لم يحدث تغير في مستوى الأخلاق أكثر مما حدث في مستوى الطول أو حجم الجسم. ولا يوجد اليوم رجال أعظم ممن وجدوا في أي عهد سبق. ويمكن أن تلاحظ المساواة التامة بين عظماء العصور الأولى وعظماء العصور المتأخرة. ولا تستطيع جميع العلوم والفنون والديانات وفلسفة القرن التاسع عشر أن تجدي في تربية رجال أعظم من أبطال فلوطارخس الذين عاشوا منذ ثلاثة أو أربعة وعشرين قرنا. ولم يتقدم الجنس البشري مع تقدم الزمان . وفوكيون وسقراط وأنكساجوراس وديجونيس رجال عظماء، ولكنهم لم يخلفوا طبقة معينة. من يكن حقا من طبقتهم لا يتسمى باسمهم، وإنما يكون رجلا معينا، ومؤسسا بدوره لطائفة من الطوائف. إن فنون كل عصر ومخترعاته هي رداء العصر فقط، لا تمد الناس بالقوة. والضرر من تحسين الآلة قد يعادل الفائدة منها. إن هدسن وبهرنج قد أنجزا عملا ضخما في زوارق الصيد أذهلا به باري وفرانكلن اللذين استنفد إعدادهما موارد العلم والفن. كما أن غاليليو بمنظاره المسرحي قد كشف عن مجموعة من الظواهر السماوية أفخر مما كشف أي إنسان حتى اليوم. وكشف كولمبس العالم الجديد في سفينة مسطحة. وإنك لتعجب لو عرفت أن الوسائل والآلات التي تقابل عند اختراعها بالتهليل والتمجيد يبطل استعمالها وتموت بعد فترة لا تتجاوز بضع سنوات أو بضعة قرون. وإنما العبقرية العظمى مردها إلى الإنسان الذي لا مناص منه. كنا نعد تقدم فنون الحرب من انتصارات العلم، ومع ذلك فإن نابليون قد هزم أوروبا بإقامة جيشه في العراء من غير خيام، وهي طريقة تتوقف على الشجاعة المجردة التي تخلو من كل معين. يقول لاس كاساس إن الإمبراطور كان يعتقد أنه من المستحيل أن يكون جيشا كاملا «دون إلغاء أسلحتنا ومستودعات الذخيرة ورؤساء المؤن والعربات، فيتسلم الجندي نصيبه من القمح - جريا على عادة الرومان - ويطحنه بطاحونته اليدوية، ويخبز خبزه بنفسه.»
المجتمع موجة، والموجة تسير إلى الأمام، ولكن الماء الذي تتكون منه لا يتحرك. وذرة الماء عينها لا ترتفع من الأخدود إلى القمة، إنما وحدتها ظاهرية فقط. والأشخاص الذين تتألف منهم اليوم أمة من الأمم، يموتون في عام مقبل، وتموت معهم تجاربهم.
ومن ثم فإن الاعتماد على الملك، الذي يتضمن الاعتماد على الحكومات التي تحميه، نقص في الاعتماد على النفس. إن الناس قد صرفوا أبصارهم عن أنفسهم لينظروا إلى الأشياء، ولبثوا على ذلك طويلا حتى باتوا ينظرون إلى النظم الدينية والعلمية والمدنية كأنها حماة الملكية، وهم يستعيذون من التهجم على هذه النظم؛ لأنهم يحسون أنه تهجم على الملكية. وهم يقيسون تقدير أحدهم للآخر بما لدى الفرد لا بما هو عليه. ولكن الرجل المثقف يخجل من ملكه؛ لأنه يحترم طبيعته احتراما لا يحسه سواه ، وهو يمقت ما يملك بوجه خاص، إذا رأى أنه عرضي، أتاه عن طريق الميراث، أو الهبة، أو الجريمة. إنه حينئذ لا يشعر شعور الملكية، ويحس أن ما لديه لا يخصه، ولا تمتد جذوره في نفسه، وهو ملك لا يثبت في مكانه إلا لأن الثورة أو الغاصب لا تنزعه منه، ولكن ما يكون عليه الإنسان هو دائما بالضرورة مما يكتسبه، وما يكتسبه المرء هو الملكية الحية التي لا تنتظر إشارة الحكام، أو الرعاع، أو الثورات، أو النيران، أو الزوابع، أو الإفلاس، ولكنها تجدد نفسها دائما حيثما تنفس الإنسان. قال الخليفة علي ما معناه: «إن نصيبك أو حصتك من الحياة يبحث عنك، ولذا فأرح نفسك من البحث عنه.» إن اعتمادنا على هذه السلع الأجنبية يؤدي بنا إلى احترامنا لكثرة العدد احتراما مذلا. إن الأحزاب السياسية تلتقي في مؤتمرات عديدة. وكلما تضخم الحشد، وعند كل ضجة جديدة تعلن «وفد أسكس» أو «الديمقراطيين من نيو هامبشير»، أو «الأحرار من مين» يشعر الشاب المحب لوطنه أنه أقوى من ذي قبل بألف عين وألف ذراع جديدة. وكذلك المصلحون يجمعون المؤتمرات، ويبدون رأيهم ويبرمون أمرهم وسط الجماهير. ولكن الله أيها الرفقاء لا يسلك هذا السبيل كي يدخل في نفوسكم ويسكن فيها، ولكنه يفعل ذلك بطريقة تناقض هذه الطريقة تماما. إنني أعتقد أن المرء لا يقوى ولا يسود إلا إذا تخلى عن كل معونة أجنبية، ووقف وحيدا. إن كل جندي ينضم إلى لوائه يضعفه. أليس الإنسان أفضل من المدينة؟
لا تسأل الناس شيئا، وفي التقلبات التي تفوق الحصر قف وحدك كالطود الشامخ واظهر في الحال عمادا لكل ما يحيط بك. من يعرف أن القوة فطرية، وأنه ضعيف لأنه بحث عن الخير خارجا عنه وفي مكان آخر، يدرك ذلك فيعمد بغير تردد إلى أفكاره. مثل هذا الرجل يستقيم في الحال عوده، وتعتدل قامته، ويسيطر على أعضائه، ويأتي بالمعجزات، كالرجل الذي يقف على قدميه يكون أقوى من الرجل الذي يقف على رأسه.
على هذه الصورة ينبغي أن تستغل كل ما يسمونه «نصيب الإنسان». إن أكثر الناس يقامرون بهذا النصيب فيكسبون كل شيء، أو يخسرون كل شيء، حسبما تدور عجلته. ولكن عليك أن تتخلى عن هذه المكاسب وأن تعدها غير شرعية، وأن توجه اهتمامك نحو العلل والنتائج ففيها سر القوة الإلهية، واعمل واكتسب بإرادتك، فإنك بذلك تضع عجلة «الحظ» في الأغلال، وتكون حينئذ في مأمن من دوراتها. إن نصرا سياسيا، أو ارتفاعا في الأجور، أو شفاء مريض لك، أو عودة صديق غائب عنك، أو أي حدث غير ذلك مما تحب، ينهض بروحك فتحسب أن الأيام الطيبة تتأهب لك. لا تعتقد ذلك، فلا يجلب لك السعادة غير نفسك، ولا يجلب لقلبك الطمأنينة غير انتصار المبادئ.
التعويض
إن أجنحة الزمان سود وبيض،
منهما يتكون الليل والنهار.
والجبل الشاهق والمحيط العميق،
يحتفظان دائما باتزان دقيق.
अज्ञात पृष्ठ