اخْتِصَارُ صَحِيحِ الْبُخَارِيّ المسَمَّى:
الْمُخْتَصَرُ النَّصِيحُ
فِي تَهْذِيبِ الْكِتَابِ الْجَامِعِ الْصَّحِيحِ
تَأليف
الْقَاضِي الْمُحَدِّث الْفَقِيه الْمُهَلَّب بْنِ أبِي صُفْرَةَ التَّمِيمِيِّ الْمَالِكِيِّ الأَنْدَلُسِيِّ
مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ الأَصِيلِيِّ وَالْقابِسِيِّ وَغَيْرِهِمَا
(هَذَّبَهُ بِتَحْرِيرِ الأَسَانِيدِ وَجَمْعِ الرِّوَايَاتِ دُونَ إِخْلالٍ بِأَلْفَاظِهِ وَأَسَانِيدِهِ، مَع شَرْح أحَادِيثهِ وَبَيَانِ فِقْهِهِا، وَبَيانِ أَمَاكِنِها في الصَّحِيحِ)
ضَبَطَ النُّسْخَةَ وَعَلَّقَ عَلَيْهَا
الدّكتُور: أَحْمَدُ بْنُ فَارِسٍ السَّلوم
عَفَا اللهُ عَنْهُ
1 / 1
[مقدمة المحقق]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الواحد الأحد، والصلاة والسلام على النبي الخاتم، وعلى آله وصحبه والتابعين، وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾.
﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾.
أما بعد:
أَلْهَمَنِي الله وإياك الرشد واليقين، ورزقنا العلم النافع، والعمل الصالح، ونفعني وإياك بهذا الكتاب النصيح الذي هذَّب بهِ القاضي المهلبُ بن أبِي صفرة التميمي الأندلسي صحيحَ الإمام أبِي عبد الله البخاري رحمهما الله تعالى.
فإنَّ هذا الكتاب النصيح مبني على تهذيب روايتين مشهورتين لصحيح البخاري، هما رواية الأصيلي ورواية القابسي، وإن كانت رواية القابسي فرع عن رواية الأصيلي، لاجتماع الشيخين على الأخذ عن أبِي زيد المروزي في مكة المكرمة - شرفها الله - أولًا، ولاعتماد القابسي على أبِي محمد الأصيلي في ضبط النسخة عن أبِي زيد ثانيًا، وعن هذين العالمين الكبيرين والإمامين المحدثين - وعن غيرهما - تلقى القاضي المحدث العالم المهلب بن أبِي صفرة صحيح البخاري، ضبطه
1 / 5
وسمعه ودرسه على شيخه وأبي زوجته أبِي محمد الأصيلي، ثم أخذه عن أبِي الحسن القابسي، ثم رحل وسمعه في المشرق على أبِي ذر الهروي بروايته عن شيوخه الثلاثة المشاهير.
وليس المقصود من تهذيب واختصار هذا الكتاب ما يتبادر إلى الذهن من حذف للأسانيد، واقتصار على بعض الألفاظ دون بعض، بل هو تهذيب على نحو مبتكر مبني على جمع الطرق في مكان واحد، محافظا فيه على أسانيد الحديث المختلفة، حاشدا ألفاظه ورواياته الكثيرة، كما سنذكره عند الكلام على منهج المصنف فيه.
ولآل أبِي صفرة عناية بصحيح البخاري فائقة، واهتمام به بالغ، والمهلب هو الذي قيل فيه: أَحْيَا كِتَابَ البخاري في بلاد الأندلس.
وللمهلب بن أبِي صفرة على الصحيح كتابان:
الأول: هذا المختصر النصيح، الذي أقدمه لك، نبه مؤلفه عن أهميته بقوله في أوله: «كتابي هذا: يحتاج إليه طبقات العلم الثلاث؛ أعني المسندين، والمتفقهين، والمتحفظين».
هذب فيه صحيح البخاري على نحوٍ حسن بديع، من غير إخلال بمتونه وأسانيده، ولا تطويل بتكريره وتقطيعه، فقرب بذلك الاستفادة منه، وسهل التعامل معه، ولو شئت لقلت إن المفاضلة التي وقعت بين البخاري ومسلم وقيل فيها إن مسلما فاق البخاري بحسن الصناعة وجودة الصياغة من حيث إنه يجمع الروايات في مكان واحد، ويحشد الطرق في أول ورودها، ولا يقطع الحديث، ولا يكرره ونحو ذلك مما تقدم به مسلم على البخاري عند بعضهم، قد أتى به المهلب
1 / 6
في هذا النصيح على الوجه، مع المحافظة على ما امتاز به البخاري من دقائق الاستنباطات، ولطائف التراجم والتبويبات، وفوائد التصديرات، فجمع في هذا النصيح محاسن المناهج التي هي في الصحيحين مفرقة، كما سأبينه لاحقًا عند الحديث عن منهج المؤلف في هذا الكتاب.
