Mukhtasar Ma'arij al-Qubool
مختصر معارج القبول
प्रकाशक
مكتبة الكوثر
संस्करण संख्या
الخامسة
प्रकाशन वर्ष
١٤١٨ هـ
प्रकाशक स्थान
الرياض
शैलियों
ـ[مختصر معارج القبول]ـ
المؤلف: أبو عاصم هشام بن عبد القادر بن محمد آل عقدة
الناشر: مكتبة الكوثر - الرياض
الطبعة: الخامسة، ١٤١٨ هـ
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو مذيل بالحواشي]
अज्ञात पृष्ठ
مقدمة مختصر معارج القبول
إن الْحَمْدُ للَّه نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللَّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّه فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هادي لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه وَحْدَهُ لا شريك له وأشهد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الفَه حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) (١)
(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالًا كثيرا ونساء واتقوا اللَّه الذي تساءلون به والأرحام إن اللَّه كان عليكم رقيبًا) (٢) .
(يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّه وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّه وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) (٣) .
أما بعد:
فإن كتاب مَعَارِجَ الْقَبُولِ بِشَرْحِ سُلَّمِ الْوُصُولِ إِلَى عِلْمِ الأصول في التوحيد من الكتب العظيمة النافعة في أمر العقيدة الصحيحة، عقيدة السلف الصالح رضوان اللَّه عليهم، وهو من الكتب المحببة إلى نفسي، وكذا مؤلفه الشيخ الفاضل حافظ بن أحمد حكمي ﵀ رحمة واسعة، فقد كنت أشعر أثناء قراءتي لهذا الكتاب القيم أنني أقرأ لعالم من علماء السلف الأولين، وطريقة
التصنيف وما فيها من الحشد الهائل للنصوص والآثار توحيِ بذلك، فجزى اللَّه الشيخ خير الجزاء وجعل عمله ذلك في ميزان حسناته.
_________
(١) آل عمران: ١٠٢.
(٢) النساء: ١.
(٣) الأحزاب: ٧١.
1 / 5
وقد كنت أثناء دراستي لهذا الكتاب أقوم بتلخيصه، حتى اكتمل عندي ملخص له، ثم قدر اللَّه ﷿ أن اطَّلع عليه بعض إخواني في اللَّه فأعجبهم وحثوني على طبعه ونشره ليكون فيه تقريب للأصل (معارج القبول) لعدد أكبر من المسلمين في هذا العصر، فعزمت على ذلك متوكلًا على اللَّه ﷿، وقمت بإعادة كتابة ذلك التلخيص بصورة أفضل وراعيت فيه الأمور التالية
إتمامًا للفائدة:
- حرصت على أن يكون ما في هذا المختصر من أَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّه ﷺ
من الأحاديث المقبولة، فما عزاه المؤلف للصحيحين- صحيحي البخاري ومسلم- أو أحدهما اكتفيت فيه بمراجعة مكتب التحقيق العلمي بدار الصفوة بالقاهرة للحديث فيهما فما كان من استدراك أُشِير إليه في الهامشة، وما عزاه لغيرهما أو لم يذكر تخريجه اكتفيت ببيان العلماء لدرجته من الصحة، وإن وجدته في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بنسبته إليهما مع بيان موضعه، وفي أغلب التحقيقات كنت أنقل كلام المحدث الفاضل الشيخ الألباني حفظه اللَّه لسهولة الأخذ من كتبه ولتوفر كثير منها بين يدي.
وكان هدفي في هذا المحتصر بالنسبة للأحاديث بيان درجتها من الصحة، ولم أقم بتخريجها خشية الإطالة التي قد لا تتناسب مع هذا المختصر.
- أضفت قليلًا من التعليقات لبعض العلماء في بعض المواضع لما فيها من الفائدة التي يحتاج إليها، وبينت معاني بعض الكلمات حيث دعت الحاجة إلى ذلك، وضبطت بعضها بالشكل.
- حرصت على الإبقاء على أسلوب المؤلف وعباراته- في الغالب- ليكون أبعد لي عن الخطأ والافتئات عليه ﵀، ولما كنت غير ملتزم بشرح أبيات المتن جعلت الأبيات في آخر كل موضوع أو عدد من الموضوعات كشواهد لما سبق. ولم أكن ملتزمًا في تقسيم الموضوعات بنفس طريقة الكتاب.
1 / 6
- ذيلت كل موضوع أو عدد من الموضوعات ببعض الأسئلة لإعانة القارئ أو الدارس على مراجعة استيعابه وتحصيله وتركيز معلوماته (١) .
هذا وأوصي من يقرأ هذا المختصر أن لا يهمل الأصل أعني كتاب معارج القبول فهو أشمل وأغزر في مادته العلمية ولتكن فائدة المختصر التمهيد لقراءة الأصل واستيعاب ما فيه، وإني لأعلم أنه ما من كتاب إلا وفيه نقص أو عليه استدراك ولذا فأنتظر من أساتذتنا وعلمائنا المحبين لعقيدة السلف أي تنبيه أو نصيحة أو تصحيح لخطأ، كما أنتظر ذلك أيضًا من إخواني طلبة العلم، ويرسل ذلك على عنوان الناشر ليمكن تداركه فيما يجدّ من طبعات إن شاء اللَّه ﷿.
