منه وقربه إلى احتمال عدم المطابقة - لكان أقرب إلى الصواب وأوفق بالاعتبار عند ذوي الألباب، لا سيما بعد الاطلاع على ما وقع للمتأخرين من الأوهام، في باب التزكية وشهادتهم بالثقة لأقوام حالهم مجهولة، أو ضعفهم مترجح لقلة التأمل وخفة المراجعة، حيث اعتمدوا في التأليف طريقة الإكثار وهي مباينة في الغالب لتدقيق النظر وتحرير الاعتبار، ولولا خشية الإطالة لأوردت من ذلك الغرائب، وعساك أن تقف على بعض الفوائد التي نبهنا فيها على خفيات مواقع هذه الأوهام، لتتدرب بمعرفتها إلى استخراج أمثالها التي لم يتوجه إلى إيضاحها، وأهمها ما وقع للعلامة في تزكية حمزة بن بزيع فإنه قال في الخلاصة: (حمزة بن بزيع من صالحي هذه الطائفة وثقاتهم كثير العمل). والحال أن هذا الرجل مجهول بغير شك، بل وردت في شأنه رواية رواها الكشي تقتضي كونه من الواقفة، وحكاها العلامة بعد العبارة التي ذكرناها، وردها بضعف السند، ومنشأ هذا التوهم أن حمزة عم محمد بن إسماعيل الثقة الجليل، واتفق في كتاب النجاشي الثناء على محمد بهذه المدحة التي هو أهلها، بعد ذكره لحمزة استطرادا كما هي عادته.
ثم إن السيد جمال الدين بن طاووس، حكي في كتابه صورة كلام النجاشي، بزيادة وقعت منه، أو من بعض الناسخين لكتاب النجاشي توهما، وتلك الزيادة موهمة لكون المدحة متعلقة بحمزة مع معونة اختصار السيد لكلام النجاشي، فأبقى منه هنا بقية كانت تعين على دفع التوهم. والذي تحققته من حال العلامة - رحمه الله - أنه كثير التتبع للسيد، بحيث يقوى في الظن أنه لم يكن يتجاوز كتابه في المراجعة لكلام السلف غالبا فكأنه جرى على تلك العادة في هذا الموضع، وصورة كلام النجاشي هكذا:
(محمد بن إسماعيل بن بزيع، أبو جعفر مولى المنصور أبي جعفر، وولد بزيع بيت منهم حمزة بن بزيع، كان من صالحي هذه الطائفة وثقاتهم، كثير العمل، له كتب، منها كتاب ثواب الحج وكتاب الحج). وموضع الحاجة من
पृष्ठ 18