مختصر الإنصاف والشرح الكبير تأليف: أبي عبد الله الشيخ محمد بن عبد الوهاب المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن دعا بدعوته واهتدى بهداه. أما بعد، فإن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، ﵀ وأكرم مثواه، (١١١٥-١٢٠٦هـ)، قد جدد ما اندرس من عقيدة التوحيد في البلاد النجدية، كما هو معلوم مشهود من حال الناس قبل قيامه لله داعيًا إلى الدين الخالص، وما آلت إليه حالهم بدعوته المباركة، حيث صفت عقائدهم من شوائب الشرك، وتحقق ما أراد الله على يديه من خير لهذه البلاد. فبجهاده ومؤازرة الإمام (محمد بن سعود) له، انقشعت غيوم الشرك المتراكمة على سماء العقيدة، وأشرقت شمس الحق بنور التوحيد، فمزقت سحب الجهل، وبددت فلول الباطل؛ فلا مكان لطاغوت مضل، أو قبر يُعبد، أو وثن له يسجد. ولا قرار لمشعوذ يستخف عقول الناس، ويروج أباطيل الخرافة. ولقد امتدت آثار هذه الدعوة الميمونة إلى الأقطار، فمدت ظلالها على ربوع تلك الديار التي كانت هي الأخرى تعاني من فساد المعتقد، وتتخبط في ليل غابت نجومهن واعتكر ظلامهن لا يهتدي السائر فيه سبيلًا، ولا يجد الحائر إلى غايته دليلًا. ولئن كان الشيخ، يرحمه الله، معنيًا بالدرجة الأولى بتصحيح تصور الناس نحو العقيدة، وتثبيت قواعدها، وتجريدها من الشوائب التي أُدخلت عليها، حتى ظن أنها من الدين، لئن كان يولي هذا الأمر جل اهتمامه، فإن له، أيضًا، المؤلفات والفتاوى والردود في المسائل الفروعية،

1 / 3

وإليه يرجع فيها، وعلى ما قرره يعوّل. وكان من أبعد الناس عن التعصب والتقليد الأعمى، يدعو إلى التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، يتوخى الدليل، ويرى الاقتداء بالأئمة فيما لم يقم الدليل على خلافه من اجتهاداتهم. والناظر في مؤلفاته يرى أنها على قسمين: منها ما ألّفه ابتداء، ومنها ما اختصره من أصوله المطولة لتيسير الانتفاع به. وقد اتجهت الرغبة منه، ﵀، إلى اختصار كتابين من أشهر وأوسع ما صنف في الفقه الحنبلي، لما رأى في زمنه من الحاجة لذلك. هذان الكتابان هما: "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" على مذهب الإمام أحمد ابن حنبل. ومؤلفه العلامة الفقيه علاء الدين علي بن سليمان المرداوي الحنبلي (٨١٧-٨٨٥هـ) . والثاني: "الشرح الكبير" ومؤلفه شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر بن قدامة المقدسي (٥٩٧-٦٨٢ هـ) . وكلا الكتابين شرح لكتاب "المقنع" لموفق الدين عبد الله بن قدامة المقدسي (٥٤١-٦٢٠ هـ) . وتم ما أراده، ﵀، بمختصر لطيف، بدأ كل باب منه بما اختاره الشرح، وختمه بما استدركه من الإنصاف. وبحق، لقد أحسنت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حين تفضلت بطباعة ما تيسر من مؤلفات هذا الإمام، انطلاقًا من سياستها القائمة على الدعوة إلى الإسلام، والعناية بكل ما يهم المسلمين، ويربطهم بدينهم عقيدة وسلوكًا ومنهج حياة. فجزى الله القائمين عليها خيرًا، ووفقهم لما فيه صلاح المسلمين. ثم إنه عهد إلينا من قِبل "أمانة أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب" بتصحيح كتاب "مختصر الإنصاف والشرح الكبير"، فلم نجد بدًا من الإسهام

