Mukhtasar Sharh Tashil al-'Aqidah al-Islamiyyah - Vol. 2
مختصر [شرح] تسهيل العقيدة الإسلامية - ط ٢
प्रकाशक
مكتبة الرشد
संस्करण संख्या
الثانية
प्रकाशन वर्ष
١٤٢٤ هـ
शैलियों
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إنَّ الحمدَ لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمّدًا عبدُه ورسولُه.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢] .
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١] .
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠-٧١] .
أما بعد:
فإن من نعمة الله علي أنَّني قمتُ بتأليف رسالة في العقيدة أسميتها "تسهيل العقيدة الإسلامية" وقد نشرتها دار الصميعي بالرياض، وكنت قد توسّعت في حواشي هذه الرسالة ليستفيد منها الأساتذة والمتخصصون، وقد رأيتُ أن أقوم بطبع هذه الرسالة طبعة خاصة بالطلاب وغير المتخصصين، فقمت باختصارها، وذلك بحذف جل الحواشي، وباختصار المتن في مواضع قليلة، وقد أسميت هذا المختصر بـ "مختصر تسهيل العقيدة الإسلامية".
1 / 1
وفي ختام هذه المقدمة آمل ممن لديه أي اقتراح يتعلق بهذا المختصر إرساله إليَّ على صندوق البريد رقم ٣٢٤٥٤ ورمزه ١١٤٢٨ الرياض.
أسأل الله تعالى أن ينفع به كاتبه وجميع المسلمين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
قاله وكتبه
عبد الله بن عبد العزيز الجبرين
الأستاذ بكلية المعلمين بالرياض
1 / 2
تمهيد
المسألة الأولى: بيان بعض المصطلحات العقيدية، وتعريفها
تعريف العقيدة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
التمهيد
ويشتمل على ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: بيان بعض المصطلحات العقدية، وتعريفها.
ونبدأ هذه المصطلحات بذكر تعريف العقيدة نفسها.
١- فالعقيدة في اللغة: مأخوذة من العقد، وهو الشد والربط والإيثاق والثبوت والإحكام.
وفي الاصطلاح: الإيمان الجازم بالله تعالى، وبما يجب له من التوحيد، والإيمان بملائكته وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشرِّه، وبما يتفرع عن هذه الأصول ويلحق بها مما هو من أصول الدين.
وقد أطلق كثير من السلف على العقيدة الصحيحة اسم "السنة"، وذلك لتمييزها عن عقائد ومقولات الفرق الضالة، لأن العقيدة الصحيحة - وهي عقيدة أهل السنة والجماعة - مستمدة من سنة النبي ﷺ، التي هي مبينة للقرآن.
وقد ألَّف بعض السلف كتبًا في العقيدة أسموها "السنة"، ومنها كتاب "السنة" للإمام أحمد بن حنبل، وكتاب "السنة" لابن أبي عاصم، وغيرهما.
كما أطلق بعض العلماء على العقيدة اسم "أصول الدين"، وذلك أن ملة النبي ﷺ تنقسم إلى اعتقاديات وعمليات، والمراد بالعمليات علم
1 / 3
الشرائع والأحكام المتعلقة بكيفية العمل، كأحكام الصلاة والزكاة والبيوع وغيرها، وتسمى "فرعية"، أو "فروع"، فهي كالفرع لعلم العقيدة، لأن العقيدة أشرف الطاعات، ولأن صحتها شرط في قبول العبادات العملية، فإذا فسدت العقيدة لم تقبل العبادة، وبطل أجرها، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الزمر: ٦٥] .
هذا وقد أطلق بعض العلماء على العقيدة اسم "الفقه الأكبر"، وذلك لأن العقيدة هي أصل الدين، والفقه العملي - الذي يسمى "الفقه الأصغر" - فروعه، كما سبق.
وقد ألّف الإمام أبوحنيفة رسالة في العقيدة أسماها "الفقه الأكبر".
