Mukhtasar 'Al-Mughalatat Al-Mantiqiyyah' (Abridged Logical Fallacies)
مختصر «المغالطات المنطقية»
प्रकाशक
دار الحضارة للنشر والتوزيع
संस्करण संख्या
الثانية
प्रकाशन वर्ष
١٤٤٣ هـ - ٢٠٢٢ م
प्रकाशक स्थान
الرياض
शैलियों
مختصر
المغالطات المنطقية
لعادل مصطفى
اختصره
د. مرضي بن مشوح العنزي
الأستاذ المشارك في الفقه المقارن بجامعة الحدود الشمالية
دار الحضارة للنشر والتوزيع - الرياض- السعودية
الطبعة الثانية، ١٤٤٣ هـ - ٢٠٢٢ م
1 / 1
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فالذي يتابع بعض المناظرات ويقرأ في بعض الكتب، ويستمع لبعض المحاضرات والندوات يجد مغالطات منطقية كثيرة، ولا شك أن لهذه المغالطات تأثيرًا على الكاتب والمتحدث والقارئ والمستمع، ومن ثمّ لها تأثير على المجتمع وعلى الأجيال القادمة في الفهم، وفي توصيل العلم لغيرهم، وقد كتب علماء الإسلام قديمًا عن الجدل وأدواته وآدابه كتبًا مستقلة، أو فصولًا في كتب أصول الفقه، إلا أن تخصيص الكتابة في الجانب السلبي منها وهي المغالطات المنطقية حديث، والكتب فيها قليلة خصوصًا في المكتبات الإسلامية، ومن أميز الكتب في ذلك كتاب: "المغالطات المنطقية" لعادل
1 / 5
مصطفى، وقد يسر الله لي قراءته فأعجبني فأحببت أن أجعل فيه مختصرًا أعيد قراءته مرة بعد أخرى، فكتبت هذا المختصر، وقد حذفت بعض التوسع في الشرح أو الاستطراد في بعض المواضع أو بعض الأمثلة واكتفيت من القلادة بما أحاط بالعنق، ولم أتصرف بالعبارة إلا في مواطن قليلة، ثم تكلمت عن هذا المختصر مع بعض الدكاترة فطلبوه مني، وأشار علي بعضهم بنشره لما له من فائدة، خصوصًا للشباب المسلم المعاصر؛ فأرسلت رسالة لمؤلفه عبر البريد الإلكتروني أستأذنه بطبعه؛ نصها: "أخي القدير/ عادل مصطفى -وفقه الله لكل خير ورضي عنه- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: أفيد سعادتكم أن الله يسر لي قراءة كتابكم الرائع المغالطات المنطقية، فأعجبني كثيرًا، ومن جماله أعددت لنفسي مختصرًا به، كي أقوم بالرجوع له من فترة لأخرى، وقد طلب مني بعض الدكاترة نشر هذا المختصر على شكل كتاب مطبوع، فأحببت أخذ الإذن منكم، مع الإشارة إلى أن هذا الكتاب لك وأن عملي هو الاختصار فقط، وقد كتبت ذلك في الغلاف، وفي المقدمة بعد الدعاء لك بالتوفيق والبركة وقد أرفقت لك نسخة من هذا المختصر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. "،
1 / 6
فأجاب سريعًا بالتالي: "انشرْ كتابَك على بركة الله. وتَصَرَّف فيه كما تشاء. ولك مني كل التقدير والشكر، وأخلص الدعوات بالتوفيق في كل ما تصبو إليه، عادل مصطفى".
