मुख़्तारात मिन क़िसस क़सीरा
مختارات من القصص القصيرة
शैलियों
وكانت أليس بلاتشلي، عندما لم يكن حبيبها بجانبها، لا تنفك ترهق ذهنها ممعنة التفكير في المسألة منطقيا. ألم يكن من الحماقة أن تتسرع بالزواج من ناث العزيز؟ في سن الأربعين كانت سوف تتمنى لو كانت قد تزوجت شخصا آخر. لكن معظم النساء في سن الأربعين يتمنين لو كن قد تزوجن من شخص آخر، وقد توصلت إلى هذا الاستنتاج من المحادثات التي كانت تسمعها فيما حولها. إذا أنصتت كل فتاة في العشرين من عمرها إلى ما سوف تقوله عندما تبلغ الأربعين، فلن تتزوج أي فتاة. ففي سن الأربعين، ستكون امرأة مختلفة كليا. وتلك المرأة الأخرى الكبيرة في السن لم تثر اهتمامها. ولم يبد لها من الصواب أن يطلب من فتاة شابة أن تفسد حياتها لا لسبب إلا لإرضاء نفسها عندما تكون في منتصف العمر. وعلاوة على ذلك، من كانت ستتزوج غيره؟ كاملفورد ما كان ليقبل بها أبدا؛ فهو لم يرغب فيها حينها؛ وما كان ليرغب فيها في سن الأربعين. لأسباب عملية، كان كاملفورد خيارا مستحيلا. قد تتزوج شخصا آخر كليا، وتعاني من مصير أسوأ. وقد تصير عانسا؛ كانت تكره الكلمة نفسها. إن حالفها الحظ، قد تصبح صحفية ذات أصابع ملطخة بالحبر؛ وهي لم يكن يعجبها ذاك المصير. أيكون زواجها من ناث العزيز فعلا أنانيا؟ أينبغي أن ترفض الزواج منه حفاظا على مصلحته؟ إن نيلي، تلك القطة الصغيرة، التي سوف تناسبه في سن الأربعين، ما كانت لترضى به الآن. وإذا كان سيتزوج امرأة أخرى غير نيلي، فليتزوجها هي إذن. لا يمكن أن يصبح قسا عزبا؛ فكلمة عزب نفسها تكاد تبدو وصفا غير ملائم لقس. هذا فضلا عن أن ناث الحبيب ليس من النوع الذي يظل عزبا. إذا أبعدته عنها لكانت ستدفع به إلى أحضان فتاة لعوب ماكرة. ماذا بوسعها أن تفعل؟
في سن الأربعين، وتحت تأثير ثناء النقاد على شعره، كان سيقنع كاملفورد نفسه بأنه نبي مرسل، وأن حياته كلها ينبغي أن تكرس لإنقاذ البشرية. بيد أنه، في سن العشرين، كان يشعر بالرغبة في عيش حياته. وكانت جيسيكا، تلك الفتاة غريبة المظهر ذات العينين الخلابتين بما تخفيانه من أسرار، تهمه أكثر من باقي أفراد الجنس البشري مجتمعين. إن معرفة المستقبل، في حالته، لم تفض إلى شيء سوى تأجيج شهوته. فالبشرة الباهتة سوف يكسوها اللونان الأبيض والوردي، والذراعان والساقان النحيفتان سوف تضحيان ممتلئتين ومتناسقتين، والعينان اللتان يلمح فيهما الآن نظرة ازدراء سوف تشعان يوما ما ببريق الحب عند رؤيته. لقد كان يأمل في حدوث ذاك التحول؛ والآن أضحى متيقنا من حدوثه. في سن الأربعين، يكون الفنان أقوى من الإنسان؛ لكن في سن العشرين يكون الإنسان أقوى من الفنان. «فتاة غريبة المظهر»، هكذا كان أغلب الناس سيصفون جيسيكا ديروود. وقليلون من كانوا سيتخيلون أنها ستصير السيدة كاملفورد اللطيفة الهادئة البال عند بلوغها منتصف العمر. فشهواتها الجسدية التي تأججت في سن العشرين استنفدت