وختامًا أسأل اللَّه ﷿ أن يكون هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به كاتبه وقارئه يوم يقوم الناس لرب العالمين، وأن يُجري علي ثوابه بعد موتي، وأن يجزي كل من ساعدني من الإخوة الأحباب على إتمامه خير الجزاء، وأن يجزل الثواب لوالديّ اللذين حببا إليّ الدين في طفولتي، وللدعاة الذين حببوا إليّ العلم وعقيدة السلف الصالح وربّوني على منهج أهل السنة
والجماعة منذ الصبا.
(ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب) (٢) .
وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أبو عاصم
دمنهور/ في:
مساء الجمعة ٢١ رجب ١٤١٠ هـ
١٦ فبراير ١٩٩٠ م
_________
(١) أما ما كان من تعليقات مكتب التحقيق فقد أشير إليها بـ (مكتب) أو (م) .
(٢) إبراهيم: ٤١.
1 / 7
بسم الله الرحمن الرحيم
(مقدمة)
مقدمة كتاب معارج القبول
هذه المقدمة تضمنت عدة مسائل وهي:
أ-أن الله تعالى خلق الخلق لعبادته: والأدلة على ذلك كثيرة، منها:
١-قوله تَعَالَى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (١) .
٢-أن ذلك مقتضى حكمته ﷾، فمحال أن يخلق هذا الخلق ويزوده بالروح والعقل عبثًا دون عمل ودون بعث وحساب على ذلك العمل، قال تعالى: ﴿أفحسبتم أنما خلقنانكم عبثًا....﴾ (٢) .
ب-أنه ﷾ سيبعث هؤلاء الخلق بعد الموت ليحاسبهم بمقتضى تلك العبادة:
فذلك بمقتضى عدله، قال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ساء ما يحكمون * وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نفس بما كسبت وهم لا يظلمون﴾ (٣)، ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا من النار * أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار﴾ .
_________
(١) الذاريات:٥٦.
(٢) المؤمنون: ١١٥.
(٣) الجاثية: ٢١، ٢٢
1 / 11
ج-تعريف الْعِبَادَةَ:
اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة (١) . وَجُمَّاعُ الْعِبَادَةِ كَمَالُ الْحُبِّ مَعَ كَمَالِ الذُّلِّ (٢) .
د-أخذ الله تعالى على بني آدم ثلاثة مواثيق:
١- الميثاق الأول: الذي أخذه الله عَلَيْهِمْ حِينَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ ظَهْرِ أَبِيهِمْ آدَمَ ثم من ظهور بعضهم بعضًا، وهو المذكور فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا﴾ (٣) . أو ﴿..قالوا بلى﴾ وتكون كلمة ﴿شهدنا﴾ من كلام الله تعالى، بمعنى أنه سبحانه شهد عليهم وملائكته ﴿شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عن هذا غافلين﴾ .
٢- ميثاق الفطرة: أَنَّهُ ﵎ فَطَرَهُمْ شَاهِدِينَ بِمَا أَخَذَهُ عَلَيْهِمْ فِي الْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا * فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ (٤) وهو الثابت في الصحيحين فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ)، وَفِي رِوَايَةٍ: (عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُولَدُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تحسون فيها من جدعاء) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ فَجَاءَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ) .
_________
(١) وذلك كما عرفها شيخ الإسلام ابن تيمية.
(٢) فالعبادة من حيث أنواعها وأفرادها اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. ومن حيث معناها وأدائها هي الطاعة المقرونة بكمال الحب وكمال الذل لله تعالى. والله أعلم.
(٣) الأعراف: ١٧٢.
(٤) الروم: ٣٠.
1 / 12
٣- الميثاق الثالث: وهو مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَأُنْزِلَتْ بِهِ الْكُتُبُ تَجْدِيدًا لِلْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ، وَتَذْكِيرًا بِهِ ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بعد الرسل﴾ (١)، فالحجة قائمة على بني آدم بإرسال الرسل الذين ذكروا بذلك الميثاق لا بالميثاق نفسه إذ ذاك فهم لا يذكرونه، فكيف يحتج سبحانه على أحد بشيء لا يذكره. وقد أيد الله رسله بالمعجزات والبراهين على صدقهم فَمَنْ أَدْرَكَ هَذَا الْمِيثَاقَ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى فطرته قبله وقام به دون تردد، ومن كان قد انحرف عن فطرته فتلك المعجزات والبراهين مع الرسل، وما لديهم من إقناع فيها الحجة الكافية عليهم إن لم يؤمنوا، فمن وفى بالميثاق دخل الجنة وإلاّ فالنار أولى به. وأما من لم يدرك الْمِيثَاقَ بِأَنْ مَاتَ صَغِيرًا قَبْلَ التَّكْلِيفِ مَاتَ عَلَى الْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ عَلَى الْفِطْرَةِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَهُمْ مَعَ آبَائِهِمْ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانَ عَامِلًا لَوْ أَدْرَكَهُ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ ﷺ: (اللَّهُ تَعَالَى إِذْ خَلَقَهُمْ أَعْلَمُ بِمَا كانوا عاملين) (٢) .
_________
(١) النساء: ١٦٥.
