وَقد يعرض الْعرض للهتك، والدماء للسفك. فَحق الْعَاقِل يتقيه، وينزه نَفسه عَن وصمة مساويه. وعَلى ذَلِك يحمل مَا رُوِيَ عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ: المزَاحُ استِدرَاجٌ مِنَ الشَّيطَانِ وَاختِدَاعٌ مِنَ الهوَى وَقَوله ﷺ: لاَ تُمَارِ أَخَاكَ وَلاَ تُمَازِحهُ
1 / 36