وقد تكلم في هذا النصيح على المشكل، وشرح فقه أحاديثه، وعلل وجرح وصحح وضعف، وذلك كله محرر بقلم فقيه محدث اجتمعت فيه العلوم، واكتملت فيه الأهلية.
الثاني: شرح صحيح البخاري، فإن المهلب ﵀ لما عمل النصيح وعد بشرحه، وسأل الله تيسير ذلك له، ثم إنه وفى بما وعد، ويسر الله له ما أراد، فعمل شرحا على البخاري، اعتنى فيه ببيان مناسبة الأحاديث للتراجم، وجمع الفوائد الحديثية والفقهية، مع التنكيت على البخاري، وتتبعه في بعض ما أورده في المتابعات، والتنبيه على ما وقع في ألفاظه من زوائد للرواة، إلا أن الكتاب لم يصلنا كاملًا، ولكن تلميذه ابن بطال قد ضمنه شرحه الكبير، المشهور بين الناس بشرح ابن بطال، فمن اطلع على كلام المهلب فيه علم قيمة شرحه، وجودة فهمه، وحسن استنباطه، ويكفيك في معرفة ذلك كله مطالعة هذا المختصر وتعاليقه وتعقباته، فإنك ستستدل بتعاليقه اليسيرة على أفضلية شرحه الكبير، ولم لا يكون كذلك والمهلب ممن فرغ عمره لصحيح البخاري، ووقف وقته عليه، وقطع حياته فيه، فأقرأه ودرسه ورواه دهرًا طويلًا.
قال أَبُوالأصبغ القاضي: كان أَبُوالقاسم من كبار أصحاب الأصيلي، وبأبي القاسم حَيَا كتابُ البخاريِّ بالأندلس، لأنه قُرئ عليه تفقهًا، أيام حياته، وشرحه
1 / 7
واختصره، وله في البخاري، اختصار مشهور، سماه: كتاب النصيح في اختصار الصحيح، وعلق عليه تعليقًا في شرحه مفيد أهـ.
مع أنَّ الأصيلي والقابسي سبقاه لاختصار الصحيح، لكن ذلك لم يشع عنهما.
وكذلك أخوه الإمام أَبُوعبد الله محمد بن أبِي صفرة له شرح مشهور على مختصر القابسي لم يتصل بنا في هذا العصر، ينقل منه المهلب وغيره، وفي هذا الكتاب وغيره.
وقد ظهر لي أن الحافظ ابن حجر لم يطلع مباشرة على روايتي الأصيلي والقابسي، مع أن في الفتح عبارات قد توهم اطلاعه على الروايتين (١)، ولا على كتابي المهلب النصيح والشرح، وإنما ينقل الروايتين بواسطة بعض الشراح كابن التين وابن بطال وغيرهم، واعتماده على ابن بطال أكثر، وينقل عن المهلب بواسطة ابن بطال غالبا، ولم أجد عنده نقلا عن المهلب ليس في ابن بطال، ويحتاج الأمر إلى استقراء أكثر، وهو ما لم أفعله في هذه الجزئية، وقد نقل الحافظ عن الأصيلي والمهلب مصحفا عندما صحف ابن بطال في النقل عنهما، واعتمده الحافظ ثقةً به، كما سأذكره في موضعه، وذلك مما زادني بهذا النصيح احتفاء.
وشيء آخر ظهر لي بالتتبع والاستقراء، وهو أن ذاك الجزم القاطع الذي يطلقه الحافظ أحيانًا - وغيره - عن نسخ البخاري، - فيقولون مثلًا: في نسخة فلان كذا وقد تفردت به عن سائر النسخ -، قد لا يجوز هذا القطع في أحيان
_________
(١) وقد اطلعت على نسخة الحافظ أبِي زرعة العراقي لصحيح البخاري، وهي من أصح النسخ المخطوطة وأضبطها، وقد ذكر فيها أسانيده، فلم يسند روايتي الأصيلي ولا القابسي، واسند رواية أبِي ذر عن الشيوخ الثلاثة، ورواية الداوودي، ورواية كريمة، وهذه هي الروايات المعروفة في مصر زمن الحافظ ابن حجر، والله أعلم.