(٢) اعلم أن من لم يدرك هذا الميثاق فهو أحد خمسة أنواع: أصم أو هرم أو أحمق أو من أهل الفترة أو طفل مات صغيرًا.
فأما الأربعة الأولون فحكمهم مبين في حديث الأسود بن سريع وأبي هريرة: (أربعة يجتجون يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئًا، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة. فأما الأصم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئًا، وأما الأحمق فيقول: رب جاء الإسلام وما أعقل شيئًا والصبيان يحذفونني بالبعر، وأما الهرم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئًا، وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني لك رسول فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، فمن دخلها كانت عليه بردًا وسلامًا، ومن لم يدخلها سحب إليها) رواه أحمد وابن حبان. وصححه الألباني، انظر صحيح الجامع الصغير، الطبعة الأولى رقم ٨٩٤. وأما الطفل، فإن كان من أولاد المسلمين فمن أهل الجنة بغير خلاف لأنه مات على الفطرة وقد رآهم الرسول ﷺ في الجنة، ول يرد ما يعكر على ذلك إلا ما ذكر في حديث عائشة ﵂ قالت: قلت يا رسول الله طوبى لهذا، لم يعمل شرًا ولم يدر به، (أو: لم يدرِه) فقال: (أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ خلق الجنة وخلق لها أهلًا، وخلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار وخلق لها أهلًا وخلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم) فهذا الحديث رواه أبو داود، ورواه الإمام أحمد وطعن فيه وقال: من يشك أن أولاد المسلمين في الجنة، وقال أيضًا: إنهم لا اختلاف فيهم، وأما مسلم فأورده في صحيحه وقال النووي: أجمع من يعتد به علماء المسلمين أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة لأنه ليس مكلفًا، وتوقف بعض من لا يعتد به لحديث عائشة هذا، وأجاب العلماء بأنه لعلّه نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير أن يكون عندها دليل قاطع، ويحتمل أنه ﷺ قال هذا قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في هذه الجنة. اهـ.
= وأما إن كان الطفل من أطفال المشركين ففيه ثمانية أقوال، ذكرها ابن القيم ﵀ ورجح أنهم يمتحنون في الآخرة فمن أطاع منهم أدخله الله الجنة ومن عصى عذبه، واستأنس لهذا بما سبق أن ذكرنا من حديث الأسود وأبي هريرة في الأربعة الذين يحتجون يوم القيامة، قال: وهي أحاديث يشد بعضها بعضًا.
*وهناك قول آخر من تلك الأقوال - ولعلّه الصواب والله أعلم- وهو أنهم في الجنة. قال النووي: وهو الصحيح الذي ذهب إليه المحققون، واحتج هؤلاء بقوله تعالى: ﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا﴾ [الإسراء:١٥]، وبحديث سمرة الصريح الذي رواه البخاري في الرؤيا التي رآها ﵊، وفي آخره: (وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة) . قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله ﷺ: (وأولاد المشركين) وأجابوا عن حديث: سئل رسول الله ﷺ عن الدار من المشركين يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم، فقال (هو منهم) - والحديث في الصحيحين، وفي لفظ لهما: (هم من آبائهم) - قالوا: هذا ليس فيه أنهم في النار، وإنما فيه أنهم تبع لآبائهم في الحكم، وأنهم إذا أصيبوا في البيات - لا على الانفراد - لم يضمنوا بدية ولا كفارة.
وأما قوله ﷺ في الصحيحين: (الله أعلم بما كانوا عاملين) فلعله قال ذلك قبل أن يعرفه الله حكمهم- كما قالوا في حديث عائشة والله أعلم -.
وأما حديث خديجة الذي سألت فيه عن أولادها الذين ماتوا قبل الإسلام فقال لها: (إن شئت أسمعتك تضاغيهم في النار) . فحديث باطل لا يصح، وقال ابن تيمية: موضوع.
انظر شرح ابن قيم الجوزية على سنن أبي داود الجزء الثاني عشر من عون المعبود ص٤٨٣-٤٩٣.
وقد صحح بعض العلماء حديث: (أطفال المشركين خدم أهل الجنة) .
انظر صحيح الجامع الصغير / الطبعة الأولى / حديث ١٠٣٥.
1 / 13
هذا وقد خص النبيون بميثاق رابع، وهو المذكور في قَوْلَهُ تَعَالَى ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم﴾ (١) . وهو ميثاق أخذ عليهم بعد إرسالهم، وهو يتضمن ثلاثة أشياء:
١-إقامة دينه تعالى وإبلاغ رسالته.
٢-أن يؤمن كل نبي بمن بعده ولا يمنعه مكانه وما معه من الكتاب والحكمة من الإيمان بمن بعده ونصرته.
٣-الإيمان بمحمد ﷺ إن أدركوه، ووصية أمتهم بالإيمان به إن أدركوه.
وهذا الميثاق هو نفسه المذكور في قوله تَعَالَى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ...) (٢) .
