لج بِي السهر لَيْلَة من اللَّيَالِي مُنْفَردا أنادم الأطلال والخيال فتجلت لي دمشق غادة حسناء مسفرة عَن جمال وَجههَا تَقول أَلا لفتة لأحاديث آثاري وهلا سَاعَة فِي تذكار أخباري فَقلت أَنا كَمَا تعلمين غَرِيب حل مأوى الغرباء كَمَا قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ
(وَمَا غمَّة الْإِنْسَان فِي شقة النَّوَى ... وَلكنهَا وَالله فِي عدم الشكل)
(وَإِنِّي غَرِيب بَين بست وَأَهْلهَا ... وان كَانَ فِيهَا أسرتي وَبهَا أَهلِي)
من قوم تلاعبت بهم الأقطار فحلوا جيرانا بغوطتك الفيحاء فنادمي أبناءك يَا ليلى الغرام وحيي إحباءك المدعين بك الهيام فَقَالَت ألم بِرَبِّك فِينَا وليدا وَلَبِثت فِينَا من عمرك سِنِين ألم تتقلب فِي مدارسي وتلتقط ثمار الْحِكْمَة من مغارسي أما ضممتك إِلَيّ ورمقتك بنظري وسقت إِلَيْك خيري حَتَّى تبنيتك وَمَا تركتك وَكلما تَبَاعَدت عني طلبتك أما هجرتني إِلَى الفرنجة متجولا وأبت إِلَى سواحل إفريقية متحولا فأضرمت فِي قَلْبك نَار غرامي وجذبتك إِلَيّ بمغناطيس هيامي ثمَّ لججت فِي الهجر قَافِلًا إِلَى دوماك جرثومة الهمجية العريقة ببغض الْحُكَمَاء وَالْعُلَمَاء فذقت بهَا ألم التَّعَدِّي والحسد وأضنى حمرها المستنفرة مِنْك الْعقل والجسد وتألب أُولَئِكَ المتوحشون عَلَيْك يُرِيدُونَ أَن يطفئوا نور الْحِكْمَة الَّذِي اطلعه الله فِي فُؤَادك ببغيهم وحسدهم ويأبى الله أَلا أَن يتم نوره وَلَو كره هَؤُلَاءِ الجاهلون قلبوا لَك ظهر الْمِجَن ورموك بالإفك ليسوقوا لَك المحن ويخلوا من فضلك ربع الوطن فمددت لإسعافك ساعدا أقوى من الْحَدِيد وأخرجتك من بَينهم رغما عَن انف كل جَبَّار عنيد ورميت حسادك بِسَهْم من سهم القهار وصلت عَلَيْهِم بِسيف قد سل من سطوة الْجَبَّار فذاق فريق مِنْهُم عَذَاب الْهون وارصدت للآخرين ﴿وَمَا رَبك بغافل عَمَّا يعْملُونَ﴾ ثمَّ اصطنعتك لنَفْسي فَمَا أثمرت من ثَمَر إِلَّا وَهُوَ من غرسي فبنعمة رَبك حدث فخلب لبي لطيف كَلَامهَا واتقدت فِيهِ جذوة غرامها وَقلت
(مَا بعد جلق للغرام مرام ... وَغَيرهَا وَطن عَليّ حرَام)
(لَكِن هِيَ الأقدار تفعل مَا تشا ... صبرا جميلا وَالْكَلَام كَلَام)
لبيْك يَا ليلى الْجمال وَيَا سلمى المحاسن أَنا الخاضع لما تأمرين مَا دمت عبد الْقَادِر
1 / 2