अरब के बलाघात का अध्ययन के लिए प्रस्तावना
مقدمة لدراسة بلاغة العرب
शैलियों
من أجل ذلك كان النقد الأدبي عند العرب فهم الشعر وتأويله على الطريقة القديمة، التي جعلت الشعر الجاهلي نموذجا لها؛ فلم يكن له من القوة ما يمكنه من تغيير سير الأفكار، ولا من تقويم حركة العقول.
ولقد يتساءل الإنسان: أكان يكون تقليد الشعر الجاهلي سببا في وقوف حركة النقد والأدب عند العرب؟ أجل؛ فإن العرب منذ ظهور الشعر فيهم ظنوا أنهم ابتدءوا في ذلك بطريقة كاملة، وأن هذا كل ما يمكن أن يصل إليه الإنسان من صناعة الكلام، وأنهم طرقوا كل موضوع فوقفوا عند ذلك، بل حافظوا على عدم التوسع، أو الخروج من عاداتهم في صناعة الكلام، وامتلأت نفوسهم بهذا الرأي، فتوارثها الأجيال منهم، وليس تقليد القدماء عند العرب مثل تقليد الفرنسيين لليونان والرومان؛ لأن تقليد هؤلاء كان من الأسباب التي حملت الفرنسيين على الاطلاع على آداب أخرى غير آدابهم؛ فحركت فيهم الميل إلى البحث والموازنة، ووسعت فيهم دائرة النقد.
أما العرب فقد أبقوا النقد على ما هو ثابت في أفكارهم وتابع لآرائهم، بدون أي اقتباس آخر، وبدون أن يرجعوا إلى شيء سوى العمل على تأييد آرائهم؛ وعلى هذا كانت كل قواعد اللغة والبلاغة، فكان مثلهم كمثل صانع يتبع مناهج صنعته ونماذج أعماله، وهو معتقد بدقة عمله، فلا يرغب في أن يعرف أثرا آخر ينسج على منواله. هذا مثل النقد الأدبي عند العرب. ومثل هذا النقد المحدودة قواعده وطرقه، كان من شأنه أن ينتهي إلى نوع من المباحث اللغوية والقواعد النحوية. نعم، وقد كان ذلك؛ فقد عني النقاد عناية تامة بالمباحث اللغوية والقضايا اللفظية. ولم يصل النقد إلى حمل الشعراء على النظر في بعض المذاهب الكتابية الأخرى التي ظهرت عند غيرهم من الأمم، ولا إلى البحث في الشعر من حيث إنه باعث من بواعث الأفكار، ومظهر من مظاهر النفس الإنسانية، بل اقتصروا على مباحث دقيقة في الأساليب وضروب التركيب، بدون نظر إلى ما يرقي الأفكار، وإلى ما كان يمكن أن يكون سببا في رقي الشعر وانتقاله من طور إلى طور. وكان النقاد إذا بحثوا في المعنى بحثوا فيه من حيث إنه مظهر من مظاهر براعة الكاتب أو الشاعر، أو من حيث الخيال والتشبيه والاستعارة، وقالوا: «من لوازم الشعر أن يشتمل كل بيت على معنى تام يصح أن ينفرد به.» فصار نقد القصيدة نقدا لكل بيت على حدة، ومثل هذا لا يمكن أن ينتج في النقد إلا آراء متقطعة أو أفكارا مفككة عن الشاعر وعن طريقته؛ إذ لا تظهر براعة الكاتب أو الشاعر إلا في اتصال أفكاره بعضها ببعض، ولا يمكن أن تظهر قوة النقد إلا في بحث وتحليل متسلسلين؛ بحيث يقود الفكر إلى فكر آخر، ويتصل الرأي بالرأي، وإلا كان مثل ذلك مثل باب مصنوع مفكك قطعا قطعا، تظهر فيه براعة النجار، ولا يمكن أن يحكم الناظر على صناعته إلا حكما ناقصا. •••
وإذا بحثنا عن تاريخ النقد الأدبي عند العرب وجدناه ابتدأ مع الشعر، وسار معه وظهر بظهوره؛ فإن المجتمعات والمجالس الكثيرة التي كانت للشعر والشعراء فيها المنزلة الأولى، ربما كانت أكثر ما تكون في التفضيل بين الشعراء، والحكم على أحسن الشعر وأفضله؛ فقد كانوا يفتخرون بالشعراء المجيدين، ويميلون كل الميل إلى حفظ الشعر الجيد وسماعه، ويضربون به المثل في الحكم والعظة وفنون الجمال؛ إذ لم يكن لديهم من الفنون غير هذا النوع من جمال القول، وفصاحة اللسان، ودقة البيان؛ ولذلك عظم اهتمامهم به، واتجهت هممهم إلى الإكثار منه، فكانت لهم آراء في الشعر والشعراء، ومذاهب في تفضيل بعضهم على بعض، تناقلها السلف من بعدهم، وأصبحت شيئا من أصول النقد في بلاغة العرب. ولكن أكثر هذه الآراء فردية، مبنية إما على الذوق الخالص والميل الشخصي، وإما على الأهواء والأغراض الخاصة، وما كان أسهل على أحدهم أن يعجبه البيت فيقول: هذا والله أشعر ما قالته العرب، ثم يسمع بيتا آخر لشاعر آخر، فيقول: هذا أشعر الناس.
