نحن لا نغتر بالظهارة؛ فالكتاب قيم، كله إرشادات نفيسة وعظات مرصعة بألقاب شريفة ... لا يحسن إهداءها إلا صاحبي ومن كان مثله.
إني أعجب لهذا الرجل البطال كيف يضحي بماله ووقته ليتشفى من غيظه!
أفلا يعلم - هداه الله - أن ما كان يغضبني منه أصبح يضحكني وإخواني، ويسلينا في شتاء عالية؟ فها أنا أسأله أن يزيدني من هذه الوريقات،
2
فلي فيها منافع أخرى ... لم يحلم بها الجاحظ في وصف بخيله أكال الرءوس.
ولقد أكثرنا الكلام في شعر المناسبات، وتناولناه مرارا، فقبل النظر في محصول هذه الأيام - وهو قليل كالحنطة في البلاد، وإن لم يغل سعره مثلها - فإنني أترك الكلام لنابغة الجيل الغابر؛ أحمد فارس، الذي نظر إليه منذ قرن كما ننظر نحن إليه اليوم، ولكن الآذان كانت - ولا تزال - مسدودة.
رحم الله الشدياق؛ فقد سبق عصره سبق جواد النابغة، المستولي على الأمد، فحمل على شعراء المناسبات، وإن يكن قاله مثلهم، فبينه وبينهم فرق بعيد.
كان الشدياق شاعر السلاطين والملوك والأباطرة والأمراء، وبالشعر تبوأ عرشا من الشهرة والنفوذ، حسده عليه أعاظم رجال عصره، وهاك نكتة من نكاته التي لا تحصى:
حدثني الأستاذ واصف البارودي، مفتش التربية الوطنية في الجمهورية اللبنانية - وهو جدير بهذا الاسم؛ لأنه أول من كتب في التربية عندنا - حدثني عن عمه المحدث الشيخ الجليل محمد الحسيني، قال: كنا نجتمع في حلقة من شباب العرب حول أحمد فارس أفندي في قصره بالآستانة نسمع حديثه، فدخل علينا يوما ولده سليم يحمل حقة مذهبة، وقال: يا أبي، مولانا السلطان عبد الحميد منحك الوسام العثماني الأول.
فنهضنا - نحن الشباب - نرى الوسام، وهو قطع لا قطعة، فأدهشنا بريقه ولمعانه، فانتظرنا الشيخ حتى عدنا إلى مجالسنا ومضى في حديثه.
अज्ञात पृष्ठ