अरब के बलाघात का अध्ययन के लिए प्रस्तावना
مقدمة لدراسة بلاغة العرب
शैलियों
هذا ولم يقف الباحثون إلى الآن على أثر يدل على أصل الشعر العربي ولا كيف بدأ، وما وصل إلينا من الشعر القديم، لا يدل إلا على متانة في الصناعة، مما لا يصح أن يكون من أوائل الشعر.
والمظنون أن الشعر القديم لم يصل إلينا لعدم تدوينه، ولانتشار الأمية في ذلك الزمن؛ إذ لا يمكن أن يصل الشاعر إلى هذا الضرب من البيان، ولا إلى هذا الإتقان إلا بتعمل كبير وجهد عظيم، خصوصا هذه الأوزان المختلفة والقوافي المتعددة. وإذا ذهبنا إلى أبعد ما قيل من الشعر الجاهلي، قبل الإسلام بنحو قرنين - على بعض الأقوال - نرى أن هذا لا يكفي لما وصل إليه من الإتقان والإمتاع في الصناعة، ولا لوصول الأفكار لهذا الحد من الحكمة في القول كما في معلقة زهير، وشعر عدي بن زيد وغيرهما؛ لأن الأفراد لا يمكن أن يصلوا إلى ذلك إلا بعد تربية طويلة للمجموع، يتخرج فيها أصحاب المذاهب الخاصة، فلعل الشعر الجاهلي أقدم مما نظن بكثير.
قالوا: وأول ما انفتق لسان العربي بالشعر كان في سيره مع الأبل أثناء أسفاره، التي كان يقطع فيها الصحراء المحرقة الواسعة الفضاء، وهو على جمله يهتز هذه الهزات المتوالية، التي تطوي وتنشر جسمه طيا ونشرا؛ فدعاه ذلك إلى الحداء ليقطع الوقت، وليخفف على هذا الحيوان ألم السير؛ إذ بحنوه إلى سماع الغناء ينسى هذا الحيوان الصبور كل ألم، وقد ظهر في حركات سيره شيء يشبه أن يكون سببه الطرب من سماع الغناء، في ارتفاع عنقه وانخفاضه. قالوا وأخذ العربي أوزان الشعر من حركات الإبل في سيرها.
ومن المحتمل أن يكون هذا صحيحا، وأن يكون ما دعا العربي لقول الشعر كثرة أسفاره وأتعابه من اختراق الصحراء. ولكن العربي ككل الناس من جهة العواطف والإحساسات والاستعداد إلى قول الشعر. بل ظهر أن العربي أكثر الناس استعدادا لقرض الشعر، وأكثر من قال شعرا؛ لا تكاد تجد أمة أخرى أنتج خيالها من الكلام الموزون المقفى مثل ما أنتج العرب، ولا يوجد عدد من الشعراء في أمة من الأمم أكثر من عدد شعراء العرب؛ لأن الشعر كان سجية من سجاياهم، فكان لديهم أشبه بالحديث والمسامرات عند غيرهم. فلماذا لا تكون هذه الطبيعة النقية، وهذا الاستعداد السليم هما اللذان دعوا العرب لقول الشعر من أول الأمر؟ وأن الحياة البدوية والحاجة إلى الدفاع عن النفس والأهل هي التي فتقت لسانه بهذا الكلام البليغ؟ وأن مفاخره جعلته يملك أعنة الكلام، ويتصرف هذا التصرف في القول؟ وأن هذه الصبغة التي في شعره فطرية ناشئة عن أسباب كثيرة، بعضها خاص باللغة وغنائها والبيئة وما فيها.
وقد قال بعض المستشرقين مثل رينان ومن جرى على مذهبه: إن العرب ككل الأمم السامية ليس لها أساطير في شعرها ولا في عقائدها، وإن هذا يدل على ضيق الخيال لديهم؛ لأن الأساطير والخرافات إنما هي نتيجة سعة الخيال، ونتيجة الحيرة وحب البحث والاطلاع، وإن الفكر كلما كان قلقا متطلعا إلى غاية أسمى وكان بعيد الغرض؛ دعاه ذلك إلى حب البحث وإلى أن يكون في حركة مستمرة للوصول إلى ما يريد، كأنه يبحث عن حقيقة خفية، وكلما أكثر من البحث ظهرت له أشياء ووقف على معان جديدة، وتبينت له أسرار دقيقة في الحياة، وعرف ما لم يكن يعرف قبلا. قالوا : كل ذلك يظهر أثره في بلاغات الأمم من نظم ونثر، كما هي الحال عند الأمم الآرية كاليونان وغيرهم من الأمم الأوروبية. وقالوا: سعة الخيال، ولا يقصدون بالخيال ما نقصده نحن من المجاز والتشبيه، وإنما يقصدون سعة الخيال في تصور الحقائق وفي إدراك الموضوعات المختلفة؛ لأن أساطير اليونان كان منشؤها البحث عن الخالق وتصوره، فلم ترشدهم عقولهم إلا إلى ضرب من الخرافات، كتبوا عنها وألفوا فيها الأسفار، ونصبوا لها التماثيل، وتوسعوا في الفنون؛ فاستدل الباحثون بذلك على قوة الذكاء وسعة الخيال وحب الجمال والافتنان فيه. وربما كان هذا من الأسباب التي حملتهم على طول الكلام، والميل إلى القصص في النثر والشعر؛ لأن هذا النوع من البلاغة ليس إلا ضربا من سعة الخيال في التصور والفكر والتعبير؛ ومن هنا يكون تعدد الأنواع في ضروب البلاغة نظما ونثرا.
أنكر المستشرقون هذا النوع من سعة الخيال عند الأمم السامية، وفي جملتها العرب. ولكنهم يبالغون في ذلك؛ لأن العرب تصوروا آلهة متعددة، ونصبوا لها الأصنام قبل الإسلام، وكانت لهم أساطير،
2
وتخيلوا لشعرائهم نفوسا أخرى من الجن كانت توحي إليهم عبقريتهم، وعدوهم أصحابا لكبار الشعراء، ورووا عنهم الشعر. قالوا: فكان صاحب امرئ القيس لافظ بن لاخط، وصاحب عبيد بن الأبرص هبير، وغير ذلك من الشعراء الكبار،
3
أما أن الأمم السامية ذات أفكار هادئة غير قلقة، راضية بصدق وصحة ما ترى، فهذا صحيح في جملته؛ لأنهم أقنع الأمم في حب الاستطلاع، وأرضاهم بما لديهم؛ ولذلك أيضا كانوا أقلهم فلسفة، وأكثرهم سذاجة في حالتهم الاجتماعية وفي نظام حكوماتهم، كما يظهر ذلك في بلاغتهم من شعر ونثر، وكلها أشبه بالحقائق العريانة كما يقولون.
अज्ञात पृष्ठ