٢- أهل السنة والجماعة: هم أصحاب رسول الله ﷺ ومن تبعهم بإحسان إلى يوم القيامة. وهم: المتمسكون بالعقيدة الصحيحة التي كان عليها رسول الله ﷺ واتفق عليها أصحابه ﵃. وقد سُمُّوا "أهل السنة" لعملهم بمقتضى سنة النبي ﷺ المبينة للقرآن، عملًا بقوله ﷺ: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ "، فهم يعلمون أن هدي النبي ﷺ خير الهدي، فقدموه على هدي من سواه. وسُمُّوا "الجماعة" لأنهم اجتمعوا على اتباع سنة النبي ﷺ،
٢- أهل السنة والجماعة: هم أصحاب رسول الله ﷺ ومن تبعهم بإحسان إلى يوم القيامة. وهم: المتمسكون بالعقيدة الصحيحة التي كان عليها رسول الله ﷺ واتفق عليها أصحابه ﵃. وقد سُمُّوا "أهل السنة" لعملهم بمقتضى سنة النبي ﷺ المبينة للقرآن، عملًا بقوله ﷺ: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ "، فهم يعلمون أن هدي النبي ﷺ خير الهدي، فقدموه على هدي من سواه. وسُمُّوا "الجماعة" لأنهم اجتمعوا على اتباع سنة النبي ﷺ،
1 / 4
وما أجمع عليه سلف هذه الأمة، فهم قد اجتمعوا على الحق، وعلى عقيدة الإسلام الخالية من الشوائب.
وأيضًا فقد سَمَّى النبي ﷺ الفرقة الناجية المتبعة لسنته وطريقة أصحابه - وهم أهل السنة والجماعة - سماهم "الجماعة"، فقد ثبت عن معاوية بن أبي سفيان ﵄ قال: قال النبي ﷺ: " إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة - يعني الأهواء - كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة، وإنه سيخرج في أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكَلَبُ (١) بصاحبه ... ".
وهذه التسمية "أهل السنة والجماعة" وصف صادق يميز أهل العقيدة الصحيحة وأتباع الرسول ﷺ عن الفرق الأخرى التي تسير على غير طريقة النبي ﷺ، فمن هذه الفرق من يأخذ عقيدته من عقول البشر وعلم الكلام الذي ورثوه عن فلاسفة اليونان، فيقدمونها على كلام الله وسنة رسول الله ﷺ، فيردون النصوص الشرعية الثابتة أو يؤولونها لمجرد أن بعض العقول البشرية لم تقبل أو لم تستسغ ما دلت عليه هذه النصوص. ومن هذه الفرق: الفلاسفة، والقدرية، والماتوريدية، والجهمية، والمعتزلة، والأشاعرة الذين قلَّدوا الجهميَّة في بعض آرائهم.
_________
"١" الكَلَب بفتح اللام مرض يصيب الكلب، فيصيبه شبه الجنون، فإذا عض إنسانًا أصيب الإنسان بهذا المرض، وأصيب بالعطش الشديد، ولا يشرب، حتى يموت.
1 / 5
ومن هذه الفرق من يأخذ عقيدته من آراء مشايخهم وأئمتهم المبنية في كثير من الأحيان على الهوى، كالصوفية والرافضة وغيرهم، فيقدمون كلامهم على كلام الله وكلام رسوله خير البشر محمد ﷺ.
كما أن هذه الفرق منها من تنتسب إلى من أسسها وأنشأ أصولها العقديَّة، كالجهمية نسبة إلى جهم بن صفوان، والأشاعرة نسبة إلى أبي الحسن الأشعري - وإن كان الأشعري رجع عن هذه العقيدة إلى عقيدة أهل السنة والجماعة، لكن مقلِّدوه استمروا على عقيدته المخالفة لطريقة النبي ﷺ التي رجع عنها -، والأباضية نسبة إلى عبد الله بن أباض، وغيرهم.
ومن هذه الفرق من تنتسب إلى بعض آرائها العقدية المخالفة للهدي النبوي، أو إلى بعض أفعالها السيئة، كالروافض نسبة إلى رفضهم إمامة أبي بكر وعمر وتبرئهم منهما، والقدرية نسبة إلى نفي القدر، والخوارج نسبة إلى الخروج على الولاة، وغيرهم.
فعصم الله أهل السنة من الانتساب والاتباع لغير سنة المعصوم من الخطأ والزلل رسول الله محمد بن عبد الله ﷺ، المؤيد بالوحي من السماء، والذي لاينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فليس لهم اسم ينتسبون إليه سوى "السنة".
وقد أطلق بعض العلماء على أهل السنة اسم "أصحاب الحديث" أو "أهل الحديث"، وذلك لأنهم اهتموا بأحاديث النبي ﷺ رواية ودراية، واتبعوا ما جاءت به من العقائد والأحكام.
و"الحديث" و"السنة" لفظان معناهما متقارب.
1 / 6
وأهل السنة كذلك هم الفرقة المنصورة"١" إلى قيام الساعة، الذين ذكرهم النبي ﷺ بقوله: "لن تزال طائفة من أمتي منصورين، لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة" رواه البخاري ومسلم، وغيرهما.