وبعد هذا الإذن المكتسي بجمال الأسلوب أهديك أخي القارئ الكريم هذا المختصر وهو لا يغني عن الرجوع للكتاب والاستزادة منه، وإن كان يكفي في فهم هذه المغالطات المنطقية، وأردد مع الشاعر قوله:
ليست خلاصةُ كلِّ شيءٍ غنيةً عنهُ وإن كانت خلاصةَ ماهرِ
فالشهد وهو خلاصة الأزهار لا يغني العيون عن الربيع الزاهرِ
كتب الله الأجر للمؤلِف وجزاه خيرًا على ما قدم، وكتب الله القبول لهذا المُختصر، ونفع به، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
د. مرضي بن مشوح العنزي
إيميل/ Murdi ١٠٠@hotmail.com
جوال/ ٠٠٩٦٦٥٠٣٣٨٠٣٣٢
1 / 7
"كم يكون رائعًا لو أمكننا أن نقيض لكل خدعة جدلية اسمًا مختصرًا وبين الملاءمة، بحيث يتسنى لنا كلما ارتكب أحدٌ هذه الخدعة المعينة أو تلك أن نوبخه عليها للتو واللحظة"
آرثر شوبنهاور
دفعني إلى كتابة هذه الفصول ما أشاهده كل يوم في الفضائيات التليفزيونية ووسائل الإعلام الأخرى من أغلاط أساسية في منطق الحوار والجدل، تجعل المناقشات غير مجدية من الأصل، وتجعلها عقيمة أو مجهضة منذ البداية؛ فلم أجد بدًا من العودة بالقارئ إلى أصول الحوار المثمر وقواعد الجدل الصحيح، التي أصبحت الآن مبحثًا قائمًا بذاته هو: " المنطق غير الصوري"، أو المنطق العملي.
1 / 9
ما المنطق غير الصوري؟
المنطق غير الصوري هو استخدام المنطق في تعرف الحجج، وتحليلها وتقييمها، كما ترد في سياقات الحديث العادي ومداولات الحياة اليومية.
أهمية الإلمام بالمنطق غير الصوري
يقول أفلاطون في محاورة جورجياس: "في جدال حول الغذاء يدور أمام جمهور من الأطفال، فإن الحلواني كفيل بأن يهزم الطبيب. وفي جدال أمام جمهور من الكبار، فإن سياسيًا تسلح بالقدرة الخطابية وحيل الإقناع كفيل بأن يهزم أي مهندس أو عسكري حتى لو كان موضوع الجدال هو من تخصص هذين الآخرين، وليكن تشييد الحصون أو الثغور! إن دغدغة عواطف الجمهور ورغباته لأشد إقناعًا من أي احتكام إلى العقل".
ليس بالحق وحده تكسب جدلًا أو تقهر خصمًا أو تقنع الناس، من هنا يتبين لنا أهمية دراسة الحجة، ونحن في مجال المنطق غير الصوري إنما ينصب جهدنا على هذه الطبقة الكثيفة التي تغلف اللب الصوري للحجة نتلمَّسها ونتناولها بالتحليل والتفتيت وننفذ منها إلى ذلك اللب الصوري المفترض. في مجال المغالطات على سبيل المثال: طالب
1 / 10
جامعي يبكي عند الأستاذ ليحصل على درجة A، فيقول: إنه لمن دواعي البؤس والجزع ألا أحصل على درجة A (مقدمة)، إن عليك ألا ترمي بي في حضيض البؤس والجزع (مقدمة)، عليك إذًا أن تمنحني درجة A (نتيجة).
لا يخفى على القارئ أن المقدمة الثانية فيها نظر، فالأستاذ بعد كل شيء يعمل بمرفق التعليم العالي، وليس بمرفق الشؤون الاجتماعية، إن عليه أن يعين الطالب ويدعمه بأن يقرب إليه مادته العلمية ويذلل قطفها، وليس بأي طريق آخر، والحجة ثم تندرج في مغالطة "الاحتكام إلى الشفقة".
أهمية دراسة المغالطات المنطقية
التعريف التقليدي للمغالطات هو: "تلك الأنماط من الحجج الباطلة التي تتخذ مظهر الحجج الصحيحة"، ولعل الأصوب أن نقول إنها أنماط شائعة من الحجج الباطلة التي يمكن كشفها في عملية تقويم الاستدلال غير الصوري.
يقول مالبراش: "لا يكفي أن يقال إن العقل قاصر، بل لابد من إشعاره بما هو عليه من قصور، ولا يكفي أن يقال إنه عرضة للخطأ، بل يجب أن نكشف عن حقيقة هذا الخطأ".