1 / 8
كثيرة، إذ أنه قد ظهر لي خلافه، ولا نشك أن الحافظ جمع من النسخ وحشد من الروايات الشيء الكثير، واحتفى برواية أبِي ذر والنَّسفيِّ ونسخة الصاغاني، إلا أنه فاته من ذلك روايات، نبه على بعضها المزي في أطرافه، فينقلها الحافظ مستغربًا لها، لَمَّا لم يعرفها، وعلى كُلٍ مَنْ قارن نسختنا بما يذكره الحافظ من هذه الأحكام يظهر له هذا الذي أقوله، وقد كنتُ هممتُ أنْ أُنَبه على ذلك في مواضعه، إلا أنني رغبت عنه لَمَّا رأيتُ أن ذلك يطول الكتاب ويكثر الحواشي، فاكتفيت بالتنبيه، والحر تكفيه الإشارة.
والسبب في ذلك: أن أصحاب الروايات لهم نسخ مشهورة تختلف فيما بينها، لأمور قد ترجع إلى السامع أو إلى المسمع أو إلى النسخة المنقول عنها، وعن هؤلاء - أعني أصحاب النسخ - فروع كثيرة كتبها أصحابهم وهي تختلف أيضًا كما اختلفت نسخ شيوخهم، وللأسباب نفسها، فتجد نسخا كثيرة منسوبة لأبي ذر مثلًا بينها ائتلاف واختلاف، والنظر في مجموع نسخ موثوقة يصحح لك روايةً ما.
وهذه مقدمة مختصرة بين يدي الكتاب أتناول فيها ترجمة المصنف ابن أبِي صفرة، وترجمة شيخيه صاحبي الرواية، وأعرج على روايات صحيح البخاري، ثم أبين منهج المهلب في هذا الكتاب النصيح وأعرف به.
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أنْ يتقبل مني هذا العمل، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، عدةً صالحة لي يوم ألقاه، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وأن يجعله في ميزان حسناتي، وحسنات مؤلفه، وقارئه، وناشره، والناظر فيه إلى يوم الدين، آمين.
1 / 9
(التراجم)
روى المهلبُ صحيحَ البخاري عن شيخين عن أبِي زيد المروزي، استفتح بذكر الإسناد قبل الشروع بتهذيب الصحيح، فقال:
«وها أنا حين أبتدئ بتهذيب الكتاب الجامع الصحيح، الذي:
حدثنا به سماعًا الفقيه الحافظ أَبُومحمد عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن جعفر الأصيلي، ﵁ وأرضاه واللفظ له، ولم ألق مثله.
وحدثنا به أيضا الشيخ الفقيه الفاضل أَبُوالحسن محمد بن خلف القابسي ﵀، وأكرم مثواه، إجازةً.
قالا: حدثنا أَبُوزيدٍ محمد بن أحمد المروزي، قال: نا محمد بن يوسف الفربري قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ﵁».
وروى المهلب الصحيح أيضًا من طريق شيخه أبِي ذر، فقال في كتاب المناقب، باب مناقب الزبير:
نا أَبُوذر، نا أَبُوالهيثم، نا الفربري، نا البخاري، ثم ساق حديثا ظننتُ أنه ليس في رواية أبِي زيد، ولأجل ذلك احتاج أن يرويه من طريق أبِي ذر.
واستدرك سقطًا في رواية أبِي زيد من رواية أبِي ذر.
فقال في المغازي، باب معناه ذكر من قتل من المشركين يوم بدر:
سَقَطَ هَاهُنَا مِنْ كِتَابِ أبِي زَيْدٍ ﵀ وَرَقَتَانِ فَانْقَطَعَ حَدِيثُ الزُّبَيْرِ.
قال الْمُهَلَّبُ: وَنَا بِهِ أَبُوذَرٍّ بِمَكَّةَ نَا أَبُوالْهَيْثَمِ وَغَيْرُهُ حَدَّثَنَا الْفِرَبْرِيُّ نَا الْبُخَارِيُّ.
1 / 11
الإمام المهلب بن أبِي صفرة (١)
لم تصلنا أخبار هذا الإمام كما ينبغي، مع شهرته وإمامته وتصدره للتدريس والقضاء، والمصادر التي ترجمته فيها تكرار كثير، وقد لخصت هذه الترجمة وهذبتها من المصادر التي ذكرتها في الحاشية.
اسمه وكنيته:
هو أَبُوالقاسم المهلب بن أحمد بن أَسيد، وهو أَبُوصُفْرَة، بن عبد الله الأسدي التميمي الأندلسي.
من أهل الْمَرِّيَّة، وهي مدينة كبيرة من كورة ألبيرة من أعمال الأندلس، كانت هي وبُجَّانة بابي الشرق، منها يركب التجار وفيها تحل مراكبهم (٢).