وهم الفرقة الناجية"٢" المذكورة في حديث معاوية الذي سبق ذكره قريبًا، وغيره.
_________
"١" أي التي أيدها الله تعالى وقواها على من خالفها وعاداها، وجعل الغلبة لها.
"٢" أي التي سلمت من البدع في الدنيا، ومن الهلاك والشرور في الدنيا والآخرة.
٣- السلف: السلف في اللغة: الجماعة المتقدمون: يقال: سلَف يسلُف أي مضى، وسلَفُ الإنسان: آباؤه المتقدمون. وفي الاصطلاح: هم أصحاب النبي ﷺ ومن تبعهم وسار على طريقتهم من أئمة الدين من أهل القرون الثلاثة المفضلة.
٤- الخَلَف: الخلف في اللغة: المتأخر، وكل من يجيء بعد من مضى. وفي الاصطلاح: من خالف طريقة النبي ﷺ وأصحابه في باب العقائد كالخوارج والرافضة، وكأهل الكلام الذين قدموا العقل البشري على النصوص الشرعية: كالجهمية والمعتزلة والأشاعرة والقدرية والمرجئة وغيرهم.
٣- السلف: السلف في اللغة: الجماعة المتقدمون: يقال: سلَف يسلُف أي مضى، وسلَفُ الإنسان: آباؤه المتقدمون. وفي الاصطلاح: هم أصحاب النبي ﷺ ومن تبعهم وسار على طريقتهم من أئمة الدين من أهل القرون الثلاثة المفضلة.
٤- الخَلَف: الخلف في اللغة: المتأخر، وكل من يجيء بعد من مضى. وفي الاصطلاح: من خالف طريقة النبي ﷺ وأصحابه في باب العقائد كالخوارج والرافضة، وكأهل الكلام الذين قدموا العقل البشري على النصوص الشرعية: كالجهمية والمعتزلة والأشاعرة والقدرية والمرجئة وغيرهم.
1 / 7
المسألة الثانية: خصائص العقيدة الإسلامية
١- أنها عقيدة غيبية
...
المسألة الثانية: خصائص العقيدة الإسلامية.
الخصائص: جمع خصيصة.
والخصيصة: هي الصفة الحسنة التي يتميّز بها الشيء ولا يشاركه فيها غيره.
وخصائص العقيدة الإسلامية كثيرة، نكتفي بذكر ثلاث منها:
١- أنها عقيدة غيبية:
الغيب: ما غاب عن الحس، فلا يدرك بشيء من الحواس الخمس: السمع والبصر واللمس والشم والذوق.
وعليه فإن جميع أمور ومسائل العقيدة الإسلامية التي يجب على العبد أن يؤمن بها ويعتقدها غيبي، كالإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر، وعذاب القبر ونعيمه، وغير ذلك من أمور الغيب التي يُعتَمَد في الإيمان بها على ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ.
وقد أثنى الله تعالى على الذين يؤمنون بالغيب، فقال ﷾ في صدر سورة البقرة: ﴿الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ الآية.
٢- أنها عقيدة شاملة: ويتضح شمول العقيدة في الأمور الثلاثة الآتية: الأول: شمول العبادة، فالعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة.
٢- أنها عقيدة شاملة: ويتضح شمول العقيدة في الأمور الثلاثة الآتية: الأول: شمول العبادة، فالعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة.
1 / 8
فالعبادة تشمل العبادات القلبية، كالمحبة، والخوف، والرجاء، والتوكل، وتشمل العبادات القولية كالذكر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقراءة القرآن، وتشمل العبادات الفعلية كالصلاة والصوم، والحج، وتشمل العبادات المالية، كالزكاة، وصدقة التطوع.
وتشمل كذلك الشريعة كلها، فإن العبد إذا اجتنب المحرمات، وفعل الواجبات والمندوبات والمباحات مبتغيا بذلك وجه الله تعالى كان فعله ذلك عبادة يثاب عليها. وسيأتي الكلام على هذه المسألة بشيء من التفصيل عند الكلام على توحيد الألوهية.
الثاني: أنها تشمل علاقة العبد بربه، وعلاقة الإنسان بغيره من البشر، وذلك في مباحث التوحيد بأنواعه الثلاثة، وفي مبحث الولاء والبراء، وغيرها.
الثالث: أنها تشمل حال الإنسان في الحياة الدنيا، وفي الحياة البرزخية "القبر"، وفي الحياة الأخروية.