***
وفيما يلي
الأبيات المتعلقة بما سبق من منظومة "سلم الوصول إلى مباحث علم الأصول" للشيخ حافظ بن أحمد حكمي ﵀:
أَبْدَأُ بِاسْمِ اللَّهِ مُسْتَعِينَا ... راض به مدبر مُعِينَا
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَمَا هَدَانَا ... إِلَى سَبِيلِ الْحَقِّ وَاجْتَبَانَا
أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهْ ... وَمِنْ مَسَاوِي عَمَلِي أَسْتَغْفِرُهْ
وَأَسْتَعِينُهُ عَلَى نَيْلِ الرِّضَا ... وَأَسْتَمِدُّ لُطْفَهُ فِي مَا قَضَى
وَبَعْدُ: إِنِّي بِالْيَقِينِ أَشْهَدُ ... شَهَادَةَ الْإِخْلَاصِ أَنْ لَا يُعْبَدُ
_________
(١) الأحزاب: ٧.
(٢) آل عمران: ٨١.
1 / 15
بِالْحَقِّ مَأْلُوهٌ سِوَى الرَّحْمَنِ ... مَنْ جَلَّ عَنْ عَيْبٍ وَعَنْ نُقْصَانِ
وَأَنَّ خَيْرَ خَلْقِهِ مُحَمَّدَا ... مَنْ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى
رَسُولُهُ إِلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ ... بِالنُّورِ وَالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ
صَلَّى عَلَيْهِ رَبُّنَا وَمَجَّدَا ... وَالْآلِ وَالصَّحْبِ دَوَامًا سَرْمَدَا
وَبَعْدُ هَذَا النَّظْمُ فِي الْأُصُولِ ... لِمَنْ أَرَادَ مَنْهَجَ الرَّسُولِ
سَأَلَنِي إِيَّاهُ مَنْ لَا بُدَّ لِي ... مِنِ امْتِثَالِ سُؤْلِهِ الْمُمْتَثَلِ
فَقُلْتُ مَعْ عَجْزِي وَمَعْ إِشْفَاقِي ... مُعْتَمِدًا عَلَى الْقَدِيرِ الْبَاقِي:
تُعَرِّفُ الْعَبْدَ بِمَا خُلِقَ لَهُ، وَبِأَوَّلِ مَا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ
وَبِمَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهِ الْمِيثَاقَ فِي ظَهْرِ أَبِيهِ آدَمَ، وَبِمَا هُوَ صَائِرٌ إِلَيْهِ
اعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا ... لَمْ يَتْرُكِ الْخَلْقَ سُدًى وَهَمَلَا
بَلْ خَلَقَ الْخَلْقَ لِيَعْبُدُوهُ ... وَبِالْإِلَهِيَّةِ يُفْرِدُوهُ
أَخْرَجَ فِيمَا قَدْ مَضَى مِنْ ظَهْرِ ... آدَمَ ذُرِّيَّتَهُ كَالذَّرِّ
وَأَخَذَ الْعَهْدَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ ... لَا رَبَّ مَعْبُودٌ بِحُقٍّ غَيْرَهُ
وَبَعْدَ هَذَا رُسْلَهُ قَدْ أَرْسَلَا ... لَهُمْ وَبِالْحَقِّ الْكِتَابَ أَنْزَلَا
لِكَيْ بِذَا الْعَهْدِ يُذَكِّرُوهُمْ ... وَيُنْذِرُوهُمْ وَيُبَشِّرُوهُمْ
كَيْ لَا يَكُونَ حُجَّةٌ لِلنَّاسِ بَلْ ... لِلَّهِ أَعْلَى حُجَّةٍ ﷿
فَمَنْ يُصَدِّقْهُمْ بِلَا شِقَاقِ ... فَقَدْ وَفَى بِذَلِكَ الْمِيثَاقِ
وَذَاكَ نَاجٍ مِنْ عَذَابِ النَّارِ ... وَذَلِكَ الْوَارِثُ عُقْبَى الدَّارِ
وَمَنْ بِهِمْ وَبِالْكِتَابِ كَذَّبَا ... وَلَازَمَ الْإِعْرَاضَ عَنْهُ وَالْإِبَا
فَذَاكَ نَاقِضٌ كِلَا الْعَهْدَيْنِ ... مُسْتَوْجِبٌ لِلْخِزْيِ فِي الدَّارَيْنِ
•
أسئلة:
١- لماذا خلق اللَّه الخلق، وما مصيرهم بعد موتهم، مع الأدلة؟
٢- اذكر تعريف العبادة؟
٣- ما هي المواثيق التي أخذها اللَّه على بني آدم؟
***
1 / 16
(الباب الأول)
التوحيد وأقسامه
يقسم التوحيد تقسيمين (أي بطريقتين):
الطريقة الأولى:
١-توحيد الربوبية. ٢-توحيد الألوهية. ٣-توحيد الأسماء والصفات.
الطريقة الثانية:
١- توحيد المعرفة والإثبات: ويتضمن: أ-توحيد الربوبية. ب-توحيد الأسماء والصفات.
وهو المسمى التوحيد العلمي الخبري الاعتقادي.
٢-توحيد الطلب والقصد: وهو توحيد الألوهية (١) أو التوحيد الطلبي القصدي الإرادي (٢) .
وقد اعتمد الشيخ ﵀ التقسيم الثاني.
