وأدخل في صفة العلاء. وامتنعوا أيضًا من وصفه ب"الدَّاري"، وإن كان من العلم، لأن أصله من الدَّرِيَّة. وهي شيء يضعه الصائد لضرب من الحِيلة والخديعة١. فكأن ما يقدمه٢ الذي يريد أن يتوصل إلى علم شيء، من الأدلة بمنزلة الدرية التي يتوصل إلى ختل الصيد وخدعه. فأما قول بعضهم٣:
لا هُمَّ لا أدري وأنت الداري
فغير معرَّج عليه ولا مأخوذ به. ووجهه أنه أجراه مجرى "عالم"، ولم يلتفت إلى أصله. ومن لا بصر له بالاشتقاق يجوّز استعمال هذه الصفات، في حق الله تعالى٤.
والذي يدل على غموضه كثرة ما يوجد من السقطات فيه لجلة العلماء٥؛ ألا ترى ما يحكى عن أبي عبيد، من أنه قال في مندوحة من قولك٦ "مالي عنه مندوحة" أي متسع: إنها مشتقة من انداح؟ وذلك فاسد لأن انداح: "انفعل" ونونه زائدة. ومندوحة: "مفعولة" ونونه أصلية؛ إذ لو كانت زائدة لكانت "منفعلة". وهو بناء لم يثبت في كلامهم. فهو، على هذا، مشتق من الندح، وهو جانب الجبل وطرفه، وهو إلى السعة.
ونحو من ذلك ما يحكى عن أبي العباس ثعلب٧، من أنه جعل أُسكُفَّة الباب٨ من "استكف" أي: اجتمع. وذلك فاسد، لأن استكف: "استفعل" وسينه زائدة، وأسكفة: "أُفْعُلَّة" وسينه أصلية؛ إذ لو كانت زائدة لكان وزنه "أُسفُعْلَة"، وذلك بناء غير موجود في أبنية كلامهم.
وكذلك أيضًا حكي عنه أنه قال في تَنُّور: إن وزنه "تَفْعُول" من النار. وذلك باطل؛ إذ لو كان كذلك لكان تَنْوُورًا. والصواب أنه "فَعُّول" من تركيب تاء ونون وراء، نحو: تَنرَ، وإن لم ينطق به.
وقد حكي عن غيرهما، من رؤساء النحويين واللغويين، من السقطات نحوٌ مما ذكرنا. إلا أني قصدت إلى الاختصار، وفي "٩" هذا القدر الذي أوردناه كفاية.
_________
١ سقط من م.
٢ م: ما يقدره.
٣ من أرجوزة للعجاج، ديوانه ص٢٦ والصحاح واللسان والتاج "دري". وقد علق عليه صاحب التاج بأنه من عجرفية الأعراب، وانظر تذكرة النحاة ص٥٤٠.
٤ سقط من م.
٥ انظر المنصف ١: ٣ والمزهر ٢: ٣٧٠، ٣٧١ والخصائص ٣: ٢٨٣، ٢٨٦.
٦ م: "قولهم". وأبو عبيد هو القاسم بن سلام الأزدي، عالم باللغة والأخبار توفي سنة ٢٢٤ بغية الوعاة ٢: ٥٥٣.
٧ هو أحمد بن يحيى الشيباني، إمام الكوفيين في اللغة والنحو. توفي سنة ٢٩١. تاريخ بغداد ٥: ٢٠٤.
٨ أسكفة الباب هي خشبته التي يوطأ عليها. وقيل: هي العتبة العليا.
٩ م: إذ في.
1 / 32