أما الكتاب، فمواضع (^١):
أحدها: قوله تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ الآية [التوبة: ٢٩] فأمرَ بقتالهم إلى أن يُعطوا الجزية وهم صاغرون، فلا يجوز تركهم إلا إذا كانوا صاغرين حال إعطائهم الجزية، ومعلومٌ أن إعطاءهم الجزية من حين بذلها والتزامها إلى حين تسليمها وإقباضها، وإذا كان الصَّغَار حالًّا لهم في جميع المدَّة، فمن سبَّ الله ورسوله فليس بصاغرٍ؛ لأنَّ الصاغِرَ: الحقيرُ، وهذا فِعْل متعزِّزٍ مُرَاغِم.
قال أهل اللغة: الصَّغَار: الذُلُّ والضَّيْم.
الموضع الثاني: قوله تعالى: ﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ﴾ إلى قوله: ﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ﴾ الآية [التوبة: ٧ - ١٢]. نفى سبحانه أن يكون لهم عهد إلا ما داموا مستقيمين لنا، فعُلِمَ أن العهدَ لا يبقى للمشرك إلا ما دام مستقيمًا، ومعلومٌ أنَّ مجاهرتَنا بالوقيعة في ربِّنا ونبيِّنا وكتابِنا ودينِنا يقدح في الاستقامة، كما لو حاربونا، بل ذلك أشدّ علينا إن كنا مؤمنين، فإنه يجب علينا أن نبذلَ دماءَنا وأموالنا حتى تكون كلمة الله هي العُلْيا، ولا يُجْهَر في ديارنا بشئٍ من أذى الله ورسوله، يوضِّحه قوله: ﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾ [التوبة: ٨] أي: كيف يكون لهم عهدٌ ولو ظهروا عليكم لم يرقبوا الرَّحِمَ ولا العهد! فعُلِمَ أن من كانت حالُه أنه إذا ظَهَرَ لم يرقُبْ ما بيننا وبينه من العهد، لم يكن له عهد، ومن جاهَرَنا بالطعن في ديننا كان ذلك دليلًا
_________
(^١) "الصارم": (٢/ ٣٢ - ٥٧).
1 / 36