٣- أنها عقيدة توقيفية: فعقيدة الإسلام موقوفة على كتاب الله، وما صح من سنة رسوله محمد بن عبد الله ﷺ فليست محلًا للاجتهاد، لأن مصادرها توقيفية. وذلك أن العقيدة الصحيحة لابد فيها من اليقين الجازم، فلابد أن تكون مصادرها مجزومًا بصحتها، وهذا لا يوجد إلا في كتاب الله وما صح من سنة رسوله ﷺ. وعليه فإن جميع المصادر الظنية، كالقياس والعقل البشري لا يصح
٣- أنها عقيدة توقيفية: فعقيدة الإسلام موقوفة على كتاب الله، وما صح من سنة رسوله محمد بن عبد الله ﷺ فليست محلًا للاجتهاد، لأن مصادرها توقيفية. وذلك أن العقيدة الصحيحة لابد فيها من اليقين الجازم، فلابد أن تكون مصادرها مجزومًا بصحتها، وهذا لا يوجد إلا في كتاب الله وما صح من سنة رسوله ﷺ. وعليه فإن جميع المصادر الظنية، كالقياس والعقل البشري لا يصح
1 / 9
أن تكون مصادر للعقيدة، فمن جعل شيئًا منها مصدرًا للعقيدة فقد جانب الصواب، وجعل العقيدة محلًا للاجتهاد الذي يخطئ ويصيب.
ولذلك أخطأ أهل الكلام كالجهمية، والمعتزلة، والأشاعرة، حينما جعلوا العقل مصدرًا من مصادر العقيدة، وقدموه على النصوص الشرعية، حتى أصبح القرآن والسنة عندهم تابعين للعقل البشري، وهذا فيه نوع استهانة بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ، كما أنهم بهذه الطريقة جعلوا عقيدة الإسلام خاضعة لآراء البشر واجتهاداتهم العقلية.
والحق أن العقل مؤيد للنصوص الشرعية، فالعقل الصريح يؤيد النص الصحيح، ولا يعارضه، وما توهمه المعطلة والمؤولة من التعارض بينهما فهو بسبب قصور عقول البشر، ولذلك فإن ما قد يراه أحدهم متعارضًا قد لا يراه الآخر كذلك، وهكذا.
وعليه فإن العقل يعتبر مؤيدًا للنصوص الشرعية في باب العقائد وغيرها، وليس مصدرًا مستقلًا للعقيدة، فلا يجوز أن يستقل بالنظر في أمور الغيب، ولا فيما لا يحيط به علمًا، والبشر لا يحيطون علمًا بالله ولا بصفاته، كما قال تعالى: ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ [طه: ١١٠] .
المسألة الثالثة: وسطية أهل والجماعة بين فرق الضلال الأصل الأول: باب العبادات ... المسألة الثالثة: وسطية أهل السنة والجماعة بين فرق الضلال: عقيدة أهل السنة والجماعة - والتي هي عقيدة الإسلام الصحيحة - وسط بين عقائد فرق الضلال المنتسبة إلى دين الإسلام، فهي في كل باب من أبواب العقيدة وسط بين فريقين آراؤهما متضادة، أحدهما غلا في
المسألة الثالثة: وسطية أهل والجماعة بين فرق الضلال الأصل الأول: باب العبادات ... المسألة الثالثة: وسطية أهل السنة والجماعة بين فرق الضلال: عقيدة أهل السنة والجماعة - والتي هي عقيدة الإسلام الصحيحة - وسط بين عقائد فرق الضلال المنتسبة إلى دين الإسلام، فهي في كل باب من أبواب العقيدة وسط بين فريقين آراؤهما متضادة، أحدهما غلا في
1 / 10
هذا الباب والآخر قصر فيه، أحدهما أفرط والثاني فرط، فهي حق بين باطلين: فأهل السنة وسط - أي عدول خيار - بين طرفين منحرفين، في جميع أمورهم.
وسأذكر خمسة أصول عقدية كان أهل السنة والجماعة وسطًا فيها بين فرق الأمة:
الأصل الأول: باب العبادات:
توسط أهل السنة في هذا الباب بين الرافضة والصوفية وبين الدروز والنصيريين"١".
فالرافضة والصوفية يعبدون الله بما لم يشرعه من الأذكار والتوسلات، وإقامة الأعياد والاحتفالات البدعية، والبناء على القبور والصلاة عندها والطواف بها والذبح عندها، وغلاتهم يعبدون أصحاب القبور بالذبح لهم أو دعائهم أن يجلبوا لهم مرغوبًا أو يدفعوا عنهم مرهوبًا.
