خلافة نفات بن نصر إن فرجا النفوسي المعروف بنفات بن نصر قد أظهر مخالفة الإمام أفلح لعين السبب الذي خالف به ابن فندين وابن السمح وهو الطمع في الوظائف الحكومية ، وذلك أن الإمام عين سعد بن أبي يونس وسليم التمزيني عاملا على قنطرارة ( يتجى ) وأما نفات فلم يعينه في شيء مع أنه كان رفيقا لسعد في طلب العلم بتيهرت وكان يعتقد في نفسه أنه أعلم منه وأقدر على إدارة الشؤون. فغاظه من الأمام هذا التصرف وأثار في نفسه الحقد و الغيرة تفضيله سعدا عليه فانتحل مسائل لنفسه وأتخذها مطية لخلافه الطائش. فمنها إنكاره الخطبة في الجمعة مدعيا أنها بدعه وضلال ، ومنها إنكاره استعمال الإمام العمال والسعادة لجباية الحقوق الشرعية ، ومنها قوله أبن الأخ الشقيق أحق بالميراث من الأخ للأب . ومنها قوله أن المضطر بالجوع لا يمضي بيع ماله إذا باعه لأجل ذلك وعلى من شهد مضرته تنجيته . ومنها قوله أن الفقد لا يتحقق إلا فيمن تجاوز البحر . وقد كان عالما ذكي الفؤاد إلا أن قوة الحكومة ومكانة الإمام في الأمة كانتا من أعظم الأسباب في إحباط مساعيه وعدم توفقه . فلم يستطع أن يوقد نار الحرب كسلفيه يزيد وخلف . وقد تولى نفس الإمام نصيحته برسائل طويلة الذيل بليغة التركيب تنطق بعلو كعب الإمام في علوم الدين والسياسة والأدب واللغة يحذره فيها من سوء العاقبة إن لم يتب من ضلاله وإضلاله . وأخيرا أنذره على لسان ولاته بإنزال صارم العقاب به إن لم يرتدع عن غيه ، فخاف وتوقع شرا إن هو بقي على إصراره فتوجه إلى الديار الشرقية ثم قصد " بغداد " عاصمة بني العباس فما لبث أن حظي لدى حكومتها بسبب حله معضلة استعصت على علماء بغداد وتعذر حلها عليهم وكان غزير العلم مفرط الذكاء .
पृष्ठ 44