مثل هذه الآراء لا يصح أن تعد من النقد الصحيح، ولو كانت آراء لأكبر الشعراء أو الأدباء؛ لأنها مبنية على الميول الصرفة والأهواء الشخصية، لا على مذهب ثابت، ولا على رأي صحيح؛ فلا يصح أن يكون هذا من النقد في شيء.
كذلك ابتدأ النقد عند العرب، وكان لا بد أن يكون في أول أمره على هذه الحال. ولكنه انتهى أيضا بنحو ذلك أو ما يقرب من هذا. ولا يمكننا أن نجعل هذه الآراء النقدية داخلة في المذهب النقدي المعروف بمذهب «التأثير والانفعال »؛ لأن هذا المذهب مبني على ذوق سليم، تهذب بالتربية والتعليم والقراءة الكثيرة لأنواع بلاغات الأمم المختلفة، والموازنة بينها.
لهذا كان النقد الأدبي ليس له تاريخ في بلاغة العرب، (ولا بد من الفرق بين النقد الأدبي الذي شرحنا شيئا منه عند الأمم الأخرى، وبين علوم البلاغة عند العرب)، ولم يبحث فيه باحث بحثا خاصا يبين المذاهب المختلفة، التي كانت تكون هداية الكتاب والشعراء وقدوة البلغاء. فمن العبث أن يبحث الإنسان عن أطوار النقد، أو عن المذاهب المختلفة فيه عند العرب؛ لأنه من الفنون التي لم تنضج في الآداب العربية، ويخيل إلينا أن أدباء العرب لم يفهموا النقد بالطريقة التي يفهمها أدباء اليوم من «تحليل» الأفكار والآراء، وصلة الكتابة بالكتاب أنفسهم، والمؤثرات الأخرى، وأنهم لم يعتبروا أن البلاغة مظهر من مظاهر الاجتماع، وغير ذلك من الأسباب التي دعت إلى رقي الأدب الحديث.
ونعود فنقول: إن كل ما وجد من النقد هو أفكار فردية، وآراء لبعض كبار الأدباء، منثورة مبعثرة في كتب الأدب والأخبار، وفي طبقات الشعراء وتراجمهم (ومن أراد أن يطلع على ذلك فليراجع مقدمة «الشعر والشعراء» لابن قتيبة، ومقدمة «جمهرة أشعار العرب» لابن أبي الخطاب، وترجمة النابغة الذبياني في الأغاني، وغيره من فطاحل الشعراء، كجرير والفرزدق والأخطل وأمثالهم). •••
إذا بحثنا عن هذه الآراء في النقد وجدناها ناشئة من طبيعة العربي ومزاجه؛ لأن العربي شجاع، شديد التأثر بالكلام، سريع الغضب، لا يحب السكون كثيرا، ولا يميل إلى الهدوء، يهيج لأقل سبب، ويغضب لأدنى مناسبة، شريف النفس، لا يقبل الضيم، يضحي بكل شيء في الدفاع عن شرفه، أكثر أخلاقه ظهورا الشهامة وحب الانتقام، كانت تكفيه الكلمة يسمعها، فتهيج من نفسه، وتثير فيها حب النزال، وتؤجج حربا عوانا. على هذه الأخلاق وعلى هذا الشعور وعلى هذه الفطرة المتأججة كان مظهر آراء العربي في كل ما يفهم وفي كل ما يدرك؛ فظهر ذلك في نقده الشعر والشعراء، وتذوقه الكلام البليغ، فكان أحسن الكلام لديه أكثره أثرا في النفس وهياجا للعواطف، وأحسن الشعر ما احتوى على عبارات ضخمة وألفاظ تستولي على السامعين، وتملك من نفوسهم وتنال منهم، بقطع النظر عن كل شيء آخر؛ من أجل ذلك كان للألفاظ المنزلة الأولى في الكلام، وكان لها المكان الأول في نفس السامع، وربما كان ذلك من البواعث على استقلال كل بيت من الشعر بمعنى تام، وعلى أنه كان يكفي سماع بيت واحد يهز النفس، ويشغل الفكر، ليحكم الشاعر بأن هذا أفضل بيت قالته العرب؛ لهذا أيضا قلما اجتمع الناس على شاعر واحد يفضلونه.
1 •••
अज्ञात पृष्ठ