والدروز والنصيريون - الذين يسمون العلويون - تركوا عبادة الله بالكلية فلا يصلون ولا يصومون ولا يزكون ولا يحجون ... الخ.
أما أهل السنة والجماعة فيعبدون الله بما جاء في كتاب الله وسنة
_________
"١" الدروز والنصيريون فرقتان توجدان في بلاد الشام - سوريا ولبنان وفلسطين - ومن عقائد النصيريين: أنهم يؤلِّهون علي بن أبي طالب. ومن عقائد الدروز: أنهم يؤلِّهون الحاكم بأمر الله العبيدي. ولهذا فقد ذكر أهل العلم أن الدروز والنصيريين مرتدون خارجون عن الملة، وأنهم في حقيقة الأمر ليسوا من المسلمين، وإن انتسبوا إلى الإسلام. وينظر: ما يأتي في النفاق الأكبر في مبحث "صفات المنافقين" إن شاء الله تعالى.
1 / 11
رسوله ﷺ، فلم يتركوا ما أوجب الله عليهم من العبادات، ولم يبتدعوا عبادات من تلقاء أنفسهم، عملًا بقول النبي ﷺ: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ". متفق عليه.
وفي رواية لمسلم: " من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد "، وقوله ﵊ في خطبته: " أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة ". رواه مسلم.
الأصل الثاني: باب أسماء الله وصفاته: توسَّط أهل السنة والجماعة في هذا الباب بين المعطلة، وبين الممثلة. فالمعطلة منهم من ينكر الأسماء والصفات، كالجهمية. ومنهم من ينكر الصفات كالمعتزلة. ومنهم من ينكر أكثر الصفات، ويؤولها كالأشاعرة، اعتمادًا منهم على العقول البشرية القاصرة، وتقديمًا لها على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ. والممثلة يضربون لله الأمثال، ويدعون أن صفات الله تعالى تماثل صفات المخلوقين، كقول بعضهم: "يد الله كيدي" و"سمع الله كسمعي" تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا. فهدى الله أهل السنة والجماعة للقول الوسط في هذا الباب، والذي دل عليه كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، فآمنوا بجميع أسماء الله وصفاته الثابتة في النصوص الشرعية، فيصفون الله تعالى بما وصف به نفسه، وبما
الأصل الثاني: باب أسماء الله وصفاته: توسَّط أهل السنة والجماعة في هذا الباب بين المعطلة، وبين الممثلة. فالمعطلة منهم من ينكر الأسماء والصفات، كالجهمية. ومنهم من ينكر الصفات كالمعتزلة. ومنهم من ينكر أكثر الصفات، ويؤولها كالأشاعرة، اعتمادًا منهم على العقول البشرية القاصرة، وتقديمًا لها على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ. والممثلة يضربون لله الأمثال، ويدعون أن صفات الله تعالى تماثل صفات المخلوقين، كقول بعضهم: "يد الله كيدي" و"سمع الله كسمعي" تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا. فهدى الله أهل السنة والجماعة للقول الوسط في هذا الباب، والذي دل عليه كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، فآمنوا بجميع أسماء الله وصفاته الثابتة في النصوص الشرعية، فيصفون الله تعالى بما وصف به نفسه، وبما
1 / 12
وصفه به أعرف الخلق به رسوله محمد بن عبد الله ﷺ من غير تعطيل ولا تأويل ومن غير تمثيل ولا تكييف، ويؤمنون بأنها صفات حقيقية، تليق بجلال الله تعالى، ولا تماثل صفات المخلوقين، عملًا بقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١] .