طاقاتها في سن الثلاثين. في سن الثامنة عشرة، كانت جيسيكا غارقة بجنون في حب ديك إيفريت ذي اللحية الحمراء والصوت العميق، حتى إنها كانت لتلقي بنفسها مسرورة تحت قدميه إذا أشار إليها بطرف إصبعه، وذلك كله على الرغم من المعرفة التي تحذرها مسبقا من الحياة البائسة التي كانت تنتظرها حتما معه، على الأقل حتى ينضج جمالها على المهل بما يجعله رهن إشارتها؛ وحينئذ ستكون قد أضحت تزدريه. لكن نفسها حدثتها بأن الحظ الحسن حليفها؛ إذ لا داعي لأن تخشى تغيرا في موقف ديك، على الرغم من معرفة كل منهما بالمستقبل. فجمال نيلي فانشو كأنما قد أسره بسلاسل من حديد، ونيلي ما كانت لتدع هذ الصيد الثمين يفلت من يديها. وصحيح أن الرجل الذي يهواها يثير ضيقها أكثر من أي رجل آخر، لكنه على الأقل سيؤمن لها ملاذا يقيها العوز. إذ كانت جيسيكا فتاة يتيمة، رباها قريب بعيد لها. ولم تكن من الأطفال الذين يجتذبون محبة الآخرين. بل كانت ذات طابع صامت جدي، ترى كل فعل فظ طائش إهانة لها أو خطيئة في حقها. وبدا لها أن قبول كاملفورد الشاب هو المهرب الوحيد من حياة أصبحت تراها ابتلاء. وفي سن الواحدة والأربعين كان سيتمنى كاملفورد لو ظل عزبا؛ لكنها كانت ستكون وقتها في الثامنة والثلاثين ولن يضايقها ذلك. بل ستكون هي نفسها على يقين أن وضعه الآن أفضل كثيرا. ففي غضون تلك السنوات، كان سيكون قد تولد بداخلها إعجاب ناحيته واحترام له. سيكون مشهورا، وسوف تفتخر به. كانت دموعها تنهمر رغما عنها فوق وسادتها شوقا لديك الوسيم، لكن خفف من حزنها فكرة أن نيلي فانشو كانت، بطريقة ما، تحرسها، وتحميها من رغباتها.
أما ديك فكان يحدث نفسه عشر مرات يوميا بأنه كان ينبغي عليه الزواج من جيسيكا. ففي سن الثامنة والثلاثين، كان سيراها نموذجا للكمال. بيد أنه كان يقشعر عند النظر إليها الآن وهي في الثامنة عشرة. في سن الثلاثين، كانت ستفقد نيلي جمالها وسيفقد هو اهتمامه بها. لكن متى نجح التفكير في المستقبل في كبح جماح الهوى؛ هل توقف عاشق أبدا لحظة ليفكر فيما يحمله الغد؟ إذا كان جمال نيلي سريع الزوال، ألا يعد ذلك سببا أدعى لاقتناصه بينما لا يزال متوهجا؟
في سن الأربعين، كانت ستصبح نيلي فانشو قديسة. غير أن هذا المستقبل المحتمل لم يسعدها؛ فهي تكره القديسين والقديسات. وكانت ستحب حينئذ ناثانيال، الرصين الممل؛ ما جدوى تلك المعرفة لها الآن؟ إن ناثانيال لم يكن يرغب فيها؛ فقد كان يحب أليس وكانت هي تبادله الحب. بأي منطق يجلب الثلاثة التعاسة لأنفسهم في شبابهم لربما يشعرون بالرضا في كهولتهم؟ فليعتن الكهول بأنفسهم وليدعوا الشباب لفطرتهم. فليعان القديسون الكهول، فالمعاناة هي اختصاصهم على أي حال، وليتركوا الشباب يشربوا من كأس الحياة. من المؤسف أن ديك كان «الصيد» الوحيد المتاح ، لكنه كان شابا ووسيما. الفتيات الأخريات كن لا يجدن بدا من تحمل رجال عجائز في الستين من العمر، ومصابين بالنقرس.