وقبل أن نأخذ في تفصيل القول في أقسام التوحيد لابد من التنويه بما للتوحيد من شأن عظيم ومكانة رفيعة في دين الله ﷿ ونذكر في ذلك أمرين:
١-أن الرسل لم تدع إِلَى شَيْءٍ قَبْلَهُ وَلَمْ تَنْهَ عَنْ شَيْءٍ قبل ضده، وجعله الله ﷿ شرط دخول الجنة (٣) . والعتق من النار.
_________
(١) أو توحيد العبادة.
(٢) إذ أن الموحد لا يريد بعبادته غير وجهه تعالى، فإرادته وقصده وطلبه كل ذلك لله وحده.
(٣) قال تعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عليه الجنة﴾ [المائدة:٧٢] .
1 / 19
٢-أن القرآن كله في تقرير التوحيد بأنواعه، لأنه:
أ-إِمَّا خَبَرٌ عَنِ اللَّهِ ﷿ وَمَا يَجِبُ أَنْ يُوصَفَ بِهِ، وَمَا يَجِبُ أَنْ يُنَزَّهَ عَنْهُ، وَهُوَ التَّوْحِيدُ الْعِلْمِيُّ الْخَبَرِيُّ الِاعْتِقَادِيُّ.
ب-وَإِمَّا دَعْوَةٌ إِلَى عِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له وخلع ما يعبد من دونه، وهو التوحيد الطلبي الإرادي.
جـ-وَإِمَّا أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَإِلْزَامٌ بِطَاعَتِهِ فَذَلِكَ مِنْ حقوق التوحيد ومكملاته.
د-وَإِمَّا خَبَرٌ عَنْ إِكْرَامِهِ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ وَمَا فَعَلَ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ النَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ وَمَا يُكْرِمُهُمْ بِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَهُوَ جَزَاءُ توحيده، أو خَبَرٌ عَنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَمَا فَعَلَ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ النَّكَالِ، وَمَا يَفْعَلُ بِهِمْ فِي الْعُقْبَى مِنَ الْعَذَابِ فَهُوَ جَزَاءُ مَنْ خرج عن حكم توحيده.
1 / 20
(الفصل الأول)
القسم الأول من أقسام التوحيد: التوحيد الخبري الاعتقادي (توحيد المعرفة والإثبات)
وهو يتضمن أمرين:
الأول: إثبات ذاته تعالى (توحيد الربوبية) .
الثاني: إثبات أسمائه وصفاته (توحيد الأسماء والصفات) .
*أولًا: إثبات ذاته تعالى (البراهين على وجود الله ﷿:
والقرآن يعالج ذلك بالتوجيه لتدبر آيات الله في الكون والنفس، وفيما يلي بعض البراهين والشواهد على وجود الله ﷿ (١):
١-أقام الله تعالى الحجة وأفحم الخصم في آية واحدة فقال: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخالقون﴾ (٢)؟
في الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ﵁ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ، فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ *أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ ربك أم هم المصيطرون﴾ (٣) كاد قلبي أن يطير.
٢-الأطوار العجيبة المختلفة التي مر بها الإنسان من تراب إلى نطفة فعلقة فمضغة ثم إنسان سوي ذي روح وعقل، ينشيء المدائن، ويركب متون البحار، ويجمع الأموال، ويحارب ويقاتل، وينشر مبادئ وأفكارًا،
_________
(١) وفي بعضها تصرف في الأسلوب لإيضاح بعض ما ذكره المؤلف وبيان وجه الإعجاز فيه.
(٢) الطور: ٣٥: ٣٧.
(٣) الطور: ٣٥-٣٧.
1 / 23
وينظم شعرًا ويصيغ أدبًا ... الخ فسبحان من أقدره على ذلك!!
وهذا فضلًا عن العجائب في خلقه الكائنات الأخرى كالحشرات والحيوانات.
٣-خلق زوجين من كل شيء في الكون (١) .
٤-بسط الأرض للخلائق، وخلق السماوات والأجرام العلوية، وإمساك كل عن الزوال أو الارتطام بغيره.
٥-الليل والنهار وثبات طولها مجموعين معًا، فلم يحدث مرة واحدة أن كان هناك يوم من الأيام (نهاره مع ليله) أقل أو أكثر طولًا من الآخر ولو بجزء من الثانية، فسبحانه من نظم تلك الدورة الفلكية بهذه الدقة.
٦-إيداع الماء خاصية حمل الأخشاب والأجسام ذات الكثافة الخفيفة فبذلك سهلت حياة البشر باستخدام الفلك التي تجري في البحر (٢) .
٧-إقدار الإنسان على كثير من الأمور، وتسخير الكائنات له حتى أن البعير الضخم ليقوده الطفل الصغير.
٨-تسخير الرياح تارة للرحمة وتارة للعذاب.
٩-اختلاف ألسنة الناس وألوانهم وهيئاتهم حتى ولو وقع التشابه الشديد، فمع أن لكل إنسان عينين وحاجبين وأنفًا واحدًا وخدين وغير ذلك فلابد من شيء يميز كل إنسان عن الآخر، فكل إنسان خلقة فريدة بذاته لا يمكن أن تتكرر تمامًا، فسبحان من جعل لكل إنسان شخصيته المتميزة، بسمت أو هيئة أو كلام أو لهجة أو ...