الأصل الثالث: باب القضاء والقدر: توسَّطَ أهلُ السنة والجماعة في هذا الباب بين القدرية والجبرية. فالقدرية نفوا القدر، فقالوا: إن أفعال العباد وطاعاتهم ومعاصيهم لم تدخل تحت قضاء الله وقدره، فالله تعالى على زعمهم لم يخلق أفعال العباد ولا شاءها منهم، بل العباد مستقلون بأفعالهم، فالعبد على زعمهم هو الخالق لفعله، وهو المريد له إرادة مستقلة، فأثبتوا خالقًا مع الله سبحانه، وهذا إشراك في الربوبية، ففيهم شبه من المجوس الذين قالوا بأن للكون خالقين، فهم "مجوس هذه الأمة". والجبرية غلوا في إثبات القدر، فقالوا: إن العبد مجبور على فعله، فهو كالريشة في الهواء لا فعل له ولا قدرة ولا مشيئة. فهدى اللهُ أهلَ السنة والجماعة للقول الحق والوسط في هذا الباب، فأثبتوا أن العباد فاعلون حقيقة، وأن أفعالهم تُنسب إليهم على جهة الحقيقة، وأن فعل العبد واقع بتقدير الله ومشيئته وخلقه، فالله تعالى خالق العباد وخالق أفعالهم، كما قال سبحانه: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: ٩٦] . كما أن للعباد مشيئة تحت مشيئة الله، كما قال تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [التكوير: ٢٩] . ومع ذلك فقد أمر الله العباد بطاعته، وطاعة رسله، ونهاهم عن
الأصل الثالث: باب القضاء والقدر: توسَّطَ أهلُ السنة والجماعة في هذا الباب بين القدرية والجبرية. فالقدرية نفوا القدر، فقالوا: إن أفعال العباد وطاعاتهم ومعاصيهم لم تدخل تحت قضاء الله وقدره، فالله تعالى على زعمهم لم يخلق أفعال العباد ولا شاءها منهم، بل العباد مستقلون بأفعالهم، فالعبد على زعمهم هو الخالق لفعله، وهو المريد له إرادة مستقلة، فأثبتوا خالقًا مع الله سبحانه، وهذا إشراك في الربوبية، ففيهم شبه من المجوس الذين قالوا بأن للكون خالقين، فهم "مجوس هذه الأمة". والجبرية غلوا في إثبات القدر، فقالوا: إن العبد مجبور على فعله، فهو كالريشة في الهواء لا فعل له ولا قدرة ولا مشيئة. فهدى اللهُ أهلَ السنة والجماعة للقول الحق والوسط في هذا الباب، فأثبتوا أن العباد فاعلون حقيقة، وأن أفعالهم تُنسب إليهم على جهة الحقيقة، وأن فعل العبد واقع بتقدير الله ومشيئته وخلقه، فالله تعالى خالق العباد وخالق أفعالهم، كما قال سبحانه: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: ٩٦] . كما أن للعباد مشيئة تحت مشيئة الله، كما قال تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [التكوير: ٢٩] . ومع ذلك فقد أمر الله العباد بطاعته، وطاعة رسله، ونهاهم عن
1 / 13
معصيته، وهو سبحانه يحب المتقين، ولا يرضى عن الفاسقين، وقد أقام الله الحجة على العباد بإرسال الرسل وإنزال الكتب، فمن أطاع أطاع عن بينة واختيار، فيستحق الثواب الحسن، ومن عصى عصى عن بينة واختيار، فيستحق العقاب ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: ٤٦] .
فأهل السنة يؤمنون بمراتب القضاء والقدر الأربع الثابتة في الكتاب والسنة، وهي:
١- علم الله المحيط بكل شيء، وأنه تعالى عالم بما كان وما سيكون، وبما سيعمله الخلق قبل أن يخلقهم.
٢- كتابة الله تعالى لكل ما هوكائن في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة.
٣- مشيئة الله النافذة، وقدرته الشاملة، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن كل ما يقع في هذا الوجود قد أراده الله قبل وقوعه.
٤- أن الله خالق كل شيء، فهو خالق كل عامل وعمله، وكل متحرك وحركته، وكل ساكن وسكونه.
وقد نظم بعضهم هذه المراتب بقوله:
علم كتابة مولانا مشيئته ... كذاك خلقٌ وإيجادٌ وتكوين
الأصل الرابع: باب الوعد والوعيد: توسط أهل السنة والجماعة في هذا الباب بين الوعيدية وبين المرجئة. فالوعيدية يغلبون نصوص الوعيد على نصوص الوعد، ومنهم الخوارج الذين يرون أن فاعل الكبيرة من المسلمين كالزاني وشارب
الأصل الرابع: باب الوعد والوعيد: توسط أهل السنة والجماعة في هذا الباب بين الوعيدية وبين المرجئة. فالوعيدية يغلبون نصوص الوعيد على نصوص الوعد، ومنهم الخوارج الذين يرون أن فاعل الكبيرة من المسلمين كالزاني وشارب
1 / 14
الخمر كافر مخلد في النار.
والمرجئة غلبوا نصوص الرجاء على نصوص الوعيد، فقالوا: إن الإيمان هو التصديق القلبي، وأن الأعمال ليست من الإيمان، فلا يضر مع الإيمان معصية، فالعاصي كالزاني وشارب الخمر لا يستحق دخول النار"١"، وإيمانه كإيمان أبي بكر وعمر ﵄.