يشاركه في الاسم والشهرة:
فارس الأزد، ورجل الدولة الأموية، الأمير المظفر: المهلب بن أبِي صفرة الأزدي، من طبقة التابعين، صاحب الوقائع والحروب، وكاسر الخوارج، وفي أخباره وأخبار أبنائه النابهين كتب على حيالها، وقليل العلم يتوهم أنه صاحب الشرح الذي ينقل منه ابن حجر!.
_________
(١) مصادر ترجمته: جذوة المقتبس ٣٥٢، ترتيب المدارك ٤/ ٧٥١، الصلة ٢/ ٦٢٦، بغية المتلمس ٤٧١، العبر ٣/ ١٨٤، السير ١٧/ ٥٧٩، شذرات الذهب ٣/ ٢٥٥.
(٢) معجم البلدان ٥/ ١١٩.
1 / 12
طلبه للعلم:
صحب أَبُوالقاسم المهلب بن أبِي صفرة أبا محمدٍ الأصيلي، وسمع عليه جملة من كتب العلم، ثم صاهره على ابنته، وأخذ عنه صحيح البخاري وموطأ مالك وسنن النسائي، وأشياء أخرى.
ثم رحل أَبُوالقاسم إلى المشرق في طلب العلم، كما رحل شيخه الأصيلي من قبل، فسمع بالقيروان، ومصر، ومكة، والمشرق، من جماعة من الحفاظ، منهم: أَبُوالحسن القابسي القيرواني (١)، وأبو ذر الهروي، وروى عنهما الصحيح وغيره، ويحيى بن محمد الطحان، وأبو الحسن علي بن محمد القزويني، وأبو الحسن علي بن فهرٍ، وعبد الوهاب بن الحسن بن منير الخشاب، وأخوه عبد الله، وأبو بكر بن يزيد الأنطاكي، ومحمد بن عباس، وأبو جعفر بن مسمار، وأبو عبد الله بن يسار، وأبو بكر بن إبراهيم البغدادي، المعروف بابن الحداد، وأبو إسحاق المصري، وأبو عبد الله بن صالح المصري، ومحمد بن شاكر، وروى عن أبِي الحسن الطائي العابد كتبه.
وقد سمع المهلب أيضا من أخيه أبِي عبد الله محمد، وسمع أَبُوعبد الله منه، واستفاد المهلب من شرح أخيه على ملخص أبِي الحسن القابسي لصحيح البخاري، وقد شحن كتابه هذا بالنقولات عن أخيه أبِي عبد الله صاحب الشرح.
وأخوه محمد هذا توفي في القيروان.
_________
(١) وله نسخة مشهورة من رواية القابسي لصحيح البخاري، وقد انتسخ منها بعض العلماء نسخا للتحبيس (إفادة النصيح ص١١٠).
1 / 13
ثم عاد المهلب إلى الأندلس، فولي القضاء بمالقة، وتفرغ لصحيح البخاري تحديثًا وتدريسًا وشرحًا، حتى تلقفه الناس عنه، واشتهر الكتاب بسببه في تلك الديار، واشتهر هو بهذا الكتاب، فلا يذكر المهلب إلا ويذكر معه البخاري.
الرواة عنه:
حدث عن أبِي القاسم جماعة من أهل العلم في الأندلس، منهم:
أحمد بن رشيق التغلبي، وأحمد بن مروان بن قيصر الأموي، وإبراهيم بن خلف الغساني، وطاهر بن هشام الأزدي، وعيسى بن محمد الرعيني، ومحمد بن أحمد بن حسان البياسي، والقاضي ابن المرابط، راوي هذا الكتاب عنه، وأبو عمر بن الحذاء، وأبو العباس الدلائي، وحاتم الطرابلسي، وابو عبد الله بن عابد.
ثناء العلماء على المهلب:
رزق المهلب فطانة وفصاحة، وذكاء وفهمًا، وصفه بذلك كبار أصحابه، وَمَنْ ترجمه من العلماء.
فقال تلميذه أَبُوعمر بن الحذاء: كان أذهن من لقيت، وأفهمهم وأفصحهم.
وقال أَبُوالأصبغ بن سهل القاضي: كان أَبُوالقاسم من كبار أصحاب الأصيلي، وبأبي القاسم حَيَا كتاب البخاري بالأندلس، لأنه قرئ عليه تفقهًا، أيام حياته، وشرحه واختصره، وله في البخاري، اختصار مشهور، سماه: كتاب النصيح في اختصار الصحيح، وعلق عليه تعليقًا في شرحه مفيد.
قال عياض: من أهل العلم الراسخين فيه، المتفننين في الفقه والحديث والعبارة والنظر ..
1 / 14
قال الذهبي: وكان من أهل الذكاء المفرط، والاعتناء التام بالعلوم.
