فوافينا محمدًا، وهو يومئذ أمرد، ما في وجهه شعرة، فسلمنا عليه، وقضينا حقه وجلسنا على منازلنا بين يديه، وأبطأ الشيخ يحيى بن يحيى، والعيون تتطلع نحوه، فكان آخر القوم مجيئًا، وصار الولد أشد عليه من على جميعهم إقبالًا، وإليه انعطافًا، وبه بشا، فأجلسه معه على فراشه، وأحفى يحيى سؤاله، ودعا له.
ثم أمر محمد عند ذلك بقراءة كتاب الأمير عبد الرحمن علينا بالاستنفار، فأصغينا إليه. فلما فرغ بدر يحيى بن يحيى فقال: نعم، أصلح الله الأمير. الواجب علينا الخفوف إلى الإمام أصلحه الله وأيده، والبدار إلى اللحاق به، وألا يعتذر في ذلك منا إلا معتذر قد أنزل الله في كتابه عذره لا سواه.
فقيل للناس: قد سمعتم، فقوموا فانظروا في جهازكم على بركة الله. وعجلوا للخروج، فآخر مواقيتكم يوم كذا.
فقام الناس، ولم يتحرك الشيخ يحيى بن يحيى في ذلك عن مكانه.
قال أصبغ: وورد علي منهم النفير بما لا قبل لي به، إذ كنت مقلًا لا مال لي، ولا نهوض بي، فاشتد علي، وخبت فصاحتي. ولما رأيت يحيى لا يشير إلى القيام، وكنت على ظن أن له خبرًا أردت الوقوف عليه، وكانت لي مكانة من صاحب المدينة المتولي للقصة انبسطت من أجلها بالجلوس.
فلما لم يبق غيري أقبل يحيى على الولد محمد، فقال: قد يرى الأمير ضعفي على النفر لشيخي ووهني وأن مثلي لا يستطيع الغزو، ولكني أبعث ابني عبد الله في مثل العدة التي كنت إغزوا بها، فإنه - إن شاء الله - أغنى
1 / 181