मुख्तारत क़िसासिय्या ली युकियो मिशिमा
البحر والغروب وقصص أخرى: مختارات قصصية ليوكيو ميشيما
शैलियों
كانت حواجباه أبيضين، وجسده الذي بلغ به الكبر مداه، لا يستطيع أن يحمله إلا بالاعتماد على عصاه.
كانت هذه الدنيا لا تمثل في نظر هذا العالم الزاهد إلا مجرد كومة من القمامة. إن شتلة الصنوبر الصغيرة التي كان قد زرعها بيديه قبل الانتقال للعيش في صومعته الحالية، قد نمت لتصبح شجرة عالية، حتى إن أطرافها الضخمة في السماء تناوش الرياح. ويعتقد أن من نجح في ترك هذه الدنيا لهذا الوقت الطويل ربما يكون قد تولد لديه إحساس بالأمان المطلق منها.
كان الراهب العظيم عندما يرى الأغنياء والنبلاء، يبتسم في شفقة ويتساءل: كيف لهؤلاء الناس ألا يدركوا أن ملذاتهم هي أحلام فارغة؟ وإذا قابل امرأة جميلة كان رد فعله، فقط، الشفقة على من هم في عالم الحيرة المتقلب مكبلين بالهوى.
منذ تلك اللحظة التي أصبح فيها لا يحمل أي مشاعر توحد، ولو قليلة، مع الدوافع التي تحرك هذه الدنيا، أصبحت الدنيا بالنسبة له في حالة توقف تام. في نظر الراهب العظيم لا يظهر العالم إلا مجرد صورة متوقفة على قطعة من الورق، مجرد ورقة تظهر خريطة لدولة ما غريبة. حالة الزهد الكاملة تلك والبعد عن الشهوات تجعلك تنسى حتى حالة الخوف، ولا تفهم لماذا ينبغي لجهنم أن توجد، كانت هذه الدنيا ضعيفة ضعفا واضحا أمامه؛ ولكن لأنه لم يكن أبدا ذلك الشخص المغرور، فلم يكن يخطر له على بال أن ذلك بسبب أخلاقه الرفيعة.
كان الراهب قد فقد جسده على الأغلب، كان يشعر بسعادة عندما يتأمل جسده أثناء الاستحمام مثلا، وقد أصبح عبارة عن عظام بارزة يغطيها جلد بالغ الذبول. إذا وصل الجسد إلى هذه الحالة؛ فيمكن وقتئذ التصالح معه كما لو كان جسد شخص آخر. ويعتقد أن طعام وشراب الأرض الطاهرة أصبح بالفعل أكثر ملائمة لذلك الجسد.
إذا تكلمنا عن أحلامه في كل ليلة، فهو لم يعد يرى في أحلامه إلا الأرض الطاهرة، وعندما يستيقظ ويعلم أنه لا يزال مقيدا ومكبلا في أحلامه البائسة الفانية، وأنه ما زال يعيش في هذه الدنيا، فإنه يأسى ويحزن.
بحلول الربيع، وموسم مشاهدة أزهار الكرز، يأتي عدد كبير من الناس من العاصمة لزيارة قرية شيغا، إلا أن ذلك لم يزعج الراهب مطلقا؛ لأنه أصبح في حالة روحية لا يمكن أن تضطرب أو تهتز بسبب هؤلاء الزوار. خرج الراهب من كوخه متكئا على عصاه، وذهب إلى ضفاف البحيرة. في تلك اللحظة من الوقت بدأت أشعة شمس الغروب تتسلل أخيرا بعد عصر اليوم، وكانت موجات البحيرة هادئة تماما. وقف الراهب بمفرده على حافة البحيرة، وبدأ أداء طقس تأمل المياه.
في تلك اللحظة جاءت عربة بجوار شاطئ البحيرة تنتمي بوضوح لشخص نبيل من ذوي المنزلة العالية، وتوقفت على مقربة من مكان الراهب الواقف. صاحبة العربة كانت محظية جلالة الإمبراطور. كانت المحظية قد أتت لمشاهدة مناظر بلدة شيغا في فصل الربيع، والآن قد أوقفت العربة في طريق عودتها، ورفعت ستائر النافذة من أجل إلقاء نظرة وداع أخيرة على البحيرة.
دون قصد نظر الراهب في اتجاهها، وعلى الفور جذبه ذلك الجمال. تلاقت عيناه بعينيها لفترة، ولم يحاول الراهب إبعاد نظره عنها؛ ولذا أصرت المحظية على ألا تبعد نظرها بعيدا عنه. لم تكن بتلك الروح المتسامحة؛ لكي ترضى بتلك النظرات الوقحة؛ ولكن لأن الطرف الآخر كان راهبا عجوزا قد بلغ منتهى الزهد والتعفف؛ فلقد ظلت لفترة تتشكك في معنى ذلك التحديق.
وفجأة أرخت المحظية ستائر النافذة، وبدأت العربة في التحرك، وأخذت تبتعد في اتجاه الطريق التي تمر عبر سفوح الجبال في شيغا واصلة إلى العاصمة. على الأغلب ستدخل العربة العاصمة في الليل بعد المرور بطريق «المعبد الفضي». ظل الراهب العظيم واقفا مكانه ينظر إلى العربة حتى اختفت ظلالها خلف الأشجار البعيدة.
अज्ञात पृष्ठ