_________
(١) حتى أن الذرة التي عرفها العلماء الآن، قالوا: إنها مركبة من زوجين من الجسيمات سالب وموجب.
(٢) والتي لا تستطيع الطائرات أن تحل محلها في كثير من الأعمال، ناهيك عما في تيسير طيران الطائرات في الجو من الإعجاز.
1 / 24
١٠-خاصية النوم التي خلقها الله تعالى، فهي ضرورية لتجديد طاقة الإنسان ونشاطه وفيها راحة نفسه وأعصابه.
١١-إحياء الأرض بالماء فإذا هذه الأرض الهامدة الجامدة تخرج نباتًا مختلفًا ألوانه وطعومه مع أن الكل يسقى بماء واحد، ثم من الذي أودع في الأرض هذه الخاصية وهي الإنبات، ثم من جعل هذا التوافق بين وجود هذه الخاصية في الأرض وخلق البشر المحتاجين إلى ذلك النبات عليها، هذا فضلًا عن الخصائص الأخرى في الأرض والجو التي لا يعيش البشر بدونها.
١٢-وبعد ذلك وقبله فإن الفطرة نفسها شاهدة بوجود الله تعالى، والنفس لا تستطيع الفرار من تلك الحقيقة، وهي الشعور بوجود الخالق القدير (١) .
*بيان أن الاستدلال على وجوده تعالى وربوبيته بمخلوقاته وعظيم ملكه هو منهج الأنبياء والأئمة والعقلاء وأصحاب الفطرة الصافية
ويتبين ذلك من الأمثلة التالية:
١-قول الرسل لأقوامهم: ﴿أفي الله شك فاطر السماوات والأرض﴾ (٢)؟
٢-قول إبراهيم للنمرود: ﴿ربي الذي يحيي ويميت﴾ (٣)، وقوله - على نبينا وعليه الصلاة والسلام -: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بها من المغرب﴾ (٤) .
٣-إجابة موسى ﵇ على أسئلة فرعون: قال تعالى: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ *قال
_________
(١) حتى من ينكره فإنه إما أن يثبت صفة الخلق لغيره من المعبودات الزائفة كما يقول الشيوعيون عن الطبيعة (تخلق كل شيء ولا حد لقدرتها) قبحهم الله، وإما أن ينكر وجوده تعالى استكبارًا وعنادًا ونفسه تتيقن عكس ذلك.
(٢) إبراهيم:١٠.
(٣) البقرة: ٢٥٨.
(٤) البقرة: ٢٥٨.
1 / 25
لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بينهما إن كنتم تعقلون﴾ (١) .
٤-دعوة محمد ﷺ ومخاطبته للناس بهذا القرآن الذي يتجلى فيه هذا المنهج من بدايته إلى ختامه، وهو مملوء بالتوجيه إلى النظر فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ من شيء، وقد مر شيء من ذلك فيما سبق ذكره من الآيات.
٥-استدلال الإمام أبي حنيفة بسير الموجودات وفق تدبير ونظام محكم وأن ذلك لا يمكن حدوثه بدون رب قادر مدبر، وضرب لذلك مثلًا بالسفينة التي تسير دون قائد، وتنقل البضائع، هل يعقل ذلك؟
٦-إجابة الإمام مالك لمّا سأله الرشيد مستدلًا باختلاف الأصوات والنغمات واللغات.
٧-استدلال الإمام الشافعي بورق التوت تأكله الدود فيخرج من الإبرِيسَم (٢)، وَتَأْكُلُهُ النَّحْلُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْعَسَلُ، وَتَأْكُلُهُ الشاء (٣) والبقر والأنعام فتلقيه بعرًا وروثًا.
٨-استلال الإمام أحمد بخروج الديك من البيضة، وذلك بمقام خروج حيوان ذي سمع وبصر وصوت وشكل حسن من حصن أملس ليس له منفذ، هل يحدث ذلك بلا خالق؟
٩-استدلال الأعرابي بالسماء ذات الأبراج والأرض ذات الفجاج والبحار ذات الأمواج وأن دلالة ذلك على الله ﷿ من باب دلالة الأثر على المؤثر.
ومثل لذلك بدلالة الأثر على المسير والبعر على البعير.
_________
(١) الشعراء: ٢٥-٢٨.
(٢) الحرير، وهي كلمة معربة. (لسان العرب) .
(٣) جمع شاة.
1 / 26
١٠-خطبة قس بن ساعدة الإيادي (١) وفيها لفت الأنظار لمختلف العجائب في الكون والحياة ليكون ذلك دافعًا للرجوع إلى الله صاحب هذه التقديرات والعجائب.