1 / 11
فلا يكفي من أجل تمييز الحق أن نكتفي بتبيين شروطه فقط، بل لا بد من أن نبين أين يكون الغلط حتى يظهر الحق أجلى وأوضح، فالنور يكون أجلى بجوار الظلمة منه لو أخذ وسط فيض آخر من النور، ويؤثر عن الإمام الشافعي: "مثل من يطلب العلم جزافًا كمثل حاطب ليل يقطع حزمة حطب فيحملها، ولعل فيها أفعى تلدغه وهو لا يدري".
يقول شوبنهاور: يتوجب على من يدخل في مناظرة أن يعرف ما هي حيل الخداع، ذلك أن من المحتم عليه أن يصادفها ويتعامل معها". عليك إذًا أن تلم إلمامًا جيدًا بالمغالطات المنطقية كي تتجنب الطرق المسدودة في الحوار، وتظهر خصمك على الخطأ الاستدلالي الذي ارتكبه، دون أن تعلوك سيماء التعالم والتكلف والحذلقة.
1 / 12
التفكير النقدي مرحلة متقدمة من النمو المعرفي
يقسم جان بياجيه مراحل النمو المعرفي للإنسان إلى أربع مراحل:
الأولى: هي المرحلة الحسية الحركية (من الولادة إلى سنتين)؛ حيث لا توجد بناءات ذهنية.
الثانية: هي مرحلة ما قبل العمليات (من سنتين إلى سبع سنين) وفيها يكتسب الطفل اللغة، ويكون بناءات ذهنية أكثر تعقيدًا- وإن تكن قبل منطقية-، ولا يزال فيها غير قادر على الانفصال من ذاته ورؤية الأشياء من منظور مختلف.
الثالثة: هي مرحلة تفكير العمليات العيانية (من سبع سنوات وحتى المراهقة) وفيها يتخذ منظورات مغايرة، ويبدأ في التساؤل عن الحياة، ويحل المشكلات ولكن بشكل عشوائي، إنها عمليات منطقية، ولكنها لا تزال لصيقة بالعالم المادي العياني.
1 / 13
الرابعة: هي مرحلة العمليات الصورية، وفيها تواتيه القدرة على التفكير المنطقي المعقد، والتفكير التجريدي غير المرتبط بالأشياء المادية، والتفكير الافتراضي، والحل المنطقي للمشكلات.
ويقترح بعض المنظرين إضافة مرحلة خامسة أرقى من هذه المراحل الأربع؛ وهي مرحلة التفكير الجدلي، -وهي مرحلة بعد منطقية-، وفيها يكتسب المرء التفكير النقدي، ويدرك مفارقات الحياة، ويتناول الأسس التحتية التي يقوم عليها المنطق ويحللها ويضعها موضع التساؤل والنقد، وهي مرحلة غير عمومية وغير بيولوجية ولا يبلغها المرء إلا بالتعلم والتدريب والممارسة.
يتألف التفكير النقدي من ثلاث مراحل:
١ - الوعي بوجود افتراضات أساسية.
٢ - التصريح بهذه الافتراضات وإخراجها إلى واضحة النهار.
٣ - تسليط أضواء النقد على هذه الافتراضات، هل هي ذات معنى؟ هل تنسجم مع
الواقع كما نفهمه ونعيشه؟ متى تصح هذه الافتراضات ومتى تبطل؟
1 / 14
• في غياب التفكير النقدي نكون رهائن للمؤثرات المحيطة، فلا يسعنا إلا أن نكرر تكرارًا أعمى تلك الاستجابات التي تعلمناها من قبل، ولا يسعنا إلا أن نقبل قبولًا أعمى كل رأي يصدر عن "سلطة" سياسية أو تجارية أو غيرها.
• إن التفكير النقدي والعلمي ليس شيئًا فطريًا نأتيه بالطبيعة ونعرفه بالسليقة، إنما هو عمل حرفي يتطلب حذقًا ومهارة.