1 / 4

بهذا العمل بقدر المستطاع. وهذا الكتاب قد طبع طبعته الأولى بالمطبعة السلفية بمصر عن نسخة خطية، ذكر ناشره محب الدين الخطيب في مقدمته أنه أرسلها إليه الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ محمد بن عبد اللطيف، وأنها معاصرة للطبقة الأولى من أبناء الشيخ، ﵀، كتبها سعد بن محمد الأخ الرشيد مرشد بن أحمد بن هوين، وفرغ من كتابتها يوم الثلاثاء لثلاث وعشرين خلون من جمادى الآخرة، أحد شهور سنة (١٢٢٤هـ) . وفي آخرها أيضًا، ذكر اسم كاتبها وتاريخ الكتابة، إلا أنه قال: "بقلم ... عبده سعد بن محمد، كتبه للأخ الرشيد ... بن هوير" فليحرر. كما وجد لهذا الكتاب أصل مخطوط بالمكتبة السعودية بالرياض برقم (٤٦٥/٨٦) يقع في (٣١٢) ١ صفحة من الحجم المتوسط، على صفحة الغلاف اسم الكتاب ومؤلفه. وفي أعلى الصفحة الأولى: "سم الله الرحمن الرحيم، هذا منقول من الشرح الكبير والإنصاف أول كل باب من الشرح وآخر كل باب من الإنصاف". وفي آخره النص التالي: "آخره والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، بلغ مقابلة في ملكه عبد الرحمن بن أحمد بن قاسم، غفر الله له ولوالديه". لذا كان عملنا في جملته لا يعدو مقابلة إحدى النسختين على الأخرى، واستدراك ما أهمل في الطبعة السلفية مما تقتضيه أصول الطباعة الحديثة، وتلافي أخطاء الطباعة فيها، مع ترقيم الآيات، وتصويب الأخطاء الإملائية مما لم تخل منه النسختان. وقد تبين لنا نقص في مواضع متعددة من المطبوعة أثبتناه بين قوسين ونبهنا _________ ١ بين لنا أثناء المقابلة سقط بين صحيفتي ٣١١، ٣١٢ بما يعادل ورقتين تقريبًا تلافيناه من المطبوعة ومخطوطة أخرى مخرومة توجد في المكتبة السعودية برقم (٨٩/٨٦) .

1 / 5

عليه في الحاشية، إما بقولنا: "ساقط من النسخة السلفية أو زيادة من المخطوطة". وعند الاشتباه أو التردد في لفظ أو جملة، نرجع إلى الأصل فنثبت عبارته، ما لم يكن أدخل عليها شيء من التصرف، فعندئذٍ نترك عبارة المختصر على ما هي عليه، وننقل عبارة الأصل في الهامش، وننبه إلى أننا حينما نطلق كلمة "الأصل" نعنى بها "الشرح الكبير" أو "الإنصاف"، كما نعني بالمطبوعة: نسخة المطبعة السلفية، وبالمخطوطة أو المختصر: نسخة المكتبة السعودية المنوه عنها، والتي اعتمدت أصلًا في طباعة هذا الكتاب. نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يجزي مؤلفي الأصلين والمختصر خيرًا، وأن ينفع بعلومهم، كما نسأله أن يجعل العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يغفر لنا الزلات، ويتجاوز عن السيئات. وهو حسبنا ونعم الوكيل، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم إلى يوم الدين. عبد العزيز بن زيد الرومي صالح بن محمد الحسن الرياض في ٢٢/ ١/ ١٣٩٨ هـ

1 / 6

كتاب الطهارة باب المياه ... باب المياه ١ وهي ثلاثة: طهور، وهو الباقي على خلقته. وجملته أن كل صفة خلق عليها الماء وبقي عليها فهو طهور، لقوله ﷺ: "اللهم طهّرني بالثلج والبرد والماء البارد"، ٢ وفي البحر: "هو الطهور ماؤه، الحلُّ ميتته" ٣. وهذا قول أهل العلم إلا ما روي عن ابن عمرو في ماء البحر: "التيمم أعجب إليَّ منه"، والأول أولى، لقوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾، ٤ وهذا واجد للماء. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه: أن الوضوء بالماء الآجن جائز، سوى ابن سيرين، فإنه كره ذلك. والماء المتغير بورق الشجر، وما ينبت في الماء، أو تحمله الريح أو السيول، أو ما تغير في آنية الأدم والنحاس ونحوه، يعفى عن ذلك كله، لأنه يشق التحرز منه، أو ما يخالطه كالعود والدهن والعنبر إذا لم يستهلك فيه ولم يتحلل، لأنه تغير عن مجاورة، أو ما أصله الماء كالملح البحري، فإن كان معدنيًا فهو كالزعفران، وكذلك الماء المتغير بالتراب، لأنه يوافق الماء في صفته أشبه الملح، أو ما تروح بريح ميتة إلى جانبه، لا نعلم في ذلك خلافًا، أو سخن بالشمس. وقال الشافعي: تكره الطهارة بماء قصد تشميسه، لحديث: "لا تفعلي فإنه يورث البرص"، رواه الدارقطني وقال: يرويه خالد بن إسماعيل، وهو متروك، وعمرو الأعسم، وهو منكر الحديث، ولأنه لو كره لأجل الضرر لما اختلف _________ ١ أول كل باب ملخص من الشرح الكبير، وآخره من الإنصاف. ٢ مسلم: الصلاة (٤٧٦)، والترمذي: الدعوات (٣٥٤٧)، والنسائي: الغسل والتيمم (٤٠٢، ٤٠٣)، وأحمد (٤/٣٥٤) . ٣ الترمذي: الطهارة (٦٩)، والنسائي: المياه (٣٣٢) والصيد والذبائح (٤٣٥٠)، وأبو داود: الطهارة (٨٣)، وابن ماجة: الطهارة وسننها (٣٨٦) والصيد (٣٢٤٦)، وأحمد (٢/٢٣٧، ٢/٣٦١، ٢/٣٧٨)، ومالك: الطهارة (٤٣)، والدارمي: الطهارة (٧٢٩) . ٤سورة المائدة آية: ٦.

1 / 7