وكذا قال ابن العماد.
وقال الذهبي: كان أحد الأئمة الفصحاء الموصوفين بالذكاء.
وقال ابن بشكوال: وكان من أهل العلم والمعرفة والذكاء والفهم، من أهل التفنن في العلوم والعناية الكاملة بها، وله كتابٌ في شرح البخاري أخذه الناس عنه واستقضي بالمرية.
مؤلفاته:
لأبي القاسم على الصحيح كتابان كما ذكرت ذلك أول المقدمة، هذا المختصر النصيح، وشرح صحيح البخاري.
وقد اختصر شرح المهلب على صحيح البخاري القاضي محمد بن خلف بن المرابط الأندلسي الصدفي (ت٤٨٥) وزاد عليه فوائد.
ولأبي القاسم أيضًا معجم شيوخه، سننقل عنه لاحقًا نصًا في ترجمة شيخه الأصيلي.
فتلك ثلاثة كتب للمهلب، وقد يكون له كتب أخرى لم يصلنا خبرها، فالله أعلم.
وفاته:
اختلف في وفاة المهلب، فقيل إنه توفي سنة ستٍّ وثلاثين وأربع مائة (٤٣٦).
1 / 15
وقال: أَبُوبكر بن رزق: توفي المهلب يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال وقت الظهر، ودفن يوم الثلاثاء بعد العصر سنة خمسٍ وثلاثين وأربع مائة (٤٣٥).
وقيل سنة ثلاث وثلاثين (٤٣٣)، وقيل غير ذلك، وقول ابن رزق أصح، والله أعلم.
قال العماد: توفي في سن الشيخوخة.
1 / 16
راويا النسخة الأصيلي والقابسي
١ - أَبُومحمد الأصيلي (١):
هو عبد الله بن إبراهيم بن محمد، أصله من كورة شذونة، ورحل به أبوه إلى أصيلة من بلاد المغرب، فسكنها ونشأ أَبُومحمد بها، ثم ارتحل إلى قرطبة فتفقه بشيخيها اللؤلؤي وأبي إبراهيم.
وقيل: بل ولد بأصيلة، سنة ٣٢٤هـ.
قال الفرضي: سمعتَهُ يقول: قدمْتُ قرطُبة سنة اثنتين وأرْبَعين (٣٤٢هـ، أي وله قريب من ١٨ سنة)، فسمعتُ بها: من أحمد بن مُطَرّفٍ، وأحمد بن سَعيد، ومحمد بن مُعاوية القرشي، وأبي بكر اللؤْلؤيّ، وأبي إبراهِيم، ورحلتُ إلى وادِي الحِجارة إلى وهْب بن مَسَرّة فسمعت منهُ وأقَمْت عنده سبْعة أشْهر.
قال ابن عائدٍ تلميذُ الأصيلي: تفقه أَبُومحمد بقرطبة منذ صباه بشيخيها: اللؤلؤي وأبي ابراهيم، وسمع ابنَ حزم، وابن المشاط، والقاضي ابن السليم، وابن الأحمق، وأبان بن عيسى بن دينار الأصغر ونظرائهم.
وأخذ عن وهب بن مسرة بوادي الحجارة، وعن ابن فحلون ببجانة أهـ.
_________
(١) مصادر ترجمته:
تاريخ علماء الأندلس ١/ ٢٤٩، طبقات الشيرازي ١٦٤، جذوة المقتبس ٢٥٧، ترتيب المدارك ٤/ ٦٤٢، بغية الملتمس ٣٤٠، تذكرة الحفاظ ٣/ ١٠٢٤، السير ١٦/ ٥٦٠، العبر ٣/ ٥٢، الديباج المذهب ١/ ٤٣٣، شذرات الذهب ٣/ ١٤٠.
1 / 17
ثم ارتحل أَبُومحمد إلى المشرق، فسمعه الفرضيُّ يقول: كانَت رحْلَتي إلى المَشْرِق: في المحرَم سنة إحدى وخَمْسين وثلاثِ مائةٍ (١/ ٣٥١ هـ، وله نحو ٢٧سنة).
فدخل مصر، ولقي فيها القاضي أبا الطاهر البغدادي، وابن رشيق، وحمزة الكناني الحافظ، وأبا إسحاق ابن شعبان، ومحمد بن عبد الله بن زكريا النيسابوري، وغيرهم.
وكان معه في الرحلة أَبُوالحسن القابسي، وأبو موسى عيسى بن سعادة (١).