وفوق ذلك، ثمة نقطة في غاية الخطورة جرى إغفالها. كل الأحداث التي بلغتهم من ذلك المستقبل الضبابي الذي يتذكرونه قد حدثت لهم لأنهم عقدوا الزيجات التي قد عقدوها بالفعل. لكن تلك المعرفة المستقبلية لم تخبرهم بالمصير الذي كانوا سيلقونه إن اختلفت اختياراتهم. في سن الأربعين أصبحت نيلي فانشو شخصية لطيفة وودودة. ألا يحتمل أن الحياة الشاقة التي خاضتها مع زوجها - بما تطلبته من تضحيات مستمرة ورباطة جأش يومية - قد ساعدت على هذا التحول؟ أكان من الممكن أن تتحقق النتيجة نفسها إن كانت، عوضا عن ذلك، زوجة قس فقير يضع القيم الأخلاقية السامية صوب عينيه؟ إن الحمى التي كانت قد سلبتها جمالها وحولت مسار أفكارها نحو العقل والروح أصيبت بها لأنها جلست بصحبة كونت إيطالي في شرفة دار الأوبرا بباريس؛ حيث أقيم حفل راقص بملابس تنكرية. لو كانت زوجة قس تعيش في حي إيست إند بلندن، فمن المرجح أنها كانت ستفلت من الإصابة بتلك الحمى ولن تتعرض لتأثيرها المطهر للروح. وأليس من الخطر ترك امرأة فاتنة الجمال مثلها، تفكيرها منصب على الحياة الدنيا، وتتوق لتذوق ملذاتها، كي تحيا في فقر مع رجل لا تحبه؟ إن تأثير أليس على ناثانيال آرمتيدج، أثناء السنوات الأولى التي شهدت تكون شخصيته، كان تأثيرا حسنا. أكان هو واثقا من أن زواجه من نيلي لن يؤدي إلى تردي حاله؟
إذا تزوجت أليس بلاتشلي من فنان، فكيف كان سيسعها التأكد من أنها في سن الأربعين ستظل متعاطفة مع المثل العليا الفنية؟ فحتى عندما كانت طفلة، ألم تكن رغباتها دائما تسير في الاتجاه المعاكس لرغبات مربيتها؟ ألم تؤد قراءة الصحف المحافظة إلى دفعها بخطى ثابتة نحو الراديكالية، وألن يؤدي الفيض المتواصل من الأحاديث الراديكالية حول طاولة زوجها، الفنان، إلى دفعها دفعا للبحث عن حجج تدعم النظام الإقطاعي؟ ألا يمكن أن يكون تنامي النزعات البيورتانية لدى ناثانيال هي التي دفعتها إلى اشتهاء البوهيمية؟ وبفرض أنها تزوجت فنانا جامحا، ثم ما إن قاربت منتصف العمر حتى قررت فجأة أن «تتدين»، حسب التعبير الشائع، كيف كان سيكون حالها حينئذ؟ كان سيصير وضعها أسوأ من وضعها الأصلي.
كاملفورد رجل ضعيف البنية. وإذا ظل عزبا شارد الذهن، لا يجد من يهتم بتنظيم وجباته والتأكد من تعرض ملابسه وأغراضه لتهوية جيدة، فهل كان سيعيش ليبلغ الأربعين؟ كيف كان سيسعه التأكد من أن الحياة الأسرية لن تضيف إلى فنه أكثر مما أخذت منه؟
أما جيسيكا ديروود، ذات الطابع العاطفي والانفعالي، فإذا ارتبطت بزوج سيئ، فربما كانت ستصلح في سن الأربعين نموذجا لتمثال يجسد إيرينيس، إحدى إلهات الانتقام. فجمالها لم يكن ليتبدى لو لم تكن حياتها هادئة ومريحة. إن جمالها من النوع الذي يتطلب سكونا وطمأنينة كي ينضج على مهل.
كان ديك إيفريت رجلا يعرف نفسه جيدا. ومن ثم كان يعرف أنه إذا تزوج جيسيكا، فمن المستحيل أن يظل طوال عشر سنوات زوجا مخلصا لزوجة بلا جمال. هذا فضلا عن أن جيسيكا لم تكن من النساء التي يمكنها الصبر كثيرا على زوجها. فإذا تزوجها في سن العشرين من أجل جمالها عندما تبلغ الثلاثين، فمن المرجح أن تطلب منه الطلاق مع بلوغها سن التاسعة والعشرين.
كان إيفريت رجلا عملي التفكير. لذا أخذ على عاتقه مهمة حسم هذه المسألة. وهكذا اعترف المسئول عن توزيع المشروبات في الحفل الراقص أن مخزون الكئوس لديه قد يتسرب إليه أحيانا كأس أو اثنتان مصنوعتان من الزجاج الألماني. وقد اعترف أحد الندل بالحفل أنه كسر أكثر من كأس نبيذ في تلك الأمسية بعينها؛ وذلك بعدما تلقى وعدا بأن أحدا لن يطالبه بدفع ثمنها؛ وأضاف كذلك أنه من غير المستبعد أن يكون قد حاول إخفاء بقايا تلك الكئوس أسفل نخلة قريبة منه. من الواضح إذن أن المسألة برمتها كانت حلما. كان ذلك هو القرار الذي خلصت إليه المجموعة الشابة وقتها، وبناء عليه عقدت ثلاث زيجات في غضون تسعة أشهر.
अज्ञात पृष्ठ