ومن أمثلة الشعر الموافق لهذا المنهج - بغض النظر عن قائله -:
تأمل في نبات الْأَرْضِ وَانْظُرْ ... إِلَى آثَارِ مَا صَنَعَ الْمَلِيكُ
عيون من لجين شاخصات ... بأحداق هِيَ الذَّهَبُ السَّبِيكُ
عَلَى قُضُبِ الزَّبَرْجَدِ شَاهِدَاتٌ ... بأن الله ليس له شريك (٢)
فَيَا عَجَبًا كَيْفَ يُعْصَى الْإِلَهُ ... أَمْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ الْجَاحِدُ
وَلِلَّهِ فِي كُلِّ تَحْرِيكَةٍ ... وَفِي كُلِّ تَسْكِينَةٍ شَاهِدُ
وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آية ... تدل على أنه واحد (٣)
* * *
وفيما يلي
الأبيات المتعلقة بما سبق من منظومة (سلم الوصول):
أَوَّلُ وَاجِبٍ عَلَى الْعَبِيدِ ... مَعْرِفَةُ الرَّحْمَنِ بِالتَّوْحِيدِ
إِذْ هُوَ مِنْ كُلِّ الْأَوَامِرِ أَعْظَمُ ... وَهْوَ نَوْعَانِ أَيَا مَنْ يَفْهَمُ
إِثْبَاتُ ذَاتِ الرَّبِّ جَلَّ وَعَلَا ... أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى صِفَاتِهِ الْعُلَى
•
أسئلة:
١- ما هي أقسام التوحيد؟
٢- بين مرتبة التوحيد في دعوة الرسل وفي القرآن الكريم؟
٣- بين منهج القرآن في إثبات ذاته تعالى، واذكر بعض الشواهد الدالة على
الله ﷿؟
٤- بين بالأمثلة أن الاستدلال على وجوده تعالى وربوبيته بمخلوقاته وعظيم
ملكه وصنعه هو منهج الأنبياء والأئمة والعقلاء؟
_________
(١) وذلك قبل بعثته ﷺ.
(٢) نسبه في الكتاب لأبي نواس.
(٣) قاله ابن المعتز، ويروى عن أبي العتاهية رحمهما الله. كما ذكر المؤلف ﵀.
1 / 27
ثانيًا: أسماء الله الحسنى وصفاته العلى:
١-تعريف أسماء الله الحسنى:
هي الأسماء التي أثبتها الله تَعَالَى لِنَفْسِهِ وَأَثْبَتَهَا لَهُ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ مُحَمَّدٌ ﷺ وَآمَنَ بِهَا جَمِيعُ المؤمنين.
٢-عددها:
لا يعلمه إلاّ الله، ودليل ذلك حديث ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قال: (ما أصاب أحدًا هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، ماضٍ فيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوِ اسْتَأْثَرَتْ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجَلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلَّا أذهب الله حزنه وهمه وأبدله مكانه فرجًا) (١) .
٣-فضل من تعلم تسعة وتسعين منها:
من أسماء الله الحسنى تسعة وتسعون اسمًا من أحصاها دخل الجنة، ففي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَهُوَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ) .
وقد وردت أحاديث ضعيفة في تحديدها (٢)، وقد حررها الحافظ ابن حجر تسعة وتسعين اسمًا من الكتاب العزيز هكذا:
_________
(١) وانظر الحديث في صحيح الكلم الطيب - مع اختلاف يسير في الألفاظ - رقم ١٠٥، الطبعة الأولى، المكتب الإسلامي.
(٢) انظر ضعيف الجامع الصغير ١٩٤٣، ١٩٤٤ / الطبعة الثانية. المكتب الإسلامي.
1 / 28
اللَّهُ، الرَّبُّ، الْإِلَهُ، الْوَاحِدُ، الرَّحْمَنُ، الرَّحِيمُ، الْمَلِكُ، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار المتكبر، الْخَالِقُ، الْبَارِئُ، الْمُصَوِّرُ، الْأَوَّلُ، الْآخِرُ، الظَّاهِرُ، الْبَاطِنُ، الْحَيُّ، الْقَيُّومُ، الْعَلِيُّ، الْعَظِيمُ، التَّوَّابُ، الْحَلِيمُ، الْوَاسِعُ، الْحَكِيمُ، الشَّاكِرُ، الْعَلِيمُ، الْغَنِيُّ، الْكَرِيمُ، الْعَفُوُّ، الْقَدِيرُ، اللَّطِيفُ، الْخَبِيرُ، السَّمِيعُ، الْبَصِيرُ، الْمَوْلَى، النَّصِيرُ، الْقَرِيبُ، الْمُجِيبُ، الرَّقِيبُ، الْحَسِيبُ، الْقَوِيُّ، الشَّهِيدُ، الْحَمِيدُ، الْمَجِيدُ، الْحَفِيظُ، الْحَقُّ، الْمُبِينُ، الْغَفَّارُ، الْقَهَّارُ، الْخَلَّاقُ، الْفَتَّاحُ، الْوَدُودُ، الْغَفُورُ، الرَّءُوفُ، الشَّكُورُ، الْكَبِيرُ، الْمُتَعَالِ، المُقيت، الْمُسْتَعَانُ، الْوَهَّابُ، الْحَفِيُّ، الْوَارِثُ، الْوَلِيُّ، الْقَائِمُ، الْقَادِرُ، الْغَالِبُ، الْقَاهِرُ، الْبَرُّ، الْحَافِظُ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الْمَلِيكُ، الْمُقْتَدِرُ، الْوَكِيلُ، الْهَادِي، الْكَفِيلُ، الْكَافِي، الْأَكْرَمُ، الْأَعْلَى، الرزاق، ذو القوة، المتين، غافر الذنب، قابل التوب، شديد العقاب، ذي الطول، رفيع الدرجات، سريع الحساب، فاطر السموات والأرض، بديع السموات والأرض، نور السموات والأرض، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام (١) .