ففي أول لقاء جمع هؤلاء النفر مع حمزة الكناني جرت لهم قصة، ذكرها ابن بشكوال في ترجمة عمر بن عبيد الله بن زاهر:
قال أَبُوالحسن القابسي: قال لنا حمزة بن محمد الكناني حين دخلت عليه أنا وأبو موسى عيسى بن سعادة وأبو محمد الأصيلي، ووافقناه نازلًا في الدرج، درج مسجد يقال إنه مسجد ابن لهيعة في حضرموت، فقال: من هؤلاء؟ فقيل له: قوم مغاربة، فوقف فسلمنا عليه، ثم رجع فنظر في وجوهنا وقال: ما أرى إلا خيرًا، حدثونا عن محمد بن كثير، عن سفيان الثوري، عن عمرو بن قيس الملائي، عن عطية العوفي، عن أبِي سعيد الخدري، أنَّ رسول الله ﷺ قال: «إحذروا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله»، وتلا ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾
_________
(١) ليس أَبُوموسى هذا بصاحب النسخة التي يقال لها نسخة ابن سعادة، بل هو آخر متقدم روى عن المروزي والكناني والطبقة، وصاحب النسخة أيضا أندلسي إلا انه متأخر الوفاة، فقد توفي أول سنة ٥٦٦، وهو من تلاميذ أبِي علي الصدفي، ممن لازمه وصاهره واختص بصحبته، ولما توفي أَبُوعلي آلت إليه نسخه وأصوله، فنسخة ابن سعادة هذه فرع عن نسخة أبِي علي الصدفي المشهورة، ونسخة الصدفي فرع عن رواية أبِي ذر عن شيوخه الثلاثة.
مع أن ابن سعادة رحل إلى مكة وأخذ عن أصحاب كريمة المروزية صاحبة النسخة المشهورة.
1 / 18
قال الفرضي عنه: ودَخَلتُ بَغدادَ وصاحبُ الدّولة بها أحمد بن بُويه الأقْطَع.
قلت: فحج في رحلته تلك قبل أن يدخل بغداد، فلقي بمكة سنة ثلاث وخمسين (٣٥٣هـ) الراوية أبا زيد المروزي، فسمع منه صحيح البخاري، ولقي بمكة أبا بكر الآجري، ثم سافر إلى المدينة فلقي قاضيها أبا مروان المالكي، ثم سار إلى العراق فلقي بها أبا بكر الأبهري، رئيس المالكية، فأخذ عن الأبهري، وأخذ عنه الأبهري أيضًا، وحدث عن الدارقطني، وحدث عنه الدارقطني أيضا.
وبقي في الرحلة في المشرق قريبا من ثلاثة عشر (١٣) عامًا.
وهناك قال الدارقطني: حدثني أَبُومحمد الأصيلي ولم أر مثله.
ثم سمع ببغداد عرضته الثانية في صحيح البخاري من أبِي زيد المروزي، سنة ٥٩ وحضر العرضة الثانية أَبُوبكر الأبهري، وابن مجاهد البصري المتكلم (١).
وسمع صحيح البخاري أيضًا من أبِي أحمد محمد بن محمد بن يوسف الجرجاني، وهما شيخاه في صحيح البخاري وعليهما يعتمد فيه، وأكثر اعتماده على أبِي زيد، إذ في الجرجاني ما فيه (٢).
شيوخه:
قد روى الأصيلي عن جماعة من علماء المغرب والمشرق، فمن شيوخه الذين روى عنهم:
_________
(١) إفادة النصيح ١١١.
(٢) وقع تصحيف في بعض مصادر ترجمة الجرجاني: أَبُوأحمد الجرجاني راوي صحيح البخاري عن التبريزي، فهذا تصحيف، إنما هو: الفربري.
1 / 19
عبد الوارث بن سفيان بن جُبرون بن سليمان يعرف بالحبيب، أسند عنه الأصيلي في غير موضع من كتاب الدلائل، وأبو مروان عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن أحمد بن عبد الرحمن المديني، وعبد الله بن أحمد بن ابراهيم بن إسحاق المعروف بالإبياني، أخذ عنه أول الرحلة، وأبو بكر محمد بن عبد الله بن صالح الفقيه الأبهري، وهو صاحبه في السماع الثاني.
وكانت للأصيلي حظوة عند أبِي زيد المروزي، وكان أَبُوزيد يدنيه، فكان الأصيلي يضبط النسخ عنه، ويقيد السماعات، فممن ضبط اسمه في مجلس السماع على أبِي زيد المروزي وشوهد سماعه بخط الأصيلي في كتابه من صحيح البخاري: أَبُوبكر الأبهري، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن مجاهد الطائي المتكلم، والأبهري الصغير محمد بن عبد الله، وأحمد بن محمد بن زيد القزويني.