_________
"١" وقريب من هذه العقيدة ما يقوله كثير من العصاة المنتسبين إلى الإسلام ويعتقده، فتجد أحدهم يستكثر من المعاصي، فيترك كثيرًا من الواجبات ويفعل كثيرًا من المعاصي، ثم يتعلق ويحتج بأحاديث الوعد، كحديث: " من قال: لا إله الله ختم له بها دخل الجنة " رواه أحمد ٥/٣٩١، فيجاب عن قول هؤلاء بأمرين:
الأمر الأول: أن الإيمان إذا وجد في القلب حقيقة حمل العبد على فعل الواجبات وترك المحرمات، فكون الإنسان يعرض عن دين الله ولا يعمل به ويصر على معصية الله تعالى فهذا دليل على خلو قلبه من الإيمان، كما سيأتي عند الكلام على كفر الإعراض.
الأمر الثاني: أنه لابد من الجمع بين نصوص الوعد ونصوص الوعيد، فمن تعلق بنصوص الوعد - وهي نصوص الرجاء - وترك نصوص الوعيد فقد ضل، كما فعل المرجئة، وكذلك من تعلق بنصوص الوعيد وترك نصوص الرجاء فقد ضل أيضًا. فنقول لهذا العاصي المتعلق بنصوص الرجاء: يلزمك أن تجمع بين نصوص الرجاء وبين نصوص الوعيد، فيلزمك أن تجمع مثلًا، بين هذا الحديث الذي احتججت به وبين قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا﴾ [النساء: ٩٣] وأن تجمع بينه وبين حديث: " لا يدخل الجنة نمّام " رواه البخاري "٦٠٥٦"، ومسلم "١٠٥"، =
1 / 15
أما أهل السنة والجماعة فيرون أن المسلم إذا ارتكب معصية من الكبائر لا يخرج من الإسلام، بل هو مسلم ناقص الإيمان، ما دام لم يرتكب شيئًا من المكفرات، فهو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وهو في الآخرة تحت مشيئة الله، إن شاء الله عفا عنه، وإن شاء عذبه حتى يطهره من ذنوبه ثم يدخله الجنة، ولا يخلد في النار إلا من كفر بالله تعالى أو أشرك به.
فالإيمان عند أهل السنة: قول باللسان واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية.
_________
= فإن قلت: إن من قتل مسلمًا مع أنه يقول لا إله إلا الله وختم له بها لا يدخل الجنة، ومن وقع في النميمة وأصر عليها وهو من المسلمين لا يدخل الجنة، فقد ناقضت قولك. ولذلك ينبغي للجاهل أن لا يقول في شرع الله ما لا علم له به، فإن هذا من كبائر الذنوب، ويجب على المسلم أن يعتقد ما دل عليه مجموع النصوص في مرتكب الكبيرة، كما هو عقيدة أهل السنة والجماعة.
الأصل الخامس: باب أصحاب النبي ﷺ: توسَّط أهل السنة والجماعة في هذا الباب بين الشيعة وبين الخوارج. فالشيعة - ومنهم الرافضة - غلوا في حق آل البيت كعلي بن أبي طالب وأولاده ﵃ فادعوا أن عليًا ﵁ معصوم، وأنه يعلم الغيب، وأنه أفضل من أبي بكر وعمر، ومن غلاتهم من يدعي ألوهيته. والخوارج جفوا في حق علي ﵁ فكفروه، وكفّروا معاوية بن
الأصل الخامس: باب أصحاب النبي ﷺ: توسَّط أهل السنة والجماعة في هذا الباب بين الشيعة وبين الخوارج. فالشيعة - ومنهم الرافضة - غلوا في حق آل البيت كعلي بن أبي طالب وأولاده ﵃ فادعوا أن عليًا ﵁ معصوم، وأنه يعلم الغيب، وأنه أفضل من أبي بكر وعمر، ومن غلاتهم من يدعي ألوهيته. والخوارج جفوا في حق علي ﵁ فكفروه، وكفّروا معاوية بن
1 / 16
أبي سفيان ﵄ وكفروا كل من لم يكن على طريقتهم.
كما أن الروافض جفوا في حق أكثر الصحابة، فَسَبُّوهم، وقالوا: إنهم كفار، وأنهم ارتدوا بعد النبي ﷺ، حتى أبو بكر وعمر عند بعضهم كانا كافرين، ولا يستثنون من الصحابة إلا آل البيت ونفرًا قليلًا، قالوا: إنهم من أولياء آل البيت، كما أنهم يشتمون أمهات المؤمنين، وأفاضل الصحابة، وعلى رأسهم أبوبكر وعمر علانية، لكنهم قد يترضون عنهم ويظهرون موالاتهم لهم تقربًا إلى أهل السنة ومخادعة لهم، لأن من عقائدهم عقيدة التقيّة، فيظهرون لأهل السنة خلاف ما يبطنون"١".