• ونحن إذ نمارس التفكير النقدي والعلمي فإنما نمضي ضد مقاومة شديدة ونسبح ضد تيار عارم من التحيزات المتأصلة والأوهام الجبلية، ونتجشم اجتياز العديد من العوائق الطبيعية التي تحول بيننا وبين التفكير الواضح؛ فنحن بطبيعتنا لا نتحمل الغموض ولا نطيق معايشة السر، وإن بنا نزوعًا طبيعيًا إلى طلب اليقين حيث لا يقين، والتماس الإجابات البسيطة عن الأسئلة المعقدة، وشغفًا بالدعاوى العريضة و"نظريات كل شيء" محمولة على ظهر بينة ضامرة هزيلة، وميلًا إلى الأخذ بالفرضيات التي ترضي رغائبنا وتدغدغ أمانينا، والالتفات إلى أضغاث من الأمثلة التي تؤيد فرضيتنا وغض الطرف عن تلال من الأمثلة المفندة، وإلى تذكر الرميات الصائبة وتناسي الرميات
1 / 15
الخائبة، وإلى أخذ الاستعارات التوضيحية والتشبيهات المقربة مأخذ الدليل، وإلى الانضواء مع القطيع والتلفع بالرايات والانضمام إلى "الزفة"، وإلى قتل الرسل بدلًا من تفنيد الرسالة، وإلى التخلص من عبء البرهان وإلقائه على عاتق الخصم، وإلى الاستدلالات الدائرية وتحصيلات الحاصل، وإلى التعويل الزائد على السلطة والانبهار الزائد بالمشاهير، وإلى التعميم الكاسح المتسرع، … إلى آخر تلك الأغاليط التي نغرق فيها إلى الأذقان، والتي يتناولها هذا الكتاب بالتحليل والدرس.
• يمضي التفكير النقدي ضد هذه المقاومات الشرسة، فيحتاج إلى طاقة نفسية كبيرة، غير مقصورة على الذكاء الذهني المحض … يحتاج إلى شيء من الذكاء الانفعالي: إلى التسامح، والتعاطف، والمواجدة: أي القدرة على أن يضع المرء نفسه موضع الآخر، ويرى الأمور من وجهة نظر الآخر، ويتخذ الإطار المرجعي للآخر، القدرة على اكتشاف "ماذا يشبه أن يكون" أن يعتقد المرء تلك الأفكار التي يضعها موضع التساؤل قبل أن يقوم بتقويضها … إنها رحلة طويلة شاقة، ليس لها خرائط محددة، غير أننا لا نعدم بعض المبادئ المرشدة:
1 / 16
- فكر بنفسك لنفسك، ولا تكل إلى غيرك أن يفهم نيابة عنك؛ لأن التقدم في التفكير النقدي لا يتم إلا كرحلة فردية وكدح شخصي.
- اكتسب القدرة على الانفصال عن رأيك، وموضعته، ووضعه على محك التحليل والنقد، مثلما نفعل مع آراء الغير.
- لا تصدق كل ما تسمع، ونصف ما ترى! ولا تبخل بجهد من أجل الخروج من "مركزية العرق" من كهف الآراء الشائعة في عرف جماعتنا الإثنية، والتمييز بين حقائق العالم وبين مجرد المسايرة لما تصادف أن يكون رأي الأسلاف أو اتفق أن يكون هو الرأي السائد في مسقط رأسنا وزمان وجودنا.
- كن على استعداد من حيث المبدأ للتخلي عن رأيك إذا ما تبين خطؤه. أسأل سؤالا حقيقيا، سؤال من يبحث عن الحق لا مجرد تبرير لما يعتقده سلفًا.
- تعلم كيف تسل الافتراضات التي تتبطن الرأي، وتضعها تحت أضواء النقد. ليكن ولعك بالأسس، وانتحاؤك إلى الأسس.
1 / 17
- لا تسقط رغباتك على الأشياء ولا تجعل من أمنياتك معيارًا للحق، فأكبر الظن أن العالم لم يخلق من أجلها ولم يفصل على مقاسها.
- خذ البلاغة ولا تؤخذ بها، وفرق دائما بين الخطابة والبرهان، ولا يخبلك زخرف القول عن جوهر الحجة، ولا تقف عند التشبيه البليغ وتظنه المحطة النهائية وتأخذه مأخذ الدليل.