فضلا عن رفيقه في الرحلة أبِي الحسن القابسي الضرير، وسماع القابسي مع الأصيلي هو السماع الأول بمكة شرفها الله سنة ٣٥٣.
ثم انصرف أَبُومحمد بعد طول رحلة إلى الأندلس وكان الحكم قد سمع به وهو بالمشرق مدة طويلة، فأقبل الأصيلي الى الأندلس، فلما وصل المرية مات الحكم، فانعكس أمل الأصيلي وبقي حائرًا هائمًا.
ثم نهض إلى قرطبة ونشر بها علمه، فسار ذكره، وشرق به فقهاء البلد، فبقي مدة مضاعًا، حتى همّ بالانصراف إلى المشرق، إلى أنْ عرفه ابن أبِي عامر فنوه به، وأمر بإجراء الرزق عليه، وكان انصرافه إلى الأندلس: سنة ست وستين (٣٦٦هـ).
1 / 20
فأقام بقرطبة وابن أبِي عامر على غاية التعظيم له، فانتهت إليه الرئاسة بالأندلس في المالكية، وأقبل الناس على الأخذ منه.
وولي قضاء سرقسطة، وقام بالشورى بقرطبة، حتى كان نظير ابن أبِي زيد بالقيروان.
وروى عنه أمم لا يحصون، فممن روى عنه:
أحمد بن عبد الرحمن بن غالب بن حزم، وأحمد بن ثابت بن أبِي الجهم الواسطي، وكان يتولى القراءة على الأصيلي، وأحمد بن محمد بن ملاس الفزاري، وإسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن عباد اللخمي، قاضي إشبيلية، وأصبغ بن سعيد بن أصبغ، وكان صهرًا للأصيلي، وجهور بن محمد بن جهور رئيس قرطبة المشهور، والحسن بن بكر القيسي، وحيون بن خطاب بن محمد، وخلف بن عثمان الأندلسي بن اللجام، وسراج بن سراج بن محمد بن سراج، وابن عمه سراج بن عبد الله بن محمد بن سراجٍ، وسيد بن أحمد بن محمد الغافقي ثم الشاطبي، وداود بن خالد الخولاني، وعبد الله بن أحمد بن قند اللغوي، وعبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون المخزومي، وعبد الله بن سعيد بن عبد الله الأموي، وعبد الله بن محمد بن سعيد الأموي، المعروف بالبشكلاري، وأبو محمد عبد الله بن محمد بن قيد، المعروف بالطليطلي، وعبد الله بن غالب بن تمام بن محمد الهمداني، وعبيد الله بن أحمد بن عبيد الله بن معمر القرشي التيمي، وعبد الرحمن بن أحمد الكتامي المالكي، وعبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن فطين بن أصبغ، وعبد الرحمن بن أحمد بن سعيد بن محمد بن بشر بن غوية، وعبد الرحمن بن مسلمة بن عبد الملك بن الوليد القرشي المالقي، والحاكم أَبُوشاكر عبد الواحد بن محمد بن موهب القبري، وقد
1 / 21
روى ابن عبد البر الحافظ عنه عن الأصيلي، وعثمان بن خلف بن مفرج الأنصاري، وعمران بن عبد ربه بن غزلون المعافري، ومحمد بن عطاء الله النحوي، ومحمد بن أحمد بن يحيى المعروف بابن الفصال، ومحمد بن أصبغ البلوي، ومحمد بن يحيى التميمي، ومحمد بن عبد الله بن ربيع بن بنوش التميمي، ومحمد بن سعيد بن إسحاق بن يوسف الأموي، ومحمد بن جماهر بن محمد بن جماهر الحجري، ومحمد بن عبد الله بن أحمد البكري، ومحمد بن عبد الله بن سعيد بن عابد المعافري، وكان آخر من بقي بقرطبة ممن يحمل عن الشيخ أبِي محمد الأصيلي ويروي عنه، ومحمد بن موسى بن فتح الأنصاري، ومحمد بن أبِي صفرة أخو المهلب، وموسى بن عيسى بن أبِي حاج، ومحمد بن يحيى التميمي المالكي، ومروان بن علي الأسدي القطان، ومفرج بن محمد بن الليث، وسمع منه صحيح البخاري سنة ثمانٍ وثمانين وثلاث مائة، وهشام بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن أكدر، والمهلب بن أبِي صفرة صاحب هذا الكتاب، وهشام بن محمد بن هشام، وهارون بن سعيد المرسي، ويحيى بن عبد الله بن محمد القرشي، ويحيى بن يحيى بن عبد السلام، ويوسف بن حمود بن خلف بن أبِي مسلم الصدفي، وآخرون.
