٣١- حدثنا أحمد بن عبيد، ثنا الأصمعي:
⦗١١٥⦘
أن أعرابيًا مر بمجلس من مجالس بني حنيفة، فسلم عليهم وانطلق، ثم عاد والهم ظاهرٌ في وجهه فقال له: إني قد سئمت لتكرار الليالي والأيام، ودورها علي، فهل من شيءٍ يسلي عني بعض ما أجد لذلك؟ فقال له بعضهم: الصبر الجميل ومدافعة الأزمان، فولى غير بعيد ثم عاد فأقبل عليهم فقال: واهًا لقلوبٍ نقيةٍ من الآثام، واهًا لجوارح مسارعةٍ إلى طاعة الرحمن، واهًا لظهور خفيفةٍ من الأوزار، أولئك الذين لم يملوا الدنيا لتوسلهم فيها إلى ربهم بالطاعة، ولم يكرهوا الموت عند نزوله بهم لما يرجون في لقاء سيدهم من الزلفة، فكلا الحالتين لهم حالٌ حسنةٌ إن قدموا على الآخرة فازوا بما أسلفوا من الطاعة، وإن تطاولت أعمارهم تضاعف ما يقدمونه من الزاد ليوم الراحة، فرحم الله امرءًا أعتق نفسه ولم يوبقها، ثم انصرف.
قال: ومر بهم يومًا آخر فقال: السلام عليكم أيها الإخوان ما بال القوم حطوا ركابهم في غير منهلهم! أترونهم يبلغون سفرًا بعيدًا يريدونه وهم مقيمون دونه مقصرون عن التأهب له! هيهات أنى لهم ذلك!
⦗١١٦⦘
قال: ومر بهم يومًا فقال: أيها الإخوان ما ظنكم بمن لم يجعل هذه الدار له قرارًا وهو عالمٌ بذلك، ثم يستقر فيها حتى كأنه واثقٌ بأنه غير راحلٍ عنها ولا زائل!؟ أو ليس قد قرأتم في القرآن: ﴿أفرأيت إن متعناهم سنين، ثم جاءهم ما كانوا يوعدون، ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون﴾ قال: ثم غاب عنا فما رأيناه حينًا. فسألنا عنه فقيل: قتله الخوف.
1 / 114