- لا تجعل من درجة حرارة الاعتقاد معيارًا لصوابه؛ فكثيرًا ما تتناسب قوة هذا الانفعال عكسيًا مع قوة البينة، بحيث يمكننا تعريف" التحيز اللامعقول" بأنه ما يجلب الغضب عند مساءلته، ويمكننا أن نحدد مكمن تحيزاتنا بأن نلاحظ متى أخرجتنا الآراء الأخرى عن طورنا وأثارت غضبنا.
- مهما بلغ نضجك في التفكير النقدي ستظل بحاجة أبدًا إلى تحصيل العلم واكتساب المادة المعرفية التي تعمل فيها فكرك النقدي.
- تعوّد لذة التساؤل؛ الأجوبة تنقلك وتطفئك وتجمدك، وحدها الأسئلة ما يشوقك ويهزك ويحدوك.
1 / 18
الفصل الأول
المصادرة على المطلوب
المصادرة على المطلوب: وضع القضية التي تريد البرهنة عليها في إحدى مقدمات الاستدلال بشكل صريح أو ضمني، وأنت بذلك تجعل النتيجة مقدمة، وتجعل المشكلة حلًا، وتجعل الدعوى دليلًا، وهو ضرب من الحجة الدائرية، كقولك الإنسان بشر، وكل بشر ضحاك، ينتج أن الإنسان ضحاك، فالكبرى ههنا والمطلوب شيء واحد.
من أبسط صور المصادرة على المطلوب وأكثرها شيوعًا أن تجعل المقدمة صيغة أخرى من النتيجة المراد البرهنة عليها، مثل:
-تستلزم العدالة أجورًا مرتفعة؛ وذلك لأن من الحق والصواب أن يكون الناس أقدر على الكسب الوفير. (وهي لا تعدو أن تقول إن العدالة تتطلب زيادة الأجور؛ لأن العدالة تتطلب زيادة الأجور).
1 / 19
- يجب إلغاء المواد غير المفيدة كاللغة الإنجليزية من مقررات الكلية؛ وذلك لأن إنفاق اعتمادات لمادة غير مفيدة للطالب هو شيء لا يقره أحد. (لاحظ: أن الحجة هنا لم تثبت لنا أن الإنجليزية مادة غير مفيدة، وهو لب المسألة، وكل ما فعلته هو أن "صادرت على المطلوب"، وكررت النتيجة في المقدمات، دون التفات إلى المقدمة المحذوفة).
*قد يبدو للقارئ المبتدئ أن المصادرة على المطلوب هي مغالطة واضحة للعيان سهلة الانكشاف وليست بحاجة إلى دراسة وتحليل يختلق صعوبة حيث لا صعوبة، غير أن الأمر ليس دائمًا ببساطة الأمثلة السابقة.
* من العسير حقًا أن تصوغ حججًا منتجة لميول إيديولوجية أو التزامات انفعالية.
* ليس من المستغرب أن تكون أحفل الحجج بالمصادرة على المطلوب هي الحجج الإيديولوجية والأخلاقية، ذلك أن هذه الحجج تكون موجهة غالبًا إلى الشكاك، وأنها تتناول مجالات تفتقر بطبعها إلى قضايا وقائعية يلمسها الجميع.
* كثيرًا ما تكون الألفاظ المستخدمة في هذه الحجج هي ألفاظ مشحونة تختزن داخلها افتراضات خفية ونظريات بتمامها
1 / 20
(مثل: رجعي، انتحاري، استشهادي، ضحية، اضطهاد، إرهاب) وكأنها مصادرات جاهزة للاستعمال الفوري.