قال الفرضي: وكانَ حرِج الصّدر، ضَيِّق الخُلْق، وكان عالِمًا بالكَلام والنّظر، مَنسُوبًا إلى مَعرِفة الحديث.
وقد كتب عنه الفقيه ابن أبِي زيد عن شيوخه الأندلسيين، ثم حصل ما أوجب القطيعة بينهما، بسبب حرج الصدر وضيق الخلق، فحُكيَ أنه ناظر ابن أبِي زيد يومًا في مسألة، فتغير مزاجه، وضاق صدره، فقال له ابن أبِي زيد: قال خلاف قولك فلان، فقال: لو قالها فلان ما صدقته، أو لكان خطأ، أو نحو هذا من
1 / 22
الكلام مما أسرف فيه، وغلا بفرط حرجه، فانتدب له البرادعي وتولاه ووجد للمقال سبيلًا، وأنكر عليه كل من حضر، ولكن تولى ذلك البرادعي، بفرط حرج منه هو أيضًا، فخرج الأصيلي، فكان ذلك سبب مقاطعته مجلس ابن أبِي زيد.
فيقال إن ابن أبِي زيد قال للبرادعي: لقد حرمتنا فوائد الشيخ بإسرافك في الرد عليه.
وكانت بين الأصيلي وبين ابن زرب القاضي وأصحابه مشاحنة، أثارتها النفاسة، وعلو كعب الأصيلي في العلم، وإزراؤه عليهم، فأراد ابن أبِي عامر صلاح حالهم بتفريقهم، فقلد الأصيلي قضاء سرقسطة، فدارت بين الأصيلي وواليها بين يدي ابن أبِي عامر منافسة، ومحارجة لأشياء أنكرها عليه الأصيلي، فاستعفى من القضاء فعوفي، وقيل بل حلف الوالي أن لا يلي معه.
فصرفه ابن أبِي عامر عن القضاء صرفًا جميلًا، فأقام رأسًا في أهل الشورى بقرطبة، ولاسيما بعد وفاة ابن زرب، فإنه استكملت رئاسته، حتى كان بالأندلس نظير ابن أبِي زيد بالقيروان وعلى هديه، إلا أنه كان فيه ضجر شديد، يخرجه أوقات القيظ إلى غير صفته، ذكر بعضهم أنه هنأه بالشورى حين تقلدها، فقال: لعن الله الشورى إنْ لم أرفعها، ولعنني إنْ رفعتني، ونحو هذا!
وكان مقبلًا على إفادة تلاميذه والاستفادة منهم.
جاء في الصلة لابن بشكوال في ترجمة أبِي عبد الله محمد بن أصبغ البلوي: أنه رحل إلى المشرق مع أبِي عبد الله بن عابد، وهما تلميذان للأصيلي، فسمعا هناك من أبِي بكر بن إسماعيل وغيره.
1 / 23
قال ابن عابد: ولما قدمنا معًا بمسند شعبة، تصنيف أبِي بشر الدولابي الذي سمعناه بمصر من أبِي بكر بن إسماعيل أخذه أَبُومحمد الأصيلي فاستغربه، وعظم قدر علو سنده، فقرأه عليه محمد بن أصبغ، وكان تلميذه، وسمعه منه الأصيلي ﵀.
ثناء العلماء عليه:
قال أَبُوإسحاق الشيرازي: وممن انتهى إليه هذا الأمر من المالكية بالأندلس أَبُومحمد الأصيلي، وانتهت إليه الرئاسة.
قال ابن عفيف: رحل وتفقه فاحتوى على علم عظيم، وقدم الأندلس ولا نظير له فيها في الفهم والنبل.
وقال غيره: كان من جلة العلماء نسيج وحده، رحل الى الأمصار ولقي الرجال وتفنن في الرأي ونقد الحديث وعلله وألف كتبًا نافعة.
قال فيه المهلب بعد أن ذكر مشيخته: فأجلّهم علمًا وفقهًا، وأثبتهم نقلًا، وأصحهم ضبطًا، وأرفعهم حالًا، وأعدلهم قولًا، أَبُومحمد الأصيلي.
وقال ابن حيان: كان أَبُومحمد في حفظ الحديث، ومعرفة الرجال، والإتقان للنقل، والبصر بالنقد، والحفظ للأصول، والحذق برأي أهل المدينة، والقيام بمذهب المالكية، والجدل فيه على أصول البغداديين، فردًا لا نظير له في زمانه.
قال الذهبي: الإمام شيخ المالكية عالم الأندلس.
ولما ورد أَبُويحيى ابن الأشج من أهل المشرق، وكان قد روى كتاب البخاري، سئل إسماعه، فقال: لا يراني الله أحدث به والأصيلي حي أبدًا.
1 / 24