وقد عدّها غير ابن حجر كسفيان بن عيينة وابن حزم القرطبي وغيرهم. وأسماء الله الحسنى غير منحصرة في التسعة والتسعين كما سبق.
٤-معنى الإيمان بما وصف الله تعالى بِهِ نَفْسَهُ وَوَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ ﷺ من الأسماء
_________
(١) ولا شك أن هذا اجتهاد من ابن حجر ﵀ ولا يمكننا القطع بأن هذه هي التسعة والتسعون اسمًا المقصودة إذ أنه يمكن لآخر أن يضع فيها مثلًا (ذوالرحمة) ويحذف منها (ذوالقوة) أو غير ذلك، إذ ما الملزم لاعتبار (ذو القوة) من التسعة والتسعين وعدم اعتبار (ذوالرحمة) منها، وكلاهما في القرآن الكريم؟! .. قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات: ٥٨]، وقال: ﴿وربك الغفور ذو الرحمة﴾ [الكهف: ٥٨] .
1 / 29
الحسنى والصفات العلى وإمرارها كما جاءت (١) .
*تنبيهان:
أ-أسماء الله تعالى توقيفية، أي أنه ليس كل فعل يتعلق بالله يشتق له منه اسم إلا ما أثبته الله تعالى لِنَفْسِهِ وَأَثْبَتَهُ لَهُ رَسُولُهُ ﷺ.
مثال: قوله تعالى: ﴿ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم..﴾ (٢) فإنه لا يجوز اشتقاق اسم الذاهب على أنه اسم له تعالى ما دام أن الله لم يذكر ذلك اسمًا له في كتابه، ولم يذكره رسوله ﷺ.
ب-ورد في القرآن أفعال أطلقها الله على نفسه على سبيل الجزاء والعدل والمقابلة، وهي فيما سيقت له مدح وكمال، ولكن لا تطلق عليه ﷿ مجردة بدون ذكر ما تتعلق به..
مثال قوله تعالى: ﴿ويمكرون ويمكر الله..﴾ (٣)، وقوله تَعَالَى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ..﴾ (٤)، وقوله تعالى: ﴿الله يستهزئ بهم..﴾ (٥) فلا يقال أنه سبحانه يمكر ويستهزئ ويخادع، ومن باب أولى لا يقال أن من أسمائه الماكر والمخادع و.. تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، لكن يصح أن يقال أنه تعالى يمكر بالكافرين، ويستهزئ بالمنافقين ... وهكذا في
_________
(١) وليس معنى إمرارها كما جاءت، تركها بدون معرفة معناها، فهذا مذهب المفوضة، وفيه اتهام للرسول ﷺ وأصحابه أنهم كانوا يقرءون كلامًا لا يفهمونه كما لو كان أعجميًا، ولكن المراد إمرارها كما جاءت بلا كيف مع إثبات الصفة، فقوله تعالى - على سبيل المثال - ﴿وهو السميع البصير﴾ [الشورى:١١] معناه مفهوم، وهو إثبات السمع والبصر لله تعالى ولكن دون تكييف.
(٢) البقرة: ٢٠.
(٣) الأنفال: ٣٠.
(٤) النساء: ١٤٢.
(٥) البقرة: ١٥.
1 / 30
كل ما ذكره الله تعالى عن نفسه من اسم أو فعل متعلقًا أو مقيدًا بشيء، أو مقترنًا بمقابله بحيث يوهم ذكره بدونه نقصًا لم يجز إطلاقه عليه تعالى مجردًا دون ذكر متعلقه، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿إنا من المجرمين منتقمون﴾ (١)، وقوله تعالى: ﴿والله عزيز ذو انتقام﴾ (٢) ولم يرد إطلاق المنتقم.
ومن ذلك المعطي المانع، والضار النافع، فلا يطلق على الله المانع الضار على الانفراد، بل لابد من ازدواجها بمقابلاتها، فإنها لم تطلق على الله في الوحي منفردة.
٥-دلالة الأسماء الحسنى في حق الله تعالى:
١-تدل على الذات مطابقة.
٢-تدل على الصفات المشتقة تضمنًا، وهذه أربعة أقسام:
*الأول: الاسم العلم (الله) المتضمن لجميع معاني الأسماء.
*الثاني: ما يتضمن صفة ذات كاسمه (السميع) .
*الثالث: ما يتضمن صفة فعل كاسمه (الخالق) .
*الرابع: ما يتضمن تنزهه تعالى وتقدسه عن النقائص والعيوب، مثل: (القدوس) و(السلام) .
٣-تدل على الصفات غير المشتقة التزامًا.
مثال: دلالة اسْمِهِ تَعَالَى (الرَّحْمَنِ) عَلَى ذَاتِهِ ﷿ مطابقة، وعلى الرحمة تضمنًا، وعلى صفة الحياة وغيرها التزامًا.
أما أسماء غيره تعالى فلا تدل على الذات، فقد يسمى الرجل حكيمًا وهو جاهل، وعزيزًا وهو حقير، وشجاعًا وهو جبان، وأسدًا وحمارًا وكلبًا وحنظلة
_________
(١) السجدة: ٢٢.
(٢) آل عمران: ٤، المائدة:٩٥.
1 / 31