مثال: التجارة الحرة سوف تكون خيرًا لهذا البلد، والسبب في ذلك واضح للغاية؛ أليس من الواضح أن العلاقات التجارية غير المقيدة سوف تغدق على هذا البلد كل ألوان المنافع التي تنجم عندما لا تكون ثمة عوائق تعترض تدفق البضائع فيما بين بلدان العالم؟
لا يعدو الأمر هنا أيضًا أن يكون إعادة صياغة أو تكرارا للعبارة نفسها بألفاظ أخرى (لاحظ أن العلاقات التجارية غير المقيدة هو تعبير مطول بعض الشيء عن التجارة الحرة، وأن بقية العبارة هو تعبير مطول أكثر عن قولك: خير لهذا البلد)
*هناك أحوال أخرى فيها لا يفترض مباشرة صحة المطلوب معبرًا عنه في المقدمات بطريقة أخرى، وأما الذي يفترض هو شيء تتوقف صحته على صحة النتيجة، أي لا يمكن البرهنة عليه إلا بالنتيجة فيكون هنا حينئذ دور ويسمى بالاستدلال الدائري، وتقول القاعدة: "الأصل في البرهان أن يكون أوضح وأوثق معرفة مما يراد البرهنة عليه"، فالحجة الدائرية ليست مغالطة بالضرورة، وإنما يتوقف الأمر على
1 / 21
السياق الحواري للحجة وعلى الالتزامات الاعتقادية لدى المتحاورين، فإذا لم يتغير شيء في درجة الثقة التي يكنها الخصم في النتيجة المعنية (المسألة المطلوب اثباتها) يكون هذا الاستدلال مغالطة منطقية، فلو قلت لرجل غير مؤمن بالقرآن:
- سيظل القرآن محفوظًا إلى يوم القيامة من كل تصحيف وتحريف، والدليل قول الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحِجر: ٩]، لانطوت هذه الحجة على مصادرة على المطلوب؛ لأن المتلقي ليس لديه التزام عقائدي بالقرآن ومن ثم فالدليل لا يضمن عنده أن يبقى القرآن محفوظًا بما فيه الآية المستدل بها.
وهذه الحجة بحذافيرها لو وردت على رجل مؤمن بالقرآن لقامت الحجة بوظيفتها البرهانية وكانت حجة صائبة مئة بالمئة وبريئة من أي مصادرة على المطلوب.
هكذا تتجلى أهمية أن يتقن الداعية منطق الجدل وألا يغفل لحظة هوية المخاطب والتزاماته الاعتقادية المبدئية، وأن يتجنب تأييد المذهب "من داخله" (المصادرة على المطلوب)، ويلتزم دائما بالحجج التي تؤيد المذهب "من خارجه".
1 / 22
*من شأن الحجة السديدة لإثبات دعوى معينة أن تقدم دليلًا مستقلًا لتبرير الاعتقاد بهذه الدعوى، وأن تتجنب الاعتماد على الدعوى، أو شطر الدعوى لإثبات ذاتها، وما يكون لعاقل أن يفترض كدليل أو بينة ذات الشيء الذي يحاول أن يثبته، غير أننا كثيرًا ما يجرفنا الانفعال الإيديولوجي والالتزام بصدق مذهبنا السياسي أو الأخلاقي ويعصب أعيننا عن رؤية أننا في حقيقة الأمر نفترض مقدمًا صدق ما نريد أن نبرهن عنه، ولذلك تجد المصادرة على المطلوب مرتعا خصيبًا لها في مثل هذه المجالات.
1 / 23
الفصل الثاني
مغالطة المنشأ
وإن تكن تغلب الغلباء عنصرها … فإن في الخمر معنى ليس في العنب
مغالطة المنشأ هي قبول الفكرة أو رفضها بحسب أصلها ومنشأها، فبالإنسان ولع متأصل بمعرفة مصدر الحجة، وقلما يولي الناس ثقتهم بآراء جاءت من مصدر يمقتونه، بغض النظر عن المزايا الفعلية لهذه الآراء.
*تولد الفكرة، وتنهض على أرجلها، تتوكأ على ذاتها، وتغادر بيتها، ولا تعود تسقط بسقوطه، أو تنجرح بانجراحه. فقوة الفكرة لا تكمن في الأصل التي ينميها بل في المنطق الذي يزكيها، وصواب الفكرة لا يحدده مصدرها الذي منه أتت بل الدليل الذي إليه تستند.
مثل:
-إن مستشار ألمانيا الحالي كان طفلًا في الثالثة عندما كان
1 / 24