أما أهل السنة والجماعة فيحبون جميع أصحاب النبي ﷺ، ويترضَون عنهم، ويرون أنهم أفضل هذه الأمة بعد نبيها ﷺ، وأن الله اختارهم لصحبة نبيِّه، ويمسكون عما حصل بينهم من التنازع، ويرون أنهم مجتهدون مأجورون، للمصيب منهم أجران، وللمخطئ أجر
_________
"١" قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى ٢٨/٤٧٧-٤٧٩: "والرافضة كفَّرت أبا بكر وعمر وعثمان وعامة المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، وكفَّروا جماهير أمة محمد ﷺ من المتقدمين والمتأخرين، ولهذا يعاونون الكفار على الجمهور من المسلمين، فهم أشدّ ضررًا على الدين وأهله، وأبعد عن شرائع الإسلام من الخوارج الحرورية، ولهذا كانوا أكذب فرق الأمة، ولهذا يستعملون التقية التي هي سيما المنافقين واليهود، وهم يوالون اليهود والنصارى والمشركين على المسلمين". انتهى كلامه بحروفه مختصرًا.
1 / 17
واحد على اجتهاده، ويرون أن أفضلهم أبوبكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي ﵃ أجمعين -، ويحبون آل بيت النبي ﷺ"١"، ويرون أن لهم حقين، حق الإسلام، وحق القرابة من رسول الله ﷺ، فيوالونهم، ويترضون عنهم.
* * *
_________
"١" وهم أقاربه المؤمنون به، الذين تحرم عليهم الصدقة، وهم بنو هاشم، وبنو المطلب، وأزواجه ﷺ.
1 / 18
الباب الأول
التوحيد
الفصل الأول
توحيد الربوبية
توحيد الربوبية هو: الإيمان بوجود الله، واعتقاد تفرده في أفعاله.
ومنهم من عرفه بأنه: الاعتقاد بأن الله هو الخالق الرازق المدبر لكل شيء وحده لا شريك له.
وهو يشتمل على ما يلي:
١- الإيمان بوجود الله تعالى.
٢- الإقرار بأن الله تعالى خالق كل شيء، ومالكه، ورازقه، وأنه المحيي، المميت، النافع، الضار، المتفرد بإجابة الدعاء، الذي له الأمر كله، وبيده الخير كله، القادر على ما يشاء، المقدر لجميع الأمور، المتصرف فيها، المدبر لها، ليس له في ذلك كله شريك.
وقد تكاثرت الأدلة في القرآن والسنة في إثبات الربوبية لله تعالى، فكل نص ورد فيه اسم "الرب" أو ذكر فيه خصيصة من خصائص الربوبية، كالخلق، والرزق، والملك، والتقدير، والتدبير، وغيرها فهو من أدلة الربوبية، كقوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، وكقوله سبحانه: ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ [الأعراف: ٥٤]، وكقوله جل وعلا: ﴿قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [المؤمنون: ٨٨]، والملكوت: الملك.
* * *
1 / 19
الفصل الثاني: توحيد الألوهية
مقدمة
...
الفصل الثاني
توحيد الألوهية
تمهيد:
توحيد الألوهية: هو إفراد الله بالعبادة.
ويسمى باعتبار إضافته إلى الله تعالى بـ "توحيد الألوهية"، ويسمى باعتبار إضافته إلى الخلق بـ "توحيد العبادة"، و"توحيد العبودية" و"توحيد الله بأفعال العباد"، و"توحيد العمل"، و"توحيد القصد"، و"توحيد الإرادة والطلب"، لأنه مبني على إخلاص القصد في جميع العبادات، بإرادة وجه الله تعالى.
وهذا التوحيد من أجله خلق الله الجن والإنس، كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦]، ومن أجله أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: ٢٥]، وهو أول دعوة الرسل وآخرها، كما قال سبحانه ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: ٣٦]، ومن أجله قامت الخصومة بين الأنبياء وأممهم، وبين أتباع الأنبياء من أهل التوحيد وبين أهل الشرك وأهل البدع والخرافات، ومن أجله جردت سيوف الجهاد في سبيل الله، وهو أول الدين وآخره، بل هو حقيقة دين الإسلام، وهو يتضمن أنواع التوحيد.
فتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية ولتوحيد الأسماء
1 / 20