मुंतखब फी तफ़सीर
المنتخب في تفسير القرآن الكريم
शैलियों
177- لقد أكثر الناس الكلام فى أمر القبلة كأنها هى وحدها الخير، وليس هذا هو الحق، فليس استقبال جهة معينة فى المشرق أو المغرب هو قوام الدين وجماع الخير، ولكن ملاك الخير عدة أمور بعضها من أركان العقيدة الصحيحة، وبعضها من أمهات الفضائل والعبادات، فالأول هو: الإيمان بالله ويوم البعث والنشور والحساب وما يتبعه يوم القيامة، والإيمان بالملائكة وبالكتب المنزلة على الأنبياء وبالأنبياء أنفسهم. والثانى هو: بذل المال عن رغبة وطيب نفس للفقراء من الأقارب واليتامى، ولمن اشتدت حاجتهم وفاقتهم من الناس، وللمسافرين الذين انقطع بهم الطريق فلا يجدون ما يبلغهم مقصدهم، وللسائلين الذين ألجأتهم الحاجة إلى السؤال، ولغرض عتق الأرقاء وتحرير رقابهم من الرق. والثالث: المحافظة على الصلاة. والرابع: إخراج الزكاة المفروضة. والخامس: الوفاء بالعهد فى النفس والمال. والسادس: الصبر على الأذى ينزل بالنفس أو المال، أو وقت مجاهدة العدو فى مواطن الحروب فالذين يجمعون هذه العقائد والأعمال الخيرة هم الذين صدقوا فى إيمانهم، وهم الذين اتقوا الكفر والرذائل وتجنبوها.
[2.178-179]
178- ومن الشرائع التى فرضناها على المؤمنين أحكام القتل العمد، فقد فرضنا عليكم القصاص بسبب القتل، ولا تأخذوا بظلم أهل الجاهلية الذين كانوا يقتلون الحر غير القاتل بالعبد، والذكر الذى لم يقتل بالأنثى، والرئيس غير القاتل بالمرءوس القاتل دون مجازاة القاتل نفسه، فالحر القاتل يقتل بالحر المقتول، وكذلك العبد بالعبد والأنثى بالأنثى، فأساس القصاص هو دفع الاعتداء فى القتل بقتل القاتل للتشفى ومنع البغى، فإن سمت نفوس أهل الدم ودفعوا بالتى هى أحسن فآثروا العفو عن إخوانهم وجب لهم دية قتيلهم، وعلى أولياء الدم اتباع هذا الحكم بالتسامح دون إجهاد للقاتل أو تعنيف، وعلى القاتل أداء الدين دون مماطلة أو بخس، وفى حكم القتل الذى فرضناه على هذا الوجه تخفيف على المؤمنين بالنسبة إلى حكم التوراة الذى يوجب فى القتل القصاص، كما فيه رحمة بهم بالنسبة إلى الذين يدعون إلى العفو من غير تعرض للقاتل، فمن جاوز هذا الحكم بعد ذلك فله عذاب أليم فى الدنيا والآخرة.
179- وإن رحمة الله بكم لعظيمة فى فرض القصاص عليكم، فبفضل القصاص عليكم تتحقق للمجتمع حياة آمنة سليمة. وذلك أن من يهم بالقتل إذا علم أن فى ذلك هلاك نفسه لم ينفذ ما هم به، وفى ذلك حياته وحياة من هم بقتله، وإذا قتل الرئيس بالمرءوس وغير المذنب بالمذنب - كما هو شأن الجاهلية - كان ذلك مثارا للفتن واختلال النظام والأمن. فليتدبر أولو العقول مزية القصاص فإن ذلك يحملهم على إدراك لطف الله بهم إلى سبيل التقوى وامتثال أوامر الله سبحانه.
[2.180-182]
180- وكما شرع الله القصاص لصلاح الأمة وحفظ المجتمع، كذلك شرع الله شريعة فيها صلاح الأسرة وحفظ كيانها وهى شريعة الوصية، فعلى من ظهرت أمامه إمارات الموت وعلم أنه ميت لا محالة، وكان ذا مال يعتد به أن يجعل من ماله نصيبا لمن يدرك من والديه وأقاربه - الأقربين غير الوارثين - وليراع فى ذلك ما يحسن ويقبل فى عرف العقلاء فلا يعطى الغنى ويدع الفقير، بل يؤثر ذوى الحاجة ولا يسوى إلا بين المتساوين فى الفاقة، وكان ذلك الفرض حقا واجبا على من آثر التقوى واتبع أوامر الدين.
181- وإذا صدرت الوصية عن الموصى كانت حقا واجبا لا يجوز تغييره ولا تبديله، إلا إذا كانت الوصية مجافية للعدل، فمن بدل هذا الحق فغير الوصية العادلة القويمة بعد ما علم هذا الحكم وثبت عنده فقد ارتكب ذنبا عظيما ينال عقابه، وقد برئ الموصى من تبعته، ولا يظن أحد أن يفعل ذلك ولا يجازى عليه، فإن الله سميع عليم لا تخفى عليه خافية.
182- أما إذا كانت الوصية زائغة عن العدل وعن الصراط القويم الذى بيناه بأن حرم الموصى الفقير وأعطى الغنى، أو ترك الأقربين وراعى الفقراء غير الوارثين الأجانب، فسعى ساع فى سبيل الخير وأصلح بين الموصى إليهم ليرد الوصية إلى الصواب، فلا إثم عليه فيما يحدثه من تغيير الوصية وتبديلها على هذا الوجه، ولا يؤاخذه الله على ذلك، فإن الله غفور رحيم.
[2.183-184]
183- وكما شرع الله لكم القصاص والوصية لصلاح مجتمعكم، والحفاظ على أسركم، شرع الله كذلك فريضة الصيام تهذيبا لنفوسكم، وتقويما لشهواتكم، وتفضيلا لكم على الحيوان الأعجم الذى ينقاد لغرائزه وشهواته، وكان فرض الصيام عليكم مثل ما فرض على من سبقكم من الأمم فلا يشق عليكم أمره. لأنه فرض على الناس جميعا، وكان وجوب الصيام والقيام به، لتتربى فيكم روح التقوى، ويقوى وجدانكم، وتتهذب نفوسكم.
अज